اتّهمت منظمة العفو الدولية "أمنستي" الثلاثاء، إسرائيل بأنّها دولة "فصل عنصري".

وطالبت أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، في مؤتمر صحفي عُقد في مدينة القدس، للإعلان عن تقرير أعدته بهذا الشأن، بمساءلة إسرائيل على ارتكاب جريمة "الفصل العنصري" ضد الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلّة، فضلاً عن اللاجئين النازحين في بلدان أخرى.

ويبيّن التقرير "بالتفصيل"، كيف أن إسرائيل "تفرض نظام اضطهاد وهيمنة على الشعب الفلسطيني أينما ملكت السيطرة على حقوقه".

وهذه هي المرة الأولى التي تقول فيها منظمة العفو الدولية إنّ إسرائيل "تمارس الفصل العنصري ضد الفلسطينيين في أماكن وجودهم".

وجاء التقرير في 211 صفحة بعنوان "نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين: نظامٌ قاسٍ يقوم على الهيمنة.. وجريمة ضد الإنسانية".

وقالت كالامار في المؤتمر الصحفي: "يوثّق التقرير كيف أن عمليات الاستيلاء الهائلة على الأراضي والممتلكات الفلسطينية، وأعمال القتل غير المشروعة، والنقل القسري، والقيود الشديدة على حرية التنقّل، وحرمان الفلسطينيين حقوق المواطنة والجنسية، تشكّل كلها أجزاءً من نظام يرقى إلى مستوى الفصل العنصري بموجب القانون الدولي".

وأضافت: "يُحافَظ على هذا النظام بفعل الانتهاكات التي تَبَيَّن لمنظمة العفو الدولية أنها تشكل فصلاً عنصرياً وجريمة ضد الإنسانية كما هي مُعرّفة في نظام روما الأساسي والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها (اتفاقية الفصل العنصري)".

ودعا تقرير منظمة العفو الدولية، المحكمة الجنائية الدولية إلى "النظر في جريمة الفصل العنصري في سياق تحقيقاتها الحالية في الأراضي الفلسطينية المحتلّة".

كما ناشد "جميع الدول ممارسة الولاية القضائية الشاملة وتقديم مرتكبي جرائم الفصل العنصري للعدالة".

وقالت كالامار في المؤتمر، إن "تقريرنا يكشف النطاق الفعلي لنظام الفصل العنصري في إسرائيل، وسواء كان الفلسطينيون يعيشون في (قطاع) غزة، أو القدس الشرقية، أو الخليل (جنوبي الضفة الغربية)، أو إسرائيل نفسها، فهم يُعامَلون كجماعة عرقية دونية ويُحرَمون حقوقهم على نحو ممنهج".

وأضافت: "تَبيَّن لنا أن سياسات التفرقة ونزع الملكية والإقصاء القاسية المتبعة في جميع الأراضي الخاضعة لسيطرة إسرائيل تصل بوضوح إلى حد الفصل العنصري. ومن واجب المجتمع الدولي التصرّف".

وتابعت: "ما من مبرّر ممكن لنظام بُني على القمع العنصري المُمَأسس والمطوَّل لملايين الناس. ولا مكان للفصل العنصري في عالمنا، والدول التي تقرّر أن تقبل تجاوزات إسرائيل ستجد نفسها في الجانب الخطأ من التاريخ".

وأكملت: "الحكومات التي تواصل تزويد إسرائيل بالأسلحة وتحميها المساءلة في الأمم المتحدة تساند نظام فصل عنصري، وتقوّض النظام القانوني الدولي، وتفاقم معاناة الشعب الفلسطيني".

ودعت "أمنستي" المجتمع الدولي إلى مواجهة "واقع الفصل العنصري في إسرائيل، وأن يتبع السُّبل العديدة المؤدية إلى العدالة، التي من المعيب أنها لم تُستكشف بعد".

وفي تعريفها نظام الفصل العنصري، أشارت المنظمة الدولية، في التقرير إلى أنه "منظومة مُمأسسة للقمع والهيمنة تمارسها جماعة عرقية ضد أخرى".

وقالت: "وثّقت المنظمة أفعالاً مُحرَّمة في اتفاقية الفصل العنصري ونظام روما الأساسي في المناطق كافةً التي تسيطر عليها إسرائيل، مع أنها تحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة أكثر تكراراً وعنفاً منها في إسرائيل".

وتابعت: "وتطبّق السلطات الإسرائيلية تدابير متعددة لحرمان الفلسطينيين عمداً حقوقهم وحرياتهم الأساسية، بما في ذلك قيود قاسية على حرية التنقل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والاستثمار الضئيل المزمن القائم على التمييز في المجتمعات الفلسطينية داخل إسرائيل، وحرمان اللاجئين حق العودة".

كما يوثّق التقرير "النقل القسري، والاعتقال الإداري (بلا محاكمة)، والتعذيب، وأعمال القتل غير المشروعة، في كل من إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة".

ووجدت منظمة العفو الدولية أن "هذه الأفعال تشكّل جزءاً من هجوم ممنهج وواسع النطاق موجَّه ضد الشعب الفلسطيني، وتُرتكب بنيّة إدامة نظام القمع والهيمنة".

معاملة الفلسطينيين كتهديد ديموغرافي

وأشار تقرير منظمة العفو إلى أن "الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة اعتبرت الفلسطينيين تهديداً ديموغرافياً، وفرضت تدابير للسيطرة على وجودهم ووصولهم إلى الأراضي في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة".

وأضاف: "تتضح هذه الأهداف الديموغرافية جيداً من الخطط الرسمية لـ(تهويد) مناطق في إسرائيل والضفة الغربية، ومن ضمنها القدس الشرقية، وهو ما يظلّ يعرّض آلاف الفلسطينيين لخطر النقل القسري".

ولفتت "أمنستي" إلى أنّ إسرائيل منذ تأسيسها عام 1948 "انتهجت سياسة تكوين أغلبية ديموغرافية يهودية ثم الحفاظ عليها، وتعظيم سيطرتها على الأراضي والموارد لمنفعة الإسرائيليين اليهود".

وأضافت: "في 1967 وُسّعت هذه السياسة لتشمل الضفة الغربية وقطاع غزة (بعد احتلالهما في ذلك العام)".

وقالت: "اليوم تستمرّ إدارة الأراضي كافة التي تخضع لسيطرة إسرائيل بما يفيد الإسرائيليين اليهود على حساب الفلسطينيين، فيما يستمرّ إقصاء اللاجئين الفلسطينيين".

جماعة عرقية دونية

وذكرت منظمة العفو الدولية أن السلطات الإسرائيلية تعامل الفلسطينيين كجماعة عِرقية دونية "يحدّدها وضعهم العربي غير اليهودي".

وقال التقرير: "يترسّخ هذا التمييز العنصري في القوانين التي تؤثّر في الفلسطينيين في كل أنحاء إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة".

وأشار التقرير إلى أنّ اللاجئين الفلسطينيين والمنحدرين منهم، الذين هُجّروا في حَربَيْ 1947-1949 و1967، يُحرَمون حق العودة إلى أماكن إقامتهم السابقة.

وأضاف: "يُعَدّ إقصاء إسرائيل للاجئين انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ترك ملايين معلَّقين في حالة تهجير قسري دائمة".

وأكمل: "يُواجه الفلسطينيون من حَمَلة الجنسية الإسرائيلية، الذين يشكّلون نحو 21 بالمئة من السكان، أشكالاً عديدة من التمييز المُمَأسس".

ويوثّق التقرير كيف يُمنع الفلسطينيون فعلياً من الاستئجار في 80 بالمئة من أراضي دولة إسرائيل نتيجةً لعمليات الاستيلاء العنصرية على الأراضي، ولوجود شبكة من القوانين التمييزية المجحفة بشأن توزيع الأراضي وتخطيطها وترسيمها.

وقدّمت منظمة العفو الدولية توصيات لكيفية "تفكيك السلطات الإسرائيلية لنظام الفصل العنصري، وكذلك أركان التمييز، والشرذمة والقمع التي تديمه".

فقد دعت إلى "وضع حدّ للممارسة الوحشية المتمثّلة بهدم المنازل وعمليات الإخلاء القسري كخطوة أولى".

وقالت: "ينبغي لإسرائيل منح جميع الفلسطينيين المقيمين فيها وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة حقوقاً متساوية بما يتماشى مع مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي".

وأضافت: "كما ينبغي لها الاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين والمنحدرين عنهم بالعودة إلى ديارهم التي كانت فيما مضى تعيش فيها عائلاتهم، وتقديم تعويضات كاملة إلى ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية".

وقالت أغنيس كالامار: "لا يجوز بعد الآن أن يقتصر الردّ الدولي على الفصل العنصري على الإدانات العقيمة والمراوغة، فإذا لم نعالج الأسباب الجذرية سيظل الفلسطينيون والإسرائيليون أسرى دوامة العنف التي دمّرت حياة عدد كبير جداً من الناس".

الدولة اليهودية

وفي المقابل قالت "العفو" الدولية في تقريرها إنها تُقرّ بأن اليهود شأنهم شأن الفلسطينيين يطالبون بحق تقرير المصير.

وأضافت: "لا نطعن في رغبة إسرائيل بأن تكون وطناً لليهود، وبالمثل لا نرى أن تسمية إسرائيل نفسها (دولة يهودية) تشير بحدّ ذاتها إلى نية بالقمع والهيمنة".

ترحيب فلسطيني

قالت وزارة الخارجية الفلسطينية في بيان إن تقرير منظمة العفو الدولية "إثبات إضافي بأن إسرائيل دولة فصل عنصري وتجب مساءلتها".

وأضافت إن "هذا الواقع البغيض للإجرام والإفلات من العقاب، لا يمكن أن يجري تجاهله أو نكرانه من المجتمع الدولي".

من جانبها أشادت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بتقرير "أمنستي". وقال هشام قاسم رئيس الدائرة الإعلامية في حركة حماس (إقليم الخارج) في بيان إنّ حركته تنظر "بتقدير واحترام إلى جهود منظمة العفو الدولية في إصدار تقريرها المهني الذي يضع الحقائق في نصابها".

وتابع: "التقرير يصف الواقع المأساوي لشعبنا الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال على حقيقته، من خلال اعتبار كيان الاحتلال أنه نظام فصل عنصري، ويطبق سياسة الأبارتهايد في الأراضي الفلسطينية المحتلّة كافة".

الرد الإسرائيلي

وأغضب التقرير الحكومة الإسرائيلية التي قالت الاثنين: "يعيد التقرير تدوير الأكاذيب والتناقضات والمزاعم التي لا أساس لها من الصحة الصادرة عن منظمات الكراهية المعروفة بمناهضة إسرائيل، وكل ذلك بهدف إعادة بيع البضائع التالفة في عبوات جديدة".

ووجّهت الاتهام إلى منظمة العفو الدولية بـ"معاداة السامية".

من جانبها قالت منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية (غير حكومية) الثلاثاء إن إسرائيل تدير نظام "تفوّق يهودي". ورحبت بالتقرير الذي أصدرته منظّمة العفو الدوليّة الثلاثاء، وقالت فيه إن "إسرائيل تمارس الفصل العنصري ضد الفلسطينيين".

وقالت بتسيلم: "هذا التقرير الذي يُضيف لَبِنة مهمّة إلى العديد من التقارير السّابقة حول الموضوع هو بمثابة مؤشّر على إجماع جديد يتوافق على حقيقة أن إسرائيل تُدير نظام تفوّق يهودي في المنطقة الممتدّة بين النهر والبحر"، في إشارة إلى أراضي فلسطين التاريخية بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط التي تضم الآن إسرائيل والضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة.

وأضافت: "إنها مرحلة مهمة في النضال لأجل تغيير هذا الواقع وُصولاً إلى مستقبل يتمتع فيه جميع القاطنين هنا بالعدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان".

TRT عربي - وكالات