النفري

آرثر جون آربري، ترجمة: سعيد الغانمي

ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا الموضوع

محمد بن عبد الجبار بن حسن النفري الملقب بالنفري، (وفيات 354 هـ) ولد ببلدة نفر في العراق وإليها ينسب. كان من كبار الصوفية وتنقل كثيرا بين العراق ومصر، ومن أشهر خطه كتاب المواقف والمخاطبات. ومن فرط تواضعه لم يخط ما كان يقول، إنما كان يؤلف كتابه شفهيا لمريديه، ويكتفى بذلك. من أشهر ما ذكر عنه أنَّه نطق "حدثا اتسعت الرؤية، ضاقت العبارة."

حياته

محمد بن عبد الجبار بن الحسن النّفري شخصية غامضة منتهى الغموض في تاريخ التصوف الإسلامي. ويبدوأنه ارتفع نجمه في النصف الأول من القرن الرابع الهجري. وقد توفي، استنادا إلى ما يقوله حاجي خليفة، في سنة 354 هـ. ويحظى هذا التاريخ لوفاته ببعض التأكيد من بيانات ترد في مخطوطة (غوطة) ومخطوطة القاهرة، عن مخلفاته الأدبية، فتشير بعض الكتابات إلى سنتي 352 و353هـ، لكن هذا سرعان ما يبطل بذكر سنوات أخرى هي 359 و360 و361هـ فيما يخص أجزاء أخرى. وحتى يتم العثور على مرشد آخر، يستحيل في الوقت الحاضر الجزم بحكم نهائي حول ما ذكره حاجي خليفة.

لسنا نعهد سوى القليل عن حياة النّفري، وهذا القليل مستمد بمجمله من أقوال شارحه عفيف الدين التلمساني (المتوفي سنة 1096 هـ). وها نحن نقتبس أقواله كاملة، اعتمادا على مخطوطة مخط الهند:

(1) الورقة: 72 ب: «هذا مما يدل، على ما قيل، حتى الذي ألف هذه المواقف هوولد ولد الشيخ النّفري، رحمه الله، وليس هوالشيخ نفسه. إذ كان الشيخ لم يؤلف كتابا، إذا ما كان يخط هذه التنز لات في جزازات: [جذاذات] أوراق، نقلت بعده. فإنه كان مولها في النشرة المصرية: مؤلها لا يقيم بأرض، ولا يتعر ف إلى أحد. وذكر إنه توفي بأرض مصر في بعض قراها. والله أفهم بجلية أمره» انظر: التلمساني: شرح مواقف النّفري، نشرة: د. جمال المرزوقي، القاهرة، 1997، ص 259.

( 2 ) الورقة: 111 ب: «وإن ما أوجب هذا ما ن قل من حتى الذي رتب هذه المواقف وألف ترتيبها، هوابن بنت الشيخ، ولم يكن الشيخ هوالذي رتبها. ولورتبها الشيخ لكانت على أحسن من هذا النظام، بحيث لاقد يكون شيء إلا مع ما يناسبه» ] ط القاهرة، ص 293.

( ثلاثة ) الورقة: 149 بـ: «هذا يشير على حتى الذي ألف هذه المواقف لم يكن هوالنّفري، بل هوبعض أحبابه، وقيل: هوابن بنته. فلا جرم لم يأت مرتبا ترتيب المقامات في نفس الأمر» ] ط القاهرة، ص 522.

سنهتم بسؤال الإعداد النهائي لمخطوطة «المواقف» لاحقا، أما هنا فحسبنا حتى ننبه إلى احتمال كون النّفري متصوفا من نمط عام إلى حد ما، غير مكترث بأهم ي ته الخاصة، وغير مكترث حتى بما ستصير إليه تنزلاته الإلهية، سائحا ومحررا مترسلا، لكنه كان، قبل جميع شيء مفكرا أصيلا، مت قدا، ذا قناعة واضحة بأصالة تجربته.


اسمه

محمد بن عبد الجبار بن الحسن، على هذا تتفق جميع المصادر. لكن نسبته موضع خلاف، ومن المرجح حتى مصدر هذا الخلاف وقوع تحريف وخطأ ارتكبه بعض النساخ، فن قل هذا التحريف، وظل ينسخ حتى أخذ به بعضهم.

وهذه هي صيغ كتابة نسبة المؤلف: النّفري، النّفزي، النّفزي. ويكشف الفحص الدقيق لصفحة عنوان مخطوطة (غوطة) عن احتمال حتى تكون الحركة أوالنقطة الموضوعة على الحرف الأخير من النسبة مجرد علامة تزويق وتجميل للخط، في الأصل، فهي نقطة أصغر بكثير وأخفى، مثلا، من النقطة الموضوعة على الحرف الذي قبله. ولعل صفحة هذا العنوان هي مصدر جميع الأخطاء اللاحقة. فقد سقط ناسخ مخطوطة (ب) ]في مخطة بودليان ضحية هذا الخطأ في عنوانه. وواصل، هووناسخ مخطوطة (ت) ]في مخطة بودليان أيضا [ هذا الخطأ في النص، ولكن في مناسبة واحدة فقط. وتقرأ مخطوطتا الهند والقاهرة أيضا نسبته على أنها:

النّفزي، أما المخطوطتان الأخريان، وهما (ل) في لايدن و(م) في بودليان فليس فيهما عنوان، وهما تخطان في العادة: النّفري، في داخل النص.

يذكر محيي الدين بن العربي اسم المؤلف أربع مرات في كتابه «الفتوحات المكية» ويرد فيه دائما بصيغة: النّفري. وعلى هذه الصيغة يتابعه كتاب عرب كثيرون، مثل الشعراني وحاجي خليفة والقاشاني والمضىي والزبيدي. وعلى حد فهمي، لم يتحدث أحد عن النّفزي سوى محرر مخطوطة برلين (321، وليس من شك في حتى السبب في ذلك لا يخرج عن السبب لدى ناسخي المخطوطات (ب) و(أ) و(ق) و(ت).

ومن بين الدارسين الغربيين، كان «بروحدثان» أول من آثر الاستقرار على صيغة النّفري، وإن كان يذكر صيغة النّفزي كبديل محتمل. وقد حذا حذوه «مرگليوت»، الذي عاد إلى مخطوطات أكسفورد، ولم يعترض «نكلسون» على ذلك. لكن «ماسنيون» أحيا صيغة النّفزي، لذلك لابد من تسوية هذا الخلاف القديم مرة واحدة وإلى الأبد.

ليس من شك في حتى نسبة النّفري تشير إلى قرية «نفّر» في العراق. هذا ما ينص عليه الجغرافي ياقوت الحموي، والمعجمي الزبيدي، ويعتمد هذا الأخير في هذه النقطة على ابن يعقوب مصدرا له. وعن هذه القرية يقول ياقوت الحموي ما يلي:

»نفّر: بكسر أوله، وتشديد ثانيه، وراء: بلد أوقرية على نهر النرس من بلاد الفرس، عن الخطيب، فإن كان عنى إنه من بلاد الفرس قديما جاز، فأما الآن فهومن نواحي بابل بأرض الكوفة. نطق أبوالمنذر: إنما سمي نفّر نفرأ لأن نمرود بن كنعان، صاحب النسور، حين أراد حتى يصعد إلى الجبال فلم يقدر على ذلك هبطت النسور به على ن ف ر، فنفرت منه الجبال، وهي جبال كانت بها، فسقط بعضها بفارس فرقا من الله، فظن ت حتى ها أمر من السماء هبط بها. فلذلك قوله عز وجل: «وإذا كان مكرهم لتزول منه الجبال» (ابراهيم: 46). ونطق أبوسعد السمعاني: نفر: من أعمال البصرة. ولا يصح قول الوليد بن هشام الفخذمي، وكان من أبناء العجم: حدثني أبي عن جدي نطق: نفر: مدينة بابل، وطيسفون: مدينة المدائن العتيقة، والأبلة من أعمال الهند. وذكر أحمد بن محمد الهمذاني، نطق: نفر: كانت من أعمال كسكر، ثم دخلت في أعمال البصرة. والسليم أنها من أعمال الكوفة. وقد نسب إليها قوم من الكتاب الأجلاء وغيرهم.

نطق عبيد الله بن الحر:

لقد لقي المرء التميمي خيلنا
فلاقى طعانا صادقا عند نفرا
وضربا يزيل الهام عن سكناته
فما إذا ترى إلا صريعا ومدبرا.

وتذكر مراجع عربية مهمة أخرى «نفر» في المواطن التالية:

  • الطبري: التاريخ، ج 1، 747 -9، 3423 - 4، ج 2، 929.
  • ابن الأثير: الكامل، تحقيق: تورنبرغ، ج 1،244، ج 3، 307، ج 4، 332.
  • البكري: المسالك والممالك، تحقيق: وستنفيلد، 597.

وإلى جانب هذا الدليل، يمكن حتى نضيف بينة أخرى من تذييل مخطوطة (ج)، التي تعزونسبة إضافية للمؤلف هي: العراقي. فإن لم يكن هذا كافيا، فإننا نقرأ الحكم المثير الآتي لدى التلمساني في شرحه للموقف الأربعين (مخطوطة مخط الهند، الورقة: 97 ب):

؛ثم أبلغه أنه الآن ينصرف من بين يديه، وهوقوله: (هوذا تنصرف). ولفظة (هوذا) لفظة عراقية ] النشرة المصرية وردت: لفظة عواقبه، ولا معنى لها، انظر: ص 349] . ولا عجب حتى يخط عراقي باللهجة العراقية، مهما بلغت كتاباته من درجات الاستلهام والتنزل.

وأخيرا هناك دليل؛المسيحيين الشرقيين» الذي يعطينا المعلومات التالية عن ن ف ر Naphar أي ن ف ر في ج 2، 1166:

»نفرا أونفار أونفر أونيفر أونيفار مدينة أسقفية أوإقليم كاثوليكي، ولكن ليس من السهل فهم مسقطها على وجه الدقة. ويمكن العثور على نفرايا والنيل في أكثر من مسقط، وكذلك النيل والنعمانية وبدرايا. وبدرايا، التي هي «ديركوني» السريانية، و»دوركينا» العربية، مدينة قريبة من سلوقيا. وتقع النعمانية بين بغداد وواسط، ومن الواضح حتى نفر والنيل تقعان في المنطقة ذاتها».[النص باللاتينية.]

وبخصوص النيل يخط ياقوت الحموي ما يلي: «النيل اسم عدد من المواضع، أحدها ب ليدة في سواد الكوفة، قرب حلة بني مزيد، يخترقها خليج كبير يتخلج من الفرات الكبير، حفره الحجاج بن يوسف، وسماه بنيل مصر». وقد ورد ذكر النيل مرتين في مخطوطة (ج) ليشير في الموضعين إلى حتى بعض الأجزاء من مؤلفات النفري قد خطت هناك. وهذا مرشد إثبات من درجة عالية جد ا.

لقد أعيد اكتشاف نفر في الأزمنة الحديثة. وأفلحت بعثة استكشافية أوفدتها جامعة بنسلفانيا بالقيام بتنقيبات مهمة في المسقط الذي عي ن فيه المكان تقليديا، ونشر تقرير عن عمل البعثة عام 1897 بقلم ج. ب. بيترز. وقدم لنا التقرير وصفا ممتازا للحالة الحاضرة لنفر، وفيما يلي الفقرة المهمة التي تحمل موضوع نقاشنا:

؛تبي ن البقايا اليهودية الغزيرة من نفر( Ni ppur) خلال الحقب البارتية والساسانية والعربية القديمة الدور الذي لعبه هؤلاء في هذا المكان، ولم نجد أي أثر للمسيحيين، لكن المؤرخين العرب، كما ينقل راولنسن، يذكرون حتى نفر كانت أسقفية مسيحية في أواخر القرن الثاني عشر الميلادي».

وكان راولنسن قد طابق مطابقة تامة بين نفر ونيبور منذ زمن طويل حين خط قائلا:

»في نفر الحديثة قد نتعهد على نوفير (Nopher التلمودية، ونيبر Nipur ) الآشورية التي هي نفرو(Nifru = نمرود) وقد حصل إبدال في حرفيها الأخيرين. وكانت شهرة نمرود ذائعة دائما في البلاد التي سقطت تحت نفوذه. ويسجل العرب عددا من الأحاديث المتميزة التي لعب فيها دورا بارزا. وليس من شك في حتى إطلاق الفلكيين العرب اسم «الجبار» أو«العملاق» على كوكبة «أوريون» إنما اتى من باب تضخيمه وتأليهه».

ولم تسفر محاولات مطابقة أخرى عن جدوى كبيرة. لقد رغب راولنسن حتى يجد في «نفر» مدينة «بيبيلي» الأغر يقية التي ذكرها بطليموس، وكان ذلك مجرد تخمين عشوائي. وطابق أيضا بينها وبين «كلنة» المذكورة في (سفر التكوين 10:10)، غير حتى هذه النتيجة أهملت من لدن العموم في الوقت الحاضر. ويقول راولنسن إذا نفر هي نفسها «عفار» أو«أوار» لدى البابليين.

يبقى إذن حتى نستخلص حتى نفر هي المدينة البابلية المهمة «نيبر» بعينها، التي سقطت في أزمنة النحس، وكان قد حكمها حكام متتابعون، وظلت مكانتها تتناقص بالتدريج، حتى اختفت، سواء أكان ذلك نتيجة الجدب وحده أم نتيجة كارثة طبيعية، من ذاكرة الناس، ليستعيدها بعد قرون متطاولة مغامرون اتىوا من المحيط الأطلسي. إلى غير ذلك هي مصائر الناس والامبراطوريات، ترتبط ارتباطا حميما وتتشرذم تشرذما مطلقا.

هذه هي نفر إذن. ولابد حتى النفري، إذا سل منا أنه كان من أهلها أواتصل بها على نحوما، قد استلهم من وحي تاريخها الغريب، المنقسم بين مجدها الغابر ووحشتها الحاضرة، إذ لم تعد توجد سهولها التي كانت تضج بالمسير المنضبط للجيوش الشبحية ولم تعد معابدها المهدمة مسرحا لرقصات لا يتذكرها الآن أحد، ولم تعد صيحات أهل أسواقها وخفة سكانها تعكر صفوشوارعها الصامتة.وحين كانت النجوم تسطع خفيضة في الليل، ويعيد «حزام أوريون» الوهاج إلى البال أساطير العملاق الذي أوغل في طموحه، كان هذا السائح المتوحد يجد القوة والعزاء في رؤية الله الواحد الحق الذي يعوض حبه عن جميع محبوب فان يضمه هذا العالم. فإلى ذكرى تقواه وإخلاصه الذي مازال حيا، نحن الذين عشنا بعد مرور ألف سنة على وفاته، بعد حتى بحثنا في مخطات أوروبا وأفريقيا نهدي الآن هذه الطبعة من كتاباته وترجماتها.

كتاباته

استنادا إلى شارحه التلمساني الذي أتينا على ذكر أقواله كاملة، لم يكن النف ري هوالمسؤول عن ترتيب «المواقف» ووضعها بهذا التأليف. وقد يردد التلمساني هذا التأكيد ثلاث مرات في سياق شرحه: وبرغم حتى هذا الحكم يصدر في الحالات الثلاث لتوضيح وجهة نظر الشارح بأن المقاطع هناك منتزعة من سياقاتها السليمة، فإن تكراره يشير بالتأكيد على صدق حكمه. وفي الحقيقة حتى لولم يصدر هذا القول عن التلمساني، فإننا نجد أنفسنا مسوقين إلى الاعتقاد بأن العمل، كما وصل لنا، لا ينتمي إلى النف ري على نحوتام، بل إذا شكله الأدبي يشير على تدخل يد أخرى فيه. ولم يكن من النادر حتى يتدخل أتباع الشيوخ الممي زين لتحرير كتابات أشياخهم بعد وفاتهم. ومن المحال البت ما إذا كان ابن النفري أوحفيده هوالمسؤول في هذه الحالة عن تحرير كتاباته من دون مرشد آخر، ولكن من المهم حتى نتذكر دائما حتى النف ري لم يكلف نفسه عناء جمع كتاباته.

وبالإضافة إلى «المواقف» لدينا كتابات أخرى منسوبة للنفري. ومن بين هذه الكتابات، فإن أكبرها وأهمها هوكتاب «المخاطبات» الذي يرد في ثلاث مخطوطات فقط، هي: (ج) و(ق) و(م). وتتكون هذه الكتابات من سلسلة من الإستلهامات والتنزلات المشابهة في مادتها ل-؛المواقف»، ولكنها تبدأ بعبارة: «يا عبدي»، بدلا من عبارة: «أوقفني ونطق لي». ولا يحيط الشك بصحة نسبتها له، إذ يشير إليها النفري نفسه في الموقفين: 63، الفقرة 11، و66 الفقرة 1. ولا يمكن المبالغة في تقدير أهمية هذه المادة الإضافي ة.فإذا كانت «المواقف» تحمل آثارا واضحة على بصمة تنقيح أدبي، فإن لـ «المخاطبات» مظهرا لا تخطئه العين من صحة الإسناد والبدائية. ولم تتم محاولة وضع ترتيب لهما، بالرغم من حتى العناوين في مخطوطة (م) قد أعطيت بصورة: «مخاطبات الأولياء»، وهذا ما يذكرنا بـ «المواقف».

وتحتوي المخطوطات (ج) و(ق) و(م) على زيادة مقحمة في نص المواقف مباشرة بعد الموقف 63، بعنوان: «محاورة وبشارة وإيذان الوقت». وأخذا بظواهر الأمور من المستبعد حتى تصح نسبتها إليه، فهي عن موضوعة المهدي، وبالرغم من أنها تنسجم في المحتوى والأسلوب مع بترتين أخريين في نص المواقف فإن من السهل الافتراض بأن البتر الثلاث زيادات أقحمتها يد أخرى، ولم تكن في نص النفري الأصيل. ويقوى هذا الافتراض بكون البترتين في المواقف تبتران، حيث وردتا، الترتيب الأدبي للنص على نحولا مبرر له. ولم يكن النفري معنيا بنادىوى المهدوية، لأن ملكوته لم يكن في هذا العالم، بل في العالم الآخر.

وتقدم لنا المخطوطتان (ج) و(م) بعد الموقف 75 موقفا إضافي ا لا نجده في بقية المخطوطات، وهو: «موقف الإدراك». ولا يظهر حتى هناك داعيا للشك في صحة نسبته، إذ ليس فيه شيء غريب على النفري. وقد أضفنا هذا الموقف والزيادة المقحمة التي أشرنا إليها في المبتر السابق في آخر النص العربي.

يبقى حتى نناقش عنوان الكتاب. سنتعر ض فيما بعد لمعنى مصطلح الموقف، غير حتى من المفيد حتى نلاحظ بعض التغييرات الطفيفة في عنوان الكتاب. فالمخطوطات على العموم تسميه «كتاب المواقف» فقط، باستثناء مخطوطة (م) التي تسم يه «كتاب المواقف مع الحق على التصوف». ويميل الكتاب العرب على العموم إلى إطلاق هذه التسمية الوجيزة عليه، باستثناء ابن العربي الذي يسميه في موضع: «كتاب المواقف والقول». ونحن نؤثر حتى نتابع ما درج عليه كثرة الكتاب العرب ونسم يه: «كتاب المواقف».


شهادات عنه

ابن عربي

اتى ذكر النفري أوأحيل إليه خمس مر ات في «الفتوحات المكية» كالآتي:

1- «أم الاعتبار الآن الفاصل بين الوقتين، فهوالمعنى الفاصل بين الاسمين، اللذين لا ي فهم من جميع واحد منهما اشتراك، فظهر حكم جميع اسم منهما على الانفراد. وهوحد الواقف عندنا: فإن الإنسان السالك إذا انتقل من مقام قد احتكمه وحصله تخل قا وخلقا وذوقا، إلى مقام آخر يريد تحصيله أيضا يوقف بين المقامين: عن حكم المقام الذي انتقل عنه، وعن حكم المقام الذي يريد الانتنطق إليه، يعهد في تلك الوقفة بين المقامين، وهوكالآن بين الزمانين، آداب المقام الذي ينتقل إليه، وما ينبغي حتى يعام ل به الحق. فإذا أ بين له عنه، ولج في حكم المقام الذي انتقل إليه على فهم... وقد بي ن ذلك محمد بن عبد الجبار النف ري في كتابه الذي سم اه ب- «المواقف والقول» وقفت على أكثره. وهوكتاب شريف يحوي على علوم آداب المقامات. يقول في ترجمة الموقف اسم الموقف. يقول في انتنطقه إلى «موقف الفهم» _ مثلا _ وهومن جملة مواقفه في ذلك الكتاب، فنطق: موقف الفهم، ثم نطق: أوقفني في موقف الفهم، ونطق لي: يا عبدي، لا تأتمر للفهم، ولا خلقتك لتدل على سواي...إلى حتى ينتهي إلى جميع ما يوقفه الحق عليه. فإذا عهد حينئذ، يدخل إلى ذلك المقام، وهويعهد كيف من الممكن أن يتأدب مع الحق في ذلك المقام...فهذا هوالآن الذي بين الصلاتين»

(طبعة القاهرة، 1293،ج1، ص505، ط دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج1، ص486).

2- «وأما من اعتبر السقم بالميل، فهوالممضى الذي ينطلق عليه اسم سقم، وهوممضى محمد بن عبد الجبّار النف ري، صاحب المواقف من رجال الله» (طبعة بولاق، ج1،ص771،ط بيروت،ج1، ص739).

3- «والواقفية أرباب المواقف، مثل محمّد بن عبد الجبار النفّري، وأبي يزيد البسطامي. نطق (واصفا التوبة): هي غيبية، آثارها حسية» (ط بولاق، ج2، ص187، ط إحياء، ج2، ص139).

4- «وافهم أنه ما من منزل من المنازل، ولا منازلة من المنازلات، ولا مقام من المقامات، ولا حال من الحالات، إلا وبينهما برزخ يقف العبد فيه يسمى: الموقف. وهوالذي تحدث فيه صاحب «المواقف» محمد بن عبد الجبار النفّري - رحمه الله - في كتابه المسمى بـ «المواقف»، الذي يقول فيه: أوقفني الحق في موقف كذا. فذلك الاسم الذي يضيفه إليه هوالمنزل الذي ينتقل إليه أوالحال أوالمنازلة، إلا قوله: أوقفني في موقف وراء المواقف.فذلك الموقف م سم ى بغير اسم ما ينتقل إليه. وهوالموقف الذي لاقد يكون بعده ما يناسب الأول. وهوعندما يريد الحق حتى ينقله من المقام إلى الحال، ومن الحال إلى المقام، ومن المقام إلى المنزل، ومن المنزل إلى المنازلات، أومن المنازلات إلى المقام.

وفائدة هذه المواقف حتى العبد إذا أراد الحق حتى ينقله من شيء إلى شيء يوقفه ما بين ما ينتقل عنه وبين ما ينتقل إليه، فيعطيه آداب ما ينتقل إليه، ويعل مه كيف من الممكن أن يتأدب بما يستحقه من ذلك الأمر الذي يستقبله. فإن للحق آدابا لكل منزل ومقام وحال ومنازلة، إذا لم يلزم الآداب الإلهية العبد فيها، وإلا ط رد. وهوحتى يجري فيها على ما يريده الحق من الظهور بتجل يه في ذلك الأمر أوالحضرة من الإنكار أوالتعريف. فيعامل الحق بآداب ما تستحق ه. وقد ورد الخبر السليم في ذلك في تجل يه سبحانه في موطن التلبيس، وهوتجل يه في غير صور الاعتقادات، فلا يبقى أحد يقبله، ولا يقربه، بل يقولون إذا نطق لهم: أنا ربكم: نعوذ بالله منك. فالعارف في ذلك المقام يعهده. غير أنه قد فهم منه، بما أفهمه، أنه لا يريد حتى يعهده في تلك الحضرة، من كان هنا مقيّد الفهم بصورة خاصة يعبده فيها. فمن أدب العارف حتى يوافقهم في الإنكار، ولكن لا يتلف ظ بما تلفظوا به من الاستعاذة منه، فإنه يعهده. فإذا نطق لهم الحق في تلك الحضرة، عند تلك النظرة: هل كان بينكم وبينه علامة تعهدونه بها ،يا ترى؟ فيقولون: نعم. فيتحول لهم سبحانه في تلك العلامة، مع اختلاف العلامات. فإذا رأوها، وهي الصورة التي كانوا يعبدونه فيها، حينئذ اعترفوا به. ووافقهم العارف بذلك في اعترافهم، أدبا منه مع الله وحقيقة، وأقر له بما أقرت الجماعة.

فهذه فائدة فهم المواقف. وما ثم منزل ولا مقام _ كما قلنا _ إلا وبينهما موقف، إلا منزلان أوحضرتان أومقامان أوحالان أومنازلتان ]السليم في جميع هذه الحالات الاستثناء بالنصب: منزلين... إلخ] كيف من الممكن أن شئت قل، ليس بينهما موقف. وسبب ذلك إنه أمر واحد، غير أنه يتغير على السالك حاله فيه، فيتخيل أنه قد انتقل إلى منزل آخر، أوحضرة أخرى، فيحار لكونه لم ير الحق أوقفه، والتغيير عنده حاصل، فلا يدري هل ذلك التغير الذي ظهر فيه هومن انتنطقه في المنزل، أوانتنطقه عنه. فإن كان هنالك عارف بالأمر عهده، وإن لم يكن له أستاذ بقي التلبيس. فإنه من شأن هذا الأمر حتى لا يوقفه الحق، كما عمل معه فيما تقدم، وكما يعمل معه فيما يستقبل. فيخاف السالك من سوء الأدب في الحال الذي يظهر عليه، هل يعامله بالأدب المتقدم، أوله أدب آخر ،يا ترى؟ وهذا لمن أوقفه الحق من السالكين.

فإذا لم يوقفه الحق في موقف من هذه المواقف، ولم يعطه الفصل بين ما ينتقل إليه وعنه، كان عنده الانتنطقات في نفس المنزل الذي هوفيه. فإنه ما ثم عند صاحب هذا الذوق إلا أمر واحد، تكون فيه الانتنطقات، وهوكان حال المنذري، صاحب «المقامات»، وعليها بنى كتابه المعروف بـ «المقامات»، وأوصلها إلى مائة مقام في مقام واحد، وهوالمحب ة. فمثل هذا لا يقف ولا يتحير، ولكن يفوته فهم جليل من الفهم بالله وصفاته المختصة بما ينتقل إليه، فلا يعهد المناسبات من جانب الحق إلى هذا المنزل. فيكون عنده فهم إجمال، قد تضم نه الأمر الأول عند دخوله إلى هذه الحضرات. ويكون فهم صاحب المواقف فهم تفصيل، ولكن يعفى عنه ما يفوته من الآداب، إذا لم تقع منه، وتجهل فيه، ولا يؤثر في حاله، بل يعطي الأمور على ما ينبغي، ولكن لا يتنزل منزلة الواقف. ولا يعهد ما فاته، فيعر فه الواقف، وهولا يعهد الواقف.

فلهذا المنزل الذي نحن فيه موقف يجهل، بل يحار، فيه صاحب المواقف، لأن المناسبة بين ما يعطيه الموقف الخاص به وبين هذا المنزل بعيدة مما بنى المنزل عليه. وكذلك الذي يأتي بعده، غير حتى النازل فيه، وإن كان حائرا، فإنه يحصل له من الموقف في تلك الوقفة، إذا ارتفعت المناسبة بين المنزل والوقفة، حتى المناسبة ترجع بين الوقفة والنازل، فيعهد ما تستحقه الحضرة من الآداب مع ازدياد المناسبة، فيشكر الله على ذلك.

فصاحب المواقف متعوب، لكنه عالم كبير. والذي لا موقف له مستريح في سلوكه غير متعوب. ورب ما إذا اجتمعا، ورأى من لا موقف له حال من له المواقف، ينكر عليه ما يراه فيه من المشقة، ويتخيل أنه دونه في المرتبة. فيأخذ عليه ذلك، ويعتبه فيها، ويقول له: الطريق أهون من هذا الذي أنت عليه، ويتشيخ عليه، وذلك لجهله بالمواقف. وأما صاحب المواقف فلا يجهله، ولا ينكر عليه ما عامله به من سوء الأدب، ويحمله فيه، ولا يعر فه بحاله، ولا بما فاته من الطريق. فإنه قد فهم حتى الله ما أراده بذلك، ولا أهله، فيقبل كلامه. وغايته حتى يقول له: يا أخي سلم الي حالي كما سلمت إليك حالك، ويهجره. وهذا الذي نب هتك عليه من أنفع ماقد يكون في هذا الطريق لما فيه من الحيرة والتلبيس، فافهم (ط بولاق، ج- 2، ص 805، ط بيروت، ج- 2، ص 599).

5- في هذه الفقرة يشير ابن عربي إلى «صاحب المواقف» في موضوع قول الصوفي «نطق لي، وقلت له»، إذا «لم يروا في الوجود غير الله» (ط بولاق، ج- 2، ص 827، ط بيروت، ج- 2، ص 614).

الشعراني

الطبقات الكبرى، ج- 1، ص 175 (ط القاهرة 1343 هـ/ 1925 م):

«الشيخ محمد بن عبد الجبار النّفري رحمه الله: كان من أهل القرن الرابع، رضي الله عنه، ولكن هكذا سقط لنا ذكره، وإن كنا لم نلتزم ذكرهم على ترتيب الزمان. وكان له، رضي الله عنه، كلام عال في طريق القوم: ]المتصوفة[، وهوصاحب «المواقف». نقل عنه الشيخ محيي الدين بن العربي، رضي الله عنه، وغيره. وكان إماما بارعا في جميع العلوم. ومن كلامه رضي الله عنه في «المواقف» يقول الله عز وجل: «كيف لا تحزن قلوب العارفين ،يا ترى؟ وهي تراني أنظر إلى العمل، فأقول لسيئه: كن صورة تلقى بها عاملك، وأقول لحسنه: كن صورة تلقى بها عاملك».

وكان يقول:

»قلوب العارفين تخرج إلى العلوم بسطوات الإدراك، وذلك كفرها، وهوالذي ينهاها الله عنه».

وكان يقول، كأن الحق تعالى يقول:

»إذا تعل ق العارف بالفهم وادعى إنه تعلق بي، هرب من الفهم، كما هرب من النكرة».

وكان يقول: كأن الحق تعالى يقول لقلوب العارفين:

»أنصتوا، واصمتوا، لا لتعهدوا، وإن ادعيتم الوصول إلي فأنت: ]فأنتم [ في حجاب بدعواكم، ووزن معهدتكم كوزن ندمكم. فإن عيونكم ترى المواقيت، وقلوبكم ترى الأبد. فإن لم تستطيعوا حتى تكونوا من وراء الأقدار، فكونوا من وراء الأفكار».

وكان يقول:

»التقطوا الحكمة من أفواه الغافلين عنها، كما تلتقطونها من أفواه العامدين لها. فإنكم ترون الله وحده في حكمة الغافلين، لا في حكمة العامدين».

وكان يقول:

»حق الفهم حتى تشهد العرش وحملته، وما حواه من جميع ذي فهم يقول بحقائق إيمانه: ليس كمثله شيء. وهو، أي العرش، في حجاب عن ربه. فلوحمل الحجاب لاحترق العالم بأسره في لمح البصر، أوأقرب».

وكان يقول:

»لا تفارق مقامك، ] أو[ يميد بك جميع شيء. وليس مقامك إلا رؤيته تعالى. فإذا دمت على رؤيته، رأيت الأبد بلا عبارة. إذ الأبد لا تعبير فيه، لأنه وصف من أوصاف الله عز وجل. لكن لم اسبح الأبد، خلق الله من تسبيحه الليل والنهار».

وكان يقول:

»إذا اصطفيت أخا، فكن معه فيما أظهر، ولا تكن معه فيما أسر. فإن ذلك من دونك سر، فإن أشار إليه فأشر إليه، وإن أفصح به فأفصح عنه».

وكان يقول، كأن الحق تعالى يقول:

»اسمي وأسمائي عندك ودائعي، لا تخرجها، فأخرج من قلبك. فإذا خرجت من قلبك، عبد ذلك القلب غيري، وأنكرني بعد الفهم، وجحدني بعد الإقرار. فلا تختر: ]تخبر[ باسمي، ولا بمعلوم اسمي، ولا تحد ث من يفهم اسمي، ولا بأنك رأيت من يعهد اسمي، وإن حدثك عن اسمي، فاسمع منه، ولا تخبره أنت».

وكان يقول:

؛علامة الذنب الذي يغضب الله عز وجل حتى ي عق ب صاحبه الرغبة في الدنيا، ومن رغب فيها فقد فتح بابا إلى الكفر بالله عز وجل، لأن المعاصي بريد الكفر. وكل من ولج ذلك الباب، أخذ من الكفر بقدر ما دخل».

والله تعالى أفهم. وقد ذكرنا جملة صالحة من كلامه في «مختصر المواقف»، والله تعالى أفهم».


حاجي خليفة

كشف الظنون (تحقيق: فلوجل، جـ 5، ص 235، ت 13355):

»المواقف» في التصوف، للنف ري، وهوالشيخ محمد بن عبد الجبار بن الحسن النفري، الصوفي، توفي سنة 354 هـ. وعليه شرح للتلمساني (عفيف الدين سليمان بن علي بن عبد الله) الأديب، الصوفي، توفي سنة 690 هـ. ويأتي الشرح بعد المتن، وأوله: الحمد لله رب العالمين. ويبدأ بشرح موقف الغر: [العز].

القاشاني

لطائف الأعلام في إشارات أهل الإلهام، مادة «موقف»:

»الموقف هونهاية جميع مقام، وهواستيفاء حقوق المراسم، كما بينت هنا. وهومقام الموقف أيضا: الذي هوالحبس بين المقامين، لأن غرض الصوفي من الاتحاد هوما يبقى فيه من إصلاح المقام الذي حصل فيه الترقي، وأيضا لأن غرض استيفائه هوما يحتاجه عند دخول المقام الذي يحصل فيه الترقي. والمواقف: جمع موقف، وهوموضع الوقفة، كما بينت. وقد جمعت هذه المواقف في كتاب اسمه: «المواقف النفرية»، منسوب للشيخ محمد بن عبد الجبار النفري، جمع فيه المقامات من خلال الوقوف بين مقامين. لهذا السبب عنون جميع مبتر منه بهذه الحدثات: أوقفني ونطق لي».

المضىي

المشتبه (ذكره دي غويه: مرشد المخطوطات الشرقية في ليدن):

النفري، محمد بن عبد الجبار، صاحب «المواقف» والانادىءات والبدع.

فكر النفري

الحكمة الصوفية

أهم ما يتسم به فكر النفري هوممضىه في الوقفة. وقد مر بنا التأويل الذي نسبه ابن العربي لهذا المصطلح الفني: غير حتى النبذة المقنعة فيه مستمدة إلى حد كبير من التمعن في البتر التي يحاول فيها النفري نفسه حتى يوضح ما المقصود بالوقفة. والموقف الثامن بمجمله هومن طبيعة الحال الشاهد الكلاسيكي على موضوع الوقفة، وينصرف اهتمام القارئ انصرافا كاملا لذلك الموقف، لأنه يحتوي على جوهر تعاليم النفري.

الوقفة

الوقفة ينبوع الفهم،حيث يستمد الواقف فهمه من تلقاء نفسه، بينما يستمده غير الواقف من غيره. وللوقفة مطلع على جميع فهم، وليس لفهم عليها مطلع. الوقفة روح الفهم، والفهم روح الحياة. فالوقفة عمود الفهم، مثلما حتى الفهم عمود الفهم. في الوقفة تحترق الفهم مثلما يحترق الفهم في الفهم. والوقفة وراء البعد والقرب، والفهم في القرب، والفهم في البعد. لأن الوقفة حضرة الله، والفهم خطابه، والفهم حجابه. إذن لدينا: الوقفة [الفهم] الفهم.

الوقفة باب الرؤية، وهي تعتق من رق الدنيا والآخرة. إنها نور الله الذي لا يجاوره الظلم. إنها يد الله الطامسة التي ما أتت على شيء إلا طمسته، ولا أرادها شيء إلا أحرقته. إنها أيضا ريح الله التي من حملته بلغ إليه. لكنها، مع ذلك، لا تفضي إلى الله كما لا تفضي الفهم إليها، ولا الفهم للفهم. لأنها جوار الله، والله غير الجوار. ولوصلح لله شيء صلحت الوقفة، ولوأبلغ عن الله شيء، أبلغت الوقفة. الوقفة تمحوالخواطر بنوريتها وتعهد الأقدار. إنها نار السوى، ونار الكون. إنها انبثاق من الحرف، ونار تحرق الفهم،لأنها تبي ن حتى الفهم سوى. الوقفة تنفي ما سواها، كما ينفي الفهم الجهل. وبينما ترى الفهم الله ونفسها، ترى الوقفة الله فقط. الفهم حد ما ينطق، والوقفة وراء ما ينطق. لوخرج الصوفي عن الوقفة التي تقربه من الله، لانتهبته المكونات. إذا الوقفة محالة حقا، ما دام للسوى جاذب، لكنها توضح حد السوى، حتى يخرج الصوفي عن السوى.

الواقف

لا يصلح الواقف على الفهماء، ولا تصلح الفهماء عليه. والعارف يشك في الواقف، ولا يقدر قيمته حق قدرها، لكن الواقف لا يشك في العارف. والواقف وحده يجمع بين الفهم والحكم، لأنه يرى الفهم ولا يروقه الحسن، ولا يروعه الروع. وكل واقف عارف، وما جميع عارف واقف. يخبر الواقف عن الله، ويخبر العارف عن الفهم. وقلب الواقف على يدي الله، وقلب العارف على يد الفهم. والعارف ذوقلب، والواقف ذورب. وإذا هبط البلاء تخطى الواقف، ونزل على فهم العارف وفهم العالم. والعالم في الرق، والعارف ممحرر، والواقف حر. لأن الواقف فرد والعارف مزدوج، والعارف يعهد ويعهد، والواقف يعهد ولا ي عر ف. والعالم يرى فهمه ولا يرى الفهم، والعارف يرى الفهم ولا يرى الله، والواقف يرى الله ولا يرى سواه. يخبر العالم عن الفهم، ويخبر العارف عن الفهم، ويخبر الواقف عن الله.يخبر العالم عن الأمر والنهي وفيهما فهمه، ويخبر العارف عن حق الله وفيه معهدته، ويخبر الواقف عن الله وفيه وقفته. يرى الواقف ما يرى العارف في معهدته، ويرى العارف ما يرى العالم في فهمه. إذا وقف الإنسان بالله أعطاه الله الفهم فكان أفهم به من العالمين، وأعطاه الفهم فكان أعهد بها من العارفين، وأعطاه الحكم فكان أقوم به من الحاكمين. يرى العارف مبلغ فهمه، والواقف وراء جميع حد ومبلغ. لأن للعارف أخبار الله وللواقف وجهه.

لا يستقر الواقف عند شيء حتى يصل الله، فلا يتسع له شيء، ولا ينسجم معه شيء. لوتعلق قلبه بالسوى، فلنقد يكون واقفا، ولوكان السوى في قلبه، فلنقد يكون دائما. لأن الواقف وحده هوالدائم، والدائم وحده هوالواقف. ولا يعهد الواقف المجاز، لذلك ليس بينه وبين الله حجاب. والواقف بحضرة الله يرى الفهم أصناما ]هكذا في الترجمة الانجليزية، وفي الأصل العربي: أصنافا، ولعله خطأ طباعي[ ويرى العلوم أزلاما. يموت جسم الواقف ولا يموت قلبه. ولا يرى حقيقة إلا الواقف. وهووحده الذي يدنومن فهم الله، لأن الله لن ي عهد أبدا فهم كاملة. ويكاد الواقف يفارق حكم البشرية، ولا يأتلف به الزمان والحدثان. وهوقد عبر صفة الكون فما ي حكم عليه.فليس للكون حكم عليه، إذ لا يستقر في الكون، ولا الكون فيه. ولوانفصل عن الحد شيء انفصل الواقف. لأنه لا يقبله الغيار ]لا يؤثر فيه التغير[ ولا تزحزحه المآرب. وقد يوجد فيه جميع شيء، ولا يوجد في شيء. وهوأقرب إلى الله من جميع شيء.

لقد أصبحنا الآن في وضعية مناسبة لمراجعة أحكام النفري عن الفهم والفهم، ومعهما أوصافه للعارف والعالم.

الفهم

رأس الفهم حفظ الحال الروحي للصوفي، وكل ما يجمعه على الفهم فهومن الفهم. والفهم لسان الفردانية، إذا نطق محا ما سواه، وإذا صمت محا ما تعر ف. والفهم باب الله، والفهم بوابه. الفهم عمود لا يقله إلا الفهم، والفهم عمود لا يقله إلا المشاهدة. لذلك تظل الفهم ما بقي خاطر: أول المشاهدة نفي الخاطر، وآخرها نفي الفهم. الفهم نار تأكل المحبة، لكنها أيضا تأكلها نار الوقفة، التي تشهد حتى الفهم سوى. إذا رأى الصوفي الله، رأى الفهم والفهم نفيا عن الله، وإذا حملهما في طريقه إلى الله، اعترضته الدنيا والآخرة، وإن كان طريقه فيهما حبساه. الفهم بلاء الخلق خصوصه وعمومه، وفي الجهل نجاة الخلق عمومه وخصوصه. جميع أحد تضره معهدته، إلا من وقف بالله في معهدته. الفهم التي لا جهل فيها فهم لا فهم فيها، لكن الفهم التي لا جهل فيها لا تبدو، تماما كما لا يظهر جهل لا فهم فيه. وإذا تعهد الله إلى قلب أفناه عن جميع المعارف. فالفهم إذا حضرت، غابت الحاجة. أول ما تأخذه الفهم من العارف كلامه. ذلك حتى آية الفهم ألا يسأل العارف الله عنه ولا عن كلامه، بل يزهد في جميع فهم فلا يبالي بعد معهدته بفهم سواه. جميع من يحاول حتى يعلق فهم الله على فهم السوى فهومنكر. لأن المعارف المتعلقة بالسوى نكرات، قياسا بالمعارف غير المتعلقة بالسوى. والمعارف التي تثبت بالواسطة تمحوها الواسطة.

‏«يا عبد؛ وإن أفقدتُكَ الوجدَ بي حَجَبتُك عن الفهم بي، وإن حجبتُك عن الفهم بي علّقتك بفهم من المعلومات سواي، وإن علقتك بفهم من المعلومات سواي أوجدتُك بكِ، وإن أوجدتُك بك عاد وجدك بك حاجبًا عن المعلومات، فلا لك فهم بمعلوم وأنت بك واجد، ولا لك فهم بي وأنت بالمعلومات متعلق.”

العارف

لا يصلح العارف لحضرة الله، لأن سرائره بنت قصورا في معهدته، فهوكالملك لا يحب حتى يزول عن ملكه. والوقفة ميثاق الله على جميع عارف: إذا عهد هذا الميثاق خرج من الفهم إلى الوقفة، وإن لم يعهده امتزجت معهدته بحده. وفهم من لم يقف حاسرة، تماما كما حتى فهم من لم يعهد غير مفيد. العارف يستدل بالله، والعالم يستدل على الله. ولا يذنب العارف إلا طالما معهدته: فإن لم يدم فهومنكر،وإن لم ينصر الله فهومنكر. الفهم خطاب الله، وحكومة العارف خطابه، وحكومة الواقف صمته، وحكومة الفهم فهمه. ترى قلوب العارفين الأبد، وترى عيونهم المواقيت: أرواحهم لا كالأرواح، وأجسامهم لا كالأجسام.

الفهم

الفهم حجاب الله، لأنه حجاب الرؤية. فهوحجة الله على جميع عقل، فالعقل فيه يثبت: ولكن إذا انحصر الفهم لم يكن فهما . الفهم باب الله، ولكنه يفصل عن الله أيضا حين ينادي على العابد بجوامعه في صلواته. الفهم أضر من الجهل على من يرى الله، لأنه وما ينطوي عليه في غياب، لا في رؤية. ليس للفهم مطلع على الله، ولا متعلق له به. ونوره يضئ الصوفي لذاته، لا عن الله. تظل الخواطر والمخاطر ما بقي الفهم:لأنه ملقى في الحرف، ولأنه معدن الحرف، والاسم معدن الفهم. الفهم مجرد واسطة، والوسائط يجب حتى ت طرح جانبا مع المعارف في الطريق إلى الحق، لأن المتصوف، إذا انقاد لهما، فقد يهوي بالفهم، وقد تنقلب الفهم به إلى نكرة. صاحب الرؤية يفسده الفهم، كما يفسد الخل العسل. الفهم الذي يرى فيه الصوفي الله هوالسبيل إليه، والفهم الذي لا يراه فيه هوحجاب فاتن، لا طريق فيه يفضي إلى الله. حين يرى الصوفي الله، يرى الفهم والفهم طردا من حضرته، فلا يرى الله، ولا ينتفع بفهمه. ومن لم يستقر في الجهل لم يستقر في الفهم. ومن لم يستتر بالجهل من الفهم لم ير الحق. العلوم حدثات من حدثات الله: مبلغ حدها الجزاء، فلله في العلوم بيت، يتحادث منه مع الفهماء.

