من بين هذه الشركات شركة إسبانية تدعى "يورب إير" ساعدت على تنظيم 54 رحلة شحن عسكري بين الإمارات وإثيوبيا في أقلّ من شهر، وشركة "فلاي سكاي إيرلاينز" الأوكرانية التي قامت بـ39 رحلة شحن عسكري خلال شهرين.

أثار هذا الدعم الدبلوماسي والعسكري التساؤلات حول طبيعة العلاقة بين أبو ظبي وأديس أبابا والأهداف الأساسية من ورائه، بخاصّة انّه يتعارض مع سياسات بعض دول صديقة للإمارات كالولايات المتّحدة الأمريكية ومع مصالح دول حليفة لها مثل مصر.

علاقات اقتصادية لنفوذ سياسي

في حقيقة الأمر، فإنّ العلاقة بين الإمارات وإثيوبيا ليست جديدة أو مُستجدّة، وإنما تعود لسنوات إلى الوراء. في العام 2010، افتتحت الإمارات سفارتها في أديس أبابا، ثمّ سرعان ما شرعت في بناء نفوذ اقتصادي وسياسي لها في البلاد. لعبت أبو ظبي كذلك دوراً دبلوماسياً في المصالحة التي جرت في العام 2018 بين إثيوبيا وإريتريا، وقدّمت دعماً مالياً لإثيوبيا بقيمة نحو 3 مليارات دولار، من بينها مليار كوديعة في البنك المركزي، وملياران كاستثمارات متنوّعة.

أطلقت أبو ظبي في العام 2019 العديد من الحملات الترويجية لدعم الاستثمار في إثيوبيا وتعميق التعاون الاقتصادي بين البلدين. لدى الإمارات اليوم ما يزيد على 113 مشروعاً استثمارياً في إثيوبيا، وبلغ حجم التجارة بين الطرفين نحو 800 مليون دولار. تمتلك أبو ظبي اليوم مشاريع في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة والاستثمار والخدمات والعقارات والطاقة في إثيوبيا. هذه المعطيات تعني أنّ العنصر الاقتصادي قد يكون حاضراً في الحسابات الإماراتية في إثيوبيا، لكنّه لا يفسّر منفرداً بالتأكيد حجم الدعم العسكري للجيش الإثيوبي والغاية الأساسية من ذلك. وعلى الرغم من أهمّية الاقتصاد في الأجندة الإماراتية عموماً، فإنّ سياسات أبو ظبي -الغنيّة بالنفط- لا تنطلق بالضرورة من هذا الجانب، وغالباً ما تحتلّ الحسابات الجيوبوليتيكية والآيديولوجية موقعاً متقدّماً في أجندة صانع القرار هناك.

من الناحية الجيوبوليتيكية، سعت أبو ظبي خلال السنوات القليلة الماضية لإنشاء موطئ قدم لها في القرن الإفريقي، وعلى تماسّ مع المضايق الهامة والحيوية في المنطقة. ومن أجل ذلك عملت دون كلل على تعزيز وجودها المباشر من خلال النشاطات ذات الطابع السياسي والاقتصادي والعسكري في منطقة القرن الإفريقي. شكّلت إثيوبيا محطّة هامة في هذه السياسة لا سيما بعد تراجع نفوذ أبو ظبي في الصومال. في مرحلة من المراحل كان هذا التموضع يأتي ضمن أجندة أوسع تهدف إلى قطع الطريق على الدور الذي تلعبه دول أخرى في المنطقة كتركيا وقطر، وتقويض النفوذ المتزايد لأنقرة في المنطقة.

لكنّ اللافت للانتباه مؤخراً أنّ هذا التموضع بدأ يرتبط بشكل متزايد بسياسات الإمارات مع كل من مصر وإسرائيل. علاقات الإمارات بإثيوبيا تتناقض مع المصالح المصريّة بشكل كبير، وهو يثير استياء الجانب المصري الذي بدأ ينظر بشكل متزايد في العامين الماضيين بشيء من الشكّ والريبة إلى طبيعة العلاقة التي تربط أبو ظبي بإثيوبيا. فالقاهرة تعتبر نفسها في صراع وجودي في ما يتعلق بمياه النيل وخطط إثيوبيا للاستفادة منها عبر سد النهضة.

