تداعيات انقلاب الجيش السوداني تعصف بموازنة «2022»


غموض كبير، يكتنف مصير وتفاصيل الموازنة العامة للسودان لعام 2022، وسط تساؤلات حول الجهة التي قد تجيزها، في ظل عدم وجود جهاز تنفيذي، منذ انقلاب الجيش في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي.

الخرطوم:التغيير: تقرير: الفاضل إبراهيم

بجانب الغموض والوضع غير القانوني، حسب مختصين، تبرز العديد من التحديات التي تواجه الموازنة، خاصة في ظل استمرار الأزمة السياسية وتواصل التظاهرات الشعبية الرافضة للإنقلاب. بالإضافة إلى توقف الدعم الخارجي وقلة الموارد المحلية، الأمر الذي دفع الكثيرين للتنبؤ بزيادة الضغوط المعيشية التي بدأت بزيادة تعرفة الكهرباء وإيقاف الدقيق المدعوم للمخابز، الأمر الذي دفع الكثيرين للتنبؤ بسقوط الموازنة، أو تسببها في سقوط الانقلاب نفسه.

 

موجهات الموازنة والوثيقة الدستورية

 

موجهات موازنة العام 2022 والتي تحصلت “التغيير” على نسخة منها تشير بحسب ما جاء فيها، إلى أن الموازنة بدأ الإعداد لها في شهر سبتمبر من العام 2021، حيث أشارت الموجهات إلى أن البلاد ستجني ثمار مخرجات الاندماج في النظام العالمي عقب رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب وتسوية المستحقات لدى صندوق النقد والبنك الدولي والبنك الافريقي للتنمية، بجانب الخطوات لإعفاء ديون السودان الخارجية وفق مبادرة “الهيبك”، حيث ذكرت الموجهات بأن العام 2022 سيكون عام الأساس لتصحيح مسار الاقتصاد السوداني.

واستندت مرجعيات إعداد الموازنة، على الوثيقة الدستورية واتفاقية  سلام جوبا والبرنامج الثلاثي للاستقرار والتنمية 2021 -2023 الذي يهدف لتحسين معاش الناس، وشددت الموازنة على خفض العجز في الميزان التجاري بإحلال الواردات بجانب رفع الجهد الضريبي وإصلاح برنامج التحصيل الإلكتروني ومراجعة قوانين الإجراءات المالية والمحاسبية، وعدم الاقتراض من الخارج للعروض التجارية غير الميسرة.

وأكدت موجهات الموازنة ،وفق المستندات التي تحصلت عليها “التغيير”، في المحور الاقتصادي، على ضرورة فرض ولاية وزارة المالية على المال العام وتحقيق استقرار ومرونة في سعر الصرف وخفض الاستدانة من الجهاز المصرفي، بجانب ضبط التوسع في النقدي في الحدود الآمنة، بالإضافة لزيادة الإيرادات الضريبية وغير الضريبية بتوسيع القاعدة ورفع كفاءة الهيئات والشركات.

 

الاستمرار في سياسة رفع الدعم

 

وفي جانب التشريعات، أكدت الموازنة على الاستمرار في سياسة رفع الدعم وإزالة التشوهات وإعادة تنظيم سوق النقد الأجنبي، وفي جانب السياسات والإجراءات، أكدت على إكمال هياكل السلطة الانتقالية وقيام التعداد السكاني.

وأقرت الموازنة، بأن سعر الصرف وتكوين احتياطي نقدي، يشكل أبرز التحديات بجانب خفض معدلات التضخم وانخفاض إيرادات الولايات، فضلاً عن الاعتراف بأن ضعف الإرادة السياسية يشكل عائقا أمام استكمال الملفات الاقتصادية بجانب التدخلات السياسية السالبة في الاقتصادية.

 

استيعاب التكلفة المالية لاتفاق سلام جوبا

 

وأكدت الموازنة في بند الانفاق العام على ضرورة استيعاب التكلفة المالية لاتفاقية سلام جوبا وإعداد تكلفة لكل العاملين بالبعثات الخارجية والعمالة المحلية بالسفارات وفقا للقوانين واللوائح وتقدير امتيازاتهم وبدلاتهم، فضلا عن تقليص السفريات للمؤتمرات الخارجية والضيافة .

وفيما يتعلق بتعويضات العاملين، أكدت الموازنة على ضرورة تطبيق قرارات مجلس الوزراء 2021 “143”-545″- فضلاً عن استيعاب المنحة المالية بالقرار “404”.

 

تساؤلات حول الجهة التي تجيز الموازنة

 

تساءل القيادي بقوى الحرية والتغيير، عصام علي، عن الجهة التي تجيز موازنة ،٢٠٢٢ وقال  لـ(التغيير): “لا يوجد رئيس وزراء ولا جهاز تنفيذي”.

وأضاف “وفقاً للوثيقة الدستورية، يجيز الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء الموازنة  كبرلمان مؤقت”.

وتابع “الآن لا توجد كل هذه الأجهزة بفعل إنقلاب البرهان في اكتوبر الماضي، وسقوط ما تبقى من محاولات لشرعنته عقب استقالة د. عبد الله حمدوك”.

 

عدم شرعية زيادة الكهرباء

 

من ناحبة اخرى، أبدى علي استغرابه من تطبيق الموازنة قبل إجازتها، وقال “حاليا تمت زيادات في الكهرباء وفي الطريق زيادة الدولار الجمركي”.

ومن المعروف، والحديث لعلي، أن الموازنة قانون ملزم بعد إجازتها، والآن تتم زيادات غير قانونية، لذلك تبرأ منها وزير المالية.

وفيما يتعلق بالتحديات الأخرى، أوضح علي، أن الموازنة تواجه تحديات في الإيرادات داخليا وخارجيا، مشيرا إلى أن معظم دواوين ومؤسسات الدولة متوقفة أو شبه متوقفة وهناك جهات حكومية دخل موظفيها في إضراب عن العمل كما  لا توجد إيرادات كبيرة في الضرائب والجمارك بسبب تقفيل الكباري والوضع الأمني المتردي.

 

توقف الدعم الخارجي

 

وقال القيادي بقوى الحرية والتغيير “أيضاً توقف الدعم الخارجي تماماً من قبل البنك الدولي وصندوق النقد بجانب المانحين، حيث كان من المقرر أن تكون هنالك منحة أمريكية بـ(٧٠٠) مليون دولار، بجانب (٢) مليار دولار هذا العام كان سيكون بداية التنمية في الموازنة لأول مرة عقب ثورة ديسمبر، لكن الانقلاب الذي قام به البرهان في أكتوبر الماضي أضاع العديد من المكاسب للسودان”.

 

سقوط الموازنة

 

وأكد أن الموازنة لم تبن على إيرادات حقيقة، لذلك أتوقع أن يزيد العجز عن الحدود الآمنة بسبب توقف الدعم الخارجي وقلة الإيرادات نتيجة للوضع الأمني والسياسي كما أن قرار زيادة الكهرباء سيضعف الإنتاج، وكلنا شاهدنا احتجاجات المزارعين وتهديدهم بقفل الشارع.

وأشار أيضاَ، إلى أن الصرف على الأجهزة الأمنية لمواجهة المظاهرات ودخول متغير جديد بإضافة جهاز الأمن والمخابرات مما يعني أيضا زيادة معدلات الصرف، متوقعاً سقوط الموازنة، وقال “وفقاً لهذه المعطيات مسألة سقوط موازنة ٢٠٢٢ مسألة وقت فقط”.

القيادي بقوى الحرية والتغيير عادل خلف الله

وضع غير دستوري

 

واتفق عضو اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير، عادل خلف الله، مع ما ذكره عصام علي، وقال: “الموازنة الحالية لم تحظ بالتراتيبية المعروفة في مرحلة العرض الأول والثاني ومن ثم والإجازة، وذلك بسبب انقلاب البرهان الذي أجهض الدستور الانتقالي والجهاز التنفيذي”.

وتساءل خلف الله، عن الجهة التي أعدت الموازنة وما الجهة التي ستجيزها؟، وقال إذا كان وزير المالية، فإن ذلك غير دستوري وغير قانوني، لجهة أن رئيس الوزراء مستقيل، وبالتالي من المفترض أن لا يكون هنالك وزير في الخدمة”.

 

تراجع الإيرادات بسبب التظاهرات وقفل الكباري والميناء

 

وأكد خلف الله، أن موازنة العام الجاري ستواجه تحديات كبيرة جداً وعجزاً كبيراً في الإيرادات ربما يكون الأكبر في تاريخ السودان، بعد تعطيل وسائل الإنتاج والمشاريع والمصانع بسبب إغلاق ميناء وطريق بورتسودان الذي أثر بصورة كبيرة في الجمارك والضرائب اللذين تعتمد عليهما الموازنة بنسبة “80%” في الإيرادات، ومن ثم جاء الانقلاب ليقضي على ما تبقى من إنتاج.

وتابع “من المؤكد أن الإجراءات الأمنية التي صاحبت إنقلاب قائد الجيش بإغلاق الكباري والطرق الرئيسية وتوقف الدوائر والمؤسسات الحكومية، يقلل من التحصيل الحكومي، كما أن قرار زيادة الكهرباء يسبب شلل بنسبة”70%” للمشاريع الزراعية والمنشآت الصناعية”.

 

الوضع الاقتصادي وإسقاط الانقلاب

 

يشير خلف الله، إلى أن توقف دورة العمل الطبيعة وانشغال العسكر بقمع التظاهرات، من شأنه أن يزيد معدلات التهريب للذهب والمحاصيل الزراعية للخارج، وبالتالي تفقد الخزينة العامة أموالاً طائلة، في وقت يتم فيه تخصيص مليارات الجنيهات للصرف علي الأمن لقمع التظاهرات وعمل الحشود المصطنعة.

ونوه أيضاً، إلى أن الانقلاب تسبب في إيقاف الدعم الخارجي للموازنة من قبل الصناديق الدولية والمانحين، والأخطر، حسب خلف الله، هو توقف إجراءات إعفاء ديون السودان الخارجية، لذلك كل هذه العوامل الاقتصادية والسياسية الداخلية والخارجية مجتمعة، ربما تسقط الإنقلاب في ظل استمرار التظاهرات.

أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم إبراهيم أحمد أونور

موازنة كارثية

 

يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم، إبراهيم أونور، إن الموازنة كانت تعتمد في العام الثالث للثورة على المساعدات الخارجية، لكنها توقفت تماما عقب إنقلاب البرهان في “25” أكتوبر لدرجة أننا في الجامعة كان لدينا مشروع حان مواعيد التسديد، لكنه توقف نتيجة الانقلاب، لذلك الموازنة ستكون كارثية لأنها وضعت في البداية علي أساس الدعم الخارجي.

وأضاف أونور، أن موازنة 2022 كان يمكن أن تستفيد من رفع العقوبات الاقتصادية بتدفق المساعدات الخارجية، وبالتالي يمكن رفع التنافسية للمنتجات المحلية بغرض الدخول للأسواق العالمية، بجانب إعفاء الديون الذي يمنحنا ميزة الاستدانة من المؤسسات المالية الدولية.

 

أولويات

 

ويحدد أونور، أولويات الفترة الانتقالية عموماً والموازنة خصوصاً، باتباع سياسة مالية ونقدية تهدف لاستقرار سعر الصرف، لجهة أن السياسة المالية الآن متخبطة، لذلك لا يمكن أن يحدث تحكم في سعر الصرف بجانب الحاجة لإصلاح بيئة العمل وإعلاء سيادة حكم القانون والشفافية، إذا تحققت هذه الأشياء يمكن القول إن الفترة الانتقالية أدت واجبها.

لكن هذه الأولويات، والحديث لأونور، تحتاج لبرنامج ثلاثي، يتم فيه إعادة هيكلة وتفعيل دور البنك المركزي بعيداً عن التسييس حتى يؤدي دوره المطلوب، أيضاً نتطلع لإعادة هيكلة ودمج البنوك التي تقف على حافة الإفلاس، بجانب أن القطاع المصرفي السوداني ضعيف وغير مواكب، ولن ينافس إذا دخلت بنوك أجنبية للبلاد.

ديفيد مالباس – مدير البنك الدولي

البنك الدولي.. تقديرات وأرقام

 

وأشار أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم، إلى تقرير أصدرة البنك الدولي مطلع العام الحالي، يقدر حاجة السودان لتمويل “3.3” مليار دولار سنويا للقطاع الزراعي حتي العام 2027، بعدها يمكن للسودان أن ينافس بقوة في أكبر الأسواق العالمية، ويكون رقما لا يمكن تجاوزه.  كما قدر البنك الدولي، احتياج البنى التحتية في السودان لـ”51″ مليار دولار، وأنه  بحلول العام 2031، يمكن للسودان أن يمتلك بنى تحتية كبيرة تمكنه من جذب الاستثمارات بسهولة.

وقدر البنك الدولي، حسب أونور، احتياجات القطاع الصناعي السوداني لـ14 مليار دولار، مشيرا إلى أن توفير هذه المبالغ من شأنه أن يزيد النمو الاقتصادي للسودان بواقع “10%” سنويا ويقفز إلى المرتبة الرابعة إقليمياً.

 

النمو مرتبط بالشفافية والحوكمة

 

يقول أونور “إذا كان لدينا إرادة سياسية وتم تطبيق معايير الحوكمة والشفافية والديمقراطية، يمكن نصل معدلات كبيرة من النمو والناتج القومي الإجمالي.. مثلاً صادرات السمسم في العالم تصل “3.5” مليار دولار والسودان رغم الميزة النسبية للسمسم يصدر بواقع “3.5” مليون دولار فقط سنويا.. أيضاً في الذهب قفزنا للمركز الثاني أفريقيا، لكننا غير مستفيدين بسبب التهريب الذي تقدره منظمة الشفافية الدولية بـ”50%” من إنتاج السودان أيضا تقوم بعض الحركات المسلحة بتهريب الذهب وتمويل أنشطتها.

ويضرب أونور مثلا بالدول الديمقراطية واساليب الحوكمة، قائلاً: “بحسب إحصائيات رسمية أول دولة هي موريشص ثم جنوب أفريقيا والسنغال وتونس وكل هذه الدول محكومة بديمقراطيات أو شبه ديمقراطيات، لذلك الدول التي تفتقد للديمقراطية تقع في ذيل القائمة السودان في المركز الأخير وتشاد في زيل القائمة.

تاريخ الخبر: 2022-01-11 19:30:19
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 69%

آخر الأخبار حول العالم

حدان : الدورة 16 للمعرض الدولي للفلاحة استقطبت أزيد من مليون زائر

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-28 21:25:21
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية