المجهول الذي لا اسم له


تحدث كريستوف الإسكندر، المعماري والأكاديمي المعروف، عن الجودة التي لا اسم لها، متحدثاً عن خاصية موجودة في العمارة الخالدة عبر الأزمان. وكان رأي الإسكندر صادماً للمعماريين، لأنه يهاجم ابتكاراتهم، طالباً منهم أن يتعلموا من التاريخ لا أن يعيدوا تشكيل المستقبل. وقد نقد الإسكندر الحداثة في العمارة وما بعد الحداثة نقداً شديداً وله مناظرة شهيرة في هارفارد تقمص فيها دور سقراط، حيث يسأل عن المعنى ولا يجيب عنه. لكن لماذا أحب أن تبقى الجودة أو الخاصية التي يبحث عنها دون اسم؟

الإسكندر محق في أن الابتكار قديم، ويجدر بنا أن نتعلم من الماضي الذي تركناه مدججين بمعدات الحداثة الثقيلة نجرف كل ما يعترضنا في الطريق إلى المستقبل. إنما من المحير أن نجد للابتكار حضوراً حقيقياً فيما وصلنا من الماضي لكن لا نجد له اسماً. عندما وزع امرؤ القيس فرسه إلى أربعة من الكائنات: الظبي والنعامة والذئب والثعلب. للظبي والنعامة الوصف الثابت، وللذئب والثعلب الوصف المتحرك. فأخذ امرؤ القيس لفرسه من الظبي الكشح ومن النعامة الساقين، وفي الحركة أخذ إرخاء الذئب في الجري الخفيف، وأخذ تقريب الثعلب في الجري الشديد. ما فعله امرؤ القيس ابتكار ولا شك، وقد دار النقاد القدامى حول المعاني المبتكرة له ولغيره يجمعونها دراسة وتحليلاً، لكن غاب مفهوم الابتكار نفسه عندهم وإن كانت آثاره ظاهرة جلية.

وإذا بحثنا عن الابتكار في لغة العرب وجدناه مرتبطاً بالاستيلاء. ففي لسان العرب لابن منظور: ابتكرت الشيء إذا استوليت على باكورته، والباكورة هي أول الفاكهة. هكذا إذاً استولى امرؤ القيس الملك الضليل على الوقوف بالأطلال ووصف الخيل وتشبيه النساء بالظباء كما لو كانت امتداداً لمملكة كندة في جزيرة العرب. وقد يأتي الابتكار بمعنى الإسراع كما في حديث الجمعة: من غسل واغتسل وبكر وابتكر. لكن هل سكت العرب عن مفهوم الابتكار مفضلين أن يهتموا بمضمونه كما يدعونا إليه اليوم الإسكندر؟

الأساطير التي صنعت لتجيب على سؤال الشعر، إنما كانت تجيب عن سؤال الابتكار حقيقة. من أين تأتي المعاني الجديدة في شكلها الصارم، على البديهة أم تأتي صناعة، وكيف تظهر فجأة كما لو كانت إملاء من مصدر مجهول. فإن كانت أسطورة وادي عبقر غير مقنعة خصوصاً بعد الإسلام، فيبدو أن بحث المسألة برمتها لم يكن مقنعاً لأحد خصوصا أن مظاهر الابتكار لم تأخذ حيزاً كبيراً في الحياة العامة كما تأخذه اليوم، أو هكذا نظن على أية حال.

نقلا عن الرياض

تاريخ الخبر: 2021-12-26 03:17:46
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 95%
الأهمية: 94%

آخر الأخبار حول العالم

انطلاق فعاليات الدورة ال29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-09 21:25:16
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية