“نيف سينتي” لحن الصوم الناسك (١)


الله موجود في كل مكان، يحل فيه بعظمته وجلاله وسلطانه،ولكننا نتيجة ضعفنا البشري نتغير في الإحساس بالرهبة أمام الله وأمام هيكله المقدس، نتيجةً للظروف والأحداث، فلا نحس بقيمة الله ووجوده في أوقات كثيرة؛ ولذلك وضعت الكنيسة الطقوس والألحان الخاصة بفترة الصوم الكبير،لتعطي إحساس الانسحاق والتذلل والتقشف مع الميطانيات، حتى يضعف الجسد عن اهتماماته العديده وجبروته، وتنطلق الروح قوية لتصعد إلى الأعالي، للتتأمل في جلال الله أمام هيكله وأمام أبواب صهيون الجديدة،التي هي هيكل كنيسة العهد الجديد، ولهذا وُضِعَ هذا اللحن الذي يُمَثِل في موسيقاه حالة التقشف والنسك لحن “نيفسينتي” (أساساته في الجبال المقدسة)، لنُسبح به أمام باب الهيكل وقبل السجود والميطانيات، حتى نشعر بالخشوع والرهبة أمام الإله العظيم المُمَجَد والعادل.

والفكر العام الموجود في الصوم المقدس تبعاً لقراءات الكنيسة في هذه الفترة المباركة، يدور حول قبول التائبين من حيث توجيه نظرهم إلى الملكوت، والانتصار على الشهوات،وتسليحهم بوصايا الله، وتشديدهم، وإنارة الله لهم، إلى أنينتهي الصوم بأعظم عمل محبة فدائي صنعه الله للبشرية على الصليب، ليُعِيد التائبين إلى حضنه مرةً أخرى.

وتستخدم الكنيسة ألحان معينة في الصوم الكبير لتجديد الحماس الروحي لدى المؤمنين فتنتعش الروح بالصلاة بقوة ونشاط، وألحان أخرى تَحُث المُصلي الواقف بخشوع ووقار على التوبة والندم على خطاياه، وألحان تُعطيه الاحساس بالرحمة تجاه المحتاجين، وفيها يستجديالإنسان العطف والرحمة من خالقه، وألحان أخرى تجعله يتهلل بانتصاره على موت الخطية.

وبالنسبة لترتيب مكان اللحن في الليتورجية، يكون في الفترة التي تسمى فترة الاستعداد في أيام الصوم الكبير،دون أيام السبوت والآحاد، من (لبس ملابس الخدمة، وفَرش المذبح، و صلوات السواعي حتى صلاة النوم، وغسل الأيدي بالنسبة للكاهن، ثم تقديم الحمل، وصلاة الشكر، وبعدها يقال لحن نيفسينتي، وأخيرا الميطانيات مع الطلبات)، وإذا لاحظنا هذه الجزئية في القداس الإلهينجدها تدور حول فكرة الاستعداد، يستعد فيها الكاهن والشمامسة بملابس الخدمة، وفيها الصلوات الخشوعية،وغسل يدي الكاهن رمز الطهارة، وفيها تقديم الحمل الخبز والخمر الذين سيصيران جسد ودم رب المجد، وكل هذا يُعطينا فكرة عامة عن تأهيل النفس والمكان والمادة الذين سيصيرون مقدسين خلال صلوات القداس، وبالتالي فإن تأثير الميطانيات مع هذا اللحن الناسك أمام باب الهيكل،يُعطي حالة أكثر خشوعاً ونُسكاً واستعداداً روحياً تناسب حالة الصوم الفريدة.

من الملاحظات الطقسية الجميلة المحيطة باللحن، أن مع لحن “نيفسينتي” نقترب إلى باب الهيكل ونستعد للسجود والخشوع في حضرة الله، فكلمات اللحن تقول: “أن الرب أحب أبواب صهيون أكثر من جميع مساكن يعقوب “(مز78: 2)، ونلاحظ أيضأً وجود آية فوق باب الهيكل من المزامير تقول: “أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل بيتك وأسجد قدام هيكلك المقدس بمخافتك” (مز5: 7)، ويقول داود في مزاميره أيضاً: “لأن يوماً واحداً في ديارك خيرٌ من ألف،إخترتُ الوقوف على العتبة في بيت إلهي، على السكن في خيام الأشرار” (مز84: 10)، والوقوف والركوع والسجود همرمز للحب، فهو حب متبادل ما بين العبد وإلهه، فحين نسجد في حضرة الله نتخلى عن إحساسنا بذاتنا وكبرياءنا وعزة نفوسنا وكرامتنا أمام الله، وفي علاقة الحب يُخضع المُحِب إرادتَهُ لمَحبوبه ويقول بصدق: “أنا تحت أمرك” ويجاهد أن يوَحِد مشيئته مع مشيئة محبوبه، فنحن نحبه لأنه أحبنا أولاً كما يقول اللحن أحب الرب أبواب صهيون.

وعلى باب الهيكل نتذكر أننا على أعتاب باب الملكوت، فيه نطلب من الرب أن يفتح أمامنا ملكوته ويغرسنا فيه، ويكون لسان حالنا هلُم نصعد إلى جبل الرب إلى بيت إله يعقوب فيعلمنا طرقه ونسلك في سبله، لأن من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب (إش 2: 3) واللحن هنايوجه أنظارنا إلى أن “أساساته في الجبال المقدسة”.

وفي الصوم الكبير تكون روح التذلل والإنسحاق مقترنة بالركوع والسجود فوضعت الكنيسة نظام الميطانيات (وهي كلمة يونانية معناها خضوع أو توبة) التي يقول عنها القديس باسيليوس الكبير: ” كل مرة نسجد فيها للأرض نشير إلى كيف أحدرتنا الخطية إلى الأرض، وحين نقوم منتصبين نعترف بنعمة الله ورحمته، التي رفعتنا من الأرض وجعلت لنا نصيباً في السماء”، ومع سجودنا أمام باب الهيكل يقول الكاهن نقف ثم نحني ركبنا فنرد عليه قائلين إرحمنا يا الله ضابط الكل….إرحمنا يا الله مخلصنا…..إرحمنا ثم إرحمنا.

وللمقال بقية إن شاءالله

لينك لحن نيفسينتي

تاريخ الخبر: 2022-02-24 09:21:09
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 56%

آخر الأخبار حول العالم

بعائد يصل لـ28.25%.. تفاصيل أعلى 5 شهادات متغيرة في البنوك - اقتصاد

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-17 06:20:56
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 61%

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (١٧)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-17 06:21:27
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 67%

سعر الريال السعودي اليوم الجمعة 17-5-2024 في البنوك - اقتصاد

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-17 06:20:57
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 65%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية