على مدار السنوات الأخيرة رأت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من إيران وبرنامجها النووي تهديداً حقيقياً لمستقبل بلادها، إلا أن الكثير من المحللين باتوا يدركون مؤاخراً أن الخطر الأكبر الذي يهدد أمن إسرائيل في العام الجديد سيأتي من الضفة الغربية وليس من إيران.

فمنذ أشهر تتصاعد المواجهات في الضفة الغربية التي تُعدّ آخر مكان في العالم تحت الاحتلال رسمياً بشهادة الأمم المتحدة، وذلك في ظل غياب الأفق السياسي لدى الفلسطينيين وتزايد حدة هجمات المستوطنين الإسرائيليين على القرى الفلسطينية وسكانها.

من جانبه حذر الكاتب الإسرائيلي المتخصص في الشؤون العسكرية، يوسي ميلمان، في مقال نشره موقع (Middle East Eye)، من أن الانتهاكات الإسرائيلية المتزايدة بجانب ارتفاع هجمات المستوطنين الإسرائيليين ضد المدنيين الفلسطينيين، في ظلّ التعاون الأمني ​​المستمر بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، على وشك التسبب في انفجار كبير بالضفة الغربية من شأنه أن يهدد أمن إسرائيل خلال العام الجاري 2022.

الضفة على صفيح ساخن

فشلت الحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة نفتالي بينيت، والتي تضمّ ممثلين عن الأحزاب اليمينية المعتدلة بجانب الوسطيين واليساريين، في ترويض المستوطنين الإسرائيليين الذين يستمرون منذ شهور في الاعتداء على الفلسطينيين الأبرياء بشكل متزايد، من خلال قطع أشجار الزيتون ودخولهم مسلّحين إلى القرى لاستفزاز الفلسطينيين والاعتداء عليهم، تحت أنظار قوات الجيش الإسرائيلي التي لم تحرّك ساكناً.

وبالتزامن مع غايب الأفق السياسي لدى الفلسطينيين جراء تغوّل اليمين المتطرف الذي يدعم بدوره إقامة المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية وينادي بتهجير السكان وضمّ المزيد من الأراضي، ازدادت في الأشهر الأخيرة هجمات المستوطنين الإسرائيليين على القرى الفلسطينية بدعم وحماية من القوات الإسرائيلية.

وهو ما ساهم بطبيعة الحال في ارتفاع عدد العمليات التي استخدم فيها الفلسطينيون الأسلحة النارية لمهاجمة المستوطنين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، ودفع حركات المقاومة الفلسطينية لمطالبة الفلسطينيين بتوحيد الفعل الميداني وإطلاق المقاومة الشاملة من أجل وضع حد لإرهاب المستوطنين، وفقاً للبيان الذي أصدرته حركة حماس نهاية الشهر الماضي تعقيباً على استشهاد مسنّة فلسطينية دهساً على يد مستوطن إسرائيلي وسط الضفة الغربية المحتلة.

من جانبها دعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلى الوحدة في مواجهة المخطط الاستيطاني، وتشكيل لجان الحراسة والحماية الشعبية لصدّ محاولات المستوطنين اقتحام القرى والبلدات في الضفة. فيما دعت حركة حماس السلطة الفلسطينية لوقف التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي، وذلك بعد عجز السلطة عن بسط الأمن في الضفة الغربية وغياب أفق للحلّ السياسي.

تصعيد إسرائيلي

مستوطنون يعتدون على فلسطينيين وممتلكاتهم في القدس (AA)

شهدت الأشهر الأخيرة تصاعداً في أعمال العنف الإسرائيلي في الضفة الغربية، وذلك تزامناً مع تزايد المداهمات الإسرائيلية لمناطق في الضفة الغربية صاحبها مقاومة مسلحة فلسطينية. فخلال شهر أغسطس/آب الماضي استشهد 4 فلسطينيين بمخيم جنين للاجئين برصاص القوات الإسرائيلية خلال اشتباكات مسلحة عنيفة رداً على محاولة الجيش الإسرائيلي دخول المخيم.

وفي أواخر شهر سبتمبر/أيلول 2021، شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي عملية أمنية واسعة في الضفة الغربية استشهد خلالها 5 مقاومين فلسطينيين في خمسة حوادث اشتباك متفرقة من الضفة، على خلفية حملة اعتقالات واسعة أُطلقت في المنطقة ضد خلية لحماس كانت تخطط لشن هجوم كبير، وفقاً للقناة 13 الإسرائيلية.

وتأتي هذه التصعيدات الإسرائيلية في الضفة الغربية عقب ناقوس الخطر الذي يدقّه المسؤولون الإسرائيليون منذ فترة طويلة، وذلك لقلقهم من أن تكون حركة حماس تسعى إلى تعزيز قوّتها في الضفة الغربية لتحدي السلطة الفلسطينية، مما يزيد بالتأكيد من المخاطر الأمنية على إسرائيل.

الضفة الغربية.. التهديد الأكبر في 2022

تمثل الضفة الغربية أكبر تهديد حقيقي لإسرائيل في عام 2022، حيث يرى مراقبون أن تصعيد حماس التي باتت تمتلك خلايا نشطة هناك، والتي تسيطر على قطاع غزة منذ عام 2007، يأتي بالتزامن مع زيادة حدة هجمات المستوطنين سواء في الضفة أو القدس، فضلاً عن تيقنها من عدم قدرة أجهزة السلطة الفلسطينية على حماية المواطنين وصدّ هجمات المستوطنين التي تستهدف القرى وسكانها.

وعلى الرغم من تزايد العمليات الأمنية والاغتيالات التي تنفّذها قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، إلا أن ذلك يزيد من نفوذ المقاومة الفلسطينية، بحسب مراقبين، داخل الشارع الفلسطيني، الأمر الذي يعكس مدى قلق إسرائيل من انتشار خلايا مسلحة للمقاومة الفلسطينية تكون قادرة على شن هجمات ممنهجة وكبيرة داخل عمق إسرائيل سواء لردع هجمات المستوطنين أو رداً على الانتهاكات الإسرائيلية الآخذة في الازدياد.

فيما دعا الكاتب والصحفي يوشي الحكومة الإسرائيلية الجديدة إلى وقف قرع طبول الحرب مع إيران والتركيز كلياً على الأمور الأقرب إلى إسرائيل، في إشارة إلى الضفة الغربية. وقال ميلمان في مقاله: "أنا لست مقامراً ولا نبياً، لكنني سأخاطر وأقول إن عام 2022 لن يشهد حرباً بين إيران وإسرائيل ولا بين إسرائيل وحزب الله، كما لن تكون هناك حرب شاملة مع حماس، باستثناء مناوشات متفرقة. لكن المجهول الكبير هو ما سيحدث في الضفة الغربية".

TRT عربي