يمثل القطاع العقاري في المملكة جزءا مهما من الفرص الاستثمارية للاقتصاد الوطني، وقد عزز من متانة هذا القطاع العمل الكبير على تنويع مصادر الدخل بما في ذلك القطاع السياحي والخدمات اللوجستية، إضافة إلى دعم قطاع النقل واستقطاب الاستثمارات الأجنبية والمشاريع الكبيرة الخاصة بالبنية التحتية، والتحسن الكبير في النشاط الاقتصادي، خصوصا الفترة الحالية بعد تعافي الاقتصاد -بحمد الله- من أزمة كوفيد - 19، علاوة على التحسن في أسعار الطاقة خلال الفترة الحالية، والتطور الكبير في القطاع المالي الذي أصبح داعما بصورة كبيرة للقطاع العقاري من خلال التنوع في الاستثمارات من خلال الصناديق الاستثمارية في القطاع العقاري، أو الاستثمارات من خلال الصناديق العقارية المتداولة ذات الدخل الريت.
كل هذا في نهاية المطاف يخدم القطاع العقاري بما يؤدي إلى الاستدامة في النشاط العقاري والوصول إلى أن يسهم بما يقارب 9 في المائة في الناتج المحلي، كما أن وزير الشؤون البلدية والإسكان صرح أنه سيتم ضخ 500 ألف منتج تمويلي خلال الأعوام المقبلة، ما يعني أن هناك دعما من قطاع التمويل للنشاط العقاري خصوصا قطاع الإسكان بصورة مباشرة والقطاع العقاري بصورة عامة، ومن المعلوم أن القطاع العقاري وقطاع الإنشاءات يدعمان بصورة عامة مختلف الأنشطة الاقتصادية بصورة مباشرة وغير مباشرة ويدعمان النمو للاقتصاد في عموم البلاد.
الاستدامة في أي نشاط مهمة ومن خلال تجارب ماضية ورغم أهمية القطاع العقاري إلا أن التقلبات التي يمر بها تؤثر بصورة كبيرة فيه، ومن هنا فإن تحقيق استدامته بما يحقق الاستقرار له وللأنشطة الأخرى المرتبطة به أمر مهم للاقتصاد الوطني. في المرحلة الحالية يواجه هذا القطاع مجموعة من التحديات التي يمكن في أي مرحلة أن تؤثر في هذا النشاط ونموه مستقبلا بالصورة التي يتطلع لها الاقتصاد في المملكة، ولذلك فالمرحلة الحالية تتميز باعتماد برامجها على أدوات الاستدامة وهي جزء من الاتجاهات العامة لرؤية المملكة، بحيث يكون هناك عمل على التنوع في مصادر الدخل الذي تحقق جزء كبير منه، كما أن برامج وزارة الإسكان تعتمد على الاستدامة في جوانب متعلقة برسوم الأراضي البيضاء التي لها دور في الدفع بزيادة المعروض العقاري، إضافة إلى العمل على تشجيع التمويل، وهذا بدوره يعزز من حجم النشاط العقاري واستفادة المجتمع من التمويل لتسهيل عملية تملك السكن في وقت مبكر، كما أن الإصلاح في الأنظمة والبرامج الخاصة بالبناء سينعكس أثرها في المستقبل القريب على كفاءة المشاريع السكنية، ولعل العنصر الأهم في هذه المرحلة هو العمل الجاد والكبير على تطوير طرق البناء وتقنياته وتطوير شكل الأحياء السكنية بما يعزز من جودة الحياة.
التحديات التي تواجه هذا القطاع متنوعة بدءا من الارتفاع الكبير في الأراضي السكنية التي تضاعفت أسعارها في المدن الكبرى، ما سيزيد من قيمة المنتجات العقارية، الذي قد يؤثر في قدرة الأفراد على الشراء وبالتالي يتجه هذا القطاع إلى شيء من الضعف في القطاع السكني خصوصا تزايد عدد السكان في المدن الكبرى وارتفاع تكلفة السكن فيها، ومن التحديات الارتفاع في تكلفة القوى العاملة في قطاع الإنشاءات والتشوهات في قطاع الإنشاءات، التي ترجع إلى أن كثيرا يعملون بصورة غير نظامية، وبعد الإجراءات الحالية الخاصة بمحاربة التستر. البعض لم يصحح وضعه في العمل، ما قد يؤدي إلى انخفاض الأعداد وتأثيرها في بعض المشاريع الفردية، كما أن الارتفاع المتوقع في تكلفة التمويل يمكن أن تؤثر في ارتفاع تكلفة الوحدات السكنية النهائية إضافة إلى التضخم الذي تعانيه الأسواق حاليا حول العالم، والمواد التي تدخل في أعمال الإنشاءات ارتفعت بصورة واضحة خلال الفترة الماضية.
الحقيقة أن برامج وزارة الإسكان جعلت هناك تنوعا في الاختيارات بما يخفف من أثر هذه التقلبات، ففي الوقت الذي ارتفعت فيه تكلفة البناء والأراضي وغيرها دعمت مشاريعها كثيرا من المواطنين للتملك في مشاريعها التي أصبحت تتوسع فيها بصورة كبيرة في مختلف مدن المملكة، وتعد أسعارها حاليا مناسبة لشريحة كبيرة من المستحقين للدعم السكني، كما أن آلية التمويل التي طورتها الوزارة بالتعاون مع الجهات التمويلية تساعد كثيرا على الاستفادة منها دون وجود تكلفة في حصة كبيرة منها، والاستمرار في متابعة السوق وتفعيل مراحل رسوم الأراضي البيضاء سيخففان من حدة الارتفاع في أسعار الأراضي وإن كان الأثر بطيئا نسبيا لوجود الحاجة إلى وقت لتطوير الأراضي الخام التي تدخل في نطاق رسوم الأراضي البيضاء.
فالخلاصة أن التحديات التي تواجه استدامة النشاط العقاري متنوعة، وهنا تأتي أهمية معالجة كل واحد منها بما يعزز من استدامة النشاط العقاري ويحقق نموا لإسهامه في الناتج المحلي للاقتصاد الوطني.
نقلا عن صحيفة "الاقتصادية".
