رغم كل المواثيق والمعاهدات الدولية للالتزام بالمساواة، والقضاء على التمييز العنصري القائم على أسس عرقية أو دينية أو إثنية، فإن الهند، والتي تعد طرفاً في هذه الاتفاقيات، قد خرقتها في تحدٍ صارخ. وأصبحت بذلك من بين أكثر بلدان العالم انتهاكاً لحقوق الأقليات وإجراماً في حقهم.

وفي هذا السياق تحدثت العديد من التقارير الحقوقية الصادرة خلال السنوات الماضية، وبالتحديد منذ تولي ناريندرا مودي الحكم عام 2014، على انتهاكات جسيمة وتطرف متنامي في الهند تجاه المسلمين على وجه التحديد.

ولكن يبدو أن هذه الهجمات التي يقودها الهندوس المتطرفون، وهزت الأوساط الحقوقية في العالم، لم تستثن الطائفة المسيحية أيضاً، التي تعرضت بدورها إلى جملة من الاعتداءات وأصدرت في حقها عدة قوانين تعسفية، تزامناً مع الاحتفالات عيد الميلاد.

مسيحيو الهند.. اعتداءات وقوانين مشددة

تعرضت الأقلية المسيحية التي تمثل حوالي 2% من إجمالي عدد سكان الهند، إلى العديد من المضايقات في السنوات الأخيرة، خاصة خلال فترات الاحتفالات بعيد الميلاد. إذ أوقفت العديد من الإحتفالات وعطلت المراسم والصلوات، وحطمت تماثيل "المسيح" وأحرقت تماثيل "بابا نويل".

وشهدت هذه الهجمات تصاعداً مقلقاً منذ بداية السنة الحالية، إذ يدعي الهندوسيون المتطرفون أن الجماعات المسيحية تخطط لـ"التحويل القسري للهندوس إلى المسيحية" وذلك عبر الحملات التبشرية التي تجريها، منذ دخول شهر ديسمبر/كانون الأول، إضافة إلى الهدايا التي يوزعها بابا نويل على الأطفال، لجذبهم إلى المسيحية، والاحتفالات التي تقام في الكنائس ويشارك فيها الكثير من أبناء الهندوس، على حد تعبيرهم.

وبهذه الأسباب بررت الجماعات القومية الهندوسية الهجمات الشرسة التي قامت بها ضد المسيحين في ولايات وأقاليم متفرقة من الهند. ففي ولاية آسام، وثقت مقاطع فيديو انتشرت لاحقاً على مواقع التواصل الاجتماعي، تعطيل رجلين للاحتفالات بالكنيسة ليلة عيد الميلاد، وصاح أحدهم قائلا: "نحن ضد مشاركة الفتيان والفتيات الهندوس في احتفال عيد الميلاد، هذا يضر بمشاعرنا. يرتدون ملابس الكنيسة والجميع يغني عيد ميلاد سعيد. كيف سينجو ديننا؟". وتكرر الأمر ذاته في عدة ولايات أخرى، كولاية هاريانا وولاية أوتار براديش وغيرها.

فيما خرب بعض المتطرفين الكنائس وهدموا تماثيل المسيح وأحرقوا الأناجيل وأغلقوا المدارس المسيحية واعتدوا على المسيحيين والقساوسة، دون أن يتعرض أحدهم للمحاسبة أو العقاب.

ووفق ما صرح به القس في الأشرم أناند، لوسائل إعلامية أجنبية، فإن الهجمات التي وقعت خلال احتفالات عيد الميلاد، ليست إلا جزءاً من حملة التحريض والاعتداءات المتواصلة التي يتعرض لها أبناء الطائفة المسيحية في الهند. فقد أصبح يوم الأحد بالنسبة للمسيحين هناك، يوم رعب وهلع، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يرتادون الكنائس.

وفعلا أظهرت العديد من التقارير الحقوقية، أن الجرائم ضد المسيحين في الهند شهدت تزايداً مقلقاً خلال السنوات الأخيرة، بنحو 60% وذلك في الفترة بين عامي 2016 و2019. ووُثق أكثر من 300 هجوم على المسيحيين في جميع أنحاء الهند خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة الحالية 2021.

وعلى ضوء الاتهامات التي وجهتها الجماعات الهندوسية المتشددة التابعة لحزب بهاراتيا جاناتا بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، بسعي المسيحيين لـ"التحويل القسري للهندوس إلى المسيحية"، أصدرت السلطات الهندية قراراً رسمياً بإيقاف التمويل الأجنبي وتجميد الحسابات المصرفية للجمعية الخيرية التي أسستها الأم تيريزا عام 1950، والتي توفر ملاجئ للفقراء وتقدم مساعدات خيرية لعدد كبير من الناس.

وتأتي هذه الخطورة، في إطار التضييق القانوني على الأقلية المسيحية في الهند، إلى جانب الإعتداءات التي يواجهونها بشكل يومي وسط تحريض إعلامي ممنهج وصمت دولي، شأنهم شأن بقية الأقليات، وعلى رأسهم مسلمو الهند، أكثر الأقليات اضطهاداً في هذا البلد.

وبالرغم من تحذير التقارير الحقوقية، من إبادة جماعية ممنهجة يقودها الهندوس ضد المسلمين الذين يمثلون حوالي 14% من عدد سكان الهند، إلا أن ذلك لم يوقف آلة القتل والعنف، في أكثر بلدان العالم تفشيا للجرائم العنصرية وتحريضا على المسلمين.

ولا تعد المشاهد ومقاطع الفيديو المنتشرة على وسائل التواصل الإجتماعي، إلا غيض من فيض، من حملة اعتداءات وهجمات واسعة، حولت حياة المسلمين في الهند إلى جحيم، بتواطئ إعلامي وحكومي.

وكانت آخر إرهاصات هذه الحملة العنصرية، دعوة زعماء دينيين هندوس بولاية أوتارانتشال الشمالية إلى القتل الجماعي واستخدام الأسلحة ضد المسلمين لإبادتهم.

وكانت قد تعرضت خلال الفترة الأخيرة العديد من منازل ومزارع ومساجد المسلمين في الهند إلى الحرق والنهب، فيما اعتدى متطرفون هندوس على الكثير من المسلمين وتمكنوا من الإفلات من العقاب.

TRT عربي