«مزاج الباشا».. رصد لتاريخ الخمر من التقديس إلى التحريم

أصدر دار صفصافة للنشر والتوزيع كتاب “مزاج الباشا”، للكاتب الصحفي والشاعر محمود خير الله.

يقول الكاتب الصحفي والشاعر محمود خيرالله، عبر مقدمة كتاب "مزاج الباشا"، بينما أتجول بين فصول التاريخ لقراءة تطور ثقافة شرب الخمور، وتأثيرها الكبير على الثقافتين المصرية والعربية بوصفهما جزءًا من الثقافة الإنسانية، اكتشفت أن الطريقة المثلى لمواجهة التكفير السلفي السائد في الذهنية العربية، هي الهجوم على هذا التفكير في عقر داره أقصد في الماضي، أي في تلك المساحة التي يتحرك فيها السلفيين بأفكار غير علمية وغير مترابطة وغير متعلقة بالواقع التاريخي الحي.

وتابع: "اكتشفت أن القدرة على تقديم نوع من المعرفة العلمية بالماضي كفيلة بهدم كثير من قناعات "الذهنية السلفية" السائدة والمبنية على أسس إيمانية هشّة، لذا فإن بعض وقائع التاريخ الموثقة تكذب بسهولة عشراتٍ من قناعات العقائد الإيمانية غير المستندة إلى أدلة تاريخية".

وأضاف خير الله في مقدمته: "اخترت أن أقرأ تاريخ ثقافة الخمور في مصر، لأثبت أن الماضي كان يحتوي على كل أنواع الفجور مثلما كان يحتوي على الإيمان والورع والزهد، وأن بيوت احتساء الخمور كانت موجودة في الزمن القديم بجوار المعابد ودور العبادة، مثلما هو الأمر دائماً: "حيث الفضيلة والرذيلة يدخلان الجنة معاً يدًا بيد"، كما كتب نيكوس كازانتزاكيس ذات يوم، ولأن الجميع قرأ التاريخ من كل الزوايا، شئنا أن نقرأه نحن من هذه الزاوية بالذات، لأنها زاوية مصرية بامتياز، على الرغم من أن ثقافة الخمور هي ثقافة عالمية بلا شك، فقد كان من السهل ملاحظة أن أول ظهور لها كان خلال بواكير تشكل العقل الجمعي للبشر، أقصد في مرحلة "ما قبل التاريخ"، وأن إطلالتها الاستثنائية ظهرت في روايات الأديان الوثنية، وفي بعض الأساطير المتعلقة بالخلق، حيث تواتر الحديث في هذه المصادر عن الخمر، كأنها جزء لا يتجزأ من ثقافة البشر الأولى تصحبهم في حياتهم وتتقاسم معهم القبور.

وأكمل: "هالني أن احتساء الخمر انتقل في الذهن البشري من مرحلة "التقديس" أولاً في بعض الأديان السماوية كاليهودية، حيث اعتبرت جزءاً من القربان المقدس، إلى مرحلة ثانية هي مرحلة "التحريم" في ذهنية أديان سماوية أخرى، مثل الإسلام ـ علماً بأن النص القرآني نفسه لم يستخدم مصطلح التحريم صريحاً مع شرب الخمر ـ لكن العزاء هو أن الأمرين معاً: التقديس والتحريم، يعكسان المكانة الخاصة جداً التي أولاها البشر للخمور عبر العصور، وقد تجلى هذا الاهتمام فيما تبقى لدينا من حكايات "دينية" أو "أسطورية" تعكس بدورها تصورات البشر الأقدمين عن الخمر واحترامهم وتقديسهم لها.

وأكد خير الله: "الحق أن البحث في تاريخ الخمور يدفع المرء إلى الظن في الحضور القوي لما يسميه المفكر العراقي الدكتور فاضل الربيعي بـ "قوة زخم الثقافة القديمة" والحضور اللافت في الثقافة اللاحقة عليها وحتى اليوم، فقد لاحظ الربيعي في كتابه "المناحة العظيمة الجذور التاريخية لطقوس البكاء من بابل إلى كربلاء" أن تقاليد البكاء الجماعي الديني القديمة قد انتقلت من أزمنة بعيدة وعبر عصور مختلفة وشعوب وثقافات شتى لتستقرّ اليوم في شكل البكاء الجماعي المعروف في احتفالات الشيعة الدينية حول العالم، ودلل على هذا الزخم القوي للثقافة القديمة في شيوع الطابع البكائي الحزين في الغناء والشعر العراقيين القديم والحديث.

كما أن البحث في تاريخ الخمور هو محاولة لاكتشاف الوجه الروحي الرحيم ـ غير الدموي ـ من تاريخ البشر، بعد كل ما كُتب وأرِّخ له وتم رصده من حروب وصراعات وقتل وتشريد، جعلت البعض يعتقد أن البشر لم يكن لهم منذ عمروا الأرض إلا الصراعات والقتل وأنهم لم يعرفوا أبدًا لحظات التسامح والتأمل والاستمتاع، وبالتالي تعطي هذه النظرة ـ التي ترى التاريخ حرباًـ مبرراً لتفسير صراعات البشر الحالية وحروبهم كأنها نتيجة للماضي أو “تحصيل حاصل”.

بينما الحقيقة تشير إلى أنهم مثلما كانوا يحاربون في الماضي كانوا أيضاً يغنون ويرقصون ويلعبون ويرسمون على الجدران، ومثلما كانت لهم طبول يدقونها وأبواق ينفخون فيها أثناء الحرب، كانت لهم بالقدر نفسه طقوس وفنون في الاحتفال والصخب والرقص واللهو، إلى جانب ما كان لهم من طقوس روحية شتى ترتبط بأشكال الدين وطقوسه، وقد رأينا التوقف عند الجوانب الروحية غير المرتبطة بالدين، لنتمكن من استدعاء روح التسامح التي عاشها الإنسان عبر العصور، بدءاً من مرحلة "ما قبل الهوية الدينية" واستمرت إلى مرحلة الأديان وما بعدها، لكن لسببٍ ما لم تنتبه إليها كثير من كتب التاريخ.

واختتم: ذُكرت الخمور والمشروبات ذات الطابع المُسكر في كثير من الأديان والمعتقدات ومرويات الثقافة الشفاهية القديمة المنتشرة في قارات العالم القديم، لكن ليس قبل أن يعرف الإنسان الكتابة أوالزراعة، فقد بدأ انتاج الخمور عند الشعوب التي عرفت الزراعة، منذ نحو 5000 سنة قبل الميلاد، بل وبعدما عرف الإنسان شيئًا من الاستقرار في قرى ثابتة، ومثلما ورد في الملحمة السومرية "جلجامش" ـ مكتوبة بخط مسماري على 11 لوحًا طينياً واكتشفت في العراق في المكتبة الشخصية للملك الآشوري آشور بانيبال المتوفى في 627 ق.م، والألواح محفوظة في المتحف البريطاني، فقد شرب أنكيدو سبعة أقداح كاملة من الخمر فتغير مزاجه وانشرح صدره وأخذ يغني.

كما ورد في "العهد الجديد": "بعد أن زرع نوحٌ كَرمًا وأُسكر"،ومثلما وصفت النصوص العبرية الخمر للاستعمال في عدة احتفالات وطقوس دينية، لا يجب أن ننسى أنه كانت من أبرز معجزات المسيح عيسى، أنه صنع مقادير وفيرة من الخمر (النبيذ) عند الزواج في قانا.

 

تاريخ الخبر: 2022-01-01 18:26:28
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 54%
الأهمية: 65%

آخر الأخبار حول العالم

صباح الخير يا مصر..

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-04-27 09:21:41
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 63%

وطنى

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-04-27 09:21:40
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 58%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية