يبدو أن فكرة اندلاع حرب باردة جديدة بين روسيا والغرب بسبب الأزمة الأوكرانية هي أمر مستبعَد حتى اللحظة، إذ يرى بعض المراقبين أن ما تفعله موسكو على الحدود الأوكرانية يمكن اعتباره تهديداً سياسياً أكثر من كونة تهديداً عسكرياً يستدعي خوف الغرب من وقوع حرب نووية شاملة لا يفوز بها أحد. لهذا فعلى الغرب تحضير ردع سياسي مماثل ورد اقتصادي لا عسكري.

ولعل أكثر ما تخشاه موسكو من حزم العقوبات غير المسبوقة التي تهدّد بفرضها الحكومات الغربية لردع فلاديمير بوتين عن غزو أوكرانيا، هو حظر روسيا من الولوج واستخدام النظام المصرفي العالمي المعروف اختصاراً باسم "سويفت" (SWIFT)، الذي يُعتبر شبكة أمنية مشددة تربط آلاف المؤسسات المالية حول العالم.

وردّاً على اقتراح المشرعين الأمريكيين إزالة روسيا من شبكة "سويفت" العالمية، هدّد كبار المشرعين الروس بأن شحنات النفط والغاز والمعادن إلى أوروبا ستتوقف إذا حدث ذلك، فيما أشار نيكولاي زورافليف، نائب المتحدث باسم مجلس الشيوخ الروسي، إلى أنه إذا حُظرت روسيا من استخدام "سويفت"، فإن عدم حصولها على عملات أجنبية سيوقف حصول المشترين، تحديداً الدول الأوروبية، على البضائع الروسية، وعلى رأسها النفط والغاز والمعادن والمكونات المهمة الأخرى.

ما نظام "سويفت"؟

تعتبر جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (SWIFT)، جمعية تعاونية بلجيكية تعمل وسيطاً ومنفذاً للمعاملات المالية بين البنوك في جميع أنحاء العالم.

تجدر الإشارة إلى أن فكرة "سويفت" نشأت مع نهاية الستينيات بالتزامن مع تطور التجارة العالمية، وتأسست في بلجيكا عام 1973 قبل بدء ممارسة نشاطها لتحلّ محلّ التلكس عام 1977. ويستخدمها الآن أكثر من 11000 مؤسسة مالية لإرسال رسائل آمنة وأوامر دفع.

يقع مقر "سويفت" في بلجيكا، ويديره مجلس إدارة من 25 شخصاً، بينهم إيدي أستانين رئيس مجلس الإدارة في مركز المقاصة الطرفية المركزي في روسيا. فيما تصف "سويفت" نفسها بأنها "أداة محايدة"، تأسست بموجب القانون البلجيكي، ويجب أن تمتثل للوائح الاتحاد الأوروبي.

ماذا تعني إزالة روسيا من نظام "سويفت"؟

ستجعل إزالة روسيا من نظام "سويفت" من المستحيل تقريباً على المؤسسات المالية إرسال واستقبال الأموال داخل أو خارج البلاد، الأمر الذي من شأنه أن يسبب صدمة مفاجئة للشركات الروسية وعملائها الأجانب، بخاصة مشترو صادرات النفط والغاز المقوَّمة بالدولار الأمريكي.

وكتبت ماريا شاجينا، الزميلة الزائرة في المعهد الفنلندي للشؤون الدولية، في ورقة بحثية العام الماضي لصالح مركز كارنيغي في موسكو: "سيؤدّي القطع إلى إنهاء جميع المعاملات الدولية، وإحداث تقلبات في العملة، والتسبب في تدفقات رأس المال الهائلة إلى الخارج". قدّر وزير المالية السابق أليكسي كودرين عام 2014 أن استبعاد روسيا من نظام سويفت سيؤدّي إلى انكماش اقتصادها بنسبة 5%.

وفي سابقة مماثلة، حُظرت البنوك الإيرانية من استخدام "سويفت" عام 2012 بعد أن فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليها بسبب البرنامج النووي للبلاد، الأمر الذي كبّد إيران خسائر بلغت نحو 50% من عائدات النفط، ونحو 30% من تجارتها الخارجية، وفقاً شاجينا.

من جانبها قالت الجمعية في بيان أصدرته الأربعاء، إن "سويفت جمعية تعاونية عالمية محايدة أُنشئَت وشُغّلَت للمنفعة الجماعية لمجتمعها"، وأضافت أن "أي قرار بفرض عقوبات على دول أو كيانات فردية يعود فقط إلى الهيئات الحكومية المختصة والمشرعين المعنيين". جاء هذا البيان في ظل عدم وضوح حجم الدعم بين حلفاء الولايات المتحدة لاتخاذ إجراءات مماثلة ضد روسيا، وسط تكهنات برفض بعض الدول التي تربطها علاقات تجارية كبيرة مع روسيا.

ما البدائل أمام موسكو؟

بالتزامن مع العقوبات الغربية التي تعرضت لها موسكو عام 2014، بعد ضمّها شبه جزيرة القرم في وقت مبكر من ذلك العام، اتخذت روسيا خطوات جدية لإنشاء نظام الدفع الخاص بها لتخفيف آثار الصدمة إذا ما تعرضت لحظر استخدام نظام "سويفت".

من ضمن هذه الخطوات كان إنشاؤها نظام الدفع الخاص بها الذي يحمل اسم "SPFS"، الذي به لآن قرابة 400 مستخدم، وفقاً للبنك المركزي الروسي. وهو النظام الذي يغطّي نحو 20% من التحويلات المالية المحلية في روسيا، وفقاً لشاجينا.

ولا تقتصر البدائل الروسية على النظام المحلي (SPFS)، بل يمكن استخدام نظام الدفع الصيني الجديد (CIPS) المستخدَم بين البنوك في الصين، بالإضافة لذلك، يرجح خبراء اضطرار موسكو إلى التوجه نحو استخدام العملات المشفرة.

TRT عربي