افتتاحية الدار: هل ما يجري في البرلمان مهزلة أم تواصل سياسي فعال؟


الدار/ افتتاحية

يحظى البرلمان الحالي بموجة من النقد اللاذع التي تركز على بعض السجالات التي يدخل فيها برلمانيون من الأغلبية والمعارضة أو مع بعض أعضاء الحكومة، وتسلط الضوء أحيانا على بعض المداخلات التي يقدمها نواب أو نائبات إما لاستخدامهم لغة عربية غير مألوفة أم عدم تمكنهم من الحديث باللغة العربية الفصحى. وعلى الرغم من الطابع الواقعي الذي يميز هذه المشاهد إلا أن التأويلات السياسية لها تعكس وجود نية مبيتة لتصوير ما يحدث في شكل مهزلة أو اندحار للمستوى الذي ينبغي أن يتحلى به نواب الأمة. لكن هذا الحكم يبدو مجانبا تماما للصواب لأنه يتجاوز تماما الدور الحقيقي والطبيعي الذي ينبغي أن يلعبه السياسي باعتباره رجل نقاش وجدل بامتياز.

ماذا سيقول أنصار “الطهرانية” التواصلية عندما سيتابعون مثلًا النقاش الذي دار قبل أيام بين المرشحين للانتخابات الرئاسية الفرنسية إيريك زمور وجان لوك ميلانشون؟ لقد وصلت المناظرة التلفزيونية التي عقدت بينهما على مدى ساعة إلى حد تبادل السب والقذف والاتهامات، وتعالت بينهما السبابتان لتظهر حدة النقاش السياسي الدائر اليوم في فرنسا بين اليسار واليمين الشعبوي الذي يمثله الصحافي إيريك زمور. من حقنا ونحن نتابع المشهد السياسي في بلادنا أن نطمح إلى رفع مستوى النقاش وإثارة القضايا التي تهم المواطنين، لكن ما يحدث من جدل داخل البرلمان على الرغم من حدته فإنه دليل على أن هناك حياة سياسية ينبغي التشبث بها.

هل نريد أن نتابع أنشطة برلمان ميت وساكن يتفق فيه الجميع على كل شيء؟ هل نفضل مشاهدة برلمانيين يحفظون ما يقولونه عن ظهر قلب ويستظهرونه أمام الكاميرات؟ هذا هو أسوأ تواصل سياسي يمكن أن نتابعه في أي برلمان في الدنيا. الذين يمعنون في انتقاد ما يرونه من مشاهد يتناسون أو يتجاهلون أن الغرفة الأولى عبارة عن تمثيل للمجتمع بكافة أطيافه وتياراته وتصوراته المختلفة. وأن ما يرونه من مشاهد الجدل وتبادل الاتهامات بل والاحتداد والتراشق أحيانا هو جزء من صورة المجتمع الذي نعيش فيه، وأن هذا التراشق ليس دائما سلوكا سلبيا ومذموما، بل هو في المجال السياسي فعل محمود ومطلوب نظرا لأنه المدخل الأساسي للمكاشفة واطلاع الرأي العام على ما يجري.

نحن نفضل أن نرى برلمانا حيا ونشطا يحفل بالجدل والنقاشات على أن نتابع جوقة من المنتخبين القانعين بما حصلوا عليه من ريع وامتيازات بينما لا يجد المواطن البسيط صوتا حرا يتكلم باسمه في البرلمان ويناقش الأغلبية أو المعارضة، ويسائل هذا الوزير أو ذاك. لقد كنا في الماضي نشتكي باستمرار مما تعرضت له الحياة السياسية من قتل وتخدير، وعندما بدأنا نتابع بعض النقاشات والسجالات الحية عدنا من جديد للمنظور الأخلاقي الذي لا علاقة له بالحقل السياسي، كي نسقط قيما متعالية على واقع السياسة الصعب القائم على الصراع والتطاحن والتنافس حد الإقصاء والإلغاء.

اتركوا إذن نواب الأمة يتجادلون ويتراشقون ويتواصلون تحت قبة البرلمان ليعبر كل منهم عن رأيه وعن موقفه بطريقته وأسلوبه الذي يتقنه. لا تجروا وراء تعالم مصطنع مللنا منه لسنوات ولم نجن منه غير العنتريات الفارغة التي لا تسمن ولا تغني من جوع. إن الجمهور المغربي متعطش كي يرى أثر التنوع والتعددية السياسية في المؤسسة التشريعية التي تنقل جلساتها على الهواء مباشرة. يريد الجمهور أن يسمع صوت اليمين واليسار وصوت المعارضة والأغلبية وجدل الإسلاميين مع التقدميين وتراشق الوزير مع مدير ديوانه السابق. كل هذه المشاهد ننتظرها بشغف ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن ندعي اليوم عندما بدأت تظهر أننا أرقى وأعلى من هذا المستوى. فهذه هي السياسة وهذا هو ديدنُها.

تاريخ الخبر: 2022-02-02 18:23:59
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 59%

آخر الأخبار حول العالم

سكوري : المغرب استطاع بناء نموذج للحوار الاجتماعي حظي بإشادة دولية

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-30 00:25:27
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 68%

تحديات تواجه نستله.. لهذا تقرر سحب مياه “البيرييه” من الاسواق

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-30 00:25:39
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 62%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية