في ظل استمرار الأزمة بين البلدين...ما المحدد لعلاقة إسبانيا بالمغرب؟

 

بقلم : نزار بولحية

تتحدث مدريد اليوم مع الرباط بأكثر من لسان. ففي الوقت الذي تسرب فيه أجهزة مخابراتها إلى بعض الصحف المحلية أخبارا حول الجدل الدائر داخل بعض الأوساط الرسمية، بشأن تنامي القلق من تطور القوة العسكرية المغربية، يخرج رئيس أركان جيشها ليقول أن لا خوف على الإطلاق من تنامي تلك القوة، وإن إسبانيا ما زالت تحتفظ بتفوقها على جارتها الجنوبية على ذلك المستوى بالذات، وبغض النظر عما قد تحمله تلك الازدواجية من معان ودلالات، فإن من الواضح جدا أن الإيبيريين يواصلون تمسكهم بتقليد قديم، يقضي بالتعامل مع المغرب الذي يتصورونه لا الذي يجدونه، وتلك الرغبة قد تكون واحدة من الأسباب التي حالت حتى الآن دون عودة كريمة بنيعيش إلى عاصمتهم.

وفي الواقع فإن ذلك ليس سوى الجزء الظاهر فقط من سطح جبل الجليد، الذي لم يذب بعد تماما بين المغرب وإسبانيا، إذ بعد مضي أسبوعين على حفل الاستقبال السنوي الذي أقامه العاهل الإسباني، منتصف الشهر الماضي على شرف السفراء المعتمدين في بلاده، وغابت عنه السفيرة المغربية المعتمدة في مدريد، وتطرق خلاله فيليب السادس وبشكل مباشر إلى الأزمة الصامتة بين مدريد والرباط، لا وجود لدلائل واقعية قد تثبت صحة ما قاله حينها من «أن الحياة الطبيعية بين البلدين بدأت تعود بشكل نسبي، رغم غياب سفيرة المغرب»، بل إن البعض بدأ بالحديث عن أن المرحلة الحالية، ورغم كل ما يكتنفها من هدوء نسبي ومن انخفاض ملحوظ في حدة التصريحات، لا تختلف كثيرا عن تلك التي تلت تفجر الأزمة بين العاصمتين ربيع العام الماضي. لكن ما الصخرة القوية التي تحطمت فوقها كل الآمال والتطلعات التي انتعشت قبل فترة، بقرب التوصل لتسوية ما للخلافات الإسبانية المغربية؟ ولماذا عجزت حكومتا البلدين حتى الآن عن «إعادة تحديد العلاقة بينهما بشكل مشترك للقرن الحادي والعشرين، على أعمدة أقوى وأكثر صلابة» مثلما قال العاهل الإسباني في كلمته؟

ربما وضع العاهل المغربي في أغسطس الماضي في خطابه في ذكرى ثورة الملك والشعب إصبعه على الداء حين قال، إن الهدف من المفاوضات التي جرت بين البلدين لم يكن «هو الخروج فقط من الأزمة، وإنما أن نجعل منها فرصة لإعادة النظر في الأسس والمحددات التي تحكم هذه العلاقات». وهو ما يعني وبوضوح تام أن المغاربة ليسوا راغبين في استئناف العلاقات مع جيرانهم الشماليين، من النقطة التي توقفت فيها، في أعقاب تفجر قضية استقبال إسبانيا لزعيم البوليساريو تحت اسم مستعار وبدعوى العلاج، ومن دون إخطار المغرب بالأمر، فهل يتطلع الإسبان بالمقابل إلى العكس، أي إلى أن تطوى الصفحة وتعود المياه إلى مجاريها، ولا يستخلص بالتالي أي درس من الأزمة، ولا يحصل أيضا تراجع في سياسات أو مواقف أو توجهات مدريد في علاقتها بجارتها الجنوبية؟ إن كانت تلك حقا نواياهم فما الذي يمكن أن يعنيه ذلك؟

