تتوالى الأصداء الخارجية والداخلية على قرار الرئيس التونسي حل المجلس الأعلى للقضاء، إذ حثّت مفوضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت الثلاثاء الرئيس التونسي قيس سعيّد على "إعادة العمل بمجلس القضاء الأعلى"، محذّرة من أن "حله سيقوّض بشكل خطير سيادة القانون".

وقالت باشيليت في بيان صادر عن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: "من الواضح أنه لا بد من بذل المزيد من الجهود الحثيثة كي تتماشى تشريعات قطاع العدالة وإجراءاته وممارساته مع المعايير الدولية المعمول بها".

واستدركت بالقول: "إلا أن حل مجلس القضاء الأعلى شكل تدهوراً بارزاً في الاتجاه الخاطئ، فحلّه يعد انتهاكاً واضحاً لالتزامات تونس بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان ويقوّض بشكل خطير سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء في البلاد".

وشددت المفوضة على "ضرورة اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية أعضاء المجلس وموظفيه".

وأشارت إلى أن "قوى الأمن الداخلي طوّقت مكاتب مجلس القضاء الأعلى ومنعت أعضاءه وموظّفيه من دخول المبنى، كما استهدفت حملات من الكراهية والتهديد عبر الإنترنت أعضاء المجلس".

وأضافت: "هذا آخر تطوّر في مسار مثير للقلق تشهده البلاد منذ 25 يوليو/تموز 2021، حين علّق الرئيس أعمال البرلمان وتولى جميع الوظائف التنفيذية"، لافتة إلى أنه "منذ ذلك الحين برزت محاولات متزايدة لخنق المعارضة وقمع الجهات الفاعلة في المجتمع المدني".

من جهتها دعت جمعية القضاة التونسيين الثلاثاء إلى تعليق العمل في جميع المحاكم يومي الأربعاء والخميس، احتجاجاً على قرار سعيّد.

وقالت الجمعية (مستقلة) في بيان إنها "تدعو جميع القضاة من الأصناف الثلاثة العدلي والإداري والمالي إلى التعليق التام للعمل بمحاكم تونس يومي الأربعاء والخميس".

وأوضحت أن ذلك يأتي "احتجاجاً على الانتهاك الصارخ لاستقلالية السلطة القضائية من رئيس الجمهورية وحل المجلس الأعلى للقضاء بوصفه آخر ضمانة للفصل بين السلطات وتحقيق التوازن بينها".

وأعلنت الجمعية "تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر المجلس الأعلى للقضاء بعد غد الخميس".

وأعربت عن "رفضها الشديد إعلان الرئيس قيس سعيد حل المجلس الأعلى للقضاء وما رافقه من حملات تجييش ممنهجة لأشهر متواصلة ضد المجلس ورئيسه وأعضائه وضد جميع القضاة".

وشددت على "خطورة ما أبلغ به رئيس المجلس الأعلى للقضاء رسمياً (حول) كونه مستهدفاً باعتداءات إرهابية"، محمّلة السلطة التنفيذية "مسؤولية أي مكروه يطاله".

والاثنين أكّد رئيس المجلس يوسف بوزاخر في تصريحات إعلامية، أنه "تلقّى اتصالاً من وزارة الداخلية والنيابة العامة تفيد بوجود مخطط لاستهدافه".

واعتبرت الجمعية أن "إعلان حلّ المجلس الأعلى للقضاء بصفته مؤسسة دستورية مستقلة تسهر على حسن سير القضاء وتضمن مبدأ الفصل بين السلطات يشكّل تدخلاً مباشراً في عمل السلطة القضائية".

وجددت دعوتها جميع القضاة إلى "التمسك باستقلالية السلطة القضائية وحمايتها من أي تدخل".

في السياق نفسه، أعرب سفراء دول غربية وآسيوية والاتحاد الأوروبي لدى تونس الثلاثاء عن "قلقهم البالغ" إزاء قرار سعيّد.

جاء ذلك في بيان مشترك، عن البعثات الدبلوماسية لكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وبريطانيا والولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي، ونشر عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال السفراء في بيانهم: "يساورنا قلق بالغ إزاء ما أعلن عنه (سعيّد) حول حلّ المجلس الأعلى للقضاء من جانب واحد".

وتابعوا: "هذا المجلس الذي تتمثّل مهمته في ضمان حسن سير القضاء واحترام استقلاليته".

واعتبر السفراء أن "وجود قضاء مستقل ذي شفافية وفاعلية والفصل بين السلطات أمران ضروريان لحسن سير منظومة ديمقراطية تخدم مواطنيها على أساس سيادة القانون وضمان الحقوق والحرّيات الأساسية".

والمجلس الأعلى للقضاء هيئة دستورية مستقلة من مهامها ضمان استقلالية القضاء ومحاسبة القضاة ومنحهم الترقيات المهنية.

وأعلن الرئيس سعيد ليل السبت/الأحد خلال اجتماع في وزارة الداخلية أن المجلس الأعلى للقضاء "بات في عداد الماضي"، داعياً أنصاره إلى التظاهر تأييداً لقراره.

وقال سعيّد الاثنين وفق فيديو بثه حساب الرئاسة على تويتر خلال لقائه رئيسة الحكومة نجلاء بودن، إن "المجلس الأعلى للقضاء قد حُلَّ"، ثم قال في اللقاء نفسه، إن "مشروع حل المجلس الأعلى للقضاء جاهز وسيُناقش".

في المقابل أعلن المجلس الأعلى للقضاء، في بيان الأحد، رفض حله في غياب آلية دستورية وقانونية تجيز ذلك، بجانب رفض العديد من الهيئات القضائية والأحزاب السّياسية حل المجلس.

والاثنين أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن القلق إزاء "عدم احترام السلطات القضائية بتونس".

وقال فرحان حق، نائب متحدث المنظمة الدولية في مؤتمر صحفي بنيويورك: "نراقب ما سيحدث على الأرض في تونس، ومن الواضح أن الأمر سيكون مصدر قلق ما لم تُحترم السلطات القضائية من القوى السياسية الأخرى (دون تسميتها)".

وتشهد تونس أزمة سياسية حادة منذ 25 يوليو/تموز 2021، حين بدأ سعيّد فرض إجراءات استثنائية منها تجميد اختصاصات البرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وإقالة الحكومة وتعيين أخرى جديدة.

وترفض غالبية القوى السياسية والمدنية في تونس هذه الإجراءات، وتعتبرها "انقلاباً على الدستور"، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها "تصحيحاً لمسار ثورة 2011"، التي أطاحت بحكم الرئيس آنذاك زين العابدين بن علي.

TRT عربي - وكالات