اصطدام التموضع الإماراتي في إثيوبيا بحلفائها

فشلت القاهرة في منع إثيوبيا من بناء السد، وفشلت في حملها على تعديل المشروع وفق شروطها، وكانت تتوقع أن تمارس أبو ظبي ضغوطاً على الحكومة الإثيوبية لأخذ مطالبها بعين الاعتبار، لكنّ ذلك لم يحصل. عندما قدّمت القاهرة الملفّ العام الماضي على أنّه مسألة أمن قومي في الجامعة العربية طالبةً دعم الدول العربية لها، كان موقف أبو ظبي مثيراً للاهتمام، فعلى غير العادة، وبخلاف باقي الأعضاء، لم تقم الإمارات بإبداء الدعم المطلق للقاهرة، وإنما اعتمدت موقفاً متوازناً.

لكن ما أثار حنق المصريين هو تقديم أبو ظبي الدعم للحكومة الإثيوبية في توقيت حرج للغاية. اندلاع الصراع بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير شعب تيغراي يُضعِف موقف الحكومة الإثيوبية داخلياً وخارجياً، وهو أمر مفيد جدّاً من وجهة النظر المصرية، ويمتلك القدرة على تشتيت الجهود الحكومية المتعلقة بسدّ النهضة. لكن الدعم الإماراتي للحكومة الإثيوبية يصبّ في الاتجاه المعاكس.

إذا ما تابعنا المسار الزمني لتكثيف الدعم الإماراتي لإثيوبيا، سنلاحظ أنّه تم بشكل أساسي في العام 2021 في وقت كانت فيه قوات التيغراي تتقدّم ضد القوات الحكومية. لم تكتفِ أبو ظبي بإرسال أطنان من المعونات، بل قامت عملياً بإنشاء جسر جوي لدعم الجيش الإثيوبي بالسلاح.

وحسب المعلومات الموثَّقة، فقد زوّدت الإمارات القوات الحكوميّة الإثيوبية بالأسلحة والمعدات اللازمة لصد تقدّم قوات التيغراي، من بينها مُسيَّرات مقاتلة صينية الصنع من طراز "وينغ لوونغ" التي كانت أبو ظبي قد أرسلت عدداً منها كذلك إلى أمير الحرب في ليبيا خليفة حفتر قبل أن ينهزم ويتقهقر إلى شرقيّ البلاد بعد دخول تركيا المعادلة.

علاوة على المصالح السياسية والاقتصادية والامنيّة الإماراتية في إثيوبيا، لا يمكن استبعاد فكرة أن يكون جزء من الدعم المقدَّم لإثيوبيا بمثابة رسالة إلى النظام في مصر والذي يَدين في بقائه إلى حد كبير للدعم الإماراتي بشكل أساسي.

قُبيل المصالحة الخليجية، كان لدى أبو ظبي توقّعات بشأن إمكانية تدخُّل مصر عسكرياً في ليبيا، لكنّ القاهرة فضّلت عدم التورط. علاوة على ذلك، ما إن تمّ عقد إتفاق العلا في السعودية، حتى سارعت القاهرة في بداية عام 2021 إلى فتح خطوط لتطبيع علاقاتها مع قطر وتركيا دون استشارة أبو ظبي أو التنسيق معها. ولذلك، هناك من يرى أنّ سياسات الإمارات في إثيوبيا هي لاحتواء النظام المصري وإبقائه تحت السيطرة.

نقطة أخرى قد تكون ذات صلة بالموضوع، هي العلاقة مع إسرائيل. لطالما اتّهمت مصر إسرائيل بدعم إثيوبيا، لا سيما في ما يتعلق بمشروع سد النهضة ومياه النيل. وبغضّ النظر عمّا إذا كانت هذه الاتهامات صحيحة أم إنّها تكتيك شعبوي للتغطية على عجز النظام المصري وشيطنة الحكومة الإثيوبية، فانّ هناك من يعتبر أن الموقف الإماراتي في إثيوبيا يأخذ بعين الاعتبار الحسابات الإسرائيلية. إسرائيل في عهد رئيس الوزراء السابق نتنياهو كانت قد بدأت تُولِي أبو ظبي أهميّة أكبر على حساب القاهرة، بدليل أنّ عدداً من المشاريع الاقتصادية الإماراتية-الإسرائيلية التي تمّ طرحها للعمل المشترك تهدّد بالدرجة الأولى مصالح مصر أكثر من غيرها من دول المنطقة.

وبغضّ النظر عمّا إذا كان موقف الإمارات في إثيوبيا مرتبطاً بحسابات أبو ظبي السياسية والاقتصادية والأمنيَّة المباشرة في إثيوبيا، أم إنّه يتعلق بموقفها من دول ثالثة ورغبتها في استخدام ثقلها في الملف الإثيوبي لتوجيه رسائل، لا شيء يشير إلى إمكانية حصول تحوُّل جوهري في الملفّ خلال المرحلة المقبلة.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي