الماسونية في مصر، هومنطق يدور حول تاريخ الماسونية ونشأتها في مصر في منتصف القرن التاسع عشر حتى نهايتها في الستينيات.

خلفية

قبل الحديث عن الماسونية في مصر، يجب حتى نعهد ما الماسونية ذاتها، وسنكتفي في هذا الإطار بتقديم تعريف تلك الجمعية، كما اتى في الموسوعة البريطانية طبعة 1981، وكما نقله شلش في كتابه.

تعهد الموسوعة الماسونية بأنها التعاليم والممارسات الخاصة بالطريقة الأخوية السرية للبنّائِين الأحرار والمقبولين، وأنها أكبر جمعية سرية في العالم، وأنها انتشرت بفضل تقدم الإمبراطورية البريطانية، وظلت أكثر الجمعيات شعبية في الجزر البريطانية، وغيرها من بلدان الإمبراطورية.

تُرجع الموسوعة نشأة الماسونية إلى النقابات التي ألفها البناءون عندما تولوا بناء القلاع والكاتدرائيات في العصور الوسطى. عندما توقف بناء الكاتدرائيات، بدأت بعض محافل البنائين العاملين في قبول أعضاء فخريين، لوقف تدهور الإقبال على عضويتها، نتيجة لوقف عمليات البناء، ومن هذه المحافل نشأت الماسونية الحديثة الرمزية والنظرية، غير المرتبطة بحرفة البناء.

خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، بدأت المحافل في تبني تنطقيد الطرق الدينية القديمة والأخوة الفروسية. وفي سنة 1717، تأسس المحفل الأكبر بشكل رسمي في لندن، كرابطة تجمع جميع المحافل في إنجلترا، ثم انتقلت بعد ذلك الفكرة إلى بلدان أخرى.

قابلت الماسونية في هذا السياق معارضة شديدة من الأديان المعروفة، وخاصًة من الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، وقابلت الحظر من الكثير من الدول، كما جري في الاتحاد السوفيتي السابق وفي إسبانيا وإندونيسيا والكثير من البلدان الأخرى.

نشأة الماسونية في مصر

عهدت مصر المحافل الماسونية بشكل رسمي عقب غزوناپليون بوناپرت لمصر في عام 1798، إلا حتى الأديب والمؤرخ والصحفي اللبناني جرجي زيدان، المنتمي إلى الماسونية وصاحب كتاب تاريخ الماسونية العام الصادر سنة 1889، يقسم تاريخ الماسونية في مصر إلى مرحلتين على النحوذاته الذي اعتاده مؤرخوالماسونية الأوروپيون: فترة نقابية، وفترة أخرى رمزية ونظرية.

يقول زيدان في هذا الإطار إذا تاريخ الماسونية في مصر يعود إلى عصر بناة الأهرام والمعابد القديمة، مروراً بالعصور الوسطى التي شارك بنائون مسيحيون قادمون من أوروپا في بناء الكثير من الجوامع والقلاع والأسوار بالقاهرة خلال تلك الحقبة.

بعد مجيء الحملة الفرنسية إلى مصر، ظهرت في مصر المحافل الماسونية الرمزية على يد ناپليون وكليبر وبعض قواد الحملة وضباطها من الماسونيين، حيث دشنوا في أغسطس من عام 1798 محفلاً باسم محفل إيزيس على طريقة ممفيس. وقد توقف هذا المحفل عقب رحيل بونابرت ومصرع كليبر ومغادرة الحملة الفرنسية البلاد.

حدث انقطاع طويل بعد ذلك، إلى حتى تكررت المحاولة مجددًا في عام 1830، عندما أسس بعض الإيطاليين في الإسكندرية محفلاً على الطريقة الاسكتلندية، تلاه محفل آخر في القاهرة سنة 1838 تحت رعاية المجلس العالمي الممفيسي الفرنسي، اسمه محفل مينيس، وفي سنة 1845 شهدت الإسكندرية تأسيس محفل تحت رعاية محل الشرق الأعظم الفرنسي اسمه محفل الأهرام وانضم إليه الكثير من الأجانب والمصريين.

كان لهذا المحفل الأخير، كما ينقل شلش عن زيدان، الفضل الأكبر في بث التعاليم الماسونية في مصر تحت سمع وبصر الحكومة المصرية، وكان من أبرز أعضائه غير الأوروبيين عبد الحليم ابن محمد علي باشا الشهير باسم الأمير حليم والأمير عبد القادر الجزائري.

في عام 1877 إنتخب المحفل الأكبر الوطني المصري الخديوي توفيق أستاذاً أعظماً له، وأوفدوا عدد منهم لملاقاته وعرضوا عليه الرئاسة. وألقى الشاعر حفني ناصف قصيدة مدح في توفيق ومضمونها المساواة والإخاء ومستقبل الماسونية في مصر أصبحت بين يدي توفيق وفيها:

الحر يدرك بالتوفيق ما طلبا .. وبالمساواة جميع يبلغ الأربا

وبالإخاء رخاء العيش مقترن .. تربورباه إذا عهد الإخاء ربا

وافق توفيق على طلبهم ووعدهم بالمساندة وشد آزر الماسونية في مصر ، وكلف ناظر الحقانية " وزير العدل " حسين فكري باشا لينوب عنه في الرئاسة ثلاث سنوات من الرئاسة وبعدها طلب الخديوي توفيق إعفاءه من رئاسة المحفل الأكبر الوطني المصري ، فإنتخبوا إدريس بك راغب بدل منه، وقرروا إتخاذ الخديوتوفيق رئيس شرف مدى الحياة.

وفى عام 1922 تنافس الأمير محمد علي، ولي العهد ، مع إدريس بك راغب على رئاسة المحفل ، وفاز الأمير بأغلبية ساحقة تتجاوز الـ 98% وهوما أدى لشقاق كبير داخل المحفل على إعتبار حتى فوز الأمير يرجع لأمور سياسية ، وفى عام 1925 صدر قرارا من القطب الأكبر بوقف الأمير المنتخب الذى سرعان ما شكل محفلا خاصا به ومؤيدوه وسمى بالمحفل السامي المصري، وتوجوا الأمير قطباً أعظم لهم.

كان إدريس راغب، من اليونانيين المقيمين في مصر، وكان والده إسماعيل راغب، ولقب العائلة الحقيقي هوينِّي. وكان والده مملوكاً اشتراه محمد علي ومنحه 500 فدان، تضاعفت فيما بعد، وتولى مناصب خطيرة كوزارة الجيش والخارجية والمالية ثم رئاسة الوزارة في عهد أحمد عرابي سنة 1882.

وسخَّر أغنياء الجاليات الأجنبية عموماً أنفسهم لنشر المحافل الماسونية، وكان من ضمن مهامهم استقبال المهاجرين الأدجانب الجدد لمصر، وإقناع المصريين بأنه لا يوجد فرق بين المصري والأجنبي. أما من يعترض من المصرييين فكان يصنف بأنه "متعصب وضد الإخاء والمبادئ الإنسانية السامية". وكان الحديث عن عدم وجود فروق بين المصري والأجنبي بحجة الإخاء هدفه الحقيقي بعد ضمان توسيع مكان للأجنبي. وكانت المحافل الماسونية بنفوذها عند أهل الحكم والثروة والصحافة تعمل على توصيل الأجنبي الجديد أوالمستوطن لأعلى المناصب والمراكز على حساب المصريين الأصليين.

الأمر لم يقتصر على الخديوى وولي عهد إبنه الأمير لكن تجاوز الأمر ليصل لحاشيتهم، فهذا عبد الفتاح افندى أمين باشمحرر دائرة ولي العهد محمد على إنتُخب رئيسا لمحفل العزيز الماسوني في الإسكندرية ونشرت اللطائف المصورة في عددها 27 إبريل 1925 تهنئة ومباركة للماسوني الأعظم باشمحرر دائرة الماسون الأعظم.

توسعت بعد ذلك المحافل الماسونية في مصر لتضم كثيرًا من الشخصيات الشهيرة وأعضاء العائلة المالكة والنخبة الاجتماعية والطبقة السياسية والمثقفين والفنانين، ومن أبرز هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر: الخديوتوفيق، جمال الدين الأفغاني، إدريس راغب باشا رئيس مجلس شورى النواب في عهد إسماعيل ومؤسس النادي الأهلي، وعدد من الزعماء السياسيين الكبار مثل سعد زغلول وعبد الخالق ثروت وعدلي يكن وأحمد ماهر وفؤاد سراج الدين، ومن الفنانين يوسف وهبي وفريد شوقي ومحمود المليجي، ومن فهماء الدين الشيخ المعروف محمد أبوزهرة.

النشاط السياسي للمحافل الماسونية

كان الأمير حليم الذي اختاره الماسونيون أستاذًا أعظم لمحفل الشرق الأكبر في عام 1867، هوالوريث الوحيد للعرش بعد الخديوإسماعيل، إلا حتى إسماعيل نجح في تغيير نظام الوراثة وجعل ولاية العهد في أكبر أبنائه، وبذلك حُرم حليم من العرش.

استغل حليم مسقطه في الماسونية المصرية وقام هووأعوانه بالتآمر على إسماعيل. في هذا السياق اتهمه إسماعيل بتدبير محاولة اغتيال فاشلة له في عام 1868 على يد بعض الإيطاليين الماسونيين، واتخذ ذلك ذريعة لطرده من مصر، ومضى حليم للعيش في الأستانة وظل هناك بقية حياته، إلا حتى صلته بالأحداث في مصر لم تنبتر، حيث اتهمه إسماعيل بتدبير مؤامرة أخرى لاغتياله في عام 1869، واستمر الأمير حليم في هذا السياق كتهديد للعرش المصري حتى خلال عهد توفيق بن إسماعيل.

