تماماً مثلما فعل خلال النزاع في شرق أوكرانيا الذي اندلع عام 2014، والدور المحوري الذي لعبته قواته وجواسيسه داخل الجماعات الإرهابية في سوريا، أرسل الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف، الذي يطلق عليه البعض "فتى بوتين المدلل"، وحدات من القوات الخاصة الشيشانية عالية التدريب إلى بيلاروسيا، لمساندة الجيش الروسي خلال الغزو المحتمل لأوكرانيا.

وبشكل واضح وصريح، أعلن الرئيس الشيشاني قاديروف في نهاية عام 2014 خلال كلمة وجهها إلى الشعب الشيشاني وكل الشعوب الروسية، عن ولائه المطلق للقائد العام، الرئيس فلاديمير بوتين. وأضاف قائلاً: "لذا أنا أكرر اليوم كلام أحمد حاج، فقد جاء وقت الاختيار الواعي، لنقول لكل العالم بأننا وحدات قتالية خاصة في جيش فلاديمير بوتين، وإذا ما تلقينا الأوامر فسنثبت ذلك واقعاً على الأرض".

تعود جذور هذه العلاقة التي يسودها الولاء المطلق لسيد الكرملين إلى عام 1999 الذي شهد قدوم بوتين إلى رأس السلطة في روسيا وانقلاب مفتي الشيشان آنذاك أحمد حاج قاديروف على أصدقائه المقاومين وتقربه من موسكو التي وضعته على رأس إدارة تتبع الكرملين.

أصل الحكاية

دخل الإسلام الشيشان الواقعة شمال القوقاز في القرن 16 رغم وصوله إلى القوقاز مبكراً، وعلى الدوام كان جو الصراع والتشابك سائداً مع روسيا القيصرية التي تمكنت من هزيمة الشيشان في حرب القوقاز 1870 وضمتها إلى مظلة الحكم القيصرية. وعقب سقوط روسيا القيصرية سعت الشيشان للحصول على استقلالها، لكن محاولاتها باءت بالفشل بعد أن ضُمت مجدداً لروسيا البلشفية وبعد ذلك للاتحاد السوفييتي.

وفي أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي حاولت الشيشان إعلان استقلالها عن روسيا حالها كحال دول الاتحاد السوفييتي السابقة الأخرى، إذ نفذ الضابط السابق في الاستخبارات السوفييتية جوهر دوداييف انقلاباً ضد الحكومة الشيوعية المحلية، معلناً من جانب واحد استقلال الشيشان عن الاتحاد الروسي في أغسطس/آب 1991، لتغزو القوات الروسية على أثر ذلك العاصمة غروزني عام 1994 وسط مقاومة شيشانية شرسة مدعومة بـ"المجاهدين" القادمين من أفغانستان.

وعلى الرغم من قوة روسيا الهائلة وتوقيع اتفاقية وقف إطلاق النار، نجح الشيشانيون في استعادة عاصمة بلادهم وطيّ صفحة حرب الشيشان الأولى (1994-1966) باستقلال فعلي لا رسمي للشيشان عن الاتحاد الروسي بمحصلة ضحايا ونازحين بلغت أعدادهم مئات الآلاف، ليُعيَّن رئيساً للشيشان أصلان مسخادوف، الذي وقّع مع بوريس يلتسين معاهدة سلام مؤقتة لم تبتّ بشكل نهائي في مسألة سيادة الشيشانيين على أرضهم.

بوتين يقضي على المقاومة في الشيشان

بعد الحرب الشيشانية الأولى، كانت سيطرة الحكومة على الجمهورية الشيشانية ضعيفة جداً، مما سمح بظهور حركات جهادية تحت قيادة شامل باساييف لا تُخفي طموحها إلى توحيد جمهوريات شمال القوقاز المسلمة تحت كيان واحد، مما أجّج التوترات السياسية جزئياً بسبب النشاط الإرهابي والإجرامي المزعوم أنه شيشاني أو موالٍ للشيشان في روسيا، فضلاً عن الاشتباكات الحدودية.

وعلى الصعيد الروسي لم يكن القادة السياسيون ولا العسكريون سعداء بما آلت إليه الأمور في الشيشان في أعقاب الحرب الأولى، التي قدر لها يلتسين في البدء أن تكون خاطفة، الأمر الذي دفع الرئيس الروسي الجديد وقتذاك فلاديمير بوتين إلى إرسال جنوده في نهاية 1999 إلى غروزني تحت شعار محاربة الإرهاب في القوقاز لكسب الدعم الغربي.

وعلى الرغم من دعوات المنظمات الدولية إلى وقف الحرب ووضع حد للمجازر التي ارتكبها جنود بوتين ضد المدنيين والمناطق السكنية، واصلت القوات الروسية تقدمها نحو العاصمة غروزني لتنهي بذلك الاستقلال الفعلي لجمهورية الشيشان الذي أعقب الحرب الشيشانية الأولى، واستعادت روسيا السيطرة على الإقليم، ووُضعَت الشيشان تحت وصاية الكرملين بعد تعيين المفتي المقرب من روسيا أحمد حاج قاديروف على رأس إدارة تتبع الكرملين.

وبينما استمرت المقاومة المسلحة الشيشانية في جميع أنحاء منطقة شمال القوقاز في إلحاق خسائر جسيمة بالروس فضلاً عن هجمات ضد المدنيين في روسيا، تمكنت روسيا بحلول عام 2009 من القضاء على معظم الحركات الانفصالية الشيشانية وتوقف القتال على نطاق واسع، ليعلن الكرملين في 15 أبريل/نيسان 2009 نهاية العمليات العسكرية في الشيشان رسمياً.

سرّ تخلي الشيشان عن المقاومة ضد روسيا

نجح بوتين في قلب أحمد حاج قاديروف على أصدقائه المجاهدين رغم أنه كان في زمن سابق زعيماً دينياً يدعو إلى الجهاد ضد روسيا وقائداً عسكرياً من قيادات الشيشان، الأمر الذي ضرب المقاومة الشيشانية بمقتل، وبالأخص عندما ساعد قاديروف الأب في تسليم مدينة جوديرمس ثانية كبرى المدن الشيشانية للقوات الروسية دون طلقة رصاص واحدة، مما حافظ على المدينة من التدمير الشامل الذي واجهته غروزني.

ويعزو قاديروف تحوله الكبير هذا إلى رفضه لموقف سليم خان يندرباييف الذي يؤيد ويدعم وجود المقاتلين العرب المتشبعين بالفكر الوهابي السلفي، والمتسترين براية الإسلام من وجهة نظره، وفقاً لحوار أجرته معه قناة الجزيرة عام 2000.

ومع انتخاب قاديروف الأب رئيساً للجمهورية الشيشانية عام 2003، تحولت الشيشان من الصراع مع روسيا إلى موالاتها وتَحوَّل الصراع في الشيشان إلى الداخل، حيث انتهى باغتيال قاديروف في مايو/أيار 2004 على يد الانفصاليين، الأمر الذي دفع بوتين إلى تعيين ابنه رمضان قاديروف رئيساً للبلاد منذ عام 2007، والذي رفع بدوره موالاته لسيد الكرملين إلى مستويات قياسية.

TRT عربي