لعل جزءا كبيرا ممن استمعوا لخطاب العاهل الإسباني في السابع عشر من الشهر الماضي، أمام السفراء المعتمدين في مدريد، لم ينتبهوا في خضم تركيزهم على حديثه عن رغبة الحكومة الإسبانية في تجاوز الأزمة مع المغرب، إلى فقرة أخرى من ذلك الخطاب قال فيها فيليب السادس: «إن المنطقة المغاربية لها طابع استراتيجي بالنسبة إلى إسبانيا، بسبب تشعب العلاقات الثنائية، ما يتطلب ضرورة تعزيز الجهود المطلوبة لتوطيد السلام والاستقرار والازدهار في المنطقة»، وإن «هدف مدريد هو تعزيز علاقاتها مع كل الشركاء المغاربيين». وهذا ما يدل بشكل واضح على أن الإسبان لا ينظرون للمغرب من زواية ضيقة، أي باعتباره دولة جارة فقط، بل من زواية أكبر وأوسع، كونه جزءا من مجال إقليمي شاسع وممتد يزخر رغم تجانسه وتقاربه الشديد بالتناقضات والاختلافات والانقسامات العميقة. إن مدار السياسة الخارجية الإسبانية هنا هو في استثمار كل تلك العوامل واللعب عليها، بشكل يجعل مدريد تبدو وكأنها صديقة الجميع، في الوقت الذي لا تصادق فيه في الواقع أحدا، بل تستغل تلك الأوضاع لتجد المبرر الجاهز للرد، إما على الجزائر إن هي طلبت منها توسيع التعاون معها، بأن تصرفها على ذلك النحو قد يخل بما تصفه بالتوازن مع المغرب، أو على الأخير إن طلب منها أن تأخذ مواقف أكثر حسما ووضوحا، في ما يراها قضاياه الوطنية والمصيرية، وهو أن مضيها في ذلك يجعلها منحازة لطرف على حساب الآخر وهذا ما لا تسعى إليه ولا تريده. وقد يقول قائل وهل تلام مدريد على أنها تسعى للحفاظ على مصالحها، ولو بتلك الطريقة؟ أم أن الدول المغاربية هي التي يفترض أن تدان لأنها أعطتها الفرصة بانقساماتها وخلافاتها التي لا تنتهي لفعل ذلك؟ حتى لو صح جزء كبير من ذلك فليس بمقدور مدريد أن تتملص بالمقابل تماما من تحمل قسط من المسؤولية عن تأجيج تلك الخلافات، فهي التي كانت تحتل الأراضي الصحراوية قبل انسحابها منها منتصف السبعينيات، وهي التي دعمت البوليساريو في وقت لاحق من ظهوره، كما أنه لن يكون بوسعها أن تتغاضى أيضا عن أنها وباحتلالها جزرا وأراضي وحتى صخورا مغربية، تعرف أن المغرب لن يسقط حقه في المطالبة باستعادتها، تضع حاجزا عاليا وسميكا أمام أي محاولة لبناء الثقة بين الجانبين. لكن كيف يتصور الإسبان شكل المغرب الجدير بأن يثقوا به ويطمئنوا إليه؟ إنهم يرونه وببساطة ذلك المغرب الذي يقبل بعلاقة التابع بالمتبوع، ولا يجد حرجا في أن يطبق السياسات التي ترسم له في الضفة المقابلة، من دون أدنى نقاش. لكن هل ما زال ممكنا وجوده؟ لقد كان العاهل المغربي في هذا الباب بالذات واضحا وحاسما، حين قال في خطابه الصيف الماضي متحدثا عن بعض الدول الأوروبية ولم يكن مستبعدا أن تكون إسبانيا واحدة منها: «إنهم لم يفهموا بأن قواعد التعامل تغيرت، وإن دولنا قادرة على تدبير أمورها واستثمار مواردها وطاقاتها لصالح شعوبنا»، ثم حين أشار بعدها إلى أن «المغرب قد تغير فعلا، ولكن ليس كما يريدون، لأنه لا يقبل بأن يتم المس بمصالحه العليا، وفي الوقت نفسه يحرص على إقامة علاقات قوية بناءة ومتوازنة، خاصة مع دول الجوار». والسؤال هنا ما الذي جعل الإسبان لا يفهمون أو لا يقدرون على فهم الواقع الجديد الذي فرضته عليهم جارتهم؟ إنها ببساطة تلك الروح الصليبية التي ما زالت ورغم مرور عقود طويلة على انخراطهم في الديمقراطية، تسري فيهم وتعيدهم كلما تطلعوا إلى الأمام إلى الأزمنة والعهود التي تلت سقوط الأندلس، وما تبعها من حروب للسيطرة على الشمال الافريقي.

لقد كان تصرفهم قبل سنوات في ما عرف بأزمة صخرة ليلى، مظهرا عمليا على رسوخ تلك الروح. وما لم يقدروا على إدراكه بعد هو، ليس فقط إنه لن يكون ممكنا لهم اليوم أن يكرروا ما فعلوه هناك بالأمس، بل أن تكون ساعة مطالبتهم بالجلاء التام عن الأراضي المغربية المحتلة قد اقتربت الآن وأكثر من أي وقت آخر.

كاتب وصحافي من تونس

تاريخ الخبر: 2022-02-03 15:23:22
المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 63%
الأهمية: 81%

آخر الأخبار حول العالم

توقيف 8 طلبة طب بوجدة بعد يوم واحد من تهديدات ميراوي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 00:26:02
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 60%

توقيف 8 طلبة طب بوجدة بعد يوم واحد من تهديدات ميراوي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 00:25:53
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 58%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية