منبــــر: لنغير مسار المسرح في تونس


جفت الاقلام وهي تشخّص العلل والمشاكل وبحّت الاصوات وهي تنادي بالإصلاح، لكن أمام صمَمِ الدولة وخيانة بعض المسرحيين تدحرج الوضع إلى الأسفل..
قصير النظر من يربط الوضع المسرحي الحالي بالواقع السياسي والإقتصادي الذي تمرّ به تونس فما نلاحظه اليوم هو تراكم لممارسات سابقة واستراتيجيات تدجين الفعل المسرحي منذ البدء حتى أن الدّارس لتاريخ المسرح في تونس بعد الاستقلال يستخلص أن المسرح سجين الدولة توظّفه كما تشاء، فبعد أن استثمرته الدولة البورقيبية إلى أواخر السبعينات كقناة تحديث المجتمع والرقيّ بذوقه العام، رمته في الثمانينات إلى الهامش لتدهسه الدولة النوفمبرية وتحوّله لواجهة النظام إمّا تلميعًا له أو معارضة على المقاس، في لعبة الشدّ والمدّ. ومن كان خارج السياقين فمصيره الجنون أو الانتحار.
اليوم نحن نعيش في دولة 25 جويلية التي تتدعي طرح البدائل السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع التونسي وإن غاب فيها الحديث عن مشروع ثقافي وطني فإنّ الأفق الفكرية التي جاء منها الرئيس قيس سعيد ومشاركاته السابقة في بعض الفعاليات الثقافية الثوريّة، تجعلنا نطالبه بخلق مبادرة سياسية لتجديد المنظومة الثقافية في تونس ومنها المسرح كمنظومة صغرى. منطلقات التجديد نراها ترتكز على تفكيك وإعادة تركيب ثلاثة كيانات : الكيان المؤسساتي، الكيان الابداعي والكيان التنظيري. تتقاطع هذه الكيانات مع بعضها البعض فهي لا ترد مستقلّة عن بعضها البعض، بقدر ماهي منصهرة في قوّة دفع واحدة داخل المنظومة. هي أشبه بضفيرة وجب حلّها ومن ثمّة ضفرها من جديد بعد التقييم والاصلاح.
1 - الكيان المؤسساتي
ليس من باب التّمييز أو التّفاضل ننطلق بمعالجة الكيان المؤسساتي ونقصد الفضاءات القانونية التي وضعتها الدولة لممارسة المسرح المحترف وهي المؤسسات العمومية والشركات الخاصة.
ينقسم شكل المؤسسات العمومية إلى صنفين مؤسسة أولى ليست إدارية ذات استقلالية مالية تسيرها مجالس إدارة كالمسرح الوطني والمركز الوطني لفن العرائس ومؤسسة ثانية لازالت تبحث عن هوية قانونية جاءت على أنقاض فكرة الفرق المسرحية الجهوية القارّة وهي المركز الوطني للفنون الدرامية والركحية، فإن كان الصنف الأول محلّ جدل حول طرق تسييره وبرامجه الفنية مع وضوح قانونه الأساسي وهويتة بقي الصنف الثاني يتخبّط في العشوائية والاجتهادات الشخصيّة و اصبح عبئا على المنظومة يستوجب الإستعجال في هيكلته القانونية وأهداف تأسيسه من خلال ربط الإحداثات الجديدة بالواقع المسرحي للجهات، مركز وطني للفنون الدرامية نراه تتويجا لتراكمات الممارسة المسرحية بالجهة المعنية في عدد الجمعيات والشركات المسرحية المتواجدة فيها،عدد المحترفين وهواة المسرح المستقرين فيها، مستوى إشعاع مهرجاناتها وطنيا ومدى استقطابها للجمهور جهويا. في هذا الصنف قدّمت عديد المقترحات الناجعة وما على الدولة إلاّ البتّ فيها.
أمّا القسم الثاني من الكيان المؤسساتي وتمثّله الشركات الخاصة المنتصبة تحت قانون الشركات التجارية وهو قانون أجمع المسرحيون أنه لا يراعي خصوصيات الفعل المسرحي ويتعامل معه كمنتج تجاري خالص، صار من المؤكد وضع قانون خاصّ بشركات الابداع الفكري يلائم طبيعتها وينظمها من أجل الرقيّ بها لا إغراقها جبائيا.
ساهمت الصيغة الحالية القانون التأسيسي صحبة قانون إسناد بطاقة الإحتراف في خلق إسهال من حيث العدد مقابل محدودية سوق الترويج، وعليه وجب أوّلا وضع تشريعات للشجيع على إستهلاك المنتوج المسرحي وهذا يدخل في باب مشروع الدولة الثقافي المرتبط بحساسيات أخرى غير ثقافية، وتغيير شكل كراس شروط إحداث هيكل درامي في جانب مواصفات الوكيل وربطها بكفاءة الإدارة الثقافية والتصرّف الإداري والمالي لا الإحتراف المسرحي، خاصّة أن الجامعات التعليمية العليا لها خريجين في هذه الاختصاصات، إضافة إلى الصرامة في التحقّق من الوجود الفعلي لهذه المؤسسات من مقر إجتماعي وغيره من توفّر ظروف العمل الإداري الدافع للفعل الابداعي.
2 - الكيان الإبداعي
ما يلاحظ خلال السنوات العشرين الأخيرة في أغلبه هو نمطيّة الأعمال المسرحية وتشابهها وإن سلّمنا بالأسباب المعرفية والابتكارية فإنّ جزء كبير من التنميط يعود إلى السلطة الرمزية للدّعم العمومي وإرتباطه العضوي بالإبداع في الخلفية الفكرية للمُنتِج وإن نعترف أنها مسألة مغلوطة لكنها أصبحت واقعا ملموسا فالحدود المالية والتي تسمى منحة المساعدة على الانتاج هي المسؤولة عن تخوم الاجتهاد الإبداعي.
هذا الدعم هو جزء من تكلفة العمل المسرحي ليس كلّها وعلى المنتج توفير البقيّة وهنا وجب التوقّف بالسؤال عن مصادر التمويل الأخرى المتاحة في ظلّ نكوص الشركات الصناعية والتجارية عن واجبها الوطني الثقافي مقابل الإمتياز الجبائي الذي تتحصل عليه مقابله، كذلك محدودية سوق التوزيع الكفيلة بترفيع عائدات الهياكل المسرحية والتي سبق الإشارة إليها في عنصر الكيان المؤسساتي، إذا فكرة مساعدة الدولة على الإنتاج المسرحي دون توفير مسالك تمويل أخرى التي نظمها المشرّع نظريا لكن التّهاون والتّهرب عن تنفيذها حال دون تفعيل قانون الإمتياز الجبائي وميزانيات التنشيط الثقافي للوزارات الاخرى غير وزارة الشؤون الثقافية حتى نتجاوز خطر مأسسة الفعل في وزارة واحدة وإقامة تقاطعات مع كافة فضاءات تواجد المواطنين من مدارس، مصانع، إدارات كبرى.
نأتي الآن الى قسم مهمّ من قانون دعم المنتوج المسرحي وهو شروط إحداث اللّجان الفنية وآليات التقييم. هذا القسم الذي أصبح قانونه لا يستجيب لواقع الممارسة وأزاحها عن فلسفتها وجعل البعد الإجتماعي المطلبي ينسف البعد الفني ويقتل كل فكرة جمالية متجاوزة لأن الفكرة اصبحت مرتبطة بقيمة المنحة المسندة وتكلفة العرض، هنا وجب إخراج قانون لجان الدعم من التمثليات النقابية والادارية وتعيين خبراء في مختلف المهن المسرحية للتقييم الفني الخالص دون اي إعتبارات أخرى فالمسائل الإجتماعية والحالات الإنسانية لها أطر تباحث تنتظر تنظيمها. كما أن فكرة تقييم عمل فني عبر نوايا تكتب في ملف ورقي أثبتت فشلها أمام تباين ما يقدّم حذلقة لغويّة مكتوبة وما يصنع على الأركاح فلا يمكن تقييم جودة المشروع المسرحي إلا في حاضنة الركح، هنا يقع الربط مع فكرة التمويل الذاتي المتأتي من تفعيل قانون الإمتياز الجبائي كمزوّد أوّل للصرف المالي على الإنتاج ثم تكون مرحلة تحديد منحة مساعدة الدولة لإتمام هذا الإنتاج الذي برزت ملامحه مشهديّا..
3 - الكيان التنظيري
لا يمكن الحديث عن تقدّم المنظومة المسرحية وطرح بدائل جمالية دون إتمام حلقة الفعل الإبداعي أي الجانب التنظيري والنقدي فكل الإجتهادات والمقترحات المسرحية في السنوات الاخيرة تمرّ تباعا دون تأمّلات نقدية أو بحوث نظريّة إلّا ما ندر وهو ما أصاب المشهد بالفقر المعرفي المرتبط بخصوصيته التونسيّة ومجريات الفعل الابداعي.،على الدولة وضع مشروع تنظيري للمسرح يرافق الإنتاج والتوزيع عبر مؤسسات التعليم العالي القريبة معرفيا من فنّ المسرح كذلك إحداث مراكز بحث وترجمة، التشجيع على النشر المختصّ من مجلات وكتب، الاهتمام الاعلامي بالمسرح ضمن تكثيف البرامج الثقافية في التلفزات والاذاعات ومنصاتها الرقمية.
نعود الآن لمخرجات المنظومة المسرحية الحالية التي تشكّل فضاء الارتداد الابداعي والمتمثّلة أي الفئة المستهدفة حيث يكثر الحديث عن عزوف الجمهور عن إرتياد المسارح خارج توقيت التظاهرات الكبرى وأول سبب يرمى جزافا أنّ المقترحات الجمالية المقدّمة لا تلبي حاجة الجمهور المعولم وهو موقف ساذج ومنغلق عن التجارب المقارنة خاصّة الأروبية منها. كما سبق ذكرنا أن الحريف الوحيد للمنتوج المسرحي التونسي هي وزارة الشؤون الثقافية وكأنها تحتكر فضاءات التجمّعات العامة للمواطنين فهجرة المسارح لا يتحمّلها المسرحي أو أنماط الفرجة الرقمية المستحدثة بل تتحمّلها رؤية الدولة للمسرح بدءا بالبنية التحتية مع إستثناء إحترازي للعاصمة لا توجد مسارح ببقية مناطق الجمهورية لها مواصفات تقنية لتقديم عرض مسرحي.
لا يعدّ قولنا هذا إلاّ رؤية ذاتية نابعة عن ممارسة وفهم معمّق لماكينة المسرح التونسي وسبل تغيير طريق مسارها نحو التّقدم والتميّز عالميا. الوضع الحالي خنق كل نفس إبداعي وأصابه بالإحباط وما على الدولة سوى التحرّك الفاعل والمبادرة الجديّة للتثوير خارج تقليعات الإستشارات والملتقيات الحوارية الكرتونية لأن رفوف مكاتب وزارة الشؤون الثقافية غصّت بها دون فائدة. وعلى المسرحيين نزع ضباب الشخصنة والمنفعة الذاتية عن أبصارهم فالمركب يحمل الجميع وأصبح ثابتا خاصّة بعد أزمة الكوفيد أن لا خلاص خارج الخلاص الجماعي.

تاريخ الخبر: 2022-01-07 14:37:18
المصدر: جريدة المغرب - تونس
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 46%
الأهمية: 61%

آخر الأخبار حول العالم

إسبانيا تُنظم جائزة أفضل لاعب إفريقي في "لاليغا إي أيه سبورتس"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 18:26:00
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 61%

إسبانيا تُنظم جائزة أفضل لاعب إفريقي في "لاليغا إي أيه سبورتس"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 18:26:05
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 55%

"كامب نو" يبقي سيرجي روبيرتو في برشلونة لعام إضافي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 18:25:50
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 56%

"موصيبة".. أسترازينيكا تعترف بآثار جانبية للقاحها ضد "كورونا"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 18:25:58
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 56%

"كامب نو" يبقي سيرجي روبيرتو في برشلونة لعام إضافي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 18:25:42
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 55%

"موصيبة".. أسترازينيكا تعترف بآثار جانبية للقاحها ضد "كورونا"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 18:25:52
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 67%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية