جاهلية

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه الموضوعة جزء من سلسلة:

الجاهلية مصطلح ظهر مع ظهور الإسلام، يشار فيه إلى الفترة التي سبقت الإسلام وتربطها بالجهل. وقد حدد المؤرخون العصر الجاهلي بقرنٍِا ونصف القرن قبل الإسلام.

خلفية

يطلق اصطلاح العهد الجاهلي على حال العرب قبل الإسلام تمييزاً وتفريقاً مع العهد بعد البعثة النبوية وظهور الإسلام. فقد كانوا في الجاهلية يعبدون الأصنام، ويقدمون لها القرابين، فاتى الإسلام وحررهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، حيث لم يكن هناك دين يوحد العرب في الجاهلية فكان منهم من يدين بالمسيحية وهم قلة ومنهم من يدين باليهودية وغيرها من الأديان والملل المتفرقة هنا وهناك، وكان يسود النظام القبلي فقد كانت القبائل تقاتل بعضها بعضا من أجل العيش في حالة فوضوية يرثى لها، حتى اتى الرسول محمد برسالة الإسلام وانتشل العرب من هذه الحالة. يرجع معنى الجاهلية إلى الأصل اللغوي «جهل» الذي يعني الخفة وخلاف الطمأنينة من جهة، وما هونقيض الفهم من جهة أخرى. ويعبّر العرب عن المفهوم الأول بألفاظ متنوّعة متعدّدة تظل في إطار حقل دلالي متجانس، كالطيش والنزق والسَّفَه والحُمق والتهور والحَميّة، كما في قول عمروبن كلثوم:

ألا لا يَجْهَلَنْ أحدٌ علينا

فنجهلَ فوقَ جهلِ الجاهلينا

يريد: نجازي من يجهل علينا بما هوأعظم، فسمّى المجازاة على الجهل جهلاً.

وقول الفرزدق:

أحلامُنا تَزِن الجبالَ رزانةً

وتَخالُنا جنّاً إذا ما نجهل

وباستقراء النصوص ومراميها يتبيّن للمدقق حتى مفهوم الجاهلية والجهل قد تطور وفق التدرج الزمني، إذ كان يتّجه إلى الغموض في الأصل الحسي كما يُفهم من قول صاحب لسان العرب: «وأرض مجهولة: لا أعلام بها ولا جبال، وإذا كان بها معارف أعلام فليست بمجهولة وأرض مَجْهَل: لا يُهتدَى فيها. ويلحظ مثل هذه الصورة في بيت سويد بن أبي كاهل اليشكري يصف صحراء لا يعهد أغلاقها:

فركبناها على مجهولها

بِصلابِ الأرض فيهنَّ شَجَعْ

أي سرنا فيها على جهل بمسالكها وأعلامها، فوق خيل صلاب الحوافر كأنّ بها جنوناً من النشاط». وعلى هذا النحوقد يكون المفهوم المبكر للجهل، الذي منه اشتقت الجاهلية، ويخالط هذا المفهومَ قَدْرٌ من التسرع والتهوّر والهياج ونحوذلك مما يقترن غالباً بالشباب أويصدر عنهم ويفتقر إلى الخبرة والحكمة والتروّي، كقول النابغة الذبياني:

فإن يكُ عامرٌ قد نطق جهلاً

فإن مَظِنَّةَ الجهل الشبابُ

إلى غير ذلك ربط العرب بين الجهل والحلم في شواهد كثيرة، كما في بيت الفرزدق السابق، وكقول زهير بن أبي سلمى:

وفيهم مقاماتٌ حِسانٌ وجوههم

وأنديةٌ ينتابها القول والعملُ

إذا جئتَهم ألفيت حول بيوتهم

مجالسَ قد يشفى بأحلامها الجهل

أما الوجه الآخر للجهل والجاهلية فطرفاه الجهل والفهم بمفهومهما العام، ولعلّ خير ما يصوّر هذا الوجه الآية الكريمة قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِيْنَ يَعْلَمُوْنَ والَّذِيْنَ لاَ يَعْلَمُون{ (الزمر 9) بما تمثّله من الضِّدية التي يناقض فيها الجهل الفهم. ومما يعبّر عن ذلك شعراً قول السموأل بن عادياء، أوعبد الملك الحارثي:

سلي إذا جهلتِ الناسَ عنّا وعنهم

فليس سواءً عالمٌ وجهولُ

فهنا يظهر مدلول الجهل متجاوزاً الاهتداء بالنظر، أوالضلالَ بسببه إلى الاهتداء بالنظر والعقل، والاحتكام إلى الفكر، أويُخْتَبَر الجهل والجاهلية بهما. ويعزِّز هذا الفهم الآية الكريمة يَحْسَبُهُم الجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ{ (البقرة 273) أي الجاهل الذي لا يعهد حالهم، لا المتَّصف بالجهل المذموم، إذ ليس المراد هنا الجاهل الذي هوضد العاقل، وإنما المراد الجهل الذي هوضد الخبرة.

وأخيراً طبع مفهوم الجاهلية بطابع إسلامي فصارت تُعْرَف بالقياس إلى الفترة الإسلامية زمناً ومصطلحاً، وإلى المبادئ الإسلامية تديّناً وتحضراً وتشريعاً. وهذا المدلول هوالذي صار أكثر شيوعاً وإليه يتّجه الذهن عند التعميم والإطلاق. ومن الإشارات المبكِّرة إلى ذلك ما رواه أبوهلال العسكري (ت395هـ) في كتاب «الأوائل» عن أول ذكر للجاهلية نطق: «إن امرأة اتىت إلى سول الله r فنطقت: يا رسول الله إذا إبلاً لي أصيبت في الجاهلية». فإذا صح ذلك ترجَّحَ حتى الحدثة لم تكن معروفة في العصر الجاهلي، وأنها وردت أول مرة في القرآن الكريم بصيغة المصدر الصناعي كما في قوله تعالى: وَقَرْنَ في بُيُوْتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُوْلَى{ (الأحزاب 33) وآيات أُخر. وممّا يزيد هذا التصور وضوحاً قول النبيr لأبي ذَرّ الغِفاري[ر] وقد عيَّر رجلاً بأمّه: «إنّك امرؤ فيك جاهليّة»، وفُسِّر مدلول الجاهلية بأنه «الحال التي كانت عليها العرب قبل الإسلام من الجهل بالله سبحانه ورسوله، وشرائع الدين والمفاخرة بالإنسان والكِبْر والتجبّر وغير ذلك». وبهذا الإطلاق استوت مصطلحاً يفرّقون به بين العهد الإسلامي والعهد الذي سبقه. ولقد بدا المعيار الإسلامي لتقويم الجاهلية معتمداً على رفض ما للجاهلين من مظاهر وتصرّف بالأمور على نحولا يرضى عنه الإسلام، ولا يُقرّ الناس عليه، إلى جانب الجهل المنافي للفهم والخبرة، والجهل بالدين الحقيقي والإله الواحد، ومن هنا اتى التعبير الإسلامي «الجاهلية الجهلاء» على سبيل الذم، ويلحظ مثل هذا الذم في تلخيص الراغب الأصفهاني[ر] لمدلول الجهل مستنبطاً من الشواهد القرآنية ومحدَّداً في ثلاثة أضرب: «الأول وهوخلوّ النفس من الفهم، وهذا هوالأصل، والثاني اعتقاد الشيء بخلاف ما عليه، والثالث عمل الشر بخلاف ما حقه حتى يعمل، سواء أعتقدَ فيه اعتقاداً سليماً أوفاسداً».

وذكرت الجاهلية في القرآن الكريم في أربع سور، في (آل عمران 154، المائدة 50، الأحزاب 33، الفتح 26) في معرض استنكار ما كان عليه العرب من العنجهيّة والغطرسة والعصبية القبلية، وما كانوا عليه في العادات والعبادات من الثأر والوثنية والسَّفه وانتشار العداوات وسفك الدماء. كما ذكرت «الجهالة» بما يتفق وهذا التصور الذي كان مبايناً لما اتى به الإسلام من الخضوع لله تعالى واتّباع تعاليم الشريعة في العبادات والمعاملات سلوكاً ومنهجاً.

وأما زمن الجاهلية فيمتد إلى ما قبل فجر الإسلام بنحوقرن ونصف أوقرنين على أبعد تقدير، وإن عمم بعض الباحثين فأغفلوا أمر التحديد الزمني كقولهم: هي المراحل التي سبقت الأديان السماوية الثلاثة المعروفة: اليهودية والنصرانية والإسلام. ورأى المفسرون أنها تمتد من الجاهلية الجهلاء أوالجاهلية الأولى التي ولد فيها إبراهيم إلى الجاهلية الثانية التي فيها محمّدr، ونطق بعضهم إنها تقع بين عيسى ومحمّد عليهما الصلاة والسلام. ونطق ابن خالويه[ر] (ت370هـ): «الجاهلية لفظ وقع في الإسلام للزمن الذي قبل البعثة». وما عهده المهتمون بالأدب الجاهلي كان نصوصاً إبداعية في النثر والشعر صيغت بلغة نضجت قواعدها واكتملت خصائصها كما يرى مؤرخوالأدب العربي، من غير تحديد دقيق للبدايات، يقول الجاحظ في ذلك: «فإذا استظهرنا الشعر وجدنا له، إلى حتى اتى الله بالإسلام، خمسين ومئة عام، فإذا استظهرنا بغاية الاستظهار فمئتي عام». وما تجاوز ذلك يكتنفه الغموض، ويفتقر إلى الأخبار الموثّقة التي يمكن حتى يقبل بها العقل، أوتصلح مادة للبحث الفهمي.


السياسة في الجاهلية

وكانت حياة العرب في الجاهلية موزعة على رقعة واسعة من الأرض يسودها المناخ الصحراوي والجفاف، وتقلّ الأمطار وخاصة في الداخل. ولذا لم تكن حياة العرب في الجاهلية مستقرّة إلا في اليمن والحجاز واليمامة حيث كانت تعيش قبائل عربية حياة أدنى إلى التحضّر كقريش، والأوس والخزرج في يثرب، وثقيف في الطائف، والغساسنة في بلاد الشام، وآل نصر في الحيرة، وبني حنيفة في حجر واليمامة. أما باقي العرب فكانت الرحلة دأبهم لانتجاع المرعى والكلأ. وقد اتّسعت بهم الرحلة في موجات تتابعت خارجة من قلب الجزيرة العربية وجنوبيّها نحوالعراق والشام والحبشة.

ومع نشاط هذه الحركة البشرية فقد عهد العرب في الجاهلية بعض التكوينات السياسية المتمثلة بالقبائل الكبيرة، أوبالتجمعات القبلية الموحّدة تحت زعامة واحدة كونت في بعض الأحيان والأماكن ممالك وإمارات صغيرة كمملكتي تدمر والأنباط، ومملكة حِمْيَر والتبابعة وسبأ، وإمارة المناذرة اللخميين بالحيرة، والغساسنة أولاد جفنة بالشام، وإمارة كندة بنجد. أما سائر العرب أوالأعراب البداة فكانوا ينتشرون في الصحراء، وفي الشمال من الجزيرة غالباً، وفق نظام قبلي نواته الأسرة، فالقبيلة[ر] مؤلَّفة من مجموعة أسر من أب واحد، وقد تضم القبيلة من لا يشهجرون في وحدة الدم كالموالي والمستلحقين بها من غير الصرحاء. والقبيلة وحدة سياسية قائمة بذاتها، ووحدة اجتماعية لها نظمها وأعرافها وتنطقيدها في شبه دولة مصغّرة، وأحياناً تكوّن وحدة دينية تنفرد بصنمها، وقد تقيم المحالفات وتستظلّ بقبائل أخرى، أوتخضع لسلطان إحدى الإمارات، وغالباً ما تظل متمسكة بالنظام القبلي وتنطقيده في العصبية والولاء والانتماء وهي مستظِلَّة أوخاضعة أومتحالفة، وحتى بعد حتى وحّد الإسلام قبائل العرب ظلّوا محتفظين بكثير من خصائص النظام القبلي. ولعل أبرز سمات المجتمع القبلي في الجاهلية إيكال أمور القبيلة إلى مجلس قبلي يترأسه سيد القبيلة الذي يقضي اختياره بتوافر صفات معينة فيه كشرف النسب وحصافة الرأي والحِلْم والوقار إلى جانب الشجاعة والمروءة والكرم والفصاحة والمقدرة على الحماية والإجارة.

وهذه الصورة العامة للقبيلة العربية تسبغ عليها طابع التماسك الذي اصطُلح عليه باسم العصبية القبلية، أي حتى يدعوالرجل إلى نصرة عَصبته والتألُّبِ معهم على من يناوئهم ظالمين كانوا أومظلومين، كما يعبّر قُريط بن أنيف بقوله:

لا يسألون أخاهم حين يندبهم

في النائبات على ما نطق برهانا

ومثل هذه الاستجابة الانفعالية هي التي أفضت بكثير من القبائل الجاهلية إلى حروب ومواقع عهدت باسم أيام العرب[ر]. ويبدوحتى رابطة القرابة أوالعصبية كانت وسيلة لا بديل عنها لترسيخ التكتل القبلي بصرف النظر عن الحق والباطل والعدل والظلم، وبالهجريز على القيم الأولى في حياة القبيلة، وعلى حاجتها إلى الحصول على مرعى، أوالظفر بعين ماء، أوصون الحمى والكرامة. أما خارج إطار القبيلة فكانت لهم علاقات إنسانية سليمة كالمصاهرة وقِرى الضيف، والإجارة والأحلاف. وكان للإجارة أونظام الجوار أثر حميد في حماية الفرد والقبيلة المستجيرَيْن، أوفي تقاسم المرعى والماء، أوفي استرداد المال، أوفي إجارة امرأة تشقى بزوجها. وكان للمجير والمستجير شروط يُؤْخَذ بها، وإجراءات شائعة، منها إلقاء المجير ثوبه على من يريد إجارته، ومنها الإمساك بطنب خيمة المستجار به، ومنها وصل المستجير رشاءه (حبله) برشاء المجير، ومنها أكل المستجير الطعام أوشربه الماء مع المجير. وبلغ من مراعاتهم لهذه المنقبة حتى أجاروا الطير والحيوان. وكانوا يستجيرون أيضاً بالأماكن المقدسة، وبقبور زعماء القبائل وساداتها، وربما شفعوا استجارتهم هذه بتقديم بعض القرابين لهاتين الجهتين.

أما الأحلاف فهي المعاهدات أوالمعاقدات على التعاضد والتساعد والاتفاق. وسمي مفردها حِلْفاً لأنه لا يُعْقَد إلا بالحلف، وما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات فذلك هوالمنهيُّ عنه بقوله r: «لا حِلْف في الإسلام»، وما كان منه في الجاهلية على نَصْر المظلوم وصلة الأرحام كحلف المُطيِّبين وما جرى مجراه فذلك الذي نطق فيه r: «وأيَّما حِلْف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلاّ شدة»، يريد مِنَ المعاقدة على الخير ونُصرة الحق.

ومن الأحلاف المشهورة في الجاهلية حلف الفُضُول، سُمِّي به تشبيهاً بحلف كان قديماً بمكة أيام جُرْهُم على التناصف والأخذ للضعيف من القوي، والغريب من القاطن، وسمِّي حلف الفضول لأنه قام به رجال من جُرْهُم كلهم يسمّى الفضل، وأطلقت هذه التسمية أيضاً على حلف المطيِّبين، وفيه نطق النبي r: «شهدت في دار عبد الله بن جُدْعان حِلْفاً لودُعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت».

ومن أحلافهم في الجاهلية: حلف البَراجم، وحلف الحُمْس، وحلف الرَّباب، وحلف لَعَقَة الدم. ومن شعائر تلك الأحلاف غمس أيدي المتحالفين في سائل كالدم أوالماء أوالرُّبّ، أوفي مادة أخرى كالملح أوالرماد، وكانت القبائل إذا أرادوا عقد حلف أوقدوا ناراً وتحالفوا عندها، وربما طرحوا في النار الطِّيْبَ أوالملح أوغير ذلك. وثمة حلف استمدّ اسمه من هذه النار وهوحلف «المَحاش»، وربما رددوا عند التحالف عبارات مألوفة كقولهم: الدَّمَ الدم، الهَدَم الهدم، لا يزيده طلوع الشمس إلاّ شداً، وطول الليالي إلاّ مدّاً.

وقد عهد المجتمع الجاهلي ظاهرة الانقسام الطبقي بين السادة والعبيد والسوقة، كما عهد الرقيق والعبودية بمدلولهما العام في الأمم. وكان السادة في قمة الهرم الاجتماعي بالزعامة والرئاسة، أوبالملكية الكبيرة من الأرض والأنعام، أوبالثراء عن طريق المتاجرة، وفي اللقاء كان الفقر والحرمان والفاقة في الطبقة الدنيا من الأرقاء والعبيد والموالي والمظلومين والمحرومين حتى من حماية قبائلهم التي ينتمون إليها أويلجؤون، كما يستنتج من شعر الشاعر المخضرم قريط بن أنيف من بني العنبر حين لام قومه لأنهم لم يهبّوا لمساندته:

لوكنتُ من مازن لم تَستبحْ إِبِلي

بنواللَّقيطةِ مِنْ ذُهْلِ بنِ شيبانا

لكنّ قومي وإن كانوا ذويْ عددٍ

ليسوا من الشرِّ في شيءٍ وإن هانا

الحياة الأجتماعية

ومثل هذا الموقف أوأشد منه إغفالاً للأدنين كان ينسحب على الموالي والأتباع ممن حُرروا من العبودية أوأُعْتقوا. ودون هؤلاء قيمةً كان المنبوذون والخُلعاء الذين تخلّت عنهم قبائلهم، أوحطّ من مكانتهم لونهم. ومن هؤلاء جميعاً عهد المجتمع الجاهلي فئات الصعاليك وأضرابهم ممن كانوا من مفرزات الاستعلاء الطبقي.

وضمن هذا التكوين الاجتماعي للقبيلة كانت المرأة موزّعة في الطبقتين على غرار الرجل، مع بعض اختلاف في الأحوال والمهامّ والحقوق، فهي منعّمة لها مكانتها في طبقة السادة، ومضطهدة مظلومة في الطبقة الدنيا، إذ كان ثمة حرائر وإماء. وبالإجمال كان لها قدر مقبول من الحرية في المسلك والحياة، لكن لم تكن لها قوانين أوحقوق تصونها كالتي رسمها الإسلام مفصّلة فيما بعد. وتُجمع المرويات عنها في الجاهلية على أنها كانت تخالط الرجال سافرة، وتنظم الشعر وتنشده في مجالس عامة، أوتغنّيه. وتجلّى حرصها على قبيلتها في تحريض الرجال على حماية الذمار، وفي الوقوف إلى جانبهم في القتال كما يستخلص من بيت عمروبن كلثوم التغلبي:

يَقُتْنَ جيادَنا ويقُلْن لستم

بعولَتَنا إذا لم تَمنعونا

وكان عليها حتى تسهم في العمل على اختلاف مظاهره، ولأنها لم تكن مهيَّأة للغزووالقتال والصيد كالرجال فقد كانت عبئاً على أهلها، ولهذا عهد الجاهليون ظاهرة وأد البنات، إلى جانب وأد الأطفال المشوَّهين والدميمين. وأسهم العجز عن الإنفاق على الأولاد، والتعلل بتقديمهم قرابين للآلهة في عملية الوأد تلك. نطق تعالى في ذمّ هذه العملة: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدَّاً وَهْوَ كَظِيْم{ (النحل 85).

كما عهدوا في الوقت نفسه قيمة مهرها فنطقوا لمن بُشّر بالأنثى: «هنيئاً لك النافجة»، لأنه عند تزويجها «تَنْفُج» ماله، أي تزيده بمهرها الذي يأخذه، وكان يساق إليها إبلاً أوغنماً أوغيرهما، ومن ذلك اتىت تسمية السِّيَاق. والمهر من حق ولي أمر المرأة، ومقداره يتفاوت وفق أحوال الأفراد والقبائل في اليسر.


العبادات

وكانت العبادات في الجاهلية مزيجاً من الحسية والنفعية والخيال، متأثرة بضروب من التقديس تجلّت في عبادة مظاهر الطبيعة وارتبطت بالأماكن والأسلاف، أوبالأزمات الشديدة؛ فقد عبدوا الأشجار والكواكب والأحجار، وبعض الموجودات التي عهدتها بيئتهم. وتلك المعبودات التي آمنوا بحلول الروح فيها، والتي كانت ترمز إلى آلهة متعددة مختلفة هي ما شاعت تسميتها بالوثنية paqanism، وتمثلت عند عرب الجاهلية بالأوثان والأصنام.

ومن أشهر أصنامهم: مَنَاة، والّلات، والعُزَّى، وهي آلهة مؤنثة كانت في شمالي الجزيرة العربية. وكان لهم في جنوبيّها ما عهد بأصنام قوم نوح، وهي: وَدّ، وسُوَاع، ويَغُوث، ويَعُوق، ونَسْر، والمَقَه أو(سَن)، والزُّهَرة (ابن الشمس والقمر)، وعهد باسم «عثتر». ومن أصنامهم: نُهْم، وسُعير، وإساف ونائلة، والأقيصِر، واليَعْبُوب، وذوالكفّين، وذوالشَّرَى، وذوالخَلَصَة، وبَلْج، والبَجَّة، وذات الودع، ويالِيْل، وذواللِّبا، وذوالرِّجْل . وكانت جميع قبيلة تتخذ لنفسها صنماً تتقرّب إليه بتقديم القرابين وذبح الذبائح، وأشهر صنم كان لقريش وهو«هُبَل»، وكانت قريش تتقرّب إليه بمئة جزور، وتضرب عنده بالقداح على ما يريدون.

وإلى جانب الأصنام والأوثان عهدت تسمية «الأنصاب»، وقد أشار إليها ابن الكلبي صاحب كتاب «الأصنام» فنطق: «فمنهم من اتخذ بيتاً، ومنهم من اتّخذ صنماً، ومن لم يقدر عليه ولا على بناء بيت نَصَب حجراً أمام الحرم وأمام غيره مما استحسن، ثم طاف به كطوافه بالبيت، وسمّوها الأنصاب».

ومن مكمِّلات معتقدات الجاهليين تقديسهم الكَعَبات والمعابد وتعظيمها، وفي طليعتها وأعلاها منزلة عندهم كعبة مكة أبرز البيوت المقدسة بغير منازع بين غالبية الجاهليين، وكعبة سَنْدَاد بين الحيرة والأُبُلَّة، وكعبة نجران باليمن . وكان لهم بيوت مقدسة ذكرها ابن إسحاق في «السيرة النبوية» بقوله: «وكانت العرب قد اتّخذت مع الكعبة طواغيتَ وهي بيوت تعظّمها كتعظيم الكعبة، لها سدنة وحجّاب، وتُهدي لها كما تهدي الكعبة، وتطوف بها كطوافها بها، وتنحر عندها».

ومن تلك البيوت: بَسٌّ، وكان لغَطَفان بالحجاز، ورُضاء أو«رُضى» وكان لربيعة بن كلب في شمالي الجزيرة العربية على الأرجح، ورِئام وكان لحِميَر بصنعاء اليمن. ولكنّ إيمانهم بتلك الأوثان والكعبات والبيوت لم يكن مطلقاً أووقفاً عليها، وذلك لاعتقادهم بقوى غيبية غير مرئية أعظم شأناً مما يعبدون، وأقدر عملاً وتأثيراً في الأمور المصيرية، ولذلك كانوا ينصرفون عن أوثانهم المحلية ويفزعون إلى بيت الله الحرام بمكة على اختلاف أصنامهم وبيوتهم المقدسة يستسقون الغيث أويدفعون النوائب والكوارث الفادحة، أويرجون النصرة على العدو. وإجماعهم على تعظيم الكعبة مترسخ فيهم من اعتقادهم بأنها بيت الله الذي يقر معظمهم بوجوده، وبأنه إله الكائنات كلها ورب الأرباب كلها. إلى غير ذلك تكون العبادات أوالمعتقدات قد تطورت متجهة نحوالإيمان بكبير الآلهة، أوالإله الأكبر، ثم نحوالتوحيد والإيمان بالله كما يتضح من مجموعة النقوش التي عثر عليها في أنحاء مختلفة من الجزيرة العربية والتي تَرِد فيها أسماء مثل: سعد الله، ووهب الله، وزيد الله.

واعتقاد قدماء العرب بإله واحد مذكورٌ في الأخبار وقصص الأنبياء، فهُود عليه السلام نادى إلى عبادة الله ونَبْذِ الأوثان، وكذلك عمل نبي الله صالح، وبمجيء إبراهيم عليه السلام تتعزّز الدعوة إلى نبذ جميع ما يشكك في وحدانية الله، وتترسخ فكرة الإله الواحد.

ومن مظاهر التوحيد عقيدة الحنيفية، والحنيف هوالذي كان يستقبل قبلة البيت الحرام على ملّة إبراهيم، أوالذي كان يتحنّف عن الأديان، أي يميل إلى الحق. ولما اتى الإسلام سمّى الحنفاءُ المسلمَ حنيفاً، وصار الحنيف: السليم الميل إلى الإسلام والثابت عليه، وفي الحديث: «بُعثتُ بالحنيفية السمحة السهلة». وقد ذكرت الحنيفية في عدة سور من القرآن الكريم.

إلى جانب ذلك كانت ديانتان كتابيتان تدعوان أيضاً إلى إلهٍ عظيم هما: اليهودية والنصرانية. وقد انتشرت اليهودية في مناطق تيماء والحجاز واليمن، والمسيحية في جنوبي الجزيرة، وفي الحيرة، وبين الغساسنة، وفي بعض مناطق الحجاز. وكان اليهود يعتقدون بإله واحد هو«يهوه» الذي يعدّونه إلهاً خاصاً بهم وبقبائلهم أوشعبهم، وليس للبشرية جمعاء. أما النصرانية فقد كانت أكثر انتشاراً بين العرب واعتَقَدَ بها أفراد وقبائل عربية مشهورة كبني تغلب، وتنوخ، ولَخْم، وبهراء، وطيئ، ومَذْحِج، وغسان. وكان إلههم لجميع البشر وإن اختلفوا في طبيعة السيد المسيح عليه السلام. وعلى هذه الصورة من الإيجاز كانت المعتقدات الدينية في الجاهلية.

وعلى هامش هذه المعتقدات عهد عرب الجاهلية عبادة قوى غيبية خارقة وصفت بالجن أوالملائكة، وكانت قريش تعبدها وتدّعي أنها بنات الله. وعهدوا الكهّان والمنجمين والعرافين وأمثالهم ممن ادعوا فهم الأسرار ورجموا بالغيب وزعموا بوجود تابع أورَئِيّ من الجن يلقي إليهم الأخبار. وفي الحديث: «إن الشياطين كانت تسترق السمع في الجاهلية وتلقيه إلى الكهنة، فتزيد فيه ما تزيد وتقبله الكفّار منهم». ويبدوحتى هؤلاء الكهّان والسَّدنة هم الذين كانوا يتولون ترتيب شعائر الحج والتلبية والطواف والقرابين والنذور، والإشراف على «طقوس» التقليس والتهليل والتغبير (التمرغ بالتراب تضرّعاً) وترديد الأسجاع والأرجاز حول الكعبة.

ديانة مكة

زكريا محمد
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا الموضوع

ثلاثة نصوص تمثل مفاتيح ديانة مكة في نهايات العصر الجاهلي، لاقترحت عليك نصوصا قصيرة ثلاثة:

النص الأول من تاريخ اليعقوبي

"ونصبوا على الصفا صنماً، ينطق له: مجاور الريح وعلى المروة صنماً، ينطق له: مطعم الطير" (تاريخ اليعقوبي). والحقيقة حتى ثمة تصحيفا في اسم (مجاور الريح) هذا، وأنه يجب حتى يقرأ بالزاي لا بالراء. أي أنه (مجاوز الرياح)، بفتح راء الريح وتشديدها. هذان الصنمان أبرز صنمين في الجاهلية في الحقيقة. وهما يمثلان فعالية أبرز إلهين من آلهة الجاهلية. واسم الأول منهما يعني: (ساقي الخمر)، أما الثاني فواضح المعني. لكن يمكن لفت الانتباه إلى حتى عبد المطلب، جد الرسول، كان يحمل لقب (مطعم الطير). انطلاقا من هذا، فمن المنطقي الافتراض أنه كان على علاقة بهذا الصنم- الإله. بل إنه كان ممثله البشري في الحقيقة. فالممثل البشري للإله يحمل اسم الإله. وبما حتى شعيرة السعي الجاهلي كانت تتم بين الصفا والمروة حيث نصب الصنمان، فيمكن الافتراض حتى شعيرة السعي تخصهما.

النص الثاني من القرآن، وهويصف صلاة الجاهلية

"وما كان صلاتهم عند البيت إلا مُكَاء وتَصدِية" (سورة الأنفال: 35).
أما المُكَاء فهوصوت صوت طائر معروف هوالمُكّاء. وأما التصدية فهي من الصدى. والحية تدعى (الصّدا) لأن فحيحها يشبه الصدى. بذا فصلاة الجاهلية كانت تقليدا لصوت طائر المكاء، وصوت الحية. طائر المكاء يمثل نغمة الكون الصيفية الفيضية الفوارة. وصوت الحية يمثل النغمة الشتوية اللافيضية البادرة. بالتالي، فقد كانت الجاهلية تمثّل في صلاتها صوتي هذين الحيوانين. وطائر المكاء طائر خمري. يقول امرؤ القيس في معلقته: كأن مكاكيّ الجواء غدية نشاوى تساقوا بالرَّياح المفلفل والرَّياح في البيت هي الخمرة. وكما نرى فطيور المكاء تغني في الغدية مثل السكارى. بذا فطائر المكاء الخمري على علاقة بالصنم (مجاوز الرياح= ساقي الخمرة).

النص الثالث من القرآن، ومن سورة قريش على وجه التحديد

"لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف" (سورة قريش: 1-2).

والرحلة المذكورة هنا ليست رحلة تجارية كما ظل سائدا منذ 1400 سنة تقريبا، بل هي رحلة ترنح الكون بين صيفه وشتائه، أي رحلة الانقلابات الفصلية. وهي رحلة يتم تمثيلها رمزيا بالسعي بين الصفا والمروة، أي بين مجاوز الرياح ومطعم الطير. السعي بينهما هو، رمزيا، رحلة الشتاء والصيف. جبل الصفا هوجبل الصيف الفوار. ذلك حتى الصيف هووقت تدفق الأنهار وفيضانها، ووقت تدفق الخمرة في العنب والتمر والتين وغيرها. أما المروة فهوجبل الشتاء. ولأن النغمة الصيفية هي النغمة العليا للكون، رأينا جبل الصفا أعلى من جبل المروة. ولأن الصيف يتعلق بجنوب السماء، أي ببرج الجوزاء، فقد كان الصفا جنوبيا. ولأن الشتاء يتمثل بشمال السماء، أي بالدب الأكبر وبنات نعش، فقد كان المروة شماليا.


الاقتصاد

وأما اقتصاد الجاهليين فكان يقوم على الرعي وتربية بعض الحيوانات كالإبل والخيل والشاء، وعلى زراعة بعض المحاصيل وخاصة في الجنوب كالنخيل والأعناب، والحبوب كالشعير والبُرّ (القمح) في المجتمعات المستقرّة.

وفي الإجمال لم يكن الجاهليون من أصحاب الحرف، بل كانوا يأنفون من العمل اليدوي والصناعات. ولا ننسى ما كان للتجارة من شأن بما توفّره من مورد أساسي يعتمد على تصدير الطيوب والتوابل من جنوبي الجزيرة العربية إلى مصر وبلاد الشام، وعلى نقل السلع من الشام إلى الشواطئ الأوربية. أما في الحواضر فقد تاجروا بالطيوب والمُرّ واللِّبان والبخور والقرفة، وبادلوا نتاج البادية من الأغنام ووبر الجمال والجلود بسلع يحتاج إليها البدوكبعض مصنوعات التعدين والمنسوجات. وكانوا يأخذون رسوماً على حماية القوافل وإرشادها إذ كانت بلاد العرب ممراً للخطوط التجارية البرية والبحرية بين الشرق والغرب، وكانت مكة في قلب الجزيرة العربية مركزاً دينياً يمثّل دخلاً ربيحاً من موارد الحجيج الذين كانوا يفدون إليها جميع سنة. وكان الجاهليون يعيشون على ما ينبت في بيتهم من أنواع النبات وعلى الصيد.

ومع إحاطة البحر بالجزيرة العربية من معظم جهاتها فقد كان النشاط البحري عند الجاهليين محدوداً في صيد اللآلئ وفي نقل البضائع الذي استدعى وجود بعض المرافئ في شرقي جزيرتهم وغربيها على البحر الأحمر، الأمر الذي فتح الباب للاحتكاك بالأقوام المجاورة كالأحباش والهنود، وكان التجّار أوّلَ والجيه.

ولكن احتكاك العرب بالأمم المجاورة لم يتعدَّ كثيراً التعامل التجاري، إذ لم تكن للحياة السياسية ملامح واضحة أومبادئ معتمدة يحتكم إليها العرب في علاقاتهم بالآخرين إلاّ ما كان من ارتباط المناذرة بالإمبراطورية الفارسية في الشرق، وارتباط الغساسنة بالإمبراطورية البيزنطية في الشمال عن طريق التحالف، أوعن طريق الاتفاقات المرحلية التي يقتضيها التجاور وتفرضها الحدود. على حتى الاستقرار العربي كان مهدّداً أحياناً بالفرس وبالأحباش والبيزنطيين، أوبالصراع الداخلي بين القبائل والإمارات، كما وقع في الصراع بين إمارتي كندة والحيرة. أما عند ما كان الخطر الخارجي يحيق بالعرب فقد كانوا يجدون قدْراً من التوافق، أوما يشبه التوافق فيما بينهم، خاصة في الجنوب حيث كانوا ينبذون التناحر، على خلاف ما كان في الشمال بين الغساسنة والمناذرة.

أما الحياة العقلية فقد كان محورها الولاء للقبيلة وشيخها، وللمعبودات كما سلف الحديث عنها، فهي مناط العقل ودائرة التفكير التي إذا اتّسعت شُغلت عن ذلك بالتأمل في الكون ومظاهر الطبيعة والموت الذي كان أكثر حقائقهم يقينية وثباتاً. وهذا الإدراك لمصير الإنسان حفزهم على التأمل وولَّد عندهم الحكمة والموعظة. وأمدَّهم الليل والسُّرَى في البادية بملكة البيان وصفاء الذهن فتعزّزت فيهم قيم المروءة والشجاعة والوفاء. على حتى قيماً خاصة برزت إلى جانب ذلك وتمثّلت بالظاهرة الفردية التي جنحت إلى التمرّد والعبثية والأَثَرة وما شابه ذلك من منازع.

وعن هذا كله وغيره عبّر الأدباء شعراً ونثراً، وأعادوا صياغته في الرثاء والمديح والفخر. وفي حين استأثرت النزعة القبلية بطائفة كبيرة من الشعراء بدا في اللقاء فريق منهم منكفئاً على نفسه غارقاً في النزعة الفردية كامرئ القيس وطرفة بن العبد.

وانصرفت فئة ثالثة إلى لون حيادي من الحياة الاجتماعية فبالغت في التمرد على النظام القبلي ونزعت إلى الإغارة للسلب والغزووالانتهاب كالشعراء الصعاليك والسود والأغربة.

وقد رسم مؤرخوالأدب العربي والباحثون فيه الخطوط العريضة للحياة الأدبية فعرضوا للشعر وبيّنوا توزّعه في المعلقات أوالمُمضىات (وسميت أيضاً بالسُّمُوط وبالقصائد المشهورات). وأكثر الرواة والشراح على أنها سبع، كما في شرح ابن الأنباري والزوزني[ر]، وتسع في شرح لأبي جعفر النحاس، وعشر في شرح التبريزي [ر]، كما بيّنوا توزعه في الاختيارات الشعرية «كالمفضليات» للمفضل الضبي، و«الأصمعيات» للأصمعي، وكتاب «الاختيارين» للأخفش الأصغر، و«جمهرة أشعار العرب» لأبي زيد القرشي، ومختارات ابن الشجري. وفي دواوين القبائل، وخط الحماسات، ثم في دواوين الشعراء.

وصنفوا أصحاب هذا الشعر في طبقات وصل لها ابن سلام الجمحي إلى الطبقة العاشرة. وعرض النقاد، قديماً وحديثاً، لموضوعاته وخصائصه وشروحه وأسواقه ومواسمه التي كانوا يتناشدونه فيها ويتفاخرون.

كان الشعر بوجه عام سجلاًّ لمآثرهم وشعائرهم ومفاخرهم وأنسابهم وغرائزهم وإحساسهم وكل ما من شأنه حملة القبيلة والإعراب عما في النفوس، كما كان تصويراً لبيئاتهم وموجوداتها، وراصداً لأحداثهم وهمومهم ومنازعاتهم وأيامهم، وتأريخاً لمجتمعاتهم وتطور حياتهم بما انطوت عليه من مشكلات وعلاقات، في أسلوب طغى عليه الإيقاع والحسية والمباشرة، وزينته التشبيهات والأخيلة والأداء المهذب المصقول، ومن هنا أطلقوا عليه «ديوان العرب».

أما نثرهم فكان سجلاًّ لحياتهم الدينية كما بدا في سجع الكهان، ولأمثالهم وحِكَمهم كما بدا عند حكمائهم وشيوخهم من أمثال أكثم بن صيفي، وقُسّ بن ساعدة الإيادي، ومنهجاً لتربية أجيالهم كما بدا في الخطب والوصايا والمجالس والقصص والأخبار ومجمل المرويات. وكانت أداتهم إلى ذلك لغة غنية بثروتها اللفظية، مشرقة ببيانها وإيقاعها، تصوغها ملكة فطرية متوقدة صقلتها البادية بنقائها وصفاء لياليها وأمدائها الفساح.

سمات المجتمع الجاهلي

كان العرب على الوثنية وحياتهم تعتمد على الطابع القبلي الأقل استقرارا من الحياة الملكية حيث يمكن للحروب ان تشب بين القبائل بشكل مستمر لمختلف اللأسباب سواءا الاقتصادية مثل داحس والغبراء وحرب حليمة أوللحماية من اللصوص كيوم السلان أوللشرف أولدفع الظلم مما يولد حروبا مستمرة توقدها نار الثأر, على الرغم من ذلك فقد كان في المجتمع الجاهلي صفات النبل كالكرم والإجارة وغض البصر والغزل العفيف.

