تصاعد الخلاف بين تياري الإخوان المسلمين (أنقرة ولندن) على نحو ملحوظ وملموس، وظهر إلى العلن عبر مدلولات وصور مختلفة، بعدما كان تلمسه يتم فقط من القريبين من البيت الإخواني، الأمر الذي استدعى جهود وساطة جدية تقوم بها رموز إخوانية تاريخية تسعى لإبرام مصالحة بين الجناحين المتصارعين.

ويرصد خبير الأمن الإستراتيجي عمر الرداد، الحال الذي بلغته الخلافات، والسيناريوهات التي يمكن أن تستقر عليها، والتي يتنبأ كثيرون بأنها قد تشكل ما يمكن تمثيله بأنه زلزال قد يضرب التنظيم الدولي للجماعة، ربما تكون له ارتداداته التي ستطال التنظيمات القطرية للجماعة.

واشتعل فتيل الخلاف بعد تبادل للاتهامات بين تياري قيادة التنظيم الدولي، الذي يقود أحدهما إبراهيم منير من لندن، ويقود الثاني محمود حسين من أنقرة، والذي تجلى بعد الإطاحة بحسين في انتخابات اعتبرها وأنصاره «مؤامرة» للإطاحة به، لتسليم التنظيم لجناح لندن الذي سيطبق حينئذ على التنظيم في لندن وأنقرة.

فصل وتجميد

لجأ جناحا لندن وأنقرة إلى سلاحي الفصل والتجميد من التيارين، وهو ما أحدث زلزالًا في التنظيم الذي شهد كثيرًا من الاختلالات منذ الثورة المصرية والإطاحة بالإخوان المسلمين عن سدة الحكم عام 2013 واعتقال الرئيس مرسي وبعض القيادات، فيما خرجت قيادات أخرى إلى تركيا وقطر وماليزيا ودول أوروبية عدة.

انقسمت الجماعة بين مرجعيتين، وذلك في إطار تحليل أسباب فشل التجربة في مصر، كما ظهر فيها ما وصف بأنه خلافات الأجيال في الجسم الإخواني بين تياري الشباب والشيوخ، فرفضت تيارات استمرار إخضاع التنظيم للشيوخ وخطابهم ومقارباتهم الانتقامية والثورية التي تنتمي لخمسينيات وستينيات القرن الماضي، تلك المقاربات التي يشار إليها بـ«التيار القطبي» نسبة إلى الرمز التاريخي للإخوان«سيد قطب».

وتعرضت الجماعة لهزة عنيفة نتيجة ظروف وأسباب عدة طرأت على تحالفاتها وحواضن التنظيم، لا سيما المظلة الواسعة التي وفرتها تركيا، من خلال حزب العدالة والتنمية الحاكم. أو سياقات تنظيمية داخلية عنوانها التنافس على المراتب القيادية والتمسك بالسلطة، بما في ذلك مقدرات التنظيم المالية التي تبلغ المليارات، وفشل النموذج الإخواني بعد وصوله إلى السلطة في عدد من الدول العربية والإسلامية.

صلب التحولات

حين انفجر «الربيع العربي» مالت الإدارة الأمريكية إلى دعم صعود الإخوان، لكن مراجعة سريعة لاحقة للمواقف والتقييم في أمريكا وأوروبا أثبتت أن هذا الدعم لم يكن في محله، ولم يبنى على أسس موضوعية خصوصًا مع السلوك الذي قدمته الجماعة خلال وجودها في السلطة، خصوصًا أن تنظيمات الإخوان المسلمين شكلت، عبر جمعياتها ومؤسساتها الدعوية والمرتبطة بعناوين العمل الخيري والإنساني، حواضن للتطرف والإرهاب. وأسهمت المتابعات الأمنية للجماعة وجمعياتها ومؤسساتها في كبريات العواصم الأوروبية، وانكشاف الخطاب الإخواني المزدوج مع الغرب قبل وصولهم للسلطة، والمتضمن احترام الأقليات وحرية الأديان وحقوق المرأة، ثم انقلابهم وتحالفهم مع جماعات تكفيرية ومتطرفة في مصر، وممارستهم خطاب كراهية لا يبتعد عن مضامين خطابات التنظيمات الإرهابية، بدا واضحًا في أوروبا تحديدًا. كما لعب تفكيك العلاقة التحالفية بين القيادة التركية والتنظيم الدولي للإخوان، خصوصًا مع انفتاح تركيا على الدول العربية، وعلى الأخص علاقاتها مع القاهرة والرياض وأبوظبي، وهو تفكيك شمل وقف المنصات الإعلامية لتنظيم الإخوان في الساحة التركية، ناهيك عن المصالحة الخليجية مع قطر، دورًا مؤثرًا في تفاقم أزمات الإخوان.

تراجع ملحوظ

لا يمكن نسبة أزمة الإخوان فقط إلى عوامل خارجية مستقلة، فحتى شعبية الإخوان شهدت بدورها تراجعات كبيرة في الشارع الإسلامي، وتراجعت حصتهم في الانتخابات سواء على مستوى النقابات والمهن واتحادات الطلاب أو حتى على مستوى البرلمانات، وهو ما أدرك معه الغرب الوزن الحقيقي للإخوان المسلمين، وفقًا لنتائج صناديق الاقتراع، خاصة أن الإخوان كانوا يقدمون أنفسهم للغرب بأنهم القوة الوحيدة القادرة على السيطرة على الشارع العربي والإسلامي.

أزمات داخلية متفاقمة

على الصعيد الداخلي، يتزامن الانكشاف في خلافات التنظيم الدولي مع ما يمكن وصفه بـ«الفشل» في إدارة وتوجيه التنظيمات القُطرية التي وصلت إلى السلطة في كل من مصر والمغرب وتونس إضافة إلى السودان، وما شهده بعضها الآخر من انشقاقات كما هو حال في الأردن، إضافة للعلاقة المرتبكة مع حماس التي استخدمت على نحو مصالحي في المساومات بين الإخوان وأمريكا ودول أوروبية أخرى.

وجاء الفشل الإخواني عربيًا ليكشف عن أن بنية التنظيم نفسها تعاند متطلبات التطور والتغيير والتكيف وتلبية متطلبات التحولات الاجتماعية والفكرية، وبدا أن التنظيم الدولي للإخوان يعاني كذلك من تلبية متطلبات التطور والتغيير، ولعل عدم قدرة الإخوان على الفصل بين «السياسي والدعوي»، وهي الإشكالية تندرج في إطارها قضايا أعمق بما فيها الهوية والموقف من الآخر وشيطنته عبر مقولات إخوانية عدة، ليس أقلها «الغرب الكافر»، وضبابية الموقف من الإرهاب، ومقاربات التنظيمات الإرهابية بـ«الخلافة الإسلامية»، وهو الشعار الذي يطرحه الإخوان المسلمون بصيغة مواربة عبر شعارهم: «الإسلام هو الحل»، إضافة للموقف من مفاهيم الديمقراطية والتشاركية، وإشكالية تحالف الأخوان في مصر والمغرب وتونس وغيرها مع ماركسيين وليبراليين.

كما كشفت تسريبات من أوساط إخوانية أن هناك فجوة عميقة بين ما تعلنه تنظيمات الإخوان من مواقف تجاه «إسرائيل» ورفض التطبيع معها، وبين ما يقال في الغرف المغلقة واللقاءات مع السفارات الأمريكية والأوروبية، من أن إسرائيل لن تكون عدوًا في حال وصولهم إلى السلطة.

عجز في السلطة

كثيرًا ما ادعت الجماعة أنها تملك الحلول لكل مشاكل المجتمع، ولكن تجربتها العملية حين تولت السلطة أثبتت عجزها عن اجتراح حلول للأزمات الاقتصادية خارج إطار مفاهيم الدولة الحداثية، المرتبطة مع المنظومة الدولية بما فيها «البنك والصندوق الدوليين» والقروض والتوسع بالضرائب.

كان ذلك كفيلًا بفضح الادعاءات الزائفة للإخوان بأنهم يملكون كل الحلول لكن حرمانهم من السلطة يمنعهم من تطبيق تلك الحلول التي بدت خاوية حين تسلموا السلطة فعليًّا.

مآلات الأزمة

يبين الرداد أن «الأزمة الحالية جاءت في سياق أزمات مركبة ومتصاعدة، ربما نجح التنظيم في احتوائها نسبيًا، لا سيما مع وساطات ربما أُجريت بإشراف شخصيات غير بعيدة عن تدخلات أجهزة استخبارية تتبع لدول حاضنة للإخوان، كان لها مصلحة في تخفيف حدة الخلافات والصراع بين أجنحة التنظيم الدولي، بغية ضمان تنفيذ أجنداتها السياسية، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول ثبات موقفها من الإخوان، خاصة فيما إذا كانت تلك المصالح ما تزال قائمة أم أنها استُنفذت، واستنفذ معها التعويل على إمكانية أن يخدم التنظيم الدولي استراتيجياتها؟».

سيناريوهات الغد

تبدو الأزمة الإخوانية الحالية قابلة للفصل وفق سيناريوهات عدة، أولها أنها قد تراوح في المكان، وهو سيناريو مرجح، بمعنى أن تتواصل الأزمة وتتوسع الخلافات دون قدرة أي من الطرفين على حسم الأمور لصالحه، لا سيما وأنهما يعتمدان مقاربة «كل شيء أو لا شيء»، ويستند كلاهما على مرجعيات مشتركة قوامها الإقصاء الكلي والقضاء على الطرف الآخر، ويبدو أن مسارات الصراع تسير وفقًا لهذه المقاربة حال استمرارها لصالح تيار منير، استنادًا لعامل حاسم في الخلافات التاريخية الإخوانية وهو أن من يملك مالية التنظيم ستكون له الغلبة، بالإضافة لاستثمارات أخرى عبر قائمة من الشركات والمؤسسات التي تعمل في الأسواق بما فيها أسواق العقار، وهو ما يفتقده تيار تركيا الذي يعتمد في تغطية نفقات التمويل على قيادة لندن، بما في ذلك رواتب وامتيازات قياداته وتكاليف منصاته الإعلامية.

أما السيناريو الثاني، فيكمن في التوصل إلى مصالحة تقودها الرموز والشيوخ، تحت شعارات الحفاظ على الجسم الإخواني ووحدته، لكن احتمال هذه المصالحة يبدو ضعيفا، وحتى لو تمت فإن احتمالات نجاحها لن تضمن عودة التنظيم موحدًا، وهي احتمالات تبدو غير واقعية، خاصة أنه في كل مرة تم اللجوء فيها للمصالحة سرعان ما عادت المواقف للتؤجج.

أما ثالث السيناريوهات، فيتحدث عن تفاقم وتصعيد إلى مستويات أعلى، خصوصًا مع تشابك وتداخل السياقات الإقليمية والدولية، ومع التضييق الذي تعانيه فروع التنظيم دوليًّا، وفشل تجاربهم في دول شمال أفريقيا والمشرق العربي، إضافة لرفع الغطاء عن التنظيم من قبل أنقرة، عبر سلسلة إجراءات وقرارات عميقة، كان أبرزها ضبط منصات الإخوان الإعلامية وتقييد تحركات قياداتها على الأراضي التركية تحت مراقبة أجهزة الأمن، بالإضافة لضغوطات ومطالبات من داخل التنظيم بالتجديد وتحديدًا في الساحة المصرية، وذلك بعد سلسلة أخطاء أسهمت في الإطاحة بهم عن الحكم في مصر.

تسهم هذه العوامل كلها في ترجيح سيناريو التفاقم والحسم، ويبدو أن الكفة تميل لصالح جناح لندن بقيادة «منير» رغم تركيز جناح أنقرة على رفض قيادة الأخير لكونه يحمل جنسية بريطانية، الأمر الذي يخالف اللوائح الداخلية الإخوانية، كما أن هناك عاملًا آخر يعد معيارًا قويًا لكيفية توقع انتهاء الصراع، وهو أن غالبية قيادات التنظيم الدولي من المصريين، والتنظيم الإخواني المصري يشهد صراعات أكثر حدة بعد الاعتقالات الأمنية التي طالته، وبعد تراجع شعبيته وظهور تيار شبابي إخواني يرفض القيادات التاريخية التي يمثلها جناح أنقرة في الصراع، وهو ما يعني أن كفة منير ستكون الأرجح في الاستيلاء على قيادة التنظيم.

تحولات عميقة

يجزم الرداد، ملخصًا أزمة التنظيم بقوله «في الخلاصة، وبمعزل عن تحديد شكل السيناريو الذي ستتطور من خلاله الأزمة الإخوانية، فإنها تعكس تحولات عميقة داخل التنظيم، غير بعيدة عن تحولات عميقة أخرى تشهدها المجتمعات العربية نتيجة ما يعرف بـ«الربيع العربي»، بعد ركوب الإخوان موجة الاحتجاجات معتقدين أن بإمكانهم تجاوز حقيقة مطالب هذه المجتمعات، والمرتبطة بالاقتصاد والديمقراطية ومواجهة الفساد، وهو ما لم يستطيعوا الاستجابة له بحكم البنية الأيديولوجية العميقة للتنظيم وانتمائه لما هو خارج روح العصر، إذ أن شعوب العالم كله تعيش اليوم في ظل تأثير منظومات قيم موحدة، سقطت معها أيدولوجيات كثيرة لم تستطع التكيف مع الواقع الجديد بما فيه من تطورات ومستجدات، فالعناوين البرامجية المرتبطة بالقضايا الحياتية أصبحت اليوم معايير تحقيق الشعبية التي تعبر عن نفسها في صناديق الاقتراع، وهو الأمر الذي لم يدركه الإخوان المسلمون، لا سيما أن محددات نجاح أي جناحي التنظيم واحتمالات بقائه ستكون مرتبطة بالاستجابة للقضايا المطلبية والتعددية والتنوع، لا للأفكار الكبرى التي تتساقط يومًا بعد يوم، ليس في العالم العربي والإسلامي فحسب، بل وفي الغرب بما فيه أمريكا وأوروبا.

أزمة الإخوان

ـ اتهامات متبادلة بين تياري قيادة التنظيم الدولي

ـ الكفة تميل لصالح جناح لندن بقيادة إبراهيم منير

ـ جناح أنقرة ينكفئ ويعاني من موقف تركي متغير

ـ محمود حسين قائد الجناح التركي يخرج من الانتخابات

ـ أنصار حسين يعتبرون الانتخابات مؤامرة للإطاحة بحسين

ـ فشل الإخوان بعد تسلمهم السلطة في أكثر من بلد كشف هشاشتهم

ـ حكم الإخوان كشف كذب الشعارات التي أطلقوها بانتظار توليهم السلطة

ـ بنية التنظيم أثبتت عجزه عن مواكبة التطورات وأظهرت الأحداث تناقضه

3 سيناريوهات لحل الأزمة الإخوانية

1ـ بقاء الحال على ما هو عليه دون حسم لطرف.

ـ هذا السيناريو وارد لإصرار الطرفين على كل شيء أو لا شيء.

ـ هذا السيناريو يميل لصالح جناح لندن لأنه يمتلك مالية التنظيم.

2- التوصل إلى مصالحة، لكنه احتمال ضعيف.

3- تفاقم وتصعيد الأزمة إلى مستويات أعلى

ـ سيناريو مرجح، كفته تميل لصاح جناح لندن.