تحل اليوم الذكري الــ 234 علي ميلاد فيلسوف التشاؤم والإرادة، الألماني آرثر شوبنهاور، والذي ولد في مثل هذا اليوم من عام 1788 بمدينة دانزيج. 

والدته هي يوهانا شوبنهاور، ووالده هاينريك فلوريس شوبنهاور الذي مات منتحرا، وينحدر الأثنان من عائلتين أرستقراطيتين ألمانيّة وهولنديّة . 

وقال "نيتشه" عن شوبنهاور: "لقد عاش وحيدا في عزلة مطلقة ولم يكن لديه أصدقاء، وما بين الواحد المفرد واللاشئ تمتد الأبدية."

عاني آرثر شوبنهاور من حياة عائلية غير سوية، فقد أباه ولم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، ثم ناصبته أمه العداء الشديد حتي عاش بعيدا عنها، كما أنه لم يتزوج، ولم يحاول أن يتخذ له صديقا ماعدا كلب أسماه "الروح المطلق"..

ــ أثر والدته في حياته
لعبت "يوهانا" والدة آرثر شوبنهاور دورا كبيرا في تشكيل حياته، فقد كانت جميلة مثقفة ومتحررة وذكية، محبة ومقبلة علي الحياة بشكل كبير، وبعد وفاة زوجها هاينريك فلوريس شوبنهاور، أطلقت العنان لكل ما كان مكبوتا في داخلها من رغبات وطموحات دون الالتفات إلي أي عرف أو تقليد، حولت البيت إلي ما يشبه الصالون الثقافي، وجمعت فيه أهم الشخصيات الأدبية، كما أصبح البيت أيضا مرتعا لنزواتها الجنسية الجامحة، وبددت ثروة العائلة علي أهوائها وحفلاتها الصاخبة التي لا تنتهي.

كان"يوهانا" صاحبة ميول أدبية، مارسة كتابة الرواية والقصة، ونشرت بالفعل عددا من أعمالها، ساعدها في ذلك علاقاتها الشرعية وغير الشرعية مع أهل الفكر والأدب، وكان لابد أن تترك سلوكياتها أثرا عميقا في نفسية ولدها آرثر شوبنهاور، والذي لم يكن يعرف سابقا سوي الحياة الفاضلة في كنف أبيه أضف إلي ذلك تجاهل يوهانا المتعمد دائما لولدها آرثر بشكل مهين وفظ، بالتالي كل هذه الأمور أثرت بالسلب داخل الشاب، لذا كان من الطبيعي أن تدب بينهما خصومة، ما لبثت أن تحولت إلي كراهية وعداوة.

ومع ازدياد تجاهل يوهانا لآرثر شوبنهاور وتماديها في سلوك المجون وكثرة اعتراضات أرثر المتكررة، بدأت يوهانا تري أن وجوده في البيت ينغص عليها حياتها فقررت التخلص منه بإبعاده عنها.
عاش شوبنهاور في عار أمه التي أمعنت في تلطيخ سمعة العائلة، وكان في أحيان كثيرة يلومها ويتوسل إليها كي تكف عن هذا السلوك، لكن يوهانا كانت تزداد عنادا وعداوة وكراهية لولدها ، تتعمد أن تهينه أمام ضيوفها وتقلل من شأنه، في معاملة قلما رأينا في رجال الفكر والفلسفة والأدب مثيلا لها.  

ذات يوم عندما اشتد الخصام بين أرثر شوبنهاور وأمه وأثناء ما كان يلومها ويؤنبها في الطابق الثاني من البيت، بادرت في الهجوم عليه، ودفعته لترمي به من أعلي الدرج، ما أدي لإصابته بكدمات ورضوض في أنحاء جسمه، وكسر يده، وعندما نهض وهو يشعر بكل هذه الآلام في جسده شعر في تلك اللحظة أن كل ما في العالم لا يعدو كونه شرا محضا، ما دامت القسوة بلغت بالأم حد امتهان من ــ المفترض ــ أن يكون أعز ما لديها وهو ولدها.

ولم تكتفي يوهانا بما فعلته بولدها، بل قالت له وهو علي تلك الحالة: "أنك إنسان لا تحتمل، لا يمكن لأحد أن يعيش معك وقد أصبحت غير ذي نفع، ومن الخير ألا أري وجهك الكريه بعد اليوم أيها النكرة الذي يحسب نفسه مفكرا لمجرد نيله شهادة في الفلسفة، أما أنا فلي مالي وشهرتي. إنني مستعدة للتضحية بكل شئ كي لا أري وجهك البغيض الذي يجسد كل معاني الشقاء البشري." ولنا أن نتخيل وقع هذه الكلمات والقسوة علي شاب من أمه.