وضع المرأة قبل الاسلام

وقد أحلَّوا المرأة مكاناً رفيعاً في صورة الأمومة، وفي مقدّمات أشعارهم وغزلهم. وكانت تَبْتاع وتتاجر وتَقْرِي الضيف، وكانت لبعض النساء العصمة، أوحق تطليق الزوج في بعض الأحيان وعن سابق اشتراط. وكانت تحرم من الإرث، أما أموالها فكانت من اشتغالها ببعض الأعمال والحرف كالرعي، والغزْل والنسيج، والكِهانة والعِرافة والطبابة والسحر، وتزيين النساء، والتوليد، وإرضاع الأطفال.

وكانت المرأة مهضومة حقها في الجاهلية إذ كانوا يحرمونها من الميراث الذي هوحق شرعي لها، وكانوا يرغمونها على الزواج من فلان بعينه دون حتى يعطونها حق الإختيار، وهذه عادة قضى عليها الإسلام، إذ كرم المرأة وحمل مكانتها وشرفها فأصبحت ترث وتختار زوجها بمحض إرادتها، وأمرها بالإحتشام ونهاها عن التبرج والسفور صوناً لعفافها، وحفاظاً لشرفها، فذكر القرآن: "وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى".

صفات حميدة

واشتهر العهد الجاهلي ببعض الصفات الحميدة والتي اشتهر بها العرب أكثر من غيرهم من الشعوب والأمم في ذلك الوقت، كالكرم والشهامة والفروسية والشعر.

الشعر الجاهلي

يعتبر الشعر أبرز سمات العصر الجاهلي حتى سمي ديوان العرب. وكانت تنظم المسابقات الشعرية ويتم اختيار الفائزين في سوق عكاظ السنوي حول الحوية شرق الطائف.

ومن أبرز شعراء الجاهلية:

  • عنترة بن شداد
  • امرؤ القيس الكندي
  • العروة بن الورد
  • الخنساء
  • السلكة ام السليك
  • الاعشى
  • زهير بن أبي سلمى
  • عمروبن كلثوم
  • الحارث بن حلزة اليشكري
  • لبيد بن ربيعة العامري
  • طرفة بن العبد
  • عبيد بن الأبرص
  • النابغة الذبياني

انظر أيضا

  • الشعر العربي
  • حنيفية

المصادر

  • الموسوعة العربية
  1. ^ ويكيدبيا العربية
  2. ^ زكريا محمد (2020-02-20). "مفاتيح ديانة مكة والعرب الجاهلية". فيسبوك.

قراءات إضافية

  •   Milestones
  • Dr. Hina Azam. "Terrorism: A Return to Jahiliyya". alt.muslim. Retrieved 2005-12-01.
  • Kepel, Gilles (1985). The Prophet and Pharaoh: Muslim Extremism in Egypt. Translated by Jon Rothschild. Al Saqi. ISBN .
  • Qutb, Sayyid (1981). Milestones. The Mother Mosque Foundation.
  • Sivan, Emmanuel (1985). Radical Islam : Medieval Theology and Modern Politics. Yale University Press.
هذه بذرة منطقة عن التاريخ بحاجة للنمووالتحسين، فساهم في إثرائها بالمشاركة في تحريرها.
تاريخ النشر: 2020-06-09 02:18:05
التصنيفات: كلمات وجمل عربية, تاريخ إسلامية, مصطلحات إسلامية, عصر نبوي, جاهلية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

انطلاق قافلة ثقافية إلى شمال سيناء

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 03:21:34
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 62%

البابا تواضروس : القيامة ضمير صالح وقلب طاهر وعقل مستنير

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-24 03:21:40
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 69%

5 أهداف تحققها تعديلات الشهر العقارى الأخيرة لتسجيل العقارات فى مصر

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-24 03:22:01
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 50%

الأرصاد: اليوم طقس حار نهارا على القاهرة الكبرى والوجه البحرى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-24 03:22:05
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 44%

إصابة 11 شخصا في حادث تصادم و6 آخرون في مشاجرة بسبب خلافات الجيرة

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-24 03:21:42
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 57%

محافظ بورسعيد يزور الكنائس لتهنئة الأقباط بعيد القيامة المجيد

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-24 03:21:40
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 66%

محافظ المنوفية يجري حركة تنقلات واسعة لرؤساء المراكز والمدن

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-24 03:21:42
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 56%

التعليم تحدد محظورات امتحانات الثانوية العامة للطلاب.. اعرف التفاصيل

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-24 03:22:02
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 39%

ريال بيتيس يحقق لقب كأس إسبانيا للمرة الثالثة على حساب فالنسيا

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-24 03:22:04
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 35%

جريمة ابن البيه البواب.. سرق مجوهرات وأموال ساكنة تحت تهديد السلاح

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-24 03:22:06
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 48%

عودة القبطية القاصر سيمون عادل وتسليمها لأسرتها بالوراق

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-24 03:21:41
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 62%

تعرف على تفاصيل ميلاد هلال شوال وأول أيام عيد الفطر المبارك

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-24 03:22:07
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 47%

تفاصيل صادمة في جريمتي قتل بـ الإسماعيلية في نهار رمضان (فيديو)

المصدر: المصري اليوم - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-24 03:21:47
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 59%

«أمناء السر».. هؤلاء كتبوا القصة القصيرة فقط وقاطعوا الروايات

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 03:21:33
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 60%

كونوا على الموعد.. الكرة الأرضية تشهد كسوفا جزئيا للشمس السبت المقبل

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-24 03:21:58
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 42%

الجيش اليمني: رصدنا 94 خرقًا للهدنة ارتكبها الحوثيون خلال 24

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-24 03:22:10
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 58%

غرق زورق يقل 60 شخصا بطرابلس شمالى لبنان

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-24 03:22:03
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 38%

تحميل تطبيق المنصة العربية