مبررة الخطوة بأنها تأتي من أجل "التقليل من انبعاث الغازات الدفيئة وحماية اقتصاد البلاد من تقلبات أسعار الطاقة"، أعلنت فرنسا قرارها تعزيز قدراتها الطاقية بـ14 مفاعلاً نووياً جديد على أراضيها. في خطوة تواجه انتقادات عديدة من نشطاء البيئة، كما هجومات منافسيه خلال الانتخابات الرئاسية المرتقبة.

هذا ويعرف ملف الطاقة النووية زخماً كبيراً داخل الاتحاد الأوروبي، بين داعين لتصنيفه مصدراً طاقياً نظيفاً والرافضين لذلك. فيما يسعى ماكرون إلى تعزيز موقفه داخل الاتحاد بالتحالف مع حكومات اليمين الشعبوي في أوروبا الشرقية، في اتفاقات سياسية تخدم قرار اعتماده الطاقة النووية بديلاً للمحروقات بالمقابل تدعم دفاع تلك الدول عن خيار الغاز كمصدر طاقي لها.

مغامرة ماكرون النووية

وصرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الخميس بأن بلاده: "ستبني ستة مفاعلات نووية، وتدرس إمكانية تشغيل ثمانية مفاعلات أخرى". في برنامج نووي جديد تقدَّر كلفته بنحو 57.36 مليار دولار، يهدف إلى إحياء القدرات النووية الفرنسية، وتخليص البلاد من التبعية الطاقية للدول المصدرة للمحروقات.

وأوضح ماكرون أن "هذه الخطوة تأتي بالنظر إلى تزايد احتياجات البلاد للكهرباء، كما الحاجة إلى استباق الانتقال الطاقي، والذي لا يمكن تمديده إلى أجل غير مسمى، لذا نطلق اليوم برنامجاً لإنشاء مفاعلات نووية جديدة". مؤكداً أن "ما تحتاجه بلادنا هو إعادة إحياء القطاع النووي الفرنسي، والظروف مهيئة لذلك"، فيما سيدخل أول مفاعل جديد للخدمة مع حلول سنة 2035 حسب ماكرون. وقرر الرئيس تمديد صلاحية المفاعلات النووية الفرنسية الأقدم إلى أكثر من 50 عاماً بدلا من أربعين حالياً "بشرط أن تكون آمنة".

فيما يعاكس هذا البرنامج الفرنسي التوجه العالمي نحو التخلص من الطاقة النووية. ففي جارتها الشرقية ألمانيا، أغلقت الحكومة السنة الماضية 3 منشآت نووية كانت تستعملها في توليد الطاقة، كما قررت إغلاق ست منشآت أخريات بنهاية 2022. ويأتي هذا في ظل تمسك الائتلاف الحاكم في برلين بالتخلص من الطاقة النووية.

هذا وحسب مكتب الإحصاء التابع للاتحاد الأوروبي يوروستات، فإن فرنسا تتصدر الدول المنتجة للكهرباء باستعمال الطاقة النووية، فتعتمد عليها في سد 52% من حاجتها الطاقية، وتنتج سنوياً حوالي 353 ألفاً و833 غيغاواط/ساعة. فيما بلغت حصة إنتاج الكهرباء النووية في 13 دولة من دول الاتحاد الأوروبي 25٪ سنة 2020.

جدل أوروبي حول النووي الفرنسي

هذا وتعاني فرنسا على وجه التحديد، وأوروبا بشكل عام، من تبعات تقلبات سوق المحروقات العالمي والتنافس الشرس حوله. إذ ارتفعت فاتورة الغاز الأوروبية خلال الربع الأخير من السنة الماضية لتبلغ نسبة 500%. فيما يزيد من تفاقم هذه الأزمة الطاقية الخلاف الغربي الروسي، كوْن ست دول أعضاء تعتمد بشكل كامل على الغاز الروسي في تلبية حاجتها من هذه المادة، ومنها ثلاث دول تعتمد عليه في أكثر من ربع حاجتها من الطاقة حسب المفوضية الأوروبية.

إزاء هذا التقلب أعلنت باريس شهر يوليو/تموز الماضي زيادات في فاتورة الغاز بـ 10%، وقفزت فاتورة الكهرباء لتلامس سقف 300 يورو لكل ميغاواط/ ساعة. وللحدّ من زيادة أسعار الكهرباء بنسبة 4% خلال العام الجاري، أمرت الحكومة الفرنسية شركة الكهرباء "إي دي إف" ببيع الكهرباء الرخيصة للمنافسين، لتجنّب الغضب الشعبي وإبقاء الناخبين في صف الحكومة، قبل إجراء الانتخابات الرئاسية في أبريل/نيسان. كما تدخل في هذا الإطار الخطة التي أعلنها ماكرون بتعزيز استخدام الطاقة النووية.

فيما تمني أوروبا النفس بتحقيق "الحياد الكربوني" الكامل بحلول سنة 2050، وقبلها تخفيض انبعاثاتها من الغازات الدفيئة بـ55% بحلول 2030، في برنامج أطلقت عليه اسم "الاتفاق الأخضر". وقت إعلان هذه الأهداف، ساد جدل حول إمكانية اعتبار الاتحاد الغاز والطاقة النووية مصادرة مستدامة للطاقة النظيفة. إزاء ذلك سعت فرنسا للضغط على الاتحاد الأوروبي لحماية مصالحها النووية.

وحسب وثيقة سُرّبت وقتها من الاتحاد الأوروبي، يبرز اتفاق بين الحكومة الفرنسية وحكومات بولندا والمجر والتشيك، تدعم به الأولى استغلال الفحم البولندي وتدرج الغاز التشيكي "طاقة خضراء"، مقابل ذلك تقف تلك الحكومات إلى جانب فرنسا في إنعاش برنامجها النووي.

وعلى ما يبدو فإن الاتحاد الأوروبي على شفا الموافقة على طلبات تلك الدول المتحالفة، فحسب وثيقة داخلية حصلت عليها جريدة "فايننشال تايمز" فإن "المفوضية الأوروبية مهدت الطريق للاستثمار في محطات الطاقة النووية الجديدة على مدى العقدين المقبليْن على الأقل، وفي الغاز الطبيعي لمدة عقد على الأقل"، بمنحها "البطاقة الخضراء" للطاقة النووية. وتعارض كل من إسبانيا والنمسا والدانمارك ولوكسمبورغ صراحة هذا التوجه.

TRT عربي