عبد الغني النابلسي

عودة للموسوعة

عبد الغني النابلسي

عبد الغني النابلسي
وُلـِد عبدالغنی ابن اسماعیل النابلوسی
(1641-03-19)19 مارس 1641
دمشق، الدولة العثمانية، سوريا حالياً
توفي 5 مارس 1731(1731-03-05) (عن عمر 89 عاماً)
دمشق، الدولة العثمانية، سوريا حالياً
مبعث الشهرة عالم مسلم، وصوفي

عبد الغني بن اسماعيل بن عبد الغني النابلسي الدمشقي الحنفي (1050 - 1143 هـ / 1641 - 1730م)، هوشاعر، عالم بالدين والأدب مكثر من التصنيف، تصوف ولد ونشأ في دمشق ورحل إلى بغداد وعاد إلى سورية وتنقل في فلسطين ولبنان وسافر إلى مصر والحجاز واستقر في دمشق وتوفي فيها.

حياته

نسبه

يؤكد الشيخ عبد الغني النابلسي بأن نسبه يرتفع إلى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب. وقد حاول سبطه محمد كمال الدين الغزي التحقق من ذلك بالرجوع إلى خط التراجم المتوفرة لديه. والواقع فإن ثمة قائمتين بينهما حلقة مفقودة، وقد يحدث الاتصال يبنهما ممكناً عن طريق النساء ولكن المعلومات المتوفرة لدينا لا تسمح بمثل هذا الربط. تنتهي القائمة الأولى إلى بني جَمَاعة الذين قطنوا جَمّاعيل في ضواحي القدس، وهم من أوائل اللاجئين الفلسطينيين إلى دمشق إبان الحروب الصليبية. أما القائمة الثانية فتعود إلى بني قُدامة الذين يتسلسل نسبهم إلى الخليفة عمر. ويمكننا القول بأن أجداده تميزوا في دمشق واشتهروا بالفهم والصلاح إبان العهد العثماني وخصوصاً مع والي دمشق درويش باشا الذي بنى الجامع الذي يحمل اسمه حتى اليوم. وكان قد عيَّن إسماعيل بن أحمد النابلسي (993هـ/1585م) مدرساً وناظراً على وقف هذا الجامع. كذلك كان جد مؤلفنا عبد الغني بن إسماعيل مدرساً في نفس الجامع وناظراً على وقفه (1032هـ) وقد ورث والده إسماعيل بن عبد الغني (1062هـ/1652م) نفس المهام. وهوأول من انتقل من الممضى الشافعي إلى الممضى الحنفي بعد حتى زار استنبول مراراً وحضر فيها دروس شيخ الإسلام يحيى بن زكريا (1053 هـ)، وظل يترقى في الوظائف حتى وصل إلى درجة «مدرس الصحن».

مولده وطفولته وتعليمه

ولد مؤلفنا عبد الغني بن إسماعيل أثناء غياب أبيه في القاهرة للتجارة وذلك في يوم الأحد الرابع من ذي الحجة سنة 1050 هـ/17 مارس 1641م (نابلسي، الحوض المورود، خ. دمشق مخطة الأسد الوطنية (الظاهرية سابقاً) رقم 4008/ق 47 أ). بخط النابلسي المؤلف.

كان والده أول أستاذ له، وينطق إنه ختم القرآن وعمره خمس سنوات. وفي التاسعة من عمره جاء مع والده المذكور سماعاً عند المولوية مع كثير من فهماء دمشق والمفتين في المذاهب الحنفية والشافعية وغيرهم كشيخ الإسلام عبد الرحمن العمادي[3]. وحين بلغ العاشرة كان قد حفظ كثيراً من المقدمات ومن المنظومات مثل ألفية بن مالك في النحو، والكنز في الفقه، والشاطبية في القراءات، والرحبانية في الفرائض والجزرية في التجويد. وفي نفس الفترة كان يتابع دروس نجم الدين الغزي (1061هـ/1651م) في الحديث (تحت القبة) في الجامع الأموي، وحصل على أول إجازة عامة في فهم الحديث. توفي أبوه حين بلغ الثانية عشرة من العمر، وخط أول أشعاره في رثاء والده. وقد تابع دراسته بإشراف والدته.

بعد حتى بيعت مخطة أبيه الضخمة وأشياؤه الشخصية بالمزاد العلني لاقتسام ثمنها بين زوجتي المرحوم. قام النابلسي في وقت لاحق بشراء قسم من هذه الخط ولكنه لم يستطع حتى يستردها كاملة.

عمله

في العشرين من عمره مارس التدريس في الجامع الأموي في دمشق بالقرب من منزله الواقع في حي العنبرانيين. وحين بلغ الخامسة والعشرين ارتحل إلى أدرنة التي كانت مقر دار الخلافة، ثم زار استنبول وحصل على وظيفة قاضٍ في حي الميدان جنوب دمشق. غير أنه استنطق من هذا المنصب وتفرغ للتدريس والتأليف، حيث ألَّفَ حتى عام 1090هـ حوالي الخمسين مؤلفاً بين رسالة صغيرة وشرح مُطَوَّل أوكتاب أصيل.

أزمته

ولما بلغ الأربعين من عمره مر بأزمة نفسية حادة اضطر على إثرها إلى الاعتزال في بيته خلال سبع سنوات لا يخرج من بيته إلا للضرورة القصوى. وقد أَسْدَل شَعْرَهُ وأرخى لحيته، إلا أنه لم ينبتر عن استقبال طلابه لتدريسهم ولا عن التأليف، وفي هذه الفترة ازدادت علاقته بالعالم الخارجي عن طريق المراسلات (التي كان قد بدأها منذ عام 1085هـ/1675م). وبلغت المكتوبات التي تلقاها وأجاب عليها عشرين رسالة تبادلها مع أنحاء متفرقة في الدولة العثمانية. وحين انتهت هذه الفترة التي أُصيب فيها بالسوداء أوالماليخوليا (mélancholie)، وكان قد طَلَّق زوجته أثناءها، وذلك بعد سبع سنوات، خرج إلى الناس الذين ازداد احترامهم له بعد حتى كانوا قد رموه بالحجارة قبل خلوته، وذلك لتبنيه آراء ابن عربي الصوفية ودخوله في خصومات مع بعض فقهاء عصره.

رحلاته ووفاته

وإثر ذلك قام بعِدَّةِ رحلات إلى لبنان ثم إلى الشام ومصر والحجاز، وفي عام 1119م انتقل من بيته في دمشق قرب الجامع الأموي ليسكن في الصالحية حيث توفي سنة 1143هـ/1731م، ودُفِنَ في القبة التي كان بناها في بيته، ثم أقيم على قبره جامع في بدايات القرن الثالث عشر للهجرة. وفي الصالحية لم يتوقف عن إلقاء الدروس في تسهيل تفسير القرآن للبيضاوي وفي تدريس الفتوحات المكية لابن عربي.

وفي تلك الفترة وبعد وفاة محمد العمادي (1135هـ/1723م) مفتي دمشق، عيّن والي دمشق عثمان باشا أبوطوق شيخنا النابلسي مفتياً. غير حتى أحد تلاميذ النابلسي وهوخليل بن أسعد البكري مضى إلى استنبول وعاد بمرسوم سلطاني ليتولى منصب الإفتاء رسمياً بدلاً من أستاذه الذي قضى في منصبه ستة أشهر أَعَدَّ خلالها سجلاً لفتاواه ما يزال مخطوطاً في المخطة الوطنية بدمشق. (راجع أطروحتي بالفرنسية ج 2).

ويخبرنا خليل المرادي في ترجمته للنابلسي أنه «أغلقت البلد يوم موته وانتشر الناس في الصالحية لحضور جنازته».


مؤلفاته

تجاوز عدد مؤلفاته الثلاثمائة كتاب ورسالة وشروح ودواوين شعر ورحلات. وقد خط خاصة في التصوف والفقه والحديث والتفسير، ولكنه تناول كذلك موضوعات مختلفة مثل تفسير الأحلام والفِلاحة، ودافع في كثير منها عن رقص المولوية وسماع الموسيقى وخالف الفقهاء الذين أصدروا فتاوى في تحريم الحب والنظر الحلال وشرب القهوة والدخان وتكفير الناس بدون حجة واضحة. كما دافع عن الطرق الصوفية والتصوف بكل جرأة بعد حتى بلغ مرتبة العارف التي يطمح إليها جميع من سلك طريق التصوف. وأهم ما في ذلك هوالشعبية والشهرة التي اكتسبتها هذه المؤلفات، فإن كثيراً من مؤلفاته مُوَزَّعٌ في مخطات العالم من برنستون في أمريكا إلى باريس وبرلين وسراييفوإلى استنبول ودمشق، وإن بعضها له أكثر من عشرة إلى عشرين نسخة مخطوطة، مما يشير على رقابلا على مدى ثلاثة قرون.


  • إيضاح المقصود من وحدة الوجود وهي رسالة صغيرة
  • الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية
  • تعطير الأنام في تعبير الأنام
  • ديوان الدواوين وهومجموعة شعره.
  • فضائل الشهور والأيام
  • أسرار الشريعة
  • التعبير في تفسير الاحلام
  • منظومة اسماء الله الحسنى
  • الفتح الرباني والفيض الرحماني
  • خمرة الحان ورنة الألحان شرح رسالة الشيخ أوفدان
  • الوجود الحق والخطاب الصدق
  • ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث
  • إيضاح الدلالات في سماع الآلات


سلام على الإخوان في حضرة القدس

وللنابلسي قصيدة تعد من أشهر القصائد التي نظمت عن مدينة القدس في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وعنوانها «سلام على الإخوان في حضرة القدس» وفيها يقول:

سلامٌ على الإخوانِ في حضْرةِ القدسِ ومن مُحِيتْ آثارُهمْ في ضِيا الشّمسِ
سقى اللهُ أيامًا بهمْ قد تقاصرتْ وليلاتِ وصْلٍ بالمسرّةِ والأُنسِ
سترْتُ الهوى إلاّ عنِ القومِ فارتقى فؤادي إلى غيبٍ عنِ العقلِ والحسِ
سريرٌ من التحقيقِ يسموبأهلِهِ على العرشِ في أوجِ الُعلى وعلى الكُرسي
سَريتُ بهِ ليلاً إلى رفْرفِ المنى وبي زُجَّ في النورِ الذي جلَّ عن لبس
سماءُ التجلي بالبُراقِ صعِدتُها وقد غبتُ عن جسمي الكثيفِ وعن نفسي
سأهدمُ ما تبني العقول لأهلِها من الفكرِ في أرضِ الخيالاتِ والحَدْسِ
سريعًا إلى أسرارِ روحٍ شريفةٍ عن النوعِ قدْ جلّتْ ودقّتْ عن الجنسِ
سباني جمالُ الوجهِ والكلُّ هالكٌ وعِلْمي تسامى عن كتابٍ وعنْ دَرسِ
سُروري وأفراحي خُروجي عنِ السوى وإني من الحقّ الوجود على الأسِ


ومن يوميات رحلة الشيخ النابلسي نقتطف وصفه لسور بيت المقدس يقول:‏ «.. سور بيت المقدس سور حديث متين مشيد قوي الأركان، عظيم البنيان، يحيط بالبلد كلها، وعرها وسهلها مبني بالشيد والحجر المنحوت وفي داخله جميع الأماكن والبيوت، وقد أبلغنا أنه من بناء السلطان الملك المظفر سليمان خان ومن المعروف حتى الملك المعظم عيسى بن العادل أخا صلاح الدين أوفد من دمشق كما اتى في أبي الفداء، الحجارين والنقابين إلى القدس فخرب أسواره (616 ـ 1219م) وكانت قد حصنت للغاية وذلك على زعمه خوفًا من استيلاء الفرنجة عليها.‏ وفي سنة (626هـ ـ 1228م) سلم الملك الكامل القدس للإمبراطور فردريك على حتى يستمر سورها خرابًا ويكون الحكم في (الرساتيق) لوالي المسلمين ويكون للإفرنج من (القرايا) ما على الطريق من عكا إلى القدس.‏ ويعدد لنا الشيخ عشرة أبواب لسور القدس منها: باب العمود من جهة الشمال وباب آخر يسمى باب الداعية الموصل إلى حارة بني زيد وباب يسمى باب دير السرب، وباب الساهرة ومن جهة القبلة باب المغاربة وباب صهيون (باب داود) ومن جهة الغرب باب صغير لصق دير الأرض وباب المحراب المعروف بباب الخليل وباب الرحبة.‏ وهذه الأبواب هي ذات الأبواب التي يعددها الحنبلي في كتابه الأنس الجليل الذي ألف سنة (901هـ).‏ أما الرحلة الثانية والثالثة التي يقف عندهما الكتاب فقد قام بهما الشيخ مصطفى البكري الصدِّيقي المولود في دمشق (1099هـ ـ 1688م) ، وهوتلميذ النابلسي، متصوف على الطريقة الخلوتية، وقد سكن في القدس بعد زيارته لها وتزوج فيها، وألَّف كثيرًا من خطه هناك، وأكثرها في موضوع التصوف، ومنها انتقل إلى حلب فبغداد، فمصر، فالقسطنطينة، فالحجاز، ومات بمصر في العام (1162هـ ـ 1749م). وتضم رحلتا البكري وصفًا من دمشق إلى بيت المقدس وما حواليه ووصفًا للساحل الفلسطيني، وقد أسمى الرحلة القدسية الثانية «الخطرة الثانية..الأنسية للروضة الدانية القدسية». أما الرحلة الرابعة فهي للشيخ مصطفى أسعد اللقيمي، وقد بدأ رحلته يوم الثلاثاء من ذي القعدة عام (1143هـ ـ 1764م) انطلاقًا من ثغر دمياط مخترقًا شبه جزيرة سيناء فغزة فالرملة فيافا فالقدس وما حواليها ثم رجوعًا إلى دمشق، فصيدا فقبرص.

كتاب الوجود الحق

وعلى الرغم من هذا الهدف المعلن للكتاب، وهوالكشف عن «اعتقاد الأولياء» من الصوفية، فإن معضلة أخرى تندرج في ثناياه، إنها معضلة جدلية كلامية. وبتلخيص شديد، فإنه يمكن اعتبار كتاب «الوجود الحق»[8] رداً مباشراً على كتاب صغير الحجم (لا يتجاوز الخمسين صفحة) عنوانه «فاضحة الملحدين»[9]. وهوهجوم منظم على ابن عربي وكتابه «فصوص الحكم»، تم تأليفه في سنة 834هـ/1431م. وساد اعتقاد خاطىء لفترة طويلة (تتبناه حتى الآن الموسوعة الإسلامية ط2) بأن فاضحة الملحدين هي من تأليف المتحدث والبياني الشهير سعد الدين التفتازاني (792هـ/1390م). وعلى الرغم من حتى التفتازاني لم يكن ميالاً إلى تصوف ابن عربي ومدرسته فإن المؤلف الحقيقي للفاضحة هوفي الواقع محمد بن محمد علاء الدين البخاري (841هـ/1438م)، أحد تلاميذ التفتازاني. وعلينا حتى نذكر هنا بأن النابلسي معجب بفكرة وآراء التفتازاني الكلامية لأنهما ينتميان إلى مدرسة واحدة هي المدرسة الأشعرية-الماتريدية. ولكن هذا لم يمنع النابلسي من الدخول معه في سجال ساخن حول آرائه في الوجود وعلاقة الوجود بالماهية. لقد صرح النابلسي بأن التفتازاني لا علاقة له بفاضحة الملحدين، ولكنه لم يذكر صراحة لا اسم علاء الدين البخاري ولا عنوان كتابه «فاضحة الملحدين»، وقد خلا كتابه «الوجود الحق» من ذكرهما، فهماً بأن تأليف «الوجود الحق» في جانب كبير منه قائم على دحض الآراء الواردة في الفاضحة والتي تكفر بشكل صريح ابن عربي وأتباعه. هذه الإشارات إلى مشكلات تأليف الوجود الحق ضرورية لفهم البنية الثقافية التي نمت عليها آراء النابلسي. ذلك حتى فاضحة الملحدين توجه إلى ابن عربي تهمة التصريح بوحدة الله والعالم، مثلما عمل ابن تيمية قبل ذلك بأكثر من مئة عام. وقد رد النابلسي على مثل هذه التهمة بقوله: «من نطق إذا حقيقة الوجود الحق هي جميع المخلوقات والمخلوقين فهومن الزنادقة الملحدين» وأتبع ذلك بقصيدة توضح نفس الفكرة:

لست ممن يقول عن جميع شيء إن الله، قول جميع جهول...
حيث لا شيء جامد هوعندي بل كبرق يلوح بين الطلول

إذا وضعنا جانباً هذا الجدل الكلامي فإننا نقع في كتاب الوجود الحق على رغبة النابلسي في عرض ممضى وحدة الوجود المنسجم مع الفكر الأشعري-الصوفي الذي ينافح عن قدرة التصوف الذوقية على تقديم صورة متماسكة للإنسان والعالم وعلاقتهما بالله.


بين التصوف والفقه

يمكن القول بأن المعركة قديمة بين الصوفية والفقهاء. فقد حكم الفقهاء على الحلاج بالموت، وصلبوه وأحرقوا جثته ونثروا رماده من أعلى المئذنة في نهر دجلة ببغداد سنة 309هـ/922م كذلك أعدموا عين القضاة الهمذاني سنة 525هـ/1130م، والسهروردي المقتول 587هـ/1191م بحلب. ومن هنا نفهم معنى قول ابن عربي بأن الفقهاء هم «فراعنة الصوفية». يميز النابلسي بين الفقهاء الفهماء، وما يسميه «فقهاء العوام»، وهويرى بأن فقهاء العوام هؤلاء أغلبهم من أهل القرى[6] والحرف يفتون بدون فهم حقيقي فيضلون الناس ( إيضاح الدلالات ص 20). أوأنهم يسيئون الظن بالناس «فيخافون من ذنوب الناس لا من ذنوب أنفسهم» (جمع الأسرار في رَدِّ الطعن، دمشق، ص 121). إن الاطلاع الواسع للنابلسي على العلوم الدينية جعله مؤهلاً ليبحث عن التسهيل في الفتاوى دون التنقيب عن عيوب الناس، وحاول الرجوع إلى الأصول الأولى للإسلام بحثاً عن التسامح والمحبة. وخط «غاية المطلوب في محبة المحبوب» في «مرافعة» ضد من جعلوا من الحب عاراً وجريمة في مدينة دمشق أواخر القرن السابع عشر (1097هـ/1686م). أما أبرز خطه فيبقى «الوجود الحق» الذي انتهى من تأليفه سنة 1104هـ/1693م (دمشق، 1995)، ودافع فيه عن نظرية وحدة الوجود.

وحدة الوجود

قبل النابلسي

يصعب تناول ممضى وحدة الوجود وتطوره تاريخياً في عدد من السطور. ولكننا يمكن حتى نشير إلى أبرز المشكلات الناجمة عن هذا المصطلح وتطوره. فإذا أخذناه بالمعنى الواسع كما يعمل بعض المختصين وسواهم، فإنه يمكن إطلاقه على فلسفة الفارابي وابن سينا وتصوف الحلاج وابن الفارض وابن عربي وكثير غيرهم، لدرجة أننا قد لا نستثني أحداً فيصبح ثوباً فضفاضاً يتسع لمن هبّ ودبّ. إلا حتى المصطلح لم يأخذ معنى ممضىياً إلا مع ابن تيمية في بدايات القرن الثامن للهجرة وبعد أكثر من 60 عاماً على وفاة ابن عربي. لقد وردت الحدثتان «وحدة الوجود» دون الإشارة إلى ممضى معين، لدى جميع من السهروردي المقتول (587 هـ) في حلب، وأتباع ابن عربي مثل صدر الدين القونوي وابن سبعين، دون الإفصاح عن نظرية أوممضى مخصوص. وورد مرة واحدة لدى ابن عربي في فتوحاته مشيراً إلى «وحدة وجوده» أي وحدة الوجود الإلهية.

ومن العجيب حتى تلاميذ ابن عربي في نهاية القرن السابع وبداية القرن الثامن، وبعد نقد ابن تيمية واستخدامه المصطلح بالمعنى السلبي، أي وحدة الله والعالم، فإنهم قبلوا نفس المصطلح وعرضوا ممضى أستاذهم، وخالفوا في عرضهم وشرحهم للممضى اتهامات ابن تيمية وأتباعه.

إن معضلة وحدة الوجود تكمن في كونها مرتبطة بتجربة صوفية يُعبر عنها بتمثيلات وتشبيهات أكثر من إمكانية عرضها في ممضى متماسك. من هذه التشبيهات ما روي عن الشيخ نجيب الدين علي بن بزغش الشيرازي (678 هـ) حين سئل عن تبيين: «سر التوحيد» بمثال واضح، فنطق: «مرآتان وتفاحة». وجرى ذلك بحضور شاعر خط ذلك شعراً:

إن مثال وحدة الوجود إنْ تَروْه عني هاكَ يا فهيم
تفاحة من بين مرآتين فانْظُرْها تراها فبها التعليم {{{2


ولا تختلف هذه التجربة لوحدة الوجود عما أصبح يطلق عليه في القرن العاشر للهجرة اسم «وحدة الشهود» وهومصطلح ابتكره الشاذليون ثم النقشبنديون لتجنب تكفير القائل بوحدة الوجود من خلال الحملة التي أطلقها ابن تيمية والتي لم تتوقف حتى اليوم!. لذلك فإنه لا يمكن إطلاق وحدة الوجود بالمعنى الفلسفي الغربي لحدثة (Panthêisme) لأن المصطلح الأخير جرى ابتكاره في القرن التاسع عشر للميلاد لوصف فلسفة سبينوزا.

دفاع النابلسي عن وحدة الوجود

يقرر النابلسي حتى «الوجود الحق» هوالمطلق الذي تتحد فيه ماهيته بوجوده. وطالما حتى «الوجود» أضم المقولات فإنه هوماهية الله الوحيدة. وهذه الماهية أوهذا الوجود ليس صفة زائدة على ذاته. بل هوالذات عينها. ووجود الحق هوالوجود المحض الذي يتعالى «عن قيود الماهيات كلها المحسوسات والمعقولات. وليس له تعالى ماهية أصلاً غير الوجود المحض». وإلا فإن هذا التعالي سيفقد إطلاقه حينما يتقيد بأي شرط نسبي. فالوجود الحقيقي إذن، هو: الوجود الكامل والمطلق الذي لا يعزى إلا إلى الله. ويحذرنا النابلسي وكل أنصار وحدة الوجود من حتى نقع في الالتباس الذي يتبادر للذهن عن طريق التبسيط، والحاصل من عكس القضية، كأن نقول: «طالما حتى الله هوالوجود فذلك يعني بأن الموجودات هي الله». يقول البيتماني تلميذ النابلسي: «فالحذر الحذر من فهم ذلك فإنه خطأ عظيم. وقد نبهت على ذلك فيما تقدم مراراً لئلا يقع في التوهم في شيء من ذلك عند من لا يعهد اصطلاحنا في فهمنا، ولا يدرك فهم إشارتنا في كلامنا». ونجد في نص آخر فهماً منطقياً لنفس المسألة، عند علي المهايمي: «الوجود: ويعتبر واحد بالذات والشخص. وما يقبل التحقق، وهوالماهية: وهي واحدة بهذا المفهوم، مختلفة باختلاف ما صدق عليه هذا المفهوم، والماهية هي المسماة عندنا بالعين الثابتة»، إلى غير ذلك، فإن جميع ما صدقات هذا المفهوم تلبس لباس الوجود. إلا حتى مجموع الموجودات لا يعطينا مفهوم الوجود. لأن النسبي مهما تكثر فإنه سيظل نسبياً أمام الوجود المطلق. والفرق الأساسي بين الوجود والموجود، هوحتى الأول واحد «لا يتعدد ولا يختلف في نفسه» وأن الموجودات كثيرة. «والوجود أصل، والموجودات تابعة له، صادرة عنه، قائمة به. وهوالمتحكم فيها بما يشاء من التغيير والتبديل»، ويظل الوجود واحداً مهما اختلفت أسماؤه كالحق أوالله. فالوجود هو«قيوم» الحوادث والأمور، وليس حالاً فيها ممازجاً لها، كما قد يُتوهم أيضاً.

علاقة الوجود بالموجودات إذن علاقة «قيومية». وهويتجلى لنفسه فيها، بواسطة الحب. كما يشير عليه الحديث القدسي: «كنت كنزاً مخفياً، فأحببت حتى أعهد، فخلقت الخلق فبي عهدوني». فكل الصور الكونية هي تجليات الذات الإلهية، وكل الصور مرتبطة بالله الذي لا صورة له.

وأول خطوة يجب حتى نخطوها لفهم وحدة الوجود هي التفرقة بين الذات الإلهية أوالوجود المطلق بين التجليات أوالصور الكونية. فالذات لا تدرك إلا بالفناء فيها. أما التجليات فإنها تخفي وراءها حقيقة الذات. وفي التجربة الحسية والعقلية فإن أحداً لا يرى الله إلا من وراء ستار الأمور. يقول النابلسي:

«ما ثم إلا ذات، وصفات، وصفات الصفات (وهي الأفعال)، ومنعملات وهي العالم. فالأول هوالمعبود. والثاني الموصل إليه وهوالواسطة. والثالث هوالعابد. والرابع هوالعائق والمانع. والأول مرتبة الله تعالى. والثاني مرتبة محمد (ص) والثالث مرتبة المؤمنين. والرابع مرتبة الشيطان. وهذه الأربعة في الحقيقة شيء واحد. ولكنه تَنَزَّلَ وتَفَصَّلَ فظهرت له هذه الأطوار، وتعددت وجوداته. فالوجود العيني مرتبة الذات. والوجود الفهمي مرتبة الصفات. والوجود القولي مرتبة الأفعال. والوجود الرقمي مرتبة الانفعالات».

فالوجود الحق هوالذي يمد كافة المراتب بالوجود. وتشبه هذه التنزلات انتنطق نور السراج إلى عدد لا متناه من السرج «فإن معنى إيقاد السراج من نور آخر: حتى الأول أثر في الثاني فظهر الثاني على صورة الأول. بل الثاني عين الأول ظهر في فتيلة ثانية من غير انتنطق من الأول. وهذا غاية ماقدر عليه "أهل الوجدان" في التفهيم».

ويقرر ممضى وحدة الوجود حتى الأمور العيانية والأكوان ما هي إلا وسيلة تساعدنا على التعهد إلى المطلق. إلا حتى معهدتنا بالمطلق فهم حدسية وكلية فهي تختلف في الأساس مع الفهم النظرية العقلية. وتطالعنا الفهم الحدسية أوالوجدانية العيانية على حتى الموجود الوحيد هوالله وأن جميع الأكوان أوهام وخيالات وظلال. وأن العالم غير موجود إلا من خلال عقولنا.

يقول الجزائري: «موجودية الأمور تابعة للإدراكات لا غير». وهنا نحب حتى نوضح حقيقة هامة. فالصوفية لا ينفون حقيقة الواقع الخارجي بالنسبة للحس والعقل كما هوالأمر بالنسبة للسوفسطائيين الذين «ينكرون حقائق الأمور ويزعمون أنها أوهام وخيالات كالنقوش على الماء». وأن أي نفي للوجود الخارجي لا يتم إلا بمقارنته بالوجود المطلق من خلال التجربة الروحية للمتصوف والتي يكتشف من خلالها أنه لا موجود على الحقيقة إلا الله. يقول النابلسي:

«افهم بأننا قاطعون جازمون بأن الأمور كلها المحسوسات والمعقولات، موجودات متحققات ثابتات في نظر العقل والحس من غير شبهة أصلاً. ولكن هذا كله في نظر العقل والحس كما ذكرناه غير مرة، وكررنا ذكره ليتضح عند جميع أحد. وليس مرادنا نفي الأمور وكونها عدماً عند العقل والحس في جميع ما نقوله في هذا الكتاب وغيره من خطنا. ونحن مع العقلاء في إثبات وجود الأمور من المحسوسات والمعقولات من غير فرق بيننا وبينهم أصلاً.

وأما مع بتر النظر والالتفات نحونظر العقل والحس فليس شيء بموجود أصلاً مع الوجود المطلق الذي ذكرناه. بل ولا عقل ولا حس أيضاً في نظر أهل التحقيق. ولهذا نقول: إذا فهمنا هذا من وراء طور العقل لأنه فوق العقل».

الكتابة في الهواء

رأينا مع النابلسي حتى الفهم الصوفية هي فهم من وراء طور العقل أو«فوق العقل». كيف من الممكن أن يصبح الوجود إذا ما نظر إليه من خلال الحقيقة الصوفية. ثمة تمييز أساسي بين عالم الحس وعالم المعنى. فالأول يعمل فيه العقل، والثاني من اختصاص التصوف، وهويقود في النهاية إلى «الفهم». الحس: تعبير عن تكثيف الأمور ظاهراً. والمعنى: تعبير عن تلطيفها باطناً. فحس الكائنات أوان حاملة للمعاني. نطق الششترى : «لا تنظر إلى الأواني، وخض بحر المعاني، من الممكن أنك تراني." فمثال الكون كالثلجة: ظاهرها ثلج وباطنها ماء. كذلك الكون ظاهره حس وباطنه معنى. والمعنى: هي أسرار الذات اللطيفة القائمة بالأمور. فقد سرت المعاني في الأواني سريان الماء في الثلجة.

فلا قيام للحس إلا بالمعنى ولا ظهور للمعنى إلا بالحس. فالمعنى: رقيقة لطيفة لا تدرك إلا بتحسسها في قوالب الكائنات. فظهور المعنى بلا حس محال، وشهود الحس بلا معنى جهل».

ما هي طبيعة الكون من حولنا،يا ترى؟ كيف من الممكن أن يظهر عالم الجمادات بالنسبة إلى الصوفي،يا ترى؟ نجد إجابة دقيقة على هذين السؤالين عند الشيخ النابلسي، دون اختلاف مع منطلقات النص السابق يقول النابلسي: «افهم حتى الأمور كلها أمور لطيفة جداً، بحيث أنها بمنزلة الخيال والسراب الذي يرى من بعيد، وهوليس بشيء، حتى الكثايف كلها: كالصخور والأحجار والجمادات والأشجار. وإنما رؤيتها كثيفة بغلبة الطبع، بل رؤيتها موجودة بالنظر العقلي. والحس تابع للنظر العقلي... وأما هي في نفسها فهي بمنزلة المعاني اللطيفة المتعقلة في عقل المتعقل من حيث قيامها وثبوتها بالوجود المطلق الحق». ويمكن تلخيص هذا المعنى في بيت من الشعر للنابلسي أيضاً:

حيث لا شيء جامد هوعندي بل كبرق يلوح بين الطلول

ويوضح لنا الأمير عبد القادر الجزائري نفس الصورة بمثال أكثر تعبيراً وغنى. افهم حتى الحق تعالى هوالظاهر بهذه الصور المشكلة المحددة التي هي خيالات لا وجود ولا حقيقة لها إلا في المشاعر الإنسانية. كما إذا أخذت عوداً في طرفه نار، وأدرته بسرعة فإنك ترى دائرة نار لا تشك فيها. وكذا إذا حركته حركة مستقيمة فإنك ترى خطاً من نار لا تشك فيه بحسك وتخيلك، وتحكم بعقلك وفهمك أنه: ليس ثمة إلا الجمرة التي على رأس العود. فهكذا جميع ما ترى في الأرض والسماء ليس إلا أمر الله الذي هومجموع صفات الله الظاهر بكل صورة. «وما أمرنا إلا واحدة حدثح بالبصر».

ويبدوحتى فكرة الأمير هذه مأخوذة من قصيدة النابلسي التي يقول فيها:

وجه تعدد في المرائي وبـه تحير كـل رائي
والكـائنـات بـأمره موج علـى صفحات ماء
إن العـوالم كلـها بظـهورهـا والاختفـاء
فـي سـرعة وتقلب مثل الكتابـة في الهواء
شمس وكل الخلق في أنوارهـا مثل الـهباء

وطبيعي بأننا لا نريد حتى نعتبر هذا الكلام نوعاً من التنبؤ بطبيعة المادة، فالتصوف لا يتوخى تعميم أية معارف فهمية. إنما علينا حتى نعتبر الفهم الصوفي، حقيقة واقعة لها معطياتها ومنطلقاتها الخاصة التي لا تتنافى مع الحياة الاجتماعية أومع الفكر الإنساني، وذلك بالرغم من جميع السلبيات التي قد تعترض هذا التأكيد.

ولنتذكر بالإضافة إلى ذلك بأننا لا نفرض على النصوص تأويلاً يخرجها عن «مدخولها» أوسياقها المعهدي. «لنقل إذن حتى معنى القضية الميتافيزيقية هوالمعنى الذي منحها إياه المؤلف وأن ثباتها العيني مؤسس على حبلها بحقيقتها الخاصة». كما حتى التصوف لا حاجة به لأي مدد يأتيه من الخارج للبرهان عليه. لأن التجربة الفردية للعارف بالله، هي مرشد نفسها، وهويعرضها علينا بوصفه شاهداً على المطلق.

الصور التي سنعرضها، تمثل إذن أمثلة يحاول الصوفي من خلالها حتى يقرب رؤيته من أذهاننا. إنه يدلي بأقواله حول «شهوده» للوحدة المطلقة باللغة المتاحة: لغة الرمز والاستعارة والتشبيه. أما المادة التي يستخدمها كنطقب ينبسط المثل من خلاله فهي متراوحة بين الشفوف والتجريد والتشكل الواقعي. 8 - الصور الشفافة: المثال الشائع في مدرسة وحدة الوجود حول العلاقة بين المطلق والنسبي هومثال المرآة. ويركز ابن عربي على قيمة المرآة من حيث أنها تعطي الرائي لنفسه فيها صورة للتعهد على نفسه، لا ينال مثلها في حالة تأمله لنفسه دون وسيط كالمرآة. «فإن رؤية الشيء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخرقد يكون له كالمرآة، فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل». ويعتبر ابن عربي كذلك حتى في المرآة حكمة غير خفية على المتأملين فهويقول:

أيها الناظر في وسط المراء من هوالذي فيه ترى؟
حـل فيه أحـد غيركـم أم خيال منكم فيه سرى
أعـد النـظرة فيها إنهـا حكمة كامنة بين الورى

ولا يني تلاميذ ابن عربي من بعده عن استثمار هذا المثال لكنهم توصلوا إلى تفريعات جديدة مستقاة من تأثيرات الظل والنور على عين الرائي. فالشيخ حسين بن طعمة البيتماني (توفي عام 1175هـ) يعرض علينا مثالاً استقاه من الفن الشعبي الذي اشتهر بعصره باسم «خيال الإزار» أوما يسمى بالتعبير المعروف "الكراكوز" فاللاعب أوالإنسان الذي يحرك «الشخوص» الورقية ليعكس ظلها على الستارة أوالإزار اللقاء لأعين المتفرجين. هورمز للوحدة أوللإله. وتمثل ظلال الشخوص المتحركة فوق الستارة كما يراها الحضور عالم الكثرة والأكوان. إلا حتى هنالك حقيقة أساسية ترتبط بانتهاء العرض، حينما يطوي اللاعب شخوصه ويمضي. فإنه هوالحقيقة أما ظلال الأشخاص فإن وجودها نسبي، أي أنه مرتبط بجملة ظروف توحي بأنه وجود حقيقي. أما الوجود الواحد فهوالوجود الحق أبداً.

وبنفس الطريقة يتحدث الأمير عبد القادر الجزائري فيما يتعلق باختراع «آلة التصوير»[27] في عصره. إذا التعيين الأول أو«الحقيقة المحمدية» هي الصورة الكونية الأساسية التي ظهرت من تجلي الذات على مرآة الأكوان. إلا أننا نستطيع الحصول على ما لا نهاية له من النسخ عن هذه الصورة، دون حتى تمس وحدة الحقيقة القائمة وراء هذه الكثرة. ولا يقتصر الأمر على العين في مجال الصور الشفافة. بل للأذن نصيب في ذلك. إذا المؤلف أوالفنان يستطيع حتى يخلق في ذهنه عدداً من الشخصيات التي تتحاور في رأسه، ويستطيع حتى يتلفظ ببعض أقوال هذه الشخصيات وأن يصغي إليها «كتجريد البيانيين. يخاطب الإنسان نفسه بنفسه بما يريد، ويسمعها ويجيبها بها ويحاورها بها ويعاتبها بها. فيقبل بها أويرد بها. وهوهولا ثاني له: فإنه واحد بالحقيقة غير متحد، كرجع الصدى، فإنه ليس هنا إلا الصوت حقيقة وفهماً وهواثنان مجازاً ووهماً».

الصور المائية

تتشكل عن الماء آلاف الأنواع وما لا يتناهى من الصور ويعتبر واحد بذاته «فالماء حقيقة واحدة تختلف صوره بختلاف القوالب من أنواع النباتات والفواكه والزروع والأواني». كما حتى الماء يمكنه حتىقد يكون مطراً وثلجاً وبرداً حسب دورته في الطبيعة وهوهوفي هجريبه الأساسي. إلا حتى الصورة التي يستمدها الماء بوصفه بحراً وموجاً تعبر عن لا نهائية الموج ووحدة البحر. يقول الجيلي:

كالموج حكمهم في بحر وحدته والموج في كثرة بالبحر متحد
فإن تحرك كـان المـوج أجمعه وإن تسـكن: لا موج ولا عدد

فالذات الإلهية أوالوجود المطلق وراء جميع المظاهر المتغيرة. دون حلول أواتحاد. أوبالأحرى هنالك معادلة ذات اتجاه واحد تقول بأن الله هوالوجود الذي في أصل الموجودات. لكن الموجودات ليست هي الله. وأهم ما تتميز به الذات هوالوحدة وعدم إحاطة الفهم الانساني بها. يقول النابلسي في هذا المعنى من ديوانه:

تجلت كما شاءت، وشـاءت كما درت وتدري كما يعطيه في نفسه الأمر
فكنهـا علـى غيب، ولا كنـه ترتجي لهـا، فسواها موجها وهي البحر
ومـا حـل فـي الأمواج بحر ولا به قد اتحدت بـل تلك عنه لها النبر

ولئن كانت الصور المائية متوسطة بين الكثيف واللطيف فإن مثالاً يسوقه لنا الشيخ النابلسي، ينقلنا إلى إحساس أقوى بالتشكل المجسد الكثيف، يربطنا بالواقع الحي وتحولاته ألا وهواعتبار الامكانيات المتاحة عن التشكيلات التي تمنحها لنا بترة الشمع. وتغدوالحقيقة التي يمثل لها هنا أكثر التصاقاً بالمخيلة المباشرة.

كم صورة في بترة الشمع مفيـدة للفرق والجـمع
يظـهرها صـانعها سرعة فتبهـر الأبصـار باللمع
وتختفـي ثم يرى غيرهـا يضحك أويبكي بلا دمع
وكلهـا فـانية، لا تـرى هـناك إلا بترة الشـمع

فـاعـتبروا فعـل الـوجـود الـذي أنتـم بـه النصـوص في السمع.

النابلسي وابن عربي ووحدة الوجود

الشيء الأساسي الذي يجب حتى ننبه إليه هنا هوحتى النابلسي قام بهندسة المكان الذي يجب حتى توضع فيه نظرية وحدة الوجود. إنه مكان محدد ضمن إطار فهم الكلام الأشعري كما يمثله في أوج كماله جميع من الشريف الجرجاني وسعد الدين التفتازاني في نهاية القرن الثامن للهجرة. وثمة اعتقاد خاطىء بأن الفلسفة العربية الإسلامية قد ماتت بموت ابن رشد. لقد اثبت هنري كوربان (ت سنة 1979م) بأن الفلسفة استمرت في الدولة الصفوية مع الملا صدر الدين الشيرازي وأتباعه في إيران حتى اليوم. كما أنها لجأت في المشرق الإسلامي إلى فهم الكلام الأشعري، واحتلت معضلة الوجود مكاناً بارزاً في كتابي الجرجاني (شرح المواقف) والتفتازاني (شرح المقاصد).

وإذا كان التفتازاني متحفظاً بالنسبة لتصوف ابن عربي وأتباعه، فإن الجرجاني كان متعاطفاً بل ومدافعاً عن نفس الممضى. إذا اكتشاف هذه العلاقة بين الانطولوجيا (مبحث الوجود) الكلامية وبين وحدة الوجود التي زاوجت بين البحث النظري[33] والتجربة الصوفية يسمح لنا بالقول بأن الفلسفة العربية الإسلامية كان لها ممثل أساسي هوالشيخ عبد الغني النابلسي والذي تابعه في دمشق الأمير عبد القادر الجزائري (ت 1883م) دفاعاً عن أنطولوجيا صوفية-فلسفية يجب إعادة الحياة إليها لوصل الماضي بالحاضر.

النابلسي وإرهاصات النهضة العربية

ثمة فكرة هامة ومغربية يتبناها بعض الباحثين والمتخصصين بالنابلسي تؤكد على أنه يمكن اعتبار النابلسي من المبشرين «بالنهضة العربية». وسوف نرى بأن هذه الفكرة مبالغ فيه لخروجها عن السياق التاريخي لبداية ما يسمى «النهضة العربية» التي تجسدت إرهاصاتها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أوبداياته إذا ما أردنا اعتبار حملة نابليون على مصر مؤشراً أساسياً لاحتكاك العرب مع الحضارة الغربية (الأسلحة الجديدة والطباعة والثقافة الفهمية).

وفي هذه الحالة فإن النابلسي قد توفي قبل هذا الحدث بـ 70 سنة. ومن جهة أخرى فإن النابلسي كان ينتمي إلى إطار تاريخي أوسع هوإطار الدولة العثمانية التي لم تقع في براثن التخلف التدريجي إلا بعد 1850م، أي مع بدايات العصر الصناعي في الغرب كما يؤكد المؤرخ الفرنسي بروديل.

يرى بروديل حتى الدولة العثمانية كانت قادرة على البقاء لأنها تشكل بمفردها «اقتصاد – عالم» (Economic monde) لولا التطور الكيفي والنوعي للاقتصاد في غرب أوروبا. إن الإغراء الذي تحدثنا عنه والذي يحاول إرجاع إرهاصات «النهضة العربية» إلى النابلسي يصطدم بصعوبات منهجية. وعلى الرغم من هذه الصعوبات فإن النابلسي كان يسبق عصره بأفكاره المنفتحة على الآخر وكتاباته الإصلاحية. إذا كثيراً من هذه الكتابات ذات الطابع الفقهي كإباحة استهلك الدخان (بالاستناد إلى معطيات طبية كانت سائدة في عصره) وإباحة «سماع الآلات» الموسيقية (حضر النابلسي قبل وفاته بعدة أشهر سماعاً موسيقياً، عزفت فيه آلة الكمان في دمشق وفي حي سوق ساروجا) وغيرها تؤكد أنه كان يرى في الفقه الإسلامي أداة لحمل الحرج وكسر التعصب بحسب القاعدة الفقهية المشهورة: «الأصل الإباحة».

ويساعدنا تطور حياته الشخصية واعتزاله الناس لمدة سبع سنين في بيته بعد حتى بلغ الأربعين من العمر إلى فهم معاناته مع الفقهاء، والجهد الضخم الذي بذله في «مجاهدة النفس» وخدمة الفهم كي يرقى إلى مراتب كبار الصوفية. أضف إلى ذلك أسلوبه الواضح والأصيل في الكتابة لتوصيل آرائه إلى الناس. لقد ابتعد عن أسلوب السجع السائد في «عصور الانحطاط» واستخدم طريقة في الكتابة تقرب تجربته الصوفية وآراءه في وحدة الوجود إلى مثقف عصره بشكل ناجح جداً، وهذا هوسبب اشتهار مؤلفاته. ونلمس ذلك في مؤلفات عديدة مثل «كتاب الفتح الرباني والفيض الرحماني» الذي ألفه سنة 1085هـ. يعرض النابلسي في هذا الكتاب بأسلوب يشبه كثيراً أسلوب كتابنا اليوم الأخلاق الصوفية الضرورية لكل مسلم، وهومن خطه الأصيلة والمميزة، نشره في بيروت الأب أنطونيوس شبلي اللبناني سنة 1960 وقدم له بمقدمة لطيفة وضافية.

ويظل كتابه «الوجود الحق» من أبرز مؤلفاته، بل أبرز كتاب في عرض نظرية وحدة الوجود كلامياً وفلسفياً في المشرق العربي خلال القرون الثلاثة الماضية. ويمكن القول بأنه أبرز كتاب يعرض ممضىاً فلسفياً متماسكاً فكرياً. وهويشبه في مخططه وبنائه وذكر مراجعه بدقة فهمية بالغة أفضل الأطروحات التي تخط اليوم في الجامعات العربية، وذلك إذا التمسنا له عذر الوسائل الضئيلة المتاحة في عصره بالنسبة لما يتمتع به طلاب اليوم من تقنيات التعليم والكتابة والطباعة والمخطات والانترنت التي لم يكن النابلسي ليحلم بها. إذ أنه ألف خطه كلها قبل دخول الطباعة إلى الدولة العثمانية بقرن من الزمان.

وإذا هجرنا جانباً نجاح كثير من رسائله الصغار وشروحه على كثير من المؤلفات في الوسط الدمشقي والعربي والعثماني، فإننا لا نستطيع إغفال أثر تدوينه لرحلاته الأربع التي وصف فيها بلاد الشام ومصر والحجاز والتي نشرت الآن كلها[34]. ولا دواوينه الشعرية الكثيرة التي وصف فيها تجاربه الصوفية كما وصف الطبيعة والأماكن التي كان يزورها في دمشق ونواحيها. وخاصة شعره أثناء خروجه مع عدد من أصدقائه وتلاميذه إلى الغوطة في «السيران» الذي ما يزال مشهوراً حتى الآن في الأوساط الشعبية الدمشقية. من خلال ذلك كله يمكن اعتبار النابلسي كمؤلف أقرب إلى عصرنا منه إلى العصر العثماني. أما آراؤه في وحدة الوجود فهي بحاجة إلى دراسة وتأطير داخل اتجاه عام يبحث عن تطور الفلسفة العربية الإسلامية حتى عصرنا الحالي. لقد تجاوز النابلسي عصره، ولكننا فنياً وفهمياً لا يمكننا اعتباره من رواد عصر النهضة العربية.

الهوامش

  • الورد الأنسي والوارد القدسي في ترجمة العارف عبد الغني النابلسي، صورة مخطوط كان بحوزة المرحوم محمد أديب النابلسي، ق 12 أ وما بعدها يوجد منه نسخة خطية أخرى ج 2، ص 75 وما بعدها (باريس،1985) في مخطة الجامعة الأمريكية في بيروت.
  • ر. أطروحتي.
  • ر. النابلسي، العقود اللؤلؤية في طريق السادة المولوية، دمشق 1932، ط2، ص40. وله أيضاً إيضاح الدلالات في سماع الآلات، تحقيق أحمد راتب حموش، دمشق 1981، ص 57.
  • ر. الوِرْد الأنسي، من 39 أ.
  • أمه هي زينب بنت محمد بن ابراهيم الدويك، وهوتاجر دمشقي توفي في الهند. وتوفيت والدته سنة 1104هـ. وقد كانت أثناء حملها بشيخنا تزور قبر الصوفي المجذوب يوسف القميني (ت657/1259) وقد قدمت نذوراً لخادم ضريحه وهوالشيخ محمود الحلواني الذي توفي قبل ولادة النابلسي بيوم واحد بعد حتى تنبأ لها بأن ابنها سيكون له شأن عند الله. (ر. أطروحتي بالفرنسية عن حياته جـ2).
  • ويخبرنا صوفي آخر من القاهرة بأوضاع مماثلة لفقهاء زمانه بقول إبراهيم بن علي المتبولي (وهوصوفي كبير من القاهرة ت886هـ) المنياوي طبقات الصوفية تحقيق أديب الجابر، بيروت 1999 جـ3 ص122: «[حكم] أولاد الفلاحين الذين يقرؤون بالجامع الأزهر حكم من سافر ليتفهم آلة الجهاد من الرمي وغيره، فلما تفهم سافر ليجاهد. فبتر الطريق واكتفى بذلك. فهم اتخذوا فهمهم آلة لحرب من يخاصمهم ونسوا ما شُرع الفهم لأجله من العمل والخشية والورع والزهد ونحوذلك».
  • ر. عبد الرحمن الجامي، (ت 898هـ)، نفحات الأنس، تحقيق محمد أديب الجادر، بيروت 2003، جـ2، ص642.
  • نشر هذا الكتاب بتحقيقي في المعهد الفرنسي بدمشق عام 1995، يتألف النص من 291 صفحة، مع مقدمة باللغة الفرنسية (ص1-82) بالإضافة إلى مقدمة التحقيق والفهارس. ويطلق النابلسي على الفصل اسم «الوصل» مشيراً إلى عدم الانقطاع بين فصول الكتاب السبعة والأربعين.
  • حول فاضحة الملحدين ر.مقدمة الوجود الحق بالفرنسية، ص15-30.
  • ر.مقدمة الوجود الحق بالفرنسية ص ص45 – 52. من جهة أخرى فقد أشار محمد عدنان درويش إلى إمكانية كون التفتازاني "ماتريدياً"، في مقدمته لتحقيق شرح العقائد النسفية للتفتازاني، دمشق 1141هـ، ص16، ولكنه لم يقدم أي مرشد على ذلك. وكان النابلسي قد خط رسالة للتوفيق بين الأشعري والماتريدي. ر. رسالتي للدكتوراه:

"Abd al-Gani an-Nabulusï, vie et doctrine, Paris 1985, Vol.2, p.204." (تحقيق الفوز في اتفاق الأشعري والماتريدي على خلق الاختيار).

  • الوجود الحق، ص17.
  • النابلسي، شرح التحفة المرسلة، مخطوط، ظاهرية 1377 ق 54ب.
  • كشف الأسرار، مخطوط، ظاهرية رقم 11268 ق 281 آ.
  • الجود لفهم وحدة الوجود، مخطوط، ظاهرية رقم 7965 ص 73 و74.
  • النابلسي، الوجود الحق، مخطوط، ظاهرية رقم 6069 ق 5آ.
  • الفتح الرباني والفيض الرحماني، تحقيق الأب أنطونيوس شبلي، المطبعة الكاثوليكية بيروت 1960 ص51.
  • الأمير عبد القادر الجزائري، المواقف، ص186.
  • المواقف، ص124.
  • الوجود الحق، مخطوط، ظاهرية 6069 ق68آ.
  • أحمد بن عجيبة (توفي 1809)، معراج التشوف إلى حقائق التصوف، دمشق 1937 ص32.
  • الوجود الحق، مخطوط، ظاهرية رقم 6069 ق 64 ب، 65آ.
  • المرجع السابق، ق 3آ.
  • المواقف، ص68.
  • النابلسي، مجموع الدواوين، مخطوط، ظاهرية رقم 710 ق 67آ.
  • د. بديع كسم، فكرة البرهان في الميتافيزيقا، المنشورات الجامعية الفرنسية، باريس 1959، ص28.
  • ابن عربي، فصوص الحكم، تحقيق عفيفي، دار الكتاب، بيروت ج1 ص48.
  • انظر، المواقف، ص 589 – 602.
  • المرجع السابق، ص535.
  • الأمير الجزائري، المواقف ص156.
  • الإنسان الكامل، القاهرة 1328هـ ص38.
  • مخطوط، ظاهرية رقم 7210، ق56.
  • النابلسي، المرجع السابق، ق 135ب.
  • ر. "المنهج العقلي عند ابن عربي وعبد الغني النابلسي" (ص47 – 79) في فيكتور سعيد باسيل، وحدة الوجود عند ابن عربي وعبد الغني النابلسي، بيروت 2006.
  • نشر صلاح الدين المنجد رحلته إلى البقاع (حلة المضى الإبريز في رحلة بعلبك والبقاع العزيز) ورحلته إلى طرابلس الشام. كما حقق أكرم العلبي رحلته إلى القدس. أما رحلته: الحقيقة والمجاز في رحلة مصر والشام والحجاز فقد حققها الأستاذ... مراد.

المصادر

  1. ^ الشيخ عبد الغني النابلسي، اكتشف سورية
  2. ^ أحمد سامح الخالدي، مؤسسة القدس للثقافة والتراث


وصلات خارجية

  • تفسير الاحلام لعبد الغني النابلسي
  • تفسير الأحلام بالترتيب الهجائي
تاريخ النشر: 2020-06-09 12:28:13
التصنيفات: Articles with hCards, No local image but image on Wikidata, مواليد 1641, وفيات 1730, أشخاص من دمشق, صوفية, شعراء صوفيون

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بكّين تذكر واشنطن بمخططها لتدمير 7 دول خلال 5 سنوات

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-11 21:17:11
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 85%

زلزال متوسط الشدة يضرب جنوبي تركيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-11 21:17:12
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 91%

مقتل جندي إسرائيلي في هجوم في الضفة الغربية المحتلة

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-11 21:17:05
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 87%

الجيش الإسرائيلي يعلن إسقاط مسيّرة "تابعة لحماس" شمالي غزة (صورة)

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-11 21:17:12
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 94%

انقرة تدعو كييف وموسكو الى هدنة قبل لقاء بين اردوغان وبوتين

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-11 21:17:04
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 94%

إيران.. القبض على مشبوه بالتجسس لصالح إسرائيل

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-11 21:17:17
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 90%

المستشار النمساوي يطالب بحل أوروبي للهجرة غير الشرعية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-11 21:17:17
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 86%

أقدم بنك في الولايات المتحدة يبدأ بقبول العملات المشفرة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-11 21:17:13
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 93%

اقتصادي أمريكي يحذر من مخاطر الركود في الولايات المتحدة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-11 21:17:19
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 96%

مشروع قانون في الكونغرس لتعليق بيع الأسلحة للسعودية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-11 21:17:16
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 99%

تحميل تطبيق المنصة العربية