إعداد مبارك أجروض

يعكس الطعام العديد من الجوانب والعوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للفرد والمجتمع، فالطعام ليس مجرد احتياج بيولوجي للإنسان، أو مصدر للطاقة والغذاء، لكن تأثير الظروف المختلفة المحيطة يظهر على أصناف الطعام وطرق إعداده والعادات المرتبطة به. واليوم، يمر العالم بأزمة Covid-19 الغير مسبوقة التي تركت آثارها على جميع جوانب حياتنا تقريبا، وقد تأثرت عادات الطعام بشكل واضح، ربما لا يمكن التنبؤ بعد بمدى استمرارية هذه التأثيرات عقب انتهاء الأزمة، خاصة مع كونها أزمة ممتدة بلا أُفق واضح للحل، لكن هناك بوادر واضحة لبعض التغييرات في عادات الطعام سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات.

على الرغم من شعور الكثيرين بالضيق بسبب أزمة Covid-19 التي فرضت مجموعة من الإجراءات الوقائية داخل وخارج المنزل، إلا أن هذه الأزمة لا تخلو من بعض التأثيرات الإيجابية، وخاصة فيما يتعلق بالعادات الغذائية اليومية.

أهم التغييرات في العادات الغذائية التي طرأت على حياتنا بسبب جائحة Covid-19، بحسب صحيفة هافينغتون بوست الأمريكية:

ـ عودة مائدة الطعام العائلية

يرتبط انتظام الوجبات العائلية بدعم الترابط والتواصل الأسري، وارتفاع التقديرات الدراسية، والتواصل مع الآخرين، وتقليل السلوكيات الخطرة لدى المراهقين، كما يحد من مخاطر السمنة واضطرابات الطعام. وعلى الرغم من كل هذه الفوائد فإن العديد من الأُسر لا تتمكّن من الجلوس معا إلى المائدة، تشير إحدى الدراسات التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن ما بين 30% إلى 35% من العائلات تجتمع 3 مرات أو أقل حول مائدة الطعام في الأسبوع، لكن هذا الأمر تغير كثيراً بعد أزمة Covid-19، حيث بات الكثيرون يتناولون وجبات الطعام مع العائلة.

ولا يخفى أن للوجبات العائلية تأثيرات إيجابية عديدة، من بينها دعم أواصر المحبة بين أفراد الأسرة، وزيادة ثقة الأطفال بأنفسهم، بالإضافة إلى الالتزام بشكل أكبر بوجبات الطعام الصحية المطهوة داخل المنزل.

ـ زيادة الوجبات النباتية

أجبر نقص اللحوم في العديد من دول العالم الكثيرين على الانتقال إلى وجبات الطعام المعتمدة بشكل أكبر على النباتات، وهذا أمر مفيد للصحة من جهة، وللبيئة من جهة أخرى، حيث تنتج الثروة الحيوانية وحدها حوالي 18% من غازات الدفيئة الضارة.

ويساعد الالتزام بنظام غذائي نباتي على تجنب الأمراض المرتبطة باللحوم، مثل ارتفاع نسبة الكوليسترول والدهون وأمراض القلب والبدانة، كما يعزز من مناعة الجسم ومقاومة الأمراض المختلفة.

ـ إعداد الوجبات المنزلية

مع فرض إغلاق المطاعم في العديد من الدول وتزايد مخاوف المستهلكين من تناول الأطعمة الجاهزة اتجه الكثيرون لإعداد الطعام في المنزل، ليستهلكوا الوقت في الطهي الطويل، فالبعض عاد لإعداد وصفات الأمهات والجدات، والبعض الآخر اتجه لتعلُّم وصفات غير تقليدية، وفريق آخر يحاول إعداد وصفات المطاعم المفضلة، وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بالصور والفيديوهات المرتبطة بالطعام، وبالصور الساخرة من الوزن الذي نكتسبه خلال فترة التباعد الاجتماعي الطويلة. يطرح التساؤل هل سيستمر هذا السلوك في المستقبل بعد انتهاء أزمةCovid-19  أم سنتمكن من العودة لنمط حياتنا المعتاد ؟ لا أحد يعرف، خاصة وقد صرنا في خضم ثورة من مهارات الطهي، والكثيرون الآن يراكمون المهارات المطبخية بشكل يومي، ولهذا تأثير إيجابي على الصحة، ناهيك عن التوفير في المال.

ـ تعلم تقنيات تنظيف الأطعمة

على الرغم من عدم وجود دلائل على انتقال الفيروس عبر الطعام فإن ذلك لم ينعكس على سلوكيات المستهلكين، فقد تغيرت العادات الشرائية للكثيرين بسبب الخوف من Covid-19، فازدادت معدلات شراء الأطعمة العضوية، وجعلتنا الرغبة في البقاء آمنين نطرح أسئلة لم نكن نطرحها سابقا: هل علينا أن نغسل الخضراوات والفاكهة بالماء والصابون ؟ أم الماء والخل ؟ وماذا عن البقول كيف يمكننا تعقيمها ؟ ما الذي نفعله في مشترياتنا ؟ هل نبقيها لأيام قبل أن نستخدمها ؟ أم لا بد من تطهيرها ؟ وهل هذا كافٍ لقتل الفيروس إن كان موجودا على الأسطح ؟

وهكذا بات الكثيرون أكثر حرصاً على نظافة الأطعمة التي يشترونها من المتاجر، وذلك بناءً على تطبيق توصيات الخبراء، الذين يدعون بضرورة غسل الأطعمة بشكل جيد لتجنب التقاط Covid-19، وهذا ما دفعهم إلى البحث عن أفضل السبل لغسل وتنظيف الأطعمة وتعقيمها لمنع التقاط العدوى، وينعكس هذا بشكل إيجابي على تجنب الإصابة بالأمراض الأخرى التي تنقلها الأطعمة الملوثة.

ـ تعزيز المناعة عبر تناول الطعام

منذ منتصف شهر مارس الماضي ارتفعت معدلات البحث على محرك غوغل عن “أطعمة تقوي المناعة”، فبينما لا يلوح في الأفق أي أمل قريب يُفضي لانتهاء هذه الأزمة أو إيجاد لقاح لCovid-19 فالكثير من الناس يبحثون الآن عن الوقاية والحماية بأية طريقة. وفي عالم يبحث فيه الجميع عن تقوية مناعتهم، ربما نرى الكثير من العلامات التجارية تبدأ في الترويج لمنتجاتها باعتبارها منتجات تُعزِّز المناعة، وعلينا كمستهلكين أن نكون واعين ولا نندفع خلف الرسائل الزائفة.