تورطت أيضاً المحافل الماسونية المصرية في السياسة في قضايا أخرى، رغم الشعار الماسوني المعروف الذي يحظر علي المحافل التدخل في أمور السياسة أوالدين، من أبرزها مناشدتها أهالي فلسطين الهدوء والسلام والعيش المشهجر مع اليهود خلال عشرينيات القرن الماضي، إبان الهجرات اليهودية المنظمة التي كانت قد بدأت في ذلك الحين، وقد صدر ذلك في بيان مسقط من إدريس باشا راغب رئيس المحفل الوطني الأكبر في مصر بتاريخ 2 أبريل 1922 تحت عنوان "نداء إلى أهالي فلسطين". فبعد ما بدأ الفلسطينيون يشعرون بخطر المهاجرين اليهود وبدأت الاحتكاكات تحدث بينهم، أصدر المحفل الأكبر الوطني في القاهرة (المحفل الماسوني التابع لمحافل إنگلترة) برئاسة إدريس راغب نداء للفلسطينيين بالهدوء وقبول توطينهم فيما يُسمى بالوطن المشهجر، باسم "الحرية والإخاء والمساواة".

الصحف والخط والنشاط الاجتماعي

ظهر أول كتاب عن الماسونية في القاهرة عام 1889، وهوكتاب تاريخ الماسونية العام لجورجي زيدان الذي تجاوز الإشارة إليه، تلاه في هذا السياق مؤلفات شاهين مكاريوس التي بلغت عشرة خط، كان أولها كتاب الآداب الماسونية في عام 1895، ومؤلفات إدريس راغب الخمسة التي نشرت في مطبعة المقتطف التي كان يديرها مكاريوس.

خلال فترة انتشار واستقرار الماسونية في مصر، برزت عشر صحف ومجلات بين يومية وأسبوعية وشهرية مهتمة بالماسونية اهتمامًا عامًا، مثل اللطائف والمقتطف والمقطم، هذا فضلاً عن الصحف المتخصصة التي اهتمت بالماسونية اهتمامًا خاصًا، وكان عددها سبع صحف، من أبرزها المجلة الماسونية والجريدة الماسونية ومجلة الإخاء.

بلغ من شهرة الماسونية في تلك الفترة، اهتمام المسرح بها، حيث قدمت فرقة عزيز عيد في هذا الإطار مسرحية باسم الماسون في أكتوبر 1907 على خشبة مسرح دار التمثيل العربي ثم على خشبة تياتروالشيخ سلامة حجازي.

تؤرخ البيلوجرافيا الماسونية للنشاط الاجتماعي للماسونية بصفتها مسجلة قانونيًا في البلاد كجمعية خيرية، وتسجل في هذا السياق الكثير من التبرعات والولائم والمساهمة في المدارس، وإعانة الفقراء والمحتاجين ولا سيما من أعضائها، ويعلق شلش هنا بوجه عام على النشاط الخيري للماسونية بأنه كان محدودًا، ولا يعتبر متفردًا في عصره، ولا يحتل مكانة من نوع خاص.

نهاية الماسونية في مصر

كانت حرب فلسطين عام 1948 هي بداية النهاية للماسونية في مصر، حيث بدأت بعد تلك الحرب فترة جديدة شهدت تغيرات دراماتيكية أهمها وقع 23 يوليوعام 1952 وسقوط النظام الملكي. خلال تلك الفترة، لم تتخذ الدولة إجراء مباشر ضد الماسونية، ولكنها أهملتها حتى ذبلت وانكمشت بالتدريج.

بنهاية المطاف، في 18 أبريل من عام 1964 أصدرت وزيرة الشئون الاجتماعية حكمت أبوزيد قرارًا بحل الجمعيات والمحافل الماسونية، ونشرته جريدة الأهرام في اليوم التالي، وتلى نشر هذا القرار نشر تحقيقات صحفية عن تجارب أعضاء الماسونية السابقين، وكان مما نشرته جريدة الأهرام في هذا السياق حتى سبب وقف نشاط الماسونية، هوحتى اجتماعاتهم كانت سرًا حتى على الدولة نفسها!

المصادر

المراجع

• كتاب الماسون والماسونية في مصر 1798- 1964، وائل إبراهيم الدسوقي، إصدار دار الخط والوثائق القومية، ص 104- 110.
• كتاب الماسونية في مصر، علي شلش، من بداية من الصفحة 62 في فصل عنوانه "احتضان الجاليات الأجنبية والأقليات".
• اللطائف المصورة، 27 أبريل 1925.
• المقتطف، 1 يناير 1925.
• الماسونية في الوطن العربي، نجدة صفوت.
• صفوة العصر تاريخ ورسوم ومشاهير رجال مصر، زكي فهمي.