حتى تنجح مساعي بعثة الأمم المتحدة يونيتامس: تصحيح الفرصة لا إفلاتها


حتى تنجح مساعي بعثة الأمم المتحدة يونيتامس: تصحيح الفرصة لا إفلاتها

عبد الرحمن الغالي

(1)

تم إنشاء بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم مرحلة الانتقال في السودان (يونيتامس) بطلب من الدكتور عبد الله حمدوك في مطلع 2020م. من أهم أهداف البعثة:

  • المساعدة في عملية الانتقال السياسي والتقدم نحو الحكم الديمقراطي وحماية حقوق الانسان وتعزيزها.
  • دعم عملية السلام وتنفيذ اتفاقيات السلام المقبلة.
  • المساعدة في حماية المدنيين خاصة في دارفور والمنطقتين.
  • دعم تعبئة المساعدات الاقتصادية والانمائية وتنسيق المساعدات الانسانية.

طلب مجلس الأمن من الأمين العام تعيين ممثل له يكون رئيساً للبعثة المتكاملة يتولى السلطة العامة عن جميع أنشطة البعثة المتكاملة ووكالات الأمم المتحدة وصناديقها وبرامجها في السودان ويوفر التوجيه الاستراتيجي لتلك الأنشطة ويقوم بدور في مجالات بذل المساعي الحميدة والمشورة والدعوة على الصعيد السياسي ويتولى تنسيق الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي دعماً للأهداف الاستراتيجية لولاية البعثة المتكاملة (حسب نص القرار 2524).

(2)

مشاكل الأمم المتحدة وعجزها:

دون الدخول في عوامل وأسباب ضعف الأمم المتحدة وعجزها وشللها، ودون الدخول في نماذج معاصرة لتجارب بعثات الأمم المتحدة، بل دون الدخول في تفاصيل تجربة بعثة يوناميد وعجزها عن أداء وظيفتها الأساسية في حماية المدنيين فإن تجربة بعثة اليونيتامس بالنظر إلى المهام الكبرى الأربع الرئيسية لا تتميز عن سابقاتها.

وللتذكير فإن المهام هي: دعم التحول الديمقراطي وحماية حقوق الانسان ودعم السلام وحماية المدنيين وحشد الموارد الاقتصادية. وبمقارنة المهام مع الواقع الحالي الذي تم فيه تقويض النظام الانتقالي الديمقراطي وارتُكبت فيه أعمال القتل والاغتصاب وعادت فيه ممارسات حرق وتهجير القرى إلى آخر تلك الانتهاكات التي جاءت البعثة لمنعها يتبين مدى مفارقة الواقع للمأمول.

(3)

فرصة لتحسين الصورة:

أمام بعثة الأمم المتحدة في السودان فرصة كبيرة للقيام بدور يحمد لها. دور لا تستطيع الأطراف السودانية أن تلعبه للآتي:

  • انعدام الثقة بين الأطراف السودانية خاصة تبدد الثقة في القادة العسكريين.
  • الاستقطاب السياسي الحاد بين جموع المعارضين للانقلاب العسكري والمؤيدين له من الحركات المسلحة.
  • الغضب الشعبي الكبير واستحالة دعوة طرف وطني محلي للتفاوض أو على الأقل الحرج الكبير في الدعوة له.
  • الحاجة لوجود ضامن للاتفاق.
  • الحاجة لوجود رافعة دولية ذات نفوذ تستطيع عبر سياسة الجزرة والعصا التأثير على قادة الانقلاب.

(4)

أطلق ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة يونيتامس مبادرته في مؤتمر صحافي تحدث فيه عن عموميات وبصورة فيها كثير من الحذر والغموض خشية أن تولد المبادرة ميتة. أول ملاحظاتي على المبادرة وحديثه:

  • غموض التسمية حيث عنون فولكر بيانه وما يدعو إليه بأنه (محادثات) وفي المتن تحدث عن مشاورات أولية (لعملية سياسية) وأن الهدف دعم أصحاب المصلحة السودانيين للتوصل لاتفاق للخروج من الأزمة.

المحادثات تعني في المصطلح السياسي الجلوس بين أطراف لنقاش قضية محددة بينما المفاوضات عملية سياسية تهدف للوصول لاتفاق حول تلك القضية أو القضايا وسنرى هل تتوافق ملامح دعوته مع تلك المصطلحات.

  • الملاحظ أن السودانيين المختلفين (أعني معارضي الانقلاب وداعميه) لم يجلسوا لطاولة حتى تدعمهم البعثة.
  • لم تحدد البعثة بوضوح طبيعة المباحثات ولا أجندتها.
  • كذلك لم تحدد الأطراف المعنيين بل تحدثت عن دعوة الجميع لمناقشة جميع القضايا.

المطلوب:

1) أن تتحدث البعثة بوضوح أن الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021 هو ما قطع المسار الديمقراطي وقطع الصلة السياسية المباشرة مع أطراف العملية الانتقالية برمتها وهيج الشارع وأوقف الحياة السياسية بل وكل أوجه الحياة في البلاد. وأن المطلوب هو استعادة المسار الديمقراطي.

2) أن البعثة تدعو الأطراف وتساعدهم للتوصل لاتفاق يعيد المسار الديمقراطي.

3) أن تحصر أجندة وموضوع الوساطة (أو التسهيل) في عودة المسار الديمقراطي وليس الحديث الغامض على كل المشاكل.

4) أن تحدد طبيعة الجلوس المراد: فالمائدة المستديرة تختلف عن طاولة المفاوضات.

المطلوب طاولة مفاوضات بين طرفين وليس مائدة مستديرة: طرف يعارض الانقلاب العسكري ويسعى لاستعادة المسار الانتقالي الديمقراطي ويشمل هذا الطرف كل المؤيدين لهذه الفكرة (الحرية والتغيير بكل مكوناتها السياسية والمدنية والنسوية والنقابية ولجان المقاومة) وطرف مؤيد للانقلاب ويرى أن هناك عوامل تسببت فيه (ويشمل المكون العسكري والحركات المسلحة).

الأجندة المقترحة هذه تفرض أن يصل الجميع لطاولة مفاوضات وليس مائدة مستديرة يشارك فيها الجميع وتناقش فيها أجندة كثيرة. المائدة المستديرة مكانها المؤتمر الدستوري بعد الرجوع من حافة الهاوية واستعادة المسار الديمقراطي. أما قبل ذلك فهذا تشتيت للجهد وتمويه للقضية الأساسية التي أوجبت التحرك وهي الانقلاب العسكري.

غموض المبادرة: من حيث المصطلح (هل هي مفاوضات أم مؤتمر جامع لكل السودانيين ولكل القضايا) بمعنى آخر من حيث الأجندة هل هي لاستعادة  المسار الديمقراطي ومعالجة تداعيات الانقلاب أم لمعالجة كل مشاكل السودان.ومن حيث الهدف: هل تسوية شاملة لكل مشاكل السودان أم استعادة كاملة للمسار الديمقراطي ومن حيث المشاركين هل هم طرفي قضية واحدة: الانقلاب مقابل الحكم المدني الديمقراطي أم كل أصحاب المصلحة من السودانيين أصحاب القضايا المختلفة، ذلك الغموض سيضيع زمناً طويلاً إن لم يضيّع  المبادرة نفسها.

(5)

مقترح عملي لنجاح المبادرة:

تحدثنا في المقال السابق عن الوضع السياسي ومطالب الأطراف المختلفة والاستقطاب الموجود إلخ. وقبل الدخول في المطلوب أعتقد أنه لا غبار على نية فولكر في البدء بسياسة الخطوة- خطوة والمشاورات والاستكشاف ولكن لا بد من وضوح الرؤية بالنسبة للأطراف حتى تقبل بالخول في التفاوض. المطلوب الآن:

1) إعلان أن المبادرة تهدف لاستعادة المسار الانتقالي الديمقراطي سلمياً عن طريق التفاوض.

2) تحديد أن العملية في نهايتها ستنتهي إلى تفاوض بين طرفين (مع تعدد مكونات كل طرف) الطرف المطالب باستعادة المسار الديمقراطي المدني والطرف الذي قام بالانقلاب تنفيذاً ودعماً وهذا يعني تحديد كل طرف لموقف تفاوضي واحد.

3) أن المشاورات الحالية تهدف لاستطلاع الآراء لكيفية تحقيق تلك الأهداف والتصورات المختلفة لاستعادة المسار

4) لا بد أن تقوم البعثة بدور فعال لتهيئة المناخ إذا أرادت لمبادرتها النجاح وأهم ما تقوم به لكسب ثقة الشارع وممثليهلا سيما لجان المقاومة هو: إلزام المكون العسكري بوقف العنف وقفاً فورياً وكاملاً وعدم منع المتظاهرين من الخروج أو إعاقتهم بأية موانع مادية للطرق والجسور أو التصدي لهم.

(6)

رغم علم الجميع بجدر الشك القائمة والحذر من الأجندات الداخلية للعسكر وأجندات الجبهة الاسلامية ( بشقيها الوطني والشعبي) في الجيش والأجهزة الأمنية وخارجها، وأنهم طرف فاعل في المشهد من وراء ستار، ورغم علم الجميع بأجندات المجتمع الدولي الغربي والشرقي والمجتمع الاقليمي، رغم كل ذلك نؤيد حل سلمي يحقق الأهداف الثلاثة العاجلة الآتية:

–  منع انزلاق البلاد للفوضى والحرب الأهلية.

–  استعادة المسار الديمقراطي وابطال الانقلاب.

–  إيقاف نزيف الدم.

ثم بعد ذلك يمكن للأمم المتحدة أن تساهم في تسهيل الحوار السوداني السوداني عبر المؤتمر الدستوري لمناقشة قضايا الحوكمة والسلام والوضع الاقتصادي والنظام العدلي واصلاح المؤسسات العسكرية وإعادة هيكلتها إلى آخر القضايا.

رسالتي للقوى السياسية أن تطالب بوضع المبادرة في مسارها الصحيح: مسار تفاوض يفضي لاستعادة المسار المدني الديمقراطي بدلاً عن الدخول في متاهة قضايا متشعبة مهمة ولكنها تأتي بعد إبطال الانقلاب.

هذه الفرصة يجب أن تُصحح لا أن تُفلت.

تاريخ الخبر: 2022-01-12 12:36:15
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 68%

آخر الأخبار حول العالم

‎مانشستر سيتي يهدد مشاركة جيرونا التاريخية في دوري الأبطال

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 12:26:22
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 70%

يوفنتوس يتوّج بلقب كأس إيطاليا للمرّة 15 في تاريخه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 12:26:31
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 50%

استمرار "الحرمان" من وصل الإيداع يشعل غضب حماة المال العام

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 12:26:06
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 63%

يوفنتوس يتوّج بلقب كأس إيطاليا للمرّة 15 في تاريخه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 12:26:27
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 54%

‎مانشستر سيتي يهدد مشاركة جيرونا التاريخية في دوري الأبطال

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 12:26:26
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 61%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية