كانت الصدمة كبيرة لجمهور كرة القدم العماني، وهو يتابع، عصر الأربعاء 22 ديسمبر الحالي، خبر وفاة لاعب نادي مسقط مخلد الرقادي (29 عاما)، الذي فارق الحياة إثر سقوط مفاجئ في أثناء عمليات الإحماء، وفشلت كل محاولات الطاقم الطبي لناديه في إسعافه وإبقائه على قيد الحياة، لتُعلن في النهاية وفاته بسكتة قلبية فور دخوله المستشفى.

كانت تلك الوفاة حلقة جديدة في قائمة انهيار لاعبين خلال مباريات فرقهم أو تدريباتها، وهي قائمة يتجاوز عدد المسجلين فيها الـ100 لاعب، لكنها على اتساعها ومأساويتها، وحدوث بعضها تحت أنظار الجماهير وكاميرات النقل التليفزيوني، لم تنجح بعد في قرع ناقوس الخطر بما يكفي، ليقول للجهات المشرفة على تنظيم بطولات ومباريات كرة القدم في العالم: «احذروا.. إنكم تقتلون اللاعبين».

الأموال أهم

بقيت مباريات كرة القدم كنزا لا يقدم المتعة فحسب، بل كذلك تُغدق الأموال الطائلة على الاتحادات والأندية، ومن هنا يمكن فهم لماذا زاد الاتحاد الدولي لكرة القدم عدد فرق المونديالات الأخيرة إلى 32 منتخبا، ويمكن كذلك فهم لماذا زاد الاتحاد الأوروبي عدد منتخبات بطولة أوروبا 2020 لتصبح 24، بزيادة 8 منتخبات دفعة واحدة عن البطولة التي سبقتها، أي نحو 50% من العدد الأصلي.

ويفكر «الفيفا» في زيادة منتخبات المونديال إلى 48، بينما يصمم الاتحاد الإفريقي على إقامة بطولة إفريقيا مرة كل عامين، وليس كل 4 أعوام.

مزيد من المباريات يعني من حيث المحصلة مزيدا من أموال البث التليفزيوني، وهي تمثل الغالبية العظمى من الإيرادات، فمثلا توفر كأس العالم للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) عائدات بأكثر من 4 مليارات دولار، بينما لا تتخطى تكاليف المونديال الملياري دولار.

وقد حققت نهائيات كأس العالم 2014 في البرازيل لـ«الفيفا» دخلا إجماليا قدره 4.82 مليارات دولار، شملت حقوق البث التليفزيوني (2.42 مليار)، وحقوق التسويق (1.58 مليار دولار)، والتذاكر (527 مليون دولار)، ورسوم الضيافة (185 مليون دولار)، والترخيص (107 ملايين دولار).

وعلى الرغم من أن «الفيفا» يقدم مبالغ جيدة للمنتخبات المشاركة في كأس العالم، فإنها لا تذهب كلها للاعبين، إذ كثيرا ما سمعنا عن اضطرابات واحتجاجات من اللاعبين، وخلال بطولات كأس العالم، مطالبين برفع حصتهم مما تحصل عليه اتحاداتهم الأهلية.

في مونديال 2014 مثلا، قدم «الفيفا» 358 مليون دولار للمنتخبات، وفي 2018 قدم 400 مليون دولار، منها 38 مليونا للفائز بالكأس، (مقابل 35 مليون دولار في 2014)، و28 مليون دولار للوصيف، وحصل كل منتخب خرج من الدور الأول على 8 ملايين دولار.

ليلعبوا ويصمتوا

منذ سنوات بعيدة للغاية شعر اللاعبون، الذين تتعامل معهم الاتحادات الدولية والقارية والأهلية، وحتى الأندية، على أنهم مجرد آلات لحصاد المال، بأن الضغوط البدنية والنفسية تزداد عليهم، حتى إن مواعيد المباريات في عدد من البطولات كيفت بما يلائم النقل التليفزيوني أكثر من مناسبتها لممارسة كرة القدم، وهو ما اشتكى منه النجم الأرجنتيني الراحل دييجو ماردونا في مونديال 1986، حيث كان على اللاعبين أن يخوضوا مبارياتهم ابتداء من الـ12 ظهرا بتوقيت المكسيك، وهو توقيت قاتل، لكنه كان يناسب النقل التليفزيوني في أوروبا، حيث مصادر الأموال من القنوات الناقلة.

قال مارادونا: «كانت الشمس تسقط فوق رؤوسنا، وكان ظلنا بين أقدامنا، والعشب بدا قاسيا ويابسا، وله رائحة مثل رائحة البراز».

وحين وصل التصريح إلى رئيس الاتحاد الدولي - حينئذ - جواو هافيلانج رد «ليصمتوا ويلعبوا».

كان رد الرجل الحديدي على رأس الهرم الكروي في العالم معبرا كفاية على أن اللاعبين مجرد آلات، عليها أن تعمل دون أن تشتكي، وحتى ازدياد ثروات اللاعبين جراء العقود مع الأندية واتفاقيات التسويق والإعلانات جاء مع ازدياد العبء الملقى على كاهلهم، والذي أدى إلى تساقط عدد منهم، بعدما عجزت أجسادهم عن تحمل الأعباء الملقاة على كواهلهم.

صرخات بلا أصداء

تنبه عدد من المدربين العالميين إلى الطاحونة التي تسحق اللاعبين، ونادوا بمراعاة إنسانية اللاعبين، وكونهم مجرد بشر لديهم قدرات محدودة مهما يبلغ حجمها على التحمل.

وقد اشتكى المدرب السابق لنادي برشلونة، الهولندي رونالد كومان، حين كان يدرب برشلونة من جداول المباريات. وقال: «لعبنا 11 مباراة خارج الأرض، وهذا بالتأكيد صعب.. لا يجدر باللاعبين خوض كل هذا العدد من المباريات.. هذا يقتل اللاعبين».

وأضاف: «لا يُمكننا المضي بهذه الطريقة نفسها.. هذا سيقتل اللاعبين.. يجب أن يتوقف ذلك، لأنه يؤدي إلى الإصابات نتيجة اللعب والسفر.. نتمنى يوما ما أن يتخذ شخص قرارا يُساعد اللاعبين بشأن الحالة البدنية».

وقبل «كومان»، أطلق مدربون آخرون عرفوا بتفكيرهم الشامل بكرة القدم، وليس فقط بمسائل الفوز والخسارة، صيحات مماثلة محذرة، حيث قال مدرب ليفربول الإنجليزي، الألماني يورجن كلوب: «نحن بحاجة إلى تهدئة هذه الوتيرة.. لا يمكن أن نركض على مدار كل الأسابيع».

بينما قال المدرب الإسباني بيب جوارديولا، الذي يقود مانشستر سيتي الإنجليزي: «سنقتل لاعبينا عاجلًا أم آجلًا.. لا يمكننا الاستمرار في ذلك فترة طويلة».

وتابع: «اللاعبون بشر وليسوا آلات.. لا وجود للاعب يطيق تحمُّل هذا الضغط.. ليس فقط جسديا بل عقليا أيضا».

جري متواصل

أيام قليلة فقط تفصلنا عن انطلاقة نهائيات أمم أفريقيا، المقررة في الكاميرون ابتداء من 9 يناير الحالي.

كثير من لاعبي البطولة يجرون في الملاعب الأوروبية، حيث يبدو الصراع ملتهبا على أكثر من مستوى مثل البطولات المحلية، ودوري الأبطال، ودوري أوروبا، بينما لاعبون مثل لاعبي منتخبات: الجزائر وتونس والمغرب ومصر لم يكتفوا بالجري قبلها مع أنديتهم، بل خاضوا كذلك غمار بطولة «كأس العرب»، التي أقيمت في قطر، مما يعني أن هؤلاء لم ينالوا حتى فرصة التقاط الأنفاس من الجري المتواصل في أكثر من منافسة، وهذا ليس مرهقا بدنيا وحسب، بل كذلك مرهق جدا من الناحية النفسية، وناحية التركيز الذي تتطلبه كل منافسة.

وإذا كانت كثير من الدراسات والآراء الفنية تقدر أن على اللاعب المحترف أن يخوض نحو 50 مباراة كل عام، فإن بعض اللاعبين، وبحسب الإحصاءات الرسمية، تخطوا هذا الرقم بمراحل مثل الكوري الجنوبي هيونج مين سون، لاعب فريق توتنهام الإنجليزي، الذي خاض 78 مباراة بين أغسطس 2018 وأغسطس 2019، بما يعني أنه خاض أكثر من مباراة كل أسبوع، مع ما يستلزمه هذا من سفر وترحال وتدريبات وغيرها، وهذا جهد خارق على أي لاعب.

فترات للراحة

تقرر الأجهزة الطبية المعنية بكرة القدم، ويقدر اللاعبون أنفسهم أنهم بحاجة على الأقل إلى راحة لـ5 أسابيع كل سنة، يتوقفون خلالها عن الجري، ويلتقطون الأنفاس، ويعودون ممتلئين بالشغف لممارسة لعبتهم، لكن ما يحدث حاليا أن عددا كبيرا منهم لا يحصل على 3 أسابيع من الراحة خلال العام الواحد، وهذا أمر مرهق، ولذا بدأت عضلات البعض منهم تشتكي الوهن والتعب.

وحين تضع الاتحادات روزنامتها، فإنها تضع بضعة أسابيع كفترة توقف، لكن الأندية، تستغل ذاك التوقف في جولات ترويجية وتحضيرية، ففي كل جولة خارجية تجني الأندية أرباحا هائلة. ففي جولة له في «ميشيجان»، باع برشلونة 100 ألف تذكرة، وباع آلاف القمصان، وحصد مانشستر يونايتد أكثر من 10 ملايين جنيه إسترليني من رحلته الصيفية إلى أستراليا والصين وسنغافورة.

انخفاض أم ثبات؟

كتب الناقد الرياضي محمود عصام، في مقالة له، أن «شبكة «ريسيرش جايت» أجرت بحثًا يحلل تأثير لعب مباراتين في الأسبوع على الأداء البدني ومعدل الإصابة لدى لاعبي كرة القدم من الذكور. ووفقًا للنتائج، لم يتأثر الأداء البدني على الإطلاق، بينما لوحظ ارتفاع في معدل الإصابة لدى لعب مباراتين في الأسبوع مقابل مباراة واحدة (25.6 مقابل 4.1 إصابة لكل 1000 ساعة).

وأكد البحث أن وقت التعافي بين مباراتين، المحدد من 72 حتى 96 ساعة، ليس طويلا بما يكفي للحفاظ على معدل إصابة منخفض.

وتابع بحث آخر الإصابات في دوري أبطال أوروبا لـ1500 لاعب في 27 ناديا من 10 دول خلال 11 موسمًا بين 2001 و2012. وكانت النتيجة أن معدل الإصابة في المستوى الأعلى لكرة القدم 25 لكل 1000 ساعة، وبهذا يتطابق البحثان فيما يتعلق بارتفاع معدلات الإصابة.

ويل سميث

قرع نجم هوليوود الأمريكي ويل سميث ناقوس الخطر فيما يتعلق بإصابات اللاعبين في كرة القدم الأمريكية، وذلك في فيلم «ارتجاج في المخ» (Concussion)، وهو الفيلم الذي وصفه «سميث» بأنه «أرقى ما قدمه في السينما».

في الفيلم، لعب «سميث» دور الطبيب النيجيري أومالو بينيت، الذي اكتشف أن مرض التهاب الدماغ المزمن الناتج عن ارتجاج المخ كان السبب وراء وفاة عدد من لاعبي كرة القدم الأمريكية الذين يتعرضون لصدمات رأس متكررة في المباريات.

ويكشف الفيلم عن تصدي الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية لـ«بينيت» باتهامه بتزوير الحقائق، والتشكيك في مهنيته، وحتى تهديده بالقتل. كما أن «بينيت»، الذي لم يمارس أو حتى يفهم الكرة الأمريكية، قوبل بالعدوانية من قِبل زملائه من محبي اللعبة الأكثر شعبية في الولايات المتحدة، وتجذب الملايين من الأمريكيين، لمشاهدة مبارياتها على شاشات التليفزيون كل يوم أحد.

وفي مشهد في الفيلم، يصف مدير المستشفى لـ«بينيت» أهمية اللعبة في أمريكا بقوله: «يوم الأحد كانت تملكه الكنيسة، أما الآن فهو ملك الدوري الوطني لكرة القدم».

ما تحدث عنه «سميث» يبدو أن له أصداءه في ملاعب كرة القدم غير الأمريكية، أي كرة القدم التي نعرفها جميعا. وبغض النظر عن الإصابات فيها، فإن انهيار اللاعبين فيها مصابين بسكتات قلبية وارتفاع ضغط الدم ينذر بأن ما يبذلونه فاق طاقاتهم.

لاعبون قتلتهم الملاعب

التاريخ اللاعب العمر الفريق سبب الوفاة

12 أغسطس 1989 صامويل أوكوراجي 24 منتخب نيجيريا سقط في الملعب، وتوفي لاحقا بارتفاع ضغط الدم

8 سبتمبر 1990 دافيد لونجورست 25 يورك سيتي سكتة قلبية في مباراة

4 يناير 1997 الهادي بالرخيصة 24 الترجي الرياضي نوبة قلبية في مباراة ودية

24 يوليو 1999 ستيفان فرابيرو 23 أسترا بلويستي توقف قلبه في أثناء اللعب

2 أبريل 2000 إيري إريناتو 26 بيرسيباسا سورابايا توفي بعد أزمة قلبية في مباراة

29 سبتمبر 2001 يوسف بلخوجة 25 الوداد البيضاوي سقط في الملعب في مباراة أمام الرجاء وتوفي بسكتة قلبية

26 يونيو 2003 مارك فيفيان فويه 28 منتخب الكاميرون سقط في الملعب وتوفي بتضخم عضلة القلب

25 يناير 2004 ميكلوش فيهير 24 بنفكيا سقط في الملعب إثر أزمة قلبية خلال مباراة ضد فيتوريا جيماريش

12 أبريل 2005 باول سايكس 28 فولكيستوني سقط في الملعب بسبب مشكلات في القلب

12 يونيو 2006 راسموس غرين 26 ناستفيد نوبة قلبية في أثناء التمارين

9 سبتمبر 2006 مات جادسبي 27 هينكلي يونايتد سقط في الملعب وتوفي في المستشفى

18 سبتمبر 2006 نيلتون بيريرا مينديز 30 شاختيور قره غنده سقط في الملعب وتوفي بسيارة الإسعاف

16 فبراير 2008 هيرفي كينج 27 رينجمير سقط بعد 17 دقيقة من بداية مباراة

3 أبريل 2009 فيكتور هوجو أجالوس 37 فيا فلوريدا نوبة قلبية في أثناء مباراة

24 يناير 2010 يانيك داجو 17 أراس فوتبول سقط في الملعب، ثم توفي لاحقا بنوبة قلبية

6 مارس 2010 إندورانس إيداهور 25 نادي المريخ نوبة قلبية

18 أغسطس 2010 فيكتور أوموجبيهن 22 إلفورد سقط في الملعب، وتوفي في المستشفى

4 أغسطس 2011 ناوكو ماتسودا 34 ماتسوموتو ياماجا سقط بعد 15 دقيقة في تمرين، وتوفي بعد يومين

13 نوفمبر 2011 بوبسام إليجيكو 30 ميركسيم سقط، ثم توفي في مباراة

14 أبريل 2012 بييرماريو موروسيني 25 ليفورنو توفي بعد سقوطه على أرضية الملعب

20 أكتوبر 2012 جواد أقدار 28 حسنية أكادير توفي بأزمة قلبية مباشرة بعد مباراة

21 يوليو 2013 ياير كلافيجو 18 سبورتنج كريستال توفي في مباراة رسمية

30 يوليو 2013 ماتياس فيريك 19 مارتشترينك توفي في مباراة ودية

10 نوفمبر 2014 ديباك أديكاري شرطة أبو ظبي سقط في مباراة، وتوفي بعد ذلك

7 يوليو 2015 جونيور ديان 23 تونبريدج أنجلز سقط في مباراة استعدادية للموسم الجديد

9 مايو 2016 جانين كريستيان 26 فيمينا ستارز سقط خلال الإحماء قبل مباراة في الكاميرون

6 مايو 2016 باتريك إيكينج 26 دينامو بوخارست نوبة قلبية في الدقيقة 70

15 أغسطس 2016 مايكل أومينيكا 20 خازار لنكاران نوبة قلبية خلال الإحماء لمبارة

26 أبريل 2017 مويسي برو أبانغا 35 نادي ليبرفيل سكتة قلبية في أثناء التدريبات

28 أبريل 2017 جوفاوني تيرو 26 تاونشيب روليرز سكتة قلبية في أثناء التدريبات

5 يونيو 2017 شيخ تيوتي 30 بكين إنتربرايزس فقد الوعي خلال المران، ومات في المستشفى

2 نوفمبر 2017 جزيل لوبانزو 17 رويال أنتويرب انهار بنوبة قلبية في التدريبات، وتُوفي في اليوم التالي

6 أكتوبر 2018 رامون نيتو دا كوستا 31 أرارانغوا سبورت كلوب مهاجم برازيلي توفي خلال مباراة ودية

25 أبريل 2019 فاتي بابي 28 مالانتي تشيفس مُدافع بوروندي، تعرّض لسكتة قلبية في أثناء مباراة

7 نوفمبر 2019 رينان هنريكي 16 أغوا سانتا تحت 17 سقط في أثناء التدريبات بسكتة قلبية

29 ديسمبر 2019 راداكريشان داناراجان 39 إيست بنغال توفي بعد فقدان التنفس وألم في الصدر

8 مارس 2020 تشينيمي مارتينز 22 ناساراوا يونايتد سقط وتُوفيَّ خلال مباراة

27 نوفمبر 2020 سجاد علي الصليخ توفي بنوبة قلبية في مباراة بالدوري

7 يناير 2021 أليكس أبوليناريو 24 ألفيركا أصيب بسكتة قلبية في الدقيقة 27 بمباراة في الدوري

8 مارس 2021 عبد الرحمن عاطف 23 القنايات توفي إثر ابتلاع لسانه في مباراة بالدوري

22 ديسمبر 2021 مخلد الرقادي 29 مسقط توفي إثر سقوط مفاجئ في أثناء الإحماء لمباراة بالدوري