تحدث الأستاذ محمد حمداوي عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان عن “أسباب ارتفاع الأسعار” في المغرب، و إجراءات الحد منها، وذلك في شريط بثه في قناته بموقع “يوتيب”، معتبرا أن أهم هذه الأسباب هو “تنصل الدولة من مسؤوليتها في التسعير”.
واعتبر حمداوي أن الأصل في الإسلام هو حرية السوق، ولكن ضمان العدل في ظل الجشع أولى من الحرية التي لا تراعي حرمة للمسكين ولا رحمة للفقير. ومن ذلك صندوق المقاصة الذي كان يغطي خصاصا كبيرا جدا، وكانت قيمته ما يقارب 5 ملايين دولار، لكنه أفرغوه فأصبحت فيه أقل من 3، وما أزيل منه لا بد من تعويضه بهذه الزيادات في المواد الأساسية.
وتحدث حمداوي من هذه الأسباب عن “سرقة المال العام للأمة”، موضحا أن بلادنا فيها إنتاج وافر لكن نسبة كبيرة من أموال هذا الإنتاج تسرق وتعوض بما يضاف في الأسعار.
وشدد المتحدث على أن ما يهرب من أموال البلد لا يخفى على متتبع وهو ما يسبب العوز واختلال التوازن الاقتصادي. ولنَعلمَ حجم كارثة سرقة المال العام ذكر حمداوي أن تقريرا للأمم المتحدة “تكلم عن المال المهرب في كثير من الدول ومنها المغرب، فذكر أن معدل 8 ملايير دولار حجم المال الذي يهرب خارج المغرب سنويا”، وعلق حمداوي بقوله: “هذا الرقم الخيالي هو تقريبا عشر الناتج الداخلي الخام للبلد بأكمله. وكل ذلك نتيجة عدم المراقبة والفساد، والتسيب في أمر مال الأمة.”
وزاد موضحا أنه “إذا كانت قيمة الصادرات التجارية تبلغ 4 مليارات دولار فإن هذا معناه أن هذا الرقم لا يدخل إلى المغرب أصلا، فضلا عن 4 أخرى مرتبطة بالمعادن والصيد البحري وغيرها…”. وهو ما يعني أن هذا الرقم يحسب على أنه صادرات لكنه في الواقع لا وجود له، وبالتالي طبيعي أن يؤثر على ارتفاع الأسعار بشكل مباشر.
وذهب إلى أن حجم الصادرات يقارب 2.5 مليون طن، وما يقارب أقل من 3 مليون طن يوزع في السوق الداخلية، أي أن ما يقارب نصف الإنتاج يصدر إلى الخارج، ولو كانت عائداتها وأرباحها تدخل إلى المغرب ويستفيد منها الشعب في القطاع الفلاحي لما وجدنا هذا الارتفاع المهول للأسعار، لأن ما قارب درهم ونصف على أقل تقدير ستنقص في سعر كل كيلوغرام من الخضر والفواكه.
وأوضح المتحدث أن “تفريط الأمة في الحض على طعام المسكين”، لا يمكن إلا أن يكون سببا من تلك الأسباب، معتبرا أن الله تعالى أمر في كتابه بالحض عليه مصداقا لقوله تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ (الماعون)
فالدين الإسلامي –يقول حمداوي- شامل لكل مجالات الحياة، ومنها هذا المجال الحيوي في التكافل والحض على إطعام المسكين والاهتمام باليتيم، فجعل الله تعالى التفريط في حقوق الأيتام والمساكين في ميزان من يكذب بالدين، وهو ما يعني أن الأمر جلل.
ولم يغفل حمداوي في حديثه “الظلم المنتشر في البلاد وغياب العدل”، لأنه مع غياب العدل يغيب العنصر الأساسي وهو تكافؤ الفرص في طلب الرزق، وتطغى المحاباة والزبونية في العمل والمناصب، وأوضح أن ذلك ليس عاما ولكنه موجود في البلاد ويعرفه الجميع.
وأضاف حمداوي من تلك الأسباب ما عبر عنه بـ “جشع الحاكم في الجمع بين السلطة والثروة”، معابرا أن دخول الحاكم إلى معترك المنافسة التجارية بشركاته يعد مكمن المشكل الحقيقي، لأنه يفترض أن من أراد أن يمارس التجارة لا بأس في توجهه إلى سوق الأعمال لكن أن تجمع بينهما فإن منطق المنافسة معك لا تستقيم لأنك تملك السلطة وستستأثر بكل الصفقات وإن لكم تكن تقصد ذلك.
وجعل حمداوي “غياب دفع الزكاة” سببا آخر من هذه الأسباب، موضحا أن زكاة الأغنياء التي فرضها الله، من شأنها أن تسد عوزا كبيرا عند فقراء الأمة وهذا حقهم، مردفا أن بعض الأغنياء يؤدون هذا الفرض بشكل أو بآخر، لكن غياب تنظيمها وجعلها في أيد أمينة لكيلا تلحق هي الأخرى بالأموال المهربة، حرم الأمة من باب كبير من شأنه يسهم في إشكالات كبيرة.