العالم

العالم يستدل على الله، لكن جميع مرشد يستدل به إنما يدله على نفسه، لا على الله. وما لم يتوقف العالم ويفتر، فإنه جاهل، وإن لم يزل جميع عالم، لم يزل جميع جاهل. والفهماء على ثلاثة أنواع: عالم هداه في قلبه، وعالم هداه في سمعه، وعالم هداه في تفهمه. والفهماء يدلون على طاعة الله، لا على رؤية الله.

لفظتان كثيرا ما يقابل بينهما النفري، وهما الرؤية والغيبة. وقد جمعنا هاهنا أبرز المقاطع التي يشير فيها النفري إلى هاتين الحالتين.

الرؤية

باب الرؤية هي الوقفة، وإن خرج الواقف من رؤية الله احترق. وذكر الله، في أثناء رؤيته، جفاء، فكيف برؤية سواه، أم كيف من الممكن أن بذكره مع رؤية سواه. لن يبقى الصوفي في رؤية الله، حتى يخرج من الحد والمحدود (أومن الحرف والمحروف)، ويرى حجاب الله رؤية، ورؤيته حجابا. مقام الصوفي هوالرؤية، وما لم يقف في الرؤية تخطفه جميع كون. الرؤية وصل بين الصوفي والأمور، والغيبة تجديد الوصل. رؤية الله تثبت القلب وتمحوالكون والوجود، وبالرؤية تكتمل هوية الذات والموضوع. الرؤية باب الحضرة، فبالرؤية يثبت الله الأسماء ويمحوها في الحضرة. من ير الله يغتن غنى لا ضد له. لا صمت، في الرؤية، ولا نطق، ولا إضحاء ولا ظل. الرؤية حتى يرى العبد الله في جميع شيء، والغيبة حتى لا يراه في شيء. تنتمي الرؤية إلى الخصوص، وتنتمي الغيبة إلى العموم: فالغيبة هي الدنيا والآخرة، والرؤية لا هي الدنيا ولا الآخرة. محرم على العبد حتى يسأل الله في الرؤية، إلا حتى يقول للشيء «كن» فيكون. إذ لوسكن الإنسان على الرؤية طرفة عين لجوزه الله على جميع ما أظهره وآتاه سلطانا عليه. رؤية الدنيا توطئة لرؤية الآخرة، ومن لم ير الله في الدنيا لن يراه في الآخرة.

الغيبة

الغيبة قاعدة ما بين الرب والعبد في إظهار الصوفي، وهي تكمن في حتى لا يرى الله في شيء، وفي اعتبار الله مثبتا للإظهار، به يراه ويرى الإظهار. ما من عزاء في غيبة الله، إذ لواتى الكون كله لتعزية المتصوف في غيبة الله، وسمعه المتصوف وأجابه، فلن يرى الله. من يسأل الله في الغيبة كمن لا يعهده، حقا حتى الله أباح للمتصوف مسألته في الغيبة، ولكن فقط لحفظه في رؤيته. يطغى جميع شيء على العابد في الغيبة، ويسع الفهم جميع شيء في الغيبة، لكن الفهم لا ينفع حامله. الغيبة والنفس كفرسي رهان، وإذا بنت الغيبة هدمت الرؤية. غيبة الحق التي لا تعد بالرؤية هي حجاب، لأن الغيبة حجاب لا ينكشف. الغيبة سجن المؤمن في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا هي وعيد الله، وفي الآخرة هي احتجاب يبقى ما بقيت المطالبة من الحق ومن العبد. وأخيرا، فالغيبة هي وطن ذكر، لأنها المسرح الذي يذكر فيه العبد الرب كما يحب الرب، وإذا خرج العبد في الغيبة عن ذكر الرب، غلبه جميع شيء، ولن ينصره الله.

كثيرا ما يناقش النفري طبيعة الغير الذي يساويه بالباطل، ويطلق عليه مختلف الألفاظ مثل (السوى) و(الغير) و(الحرف) (وجمعها: حروف) و(الكون). وستوضح مجموعة المقاطع التالية المأخوذة من نصوصه ممضىه الصوفي في هذه القضي ة.

السوى

إن لم يظفر العبد بالحق فإنه سيظفر به سواه، ولن يظفر العبد بوقفة ما بقي عليه جاذب من السوى. والجمع بين السوى والفهم يعني محوالفهم وإثبات السوى: لكن إذا ذكر العبد الحق مر ة، محا الحق ذكر السوى جميع مرة. يجب حتى ي مضى الصوفي عنه عثر السوى بالمجاهدة، إذ لا يمكن حتى يجاور الحق عثر بسواه. يجب حتى يخلي الصوفي بيته من السوى، وأن يغطي وجهه وقلبه، حتى يخرج السوى، فإذا خرج فضحك نعماء. فإن تبع السوى الصوفي، وإلا تبعه الصوفي. وإذا تم الجمع للصوفي من خلال السوى، فإن جمعه في الحقيقة فرق. العبد عبد السوى ما رأى له أثرا. ومن التزم بحقوق الإيمان بالله، وحدث سواه، فقد كفر. فالكون كله سواه، فالسوى كله حرف، والحرف كله سوى. والعبد المخلص لله هومن يتحرر من السوى، والعبد الأمين هوالذي يرد السوى إليه. ومن لم يجب دعوة سواه خطه الحق جليسا له.والسوى، عند رؤية الحق، كله ذنب، وفي غير الرؤية كله حسنة. ومن استغنى بشيء سوى الله فقد افتقر بما استغنى به.

الغير

إذا رأى الصوفي غير الله فإنه لم ير الله، لأن الغير كله طريق الغير. وإذا عر ف الله الصوفي على السوى فإنه أجهل الجاهلين، إذ ليس ثم غير الله. ورؤية غير الله تعني تول يه: لكن ذلك الجزء من الصوفي الذي يعهد الله لا يصلح على غيره. والعمل الذي أريد به وجه الله فذلك له، والعمل الذي أريد به غيره فذلك لغيره. وإذا خرج الله من قلب عبد ذلك القلب غير الله.لكن ولي الله لا يسعه غير الله، لأن الله لم يرده لغيره. وإذا أجاب الله نداء الصوفي فقد أصمه عن نداء غيره ما بقي، وإن اختار الصوفي غير الله غاب عنه الله.

الحرف

الحرف خزانة الله، فمن دخلها فقد حمل أمانته: والحرف نار الله، وقدره ] هكذا يقرؤها آربري، ويترجمها ب- value ولعل قراءتها السليمة هي: قدره [، وأمره وخزانة سره. جميع نطق يظهر، فقد أثاره الله وحروفه ألفته: لأن الله ألف بين جميع حرفين بصفة من صفاته، فتكونت الأكوان بتأليف الصفات لها. فالذين عند الله لا يفهمون حرفا يخاطبهم، لأن الله أشهدهم قيامه بالحرف،فلا يرونه إلا آلة وواسطة. والحرف الذي تكونت به الحروف لا يستطيع محامد الله، ولا يثبت لمقامه: ولواجتمع النطق كله في حرف، وتعل ق ذلك الحرف بالله، لما بلغ كنه حمده، ولا حمل رؤية قربه. وما أوفد الله العبد إلى الحرف إلا ليقتبس حرفا من حرف كما يقتبس نارا من نار. فإذا خرج العبد من الحروف فقد نجا من السحر. وهذا الخروج عن الحرف خروج عن الاسم والمسميات وعن جميع ما بدا، ولذلك فهويفضي إلى الصحبة الكاملة. ولن يقف الصوفي في رؤية الله حتى يخرج عن الحرف والمحروف. الحرف حجاب: والفهم حرف، والفهم حرف، ولن يفلح المتصوف ما لم يخل ف الحرف وراء ظهره. لأن الشك يسكن في الحرف، والكيف يسكن في الحرف، فالحرف فج إبليس. الحرف لا يعهد الله، والله يخاطب الحرف بلسان الحرف، والحرف أعجز من حتى يخبر عن نفسه، فكيف يخبر عن الله ،يا ترى؟ الحرف مرشد إلى الفهم، لكنه لا يلج الجهل: فالفهم في الحرف، ومن اجله ي نحت الحرف في دهليز الله. والولي لا يسعه حرف. إذا ثبت الحرف للصوفي، فما هومن الله، ولا الله منه. والحرف لا يلج الحضرة، وأهل الحضرة يعبرون الحرف ولا يقفون فيه. الخارجون عن الحرف هم أهل الحضرة، والخارجون عن أنفسهم هم الخارجون عن الحرف. والله أقرب من الحرف وإن نطق، وأبعد من الحرف وإن صمت، لأنه رب الحرف والمحروف.والأسماء نور الحرف، والمسم ى نور الأسماء.

الكون

الكون موقف، وكل جزئية من الكون موقف: والكون كله سوى، إذا أجابه الصوفي عذ به الله، ولم يقبل منه ما اتى به. ومن تعل ق بالكون عرض له الكون. ولكن إذا أقام الصوفي عند الله اجتاز الكوني ة، لأن رؤية الله تمحوالكون. والوقفة حق ا نار الكون، لأن الواقف إذ لا يستقر على كون يعبر صفة الكون. والكون كله لا يسع عطايا الله. لم يدرك الكون فهم تكوينه، ولن يدركه. وإذا جعل الصوفي الكون طريقا من طرقاته لم يزوده الله منه بزاد، لأن الزاد لا يأتي من الطريق. الكون كالكرة والفهم كالميدان. فـ «أنت»، أعني: فكرة المخاطب، هي معنى الكون كله.

أخيرا، من المفيد حتى نجمع معا المقاطع التي تلقي الضوء على الممضى الخاص بالنفري عن المعنى والاسم والحروف، إذ غالبا تكون الجمل المنفصلة عن بعضها غير مفهومة، لكنها إذا جمعت وقوبلت كونت فلسفة صوفية مثيرة ودقيقة.

المعنى

»أنت» هي معنى الكون كله. معناك أقوى من السماء والأرض، معناك يبصر بلا طرف، ويسمع بلا سمع، لا يسكن الديار ولا يأكل من الثمار، ولا يجنه الليل، ولا يسرح بالنهار. معناك لا تحيط به الألباب، ولا تتعلق به الأسباب. لأنه المعنى الذي خلقه الله، والله من ورائه. يريد الله حتى يبدي خلقه ويظهر ما يشاء فيه، لذلك يظهره يدعوإلى نفسه، ويحجب عنه، ويحضر بمعنوي ته، ويغيب عن موقفه. لأن الله أظهر جميع شيء، وجعل الترتيب فيه حجابا عن معنويته، وصي ر الحد فيه حجابا عن مراده فيه. جميع معنوية ممعناة إنما معنيت لتصرف، وكل ماهية ممهاة إنما أمهيت لتخترع. مصحوب جميع شيء غالب حكمه، وحكم جميع شيء راجع إلى معنوي ته، ومعنوية جميع شيء ناطقة عنه، ونطق جميع شيء حجابه إذا نطق.

لكل شيء من الظواهر حكم وصف انفصل عنه، وبقي الوصف وصفا والحكم حكما. حتى ليمكن اعتبار الوجود على نوعين: فوقي، وتحتي، والأرواح والأنوار في الفوقي ة، والأجسام والظلم في التحتي ة. ينتمي الكل إلى الفوقي ة، ولكنه حين يقترن بالإنسان ينتمي إلى التحتية.وتنتمي «الأنية» و»الهوية» إلى الكل: فقد أظهر الله الظواهر بالمعنوي ة، وفيها العوالم الثبتية، ثم بدا للثبتية فأفناها، فلم يبق إلا المعنوية. وتنتمي المعنوية إلى الفوقية، وموضع الإنسان بين الروحي والثبتي.

لكل شيء شجر، وشجر الحروف الأسماء، فامضى عن الأسماء تمضى عن المعاني، وبذلك تصلح لفهم الله. إذا خرجت من معناك، خرجت من اسمك، وإن خرجت من اسمك سقطت في اسم الحق. والسوى كله محبوس في معناه، ومعناه محبوس في اسمه، فإذا خرجت من اسمك ومعناه، لم يكن لمن حبس في اسمه ومعناه سبيل عليك. لكل شيء اسم لازم: ولكل اسم اسماء: فالأسماء تفرق عن الاسم، والاسم يفرق عن المعنى. لقد أل ف الله بين جميع حرفين بصفة من صفاته، فتكونت الأكوان بتأليف الصفات لها: والصفة التي «لا تننطق» هي فعاله، وبها تثبت المعاني، وعلى المعاني ركبت الأسماء.

الاسم

الحرف متضمن في الأسماء، والأسماء في الاسم، والاسم في الذات: الأسماء نور الحرف، والمسمى نور الأسماء. الفهم والمعلوم في الاسم، والحكم والمحكوم في الفهم. الاسم معدن الفهم، والفهم معدن جميع شيء: فالاسم يستهلك الفهم، والفهم يستهلك المعلوم، والمسمى يستهلك الاسم.

الأسماء لله: هومن أودعها، وبه أودعها. اسمه وأسماؤه ودائعه عند الإنسان فلا يخرجها حتى لا يخرج من قلبه. وأينما جعل الله اسمه فليجعل الصوفي اسمه، ذلك حتى الله إذا آتى أحدا اسما من أسمائه، وحدثه قلبه به، فقد أوجده الحق به لا بالعبد، وقد حدثه العبد بذلك الجزء الذي حدثه به الحق. وإذا رأى العبد الحق ولم ير اسمه وانتسب إلى عبوديته فهوعبده: لأنه إذا رآه ورأى اسمه فقد غلبه الله. وإذا رأى اسم الله ولم يره فإن عمله لا يصلح لعبودية الله، وما هوبعبده. يجب حتى يواري العبد الحق عن اسمه، وإلا رأى الاسم ولم ير الحق. لكنه إذا لم ير الله فيجب حتى لا يفارق اسمه.

أودع اسمك لله، ولا تجعل بينه وبينك اسما ولا فهما، لأن فهمك حجابك، وأسماءك حجابك. وإذا أمضىك الله عن الأسماء فقد آذنك بحكومته، ولا حكم للاسم من دون الله.

الحروف

عن ممضى النفري في الحروف انظر مادة الحرف فيما تجاوز

المخطوطات

أعطينا هنا رموز المخطوطات التي اختارها آربري في آخر النص العربي - المترجم.

اعتمدت عند إعداد هذه الطبعة من «المواقف» و؛المخاطبات» على المخطوطات الآتية:

ب - مخطوطة مارش 166 في مخطة بودليان، أكسفورد. وهي مخطوطة واضحة جيدة الخط، منقوطة قليلا، تحتوي على؛المواقف» وشرح التلمساني له، مكتوبة سنة (694هـ) وتقع في (220) ورقة.

ج - مخطوطة غوطة 880. مخطوطة ممتازة، يمكن اعتبارها أبرز مخطوطة تجمع تراث النفري، وتحتوي على «المواقف» و؛المخاطبات» معا وبعض الشذرات الأخرى، ولكن بدون شرح. خطت سنة (581 هـ) وتقع في (132) ورقة. وترقيمها في الوقت الحاضر لا يخلومن اضطراب. وهذه المخطوطة، كما يقول ناسخها، منقولة عن نسخة بخط النف ري نفسه، لذلك فهي تحتفظ بتراث قديم جدا، كما هوواضح، فيما يتعلق بتاريخ أجزاء الكتابات المتنوعة وتبويبها.

أ - مخطوطة مخط الهند،لندن، 795. اطلعت على هذه المخطوطة في البداية من خلال صورة لها عند الأستاذ نكلسون. وتحتوي على «المواقف» وشرح التلمساني. وقد تم نسخها سنة (1087)، وتقع في (156) ورقة.

ل - مخطوطة ليدن، ورنر، 836. لم يذكر بروحدثان هذه المخطوطة في قائمته، وقد تفضل بتنبيهي إليها د. فان أريندونك، الذي يصفها كالتالي: «مخطوطة واضحة جيدة الخط، مكتوبة بالنسخ، تقع في (291) ورقة، في جميع صفحة أحد عشر سطرا، ببترثمانية *51 سم. وهي منقوطة حتى الورقة (37)، وعلى هامشها شروح حتى الورقة (4. وليس فيها تاريخ، لكن المخطوطة هنا (في ليدن) منذ منتصف القرن السابع عشر». والشرح الذي عليها هوفي الأساس للتلمساني، ولكن هناك أيضا شذرات من شرح خطه من اسمه عبد الكريم السوزي.

م - مخطوطة مارش 455 في مخطة بودليان. مكتوبة بخط صغير دقيق، وتقع في (571) ورقة، وتحتوي على «المواقف» و»المخاطبات» مع شرح قصير مجهول المؤلف، هناك ما يرجح نسبته لابن عربي. المخطوطة غير مؤرخة، وتتبع تقليد مخطوطة (ج).

ق - مخطوطة تيمور باشا (القاهرة، دار الخط) تصوف 11. تحتوي على المواقف والمخاطبات وبعض البتر الأخرى. وقد فقد منها جزء كبير من المواقف. تم نسخها سنة (1116 هـ). ولم نستفد منها في هذه الطبعة، إلا فيما يتعلق ببعض قراءات المخاطبات. أما إسناد المواقف فيها فلا وزن له.

ت - مخطوطة ثيرستون، 4، في مخطة بودليان

مدخله في ويكيبيديا

وتحدث عنه دكتور مصطفى محمود في كتابه رأيت الله.

لم يكن النفري يفهم أنه وبعد قرون من وفاته ستكون إحدى مكاشفاته في كتابه المعروف بالمواقف مدخلاً من مداخل من يتقول بالحداثة في الأدب وبخاصة الحداثة الشعرية فموقفه الذي يقول فيه»حدثا اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة«. منح للبعض ذريعة من تراث غني بأشكال الإبداع لتبرير ما لا ينطبق عليه قول النفري أوبالأحرى هجريب موقف النفري على انادىء مجاراة المنهج الذي خط فيه رؤيته من الماورائيات والحياة. وما كان الرجل يعهد أنّ هذه الجملة ستحقّق صيتاً واسعاً، وأن استعمالها سيتكرر إلى حد أنّ النفري كله سيقيم في أحشائها ولعل الاهتمام الذي يلقاه النفري منذ عقود، يوازي الإهمال الذي تعرض له طوال قرون.

ويعزوالكثير من الباحثين والمؤرخين ذلك إلى الطابع الغامض والمنغلق لنصوصه الصوفية نفسها.‏ لم يكن النفري صوفياً عادياً إلى حد أنّ اسمه لا يحضر إلى جانب غيره من المتصوفة، في المصنفات الصوفية الكبرى.

المعلومات التي ذكرتها بعض المصادر بشأن حياته شحيحة، ولا تكفي لرسم صورة واضحة المعالم له. ويرى كثيرون أنّه لولا إشارات لابن عربي في »الفتوحات المكية« و»رسالة عين الأعيان«، لما تأكد اللاحقون من نسب »المواقف والمخاطبات« إلى النفري.

وجه النفري الجديد الذي ألبسه له أصحاب نظرية الحداثة يختلف اختلافاً جذرياً عن المنهج الذي أدخلوه فيه فهومن دون أدنى شك مبدع من الدرجة الممتازة أرادوا من خلاله تبرير تخبطهم ما بين الشكل الغربي وعدم القدرة على إثبات الذات وفق أسس راسخة يعتمد عليها والذي يعهد تراث النفري لن يأخذ هذا الإيحاء على محمل الطرافة فقط، إذ كثيراً ما اعتُبرت نصوص النفري، وخاصة مؤلَّفه الأشهر »المواقف« شعراً أونوعاً مبكراً وفريداً من الشعر. حتى إذا أدونيس تبنّى فكرة حتىقد يكون النفري السلف الشرعي لقصيدة النثر العربية.‏

ثم راج استخدامه رأس حربة في لقاءة المشككين في شعرية قصيدة النثر وأصلها »غير العربي«. والمعروف حتى أدونيس مضى أبعد من ذلك، فبحث في دراسة مشوّقة ومبتكرة عن التشابه الممكن بين »الصوفية والسريالية« بحسب ما عنون كتاباً له. فأدخله في ساحة غير ساحته بعد حتى عثر حتى أسلوب النفري في مواقفه أومخاطباته اختلف عن أسلوب القصيدة الموزونة المقفاة معتقداً أنه ومن خلال هذا المدخل سيُفضّل القارئ النفري الناثر على النفري الشاعر، فهوأكثر شعرية في نثره بما لا يُقاس مع غيره من الشعراء.

ولعل هذا ما دفع عدداً من الشعراء والنقاد الحديثين إلى اعتبار النفري شاعر قصيدة نثر بالمعنى الراهن للمصطلح. متجاهلين حتى النفري نفسه وحتى من اتى من بعده لم يعتبر أي منهم حتى ما خطه الرجل شعراً إنما حوكم على أساس أنها رؤية اتسعت في تعبير ضاقت كما نطق هومن خلال منهجه الصوفي المتمثل في محاكمة الأضداد لا مقاربة الأضداد ولا يخفى على الدارس المتأني والمتفطِّن التواجد في منطقة ما يسكت عنه الكلام المنطوق أوالمكتوب.‏

فالكتابان اللذان هما المواقف والمخاطبات محاولة جليلة لتنظيم ذاتٍ مبعثرة، إنما تنسجهما حزمةٌ من الأضداد أوالمثنويات، أهمها:

الله والسوي، والقرب والبعد، والفرق والجمع، والظاهر والباطن، والنطق والصمت، والليل والنهار، والحياة والموت، والفهم والجهل، والعبد والرب، والنور والظلام، والنار والماء

منهج الأضداد الذي حاول البعض افتراسه على أساس أنه ممضى الهجريب اللفظي والصوري والمجازي لما أطلق عليه قصيدة النثر وهذه أمثلة من المواقف والمخاطبات أسوقها لبيان حال النفري عن حال من يدعي انتهاج مدرسته في شكلانية كتابة النص النثري أوأسلوبه‏

-ونطق لي: سدَّ باب قلبك الذي يدخل منه سواي، لأن قلبك بيتي. (المحاورة 13)‏

- يا عبدُ، من صبر عن سواي أبصر نعمتي، وإلا فلا. (المحاورة 15)‏

-غششتُك إذا دللتُك على سواي. (الموقف السادس)

-ونطق لي: آليتُ لا أقبلك وأنت ذوسبب أونسب. (الموقف التاسع)‏

-ونطق لي: لا يجاورني وجدٌ بسواي. (الموقف17)‏

- أوقفني في ما يظهر فرأيته لا يظهر فيخفى ولا يخفى فيبدوولا معنى فيكون معنى (الموقف 21)‏

- إذا عهدتني بفهم أنكرتني من حيث عهدتني _ من سألك عني فسله عن نفسه فان عهدها فعهدني عليه _ الفهم نار تأكل المحبة لأنها تشهدك حقيقة الغنى عنك (الموقف 37)‏

وأي كان موقفنا من النفري أوسواه ممن قدم إبداعاته الأدبية على مدى التاريخ مكوناً مكدسات ثرية في تراث زاخر يتجنى عليه الكثير ممن لم يعهد ما فيه من إبداعات ويتجنى عليه حتى من يحاول حتى يحتج به لتبرير رؤيته المعاصرة

خطه

  • كتاب المواقف ويليه كتاب المخاطبات (رابط لتحميل الكتاب)

المصادر

  1. ^ {{Cite web | url= http://sudaneseonline.com/board/80/msg/%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D9%86-%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B1%D9%8A-1116882191.html | title = النّفري مؤلف «المواقف والمخاطبات» | author = آرثر جون آربري، ترجمة: [[سعيد الغانمي] | publisher = سودانيز أونلاين
  2. ^ حسب حاجي خليفة
  • ويكيبيديا
تاريخ النشر: 2020-06-09 10:05:29
التصنيفات: وفيات 354 هـ, وفيات 966, أشخاص من نفر, صوفيون عراقيون

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

كهربا من أمام الطائرة: "‎بنغيب فجأة ونرجع بمفاجأة"

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-01 18:22:29
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 36%

بلجيكا تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-01 18:21:20
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 65%

قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أبريل 2024

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-01 18:22:34
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 47%

أخبار مصر.. شبورة كثيفة وأمطار غدا والصغرى بالقاهرة 13 درجة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-01 18:22:31
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 50%

الحاصلة على شهادة محو الأمية فى سن السبعين: التعليم نور وحياة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-01 18:22:14
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 36%

كهربا يعلق من أمام طائرة هليكوبتر: "‎بنغيب فجأة ونرجع بمفاجأة"

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-01 18:20:51
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 65%

مسابقات جديدة لشغل 243 وظيفة بمصلحة الخبراء و81 بالطب الشرعي

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-01 18:22:38
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 36%

البنك المركزي: استئناف العمل بالبنوك غدًا الثلاثاء

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-01 18:21:26
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 52%

وصول كامل للقطارات.. اقتراب تشغيل مونوريل العاصمة الإدارية.. فيديو

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-01 18:22:19
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 49%

زعيم الثغر ينجو من كمين الداخلية ويتقدم للمركز الثالث

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-01 18:21:30
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 51%

انفجارات ضخمة تهز العاصمة الأوكرانية كييف

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-01 18:21:23
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 59%

“كولر” يوافق على رحيل محمود متولي في يناير

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-01 18:21:24
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 63%

ملكة الدنمارك تعلن عن تخليها عن العرش

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-01 18:21:22
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 66%

صافرات الإنذار تدوى فى مستوطنة كريات شمونة الإسرائيلية

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-01 18:22:36
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 37%

التنظيم والإدارة يعلن عن مسابقة وظائف 30 ألف معلم مساعد للعام الثالث

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-01 18:22:40
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 42%

ضحايا حفل "نوفا" يطالبون حكومة إسرائيل بـ200 مليون شيكل تعويض

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-01 18:22:23
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 35%

بمناسبة عيد ميلادها الـ69.. شاهد هدية رونالدو لوالدته

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-01 18:20:48
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 70%

هبطل السجائر وأكون انسان جديد.. نصائح للحفاظ على صحتك فى 2024

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-01 18:22:25
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 41%

مطار العريش يستقبل طائرة سعودية على متنها 24 طن مساعدات لغزة

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-01 18:21:02
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 50%

تحميل تطبيق المنصة العربية