القطاع الخاص الكبير!


المراقب للخطاب العام فى مصر سوف يلاحظ همسات وهمهمات من ممثلى القطاع الخاص ورجال الأعمال التى تكرر أن هناك «مزاحمة» من القطاع العام والحكومى لمجالات نجح فيها القطاع الخاص بالفعل وتبطئ من نموه وتدفعه خارج السوق الاقتصادية.

وبشكل أكثر صراحة ووضوحا فإن الدولة من رئيسها إلى آخر المسئولين فيها تؤكد بشدة عدم صحة هذه المقولات، وتبرهن على ذلك أولا بعدد الشركات الخاصة التى قامت بالفعل بالتنفيذ للأعداد الكبيرة من المشروعات العملاقة التى جرت أخيرا مما جعل القطاع الخاص يحقق عوائد مالية وأرباحا كبيرة.

وثانيا أن القطاع الخاص مدعو إلى المشاركة بشكل أكبر فى شراء وإدارة عدد كبير من المشروعات الصناعية والزراعية والخدمية التى تراوحت ما بين المزارع السمكية والصوبات الزراعية والمدن الجديدة من العاصمة الإدارية وحتى مدينة العلمين.

وثالثا أن المرحلة الحالية من التقدم المصرى تستدعى دورا كبيرا للقطاع الخاص لابد منه ولا غنى عنه. فبعد مرحلة تثبيت أركان الدولة، ومرحلة إنشاء البنية الأساسية والمناطق الصناعية المجهزة، فإن المرحلة الثالثة والتى سوف تأتى اعتبارا من هذا العام الذى سوف يتم فيه افتتاح الكثير من هذه المشروعات سوف تكون للانطلاق بالاقتصاد والمجتمع المصرى إلى آفاق الدول المتقدمة.

تحقيق ذلك يتطلب حشد وتعبئة وتكامل الموارد الوطنية من القطاع العام والحكومى والخاص والتعاونى والأهلى كل فى مكانه وقدراته.

ولكن إذا كانت كل هذه الدفوع قائمة وظاهرة، فلماذا تتردد الشكوى وتتسرب أحيانا فى غير مواقعها رغم وجود الكثير من النوافذ والأبواب التى تتيح تعظيم العلاقات القائمة بين الدولة والأشكال المختلفة من القطاع الخاص لمصلحة المشروع الوطنى التقدمى المصرى؟

الإجابة عن هذا السؤال يستدعى التعرض لعدد من الحقائق المستمدة من الأرقام الرسمية المصرية. أولاها أن العلاقة الاستثمارية بين العام والخاص تراوحت خلال الفترة الزمنية بين عام ٢٠٠٠ وعام٢٠٢٠، حيث كانت النسبة ٥٠٪ لكليهما بين ٢٠٠٠ و٢٠٠٤، ثم أصبحت ٤٠٪ للعام و٦٠٪ للخاص بين ٢٠٠٥ و٢٠١٥، ثم انعكس الحال وصار للخاص فقط ٣٥٪ والعام ٦٥٪ بين ٢٠١٦و٢٠١٧ وتفسير ذلك يعود إلى كثافة الاستثمار الحكومى فى إنشاء البنية الأساسية، ولكنه سرعان ما يعود إلى الاتزان فى عامى ٢٠١٨ و٢٠١٩ ويصبح ٥٠٪ للعام و٥0٪ للخاص، وبعد ذلك يختل مرة أخرى نتيجة الإنفاق العام على جائحة كورونا ويصبح التوازن ٧٠٪ للعام و٣٠٪ للخاص فى عام ٢٠١٩/ ٢٠٢٠.

وثانيتها أن القضية ربما تتعدى نسب ونصيب كل منهما فى الاستثمارات إلى وجود عيوب هيكلية فى كليهما. وبالنسبة للقطاع الخاص، ورغم أن حجمه كبير مقاسا بعدد المنشآت الاقتصادية الخاصة وهو ٣٫٧٤ مليون منشأة، وأنه يقوم بتشغيل ٧٨٫٤٪ من إجمالى المشتغلين، ويسهم بنسبة ٧٢٫٤٪ من الناتج المحلى الإجمالى ٢٠٢٠، فإن به الكثير من الوهن والضعف. فالواقع أن ٥٣٪ من القطاع الخاص تتركز فى القطاع غير الرسمي، و٥٨٪ فى تجارة الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات، ٣٩٪ منه تتركز فى 4 محافظات فقط هى القاهرة والجيزة والدقهلية والإسكندرية، و٦٫٢٪ فقط لديها حاسب آلي، ومن كل هذا الحجم فإن ١٪ فقط تقوم بالتصدير.

وثالثها أن المؤسسات العامة المملوكة للدولة رغم وزنها الكبير إنها متواضعة المساهمة فى النشاط الاقتصادي، ورغم حجم أصولها الهائلة فإنها لا تدر عوائد مناسبة، وكما أن إدارة أصولها مفتتة فى تبعيتها المؤسسية مما أثر على حسن استغلالها، كما أنها متباينة فى القوانين المنظمة لها، وهى متعددة فى أهدافها داخل النشاط الاقتصادى، وموجودة بشكل غير مألوف فى عدد من القطاعات الاقتصادية، وأغلبها لا يصدر إلى الخارج رغم وجود إعفاءات واستثناءات.

ورابعها أنه بغض النظر عن نوعية النشاط الاقتصادى عاما أو خاصا، فإن تقرير برنامج الأمم المتحدة لممارسة الأعمال يضع مصر فى مرتبة متأخرة تتعدى ترتيب المائة عند ممارسة الأعمال مقارنة ليس فقط بدول العالم الأخرى، وإنما عند المقارنة بالدول الصناعية الجديدة، ودول عربية وإفريقية. القضية برمتها تحتاج إلى نظرة تبدأ بالتحديات التى تواجهها مصر، سواء فى الواقع الحالى أو من خلال نظرة إلى المستقبل. التحدى السكانى لا يزال فى المقدمة، فالقدر الحالى المتجاوز لمائة مليون نسمة لا يتناسب مع قدرات الدولة ومدى الإتاحة للخدمات الأساسية.

والأخطر أن حجم المواليد فى مصر الآن يتجاوز إجمالى المواليد مع دول مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا مجتمعة ومضافا لها دول أخري. والنتيجة هى أن مصر باتت تحتاج سنويا إلى خلق مليون فرصة عمل حقيقية كل عام، وهو ما يتطلب زيادة فى الاستثمارات الكلية تتراوح بين ٢٥٪ و٣٠٪ ويكون معدل النمو السنوى ما بين ٧٪ و٩٪. مثل ذلك على ما يحمله من صعوبات فإنه ليس بالمستحيل، وتشهد عليها تجربة دول نامية وصاعدة بمعدلات نمو تجاوزت ١٣٪ أحيانا فى الصين؛ بل إن التجربة المصرية ذاتها خلال السنوات القليلة الماضية تشهد بقدرات رائعة بدت غائبة خلال فترات من تاريخنا المعاصر.

ما يحتاجه المستقبل القريب المزيد من المشروعات العملاقة التى ترفع مستويات ممارسة الأعمال إلى المكانة التى تحقق ذلك، وأن تكون هناك متلازمة واضحة على مجالات العمل العامة والأخرى الخاصة، وأن ندفع مؤسسات الدولة التشريعية إلى وضع قوانين مفيدة فى مجالات الإنتاجية والتنافسية ومسايرة اقتصاد سوق حقيقى الذى لا يليق التدخل فيه بما يعيق قدرات النمو.

ما يقال هنا لا يتناسب مع المساحة المطلوبة، ولكن البناء على ما تحقق يتطلب حوارا مباشرا حول آفاق جديدة لرؤية ٢٠٣٠، وتوافقا على الأهداف التى على الدولة تحقيقها خلال الأعوام القادمة.

* نقلا عن " الأهرام"

تاريخ الخبر: 2022-01-14 20:18:58
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 97%
الأهمية: 94%

آخر الأخبار حول العالم

وزير الخارجية الإماراتي يلتقي زعيم المعارضة الإسرائيلية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:27:10
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 63%

نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:26:34
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 64%

وزير الخارجية الإماراتي يلتقي زعيم المعارضة الإسرائيلية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:27:12
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 63%

نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:26:30
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 68%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية