«جابر عصفور قامة ثقافية وفكرية استثنائية، من النادر أن تتكرر، أو أن يوجد لها نظير في عالمنا العربي، قامة تتميز بخصوصية فريدة، ذلك أنه ليس من المتاح أن يجتمع في فرد واحد، كل هذا التنوع والتعدد، إذ يصعب أن يجمع شخص واحد ما يجمعه عصفور من تنوع وتعدد، وفي الوقت ذاته، يحقق كل هذا القدر من الإجادة والتميز».. بهذه العبارات تحدث الدكتور طارق النعمان، عضو هيئة التدريس بجامعة القاهرة، عن أستاذه الراحل جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، الذي رحل صباح اليوم، بعد أزمة صحية عن عمر ناهز 77 عاما.

النعمان: جابر عصفور كان مؤسسة بمعنى الكلمة

وأضاف الدكتور طارق النعمان، لـ«الوطن»: جابر عصفور، كان مُؤسَّسة بكل معنى الكلمة، مُؤسَّسة أسَّست ذاتها بذاتها، بدأب واجتهاد وخيال خلَّاق، واستطاعت أن توظف كل ما يمكنها توظيفه من أجل إنجاح هذه المُؤسَّسة، متابعا: إذا ما استعرنا بعض عبارات «غرامش» فهو «مثقف عضوي» بكل معنى الكلمة، شاء من شاء وأبى من أبى، وهو واحد من صُنَّاع الأمل في هذه الأمة، ويمكن للكثيرين أن يختلفوا معه، ولكن يستحيل أن يُخْتَلَف على ما يمثله جابر عصفور من حضور، وقيمة في الواقع العربي، وفي الثقافة العربية والإنسانية، سواء بمنجزاته الفكرية أو بمنجزاته المؤسسية.

وأوضح أن خصوصية «عصفور» الفريدة، التي لا يضاهيه فيها أحد من معاصريه مصريًا وعربيًا، كونه يجمع في آن واحد، بين الأستاذ الأكاديمي اللامع، الذي ظل على مدار عمره الأكاديمي كله، منذ عام 1965، حتى الآن، يخلب لب تلاميذه وطلابه وزملائه، بحضوره المعرفي الفياض، وتدفق وحداثة معارفه، عبر كل الجامعات المصرية والعربية والعالمية التي عمل وحاضر فيها، وعلى رأسها جامعة هارفارد التي كانت تحرص دومًا على دعوته كأستاذ زائر بها على مدار سنوات عديدة.

النعمان: جابر عصفور كان مثقفا مهموما بقضايا وطنه

وتابع النعمان، وهو كذلك المثقف المهموم بقضايا وطنه وأمته الذي ما أن تولى أمانة المجلس الأعلى للثقافة في يناير 1993 حتى حوَّله وبدَّل كيانه من مجرد هيكل شكلي شبه ميت، إلى كيان حي فاعل ينبض بالثقافة والمعرفة والتواصل العربي والعالمي، عبر عشرات المؤتمرات الدولية التي كان يعقدها، جامعًا كل أطياف الثقافة العربية والإنسانية المختلفة بما يحقق أجلى معاني التثاقف الحر الخلّاق.

وأشار «النعمان»، إلى إطلاقه للمشروع القومي للترجمة الذي أحيا فيه مشروع جده طه حسين، المتمثل في «لجنة التأليف والترجمة والنشر»، الذي تحول أيضًا على يديه، إلى المركز القومي للترجمة، دُرَّة مشاريع وزارة الثقافة قاطبة، وليُعدي بفعله هذا العديد من البلدان العربية فتقيم أيضًا مشاريعها ومراكزها الخاصة للترجمة.

وتحدث عن رئاسة «عصفور» لدار الكتب لفترة وجيزة جدًا، لم تتجاوز ثمانية أشهر، فيُصدِر، ضمن إصدارات أخرى عديدة، واحدة من دُرر مخطوطات هذه الدار، وهي نسخة برسلاو من ألف ليلة وليلة، كما يمكن أن ننسى دوره كرئيس تحرير لمجلة فصول، في أزهى عصورها جميعًا.