لازالت الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وإسبانيا ترخي بثقلها على العلاقات بين المملكتين، سواء في جانبها السياسي أو الاقتصادي، بالنظر إلى طول وعمق هذه العلاقات على مدى سنوات طويلة، مما جعل الرباط تطالب من مدريد موقفا واضحا بخصوص قضية الصحراء المغربية.
فبعد الخطوة الأولى للرباط وقف التهريب بكل من سبتة ومليلة المحتلين اتجاه المغرب، وما تبعها من صعوبات اقتصادية جراء جائحة كورونا، بدأت السلطات المغربية بفتح مناطق صناعية وتجارية بالقرب من المدينتين السليبتين، حيث تم تسلمي العديد من المحال التجارية والمناطق الصناعية من أجل البداية في ممارسة الأنشطة الصناعية والتجارية بهذه المنطاق.
في الإطار ذاته، كشف تقرير صادر عن المركز المغربي للذكاء الإستراتجي، بعنوان “أي مشروع اقتصادي بديل ومستدام للجهات المغربية المحاذية لإسبانيا؟”، أن قيمة صادرات مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين اتجاه المغرب يعادل ما تقوم اسبانيا بتصديره نحو إستراليا بشكل كامل.
وأضاف المصدر نفسه، أن تقديرات المديرية العامة للجمارك والضرائب غير المباشرة، فيما يخص حجم معاملات “التهريب” من “سبتة نحو الفنيدق” يتراوح ما بين 6 و8 مليارات درهم، مشيرا إلى أنه فيما يتعلق بالضرائب، فإن مليلية المحتلة انتقلت من جمع 52 مليون يورو كضرائب في 2019 إلى 35 مليونا في 2020.
في هذا السياق، قال أستاذ العلاقات الدولية في الكلية متعددة التخصصات بالناظور، محمد الغلبوزي، إن النقطة الخلاف الرئيسية الآن بين المغرب وإسبانيا هي مسألة الصحراء المغربية، مضيفا أن العلاقات الإقتصادية لازالت مستمرة وتجمع بين البلدين.
وأبرز الغلبوزي في تصريح لـ”الأيام24″ أن إغلاق الحدود البرية بين المغرب وإسبانيا هي “مسألة مؤقتة”، مشيرا إلى أن من أهم أسباب الإغلاق هو “جائحة كورونا والتي بدأت العديد من دول العالم بوقف الاجراءات الاحترازية التي أقرته سابقا وهو ما سيساعد في إعادة فتح الحدود بين المملكتين المغربية والإسبانية في وقت قريب بالنظر إلى الإجراءات التي كانت تقوم بها السلطات الاسبانية “.
وأشار المتحدث ذاته، إلى أن الملك محمد السادس، قد أكد في خطابه أن “هناك تقدم ملموس على مستوى المفاوضات بين المغرب وإسبانيا”، مشيرا إلى إسبانيا “قامت بتليين مواقفها مؤخرا في اتجاه قضية الصحراء المغربية، وهو ما يدل على أن هذا المشكل يسر نحو طريق الحل والتسوية”.
وأبرز استاذ العلاقات الدولية، أن مدريد تأكدت من أن عودة العلاقات مع الرباط بشكل قوي واستراتيجي ينطلق من إعادة النظر في موقفها اتجاه الصحراء المغربية، وهو ما يبرز حسب البلغوزي، في “تصريحات كل من رئيس الحكومة الإسبانية ووزير خارجيتها، خصوصا بعد لقائه وزير الخارجية الأمريكي، وتأكيد هذا الأخير على دعم واشنطن الصريح لمغربية الصحراء، ما دفع إسبانيا إلى بداية إعادة النظر في موقفها الرمادي اتجاه المغرب”.
وأكد المتحدث عينه، أن “المحادثات بين الجانبين المغرب وإسبانيا لا زالت مستمرة والتي لم تنقطع، سواء منها المحادثات الرسمية والغير رسمية”، مؤكدا أن “تضرر إسبانيا الكبير من غلق الحدود مع المغرب، وخصوصا في الجنوب مثل الأندلس وكذا الخزيرات وخيرونا تفرض على الدول تغيير مواقفها السياسية والنظر في الجانب الإقتصادي”.
وفيما يتعلق بمحاربة التهريب نحو المغرب، أكد الغبوزي، ان هذا قرار سيادي مغربي لا رجعت فيه، وهو ما جعل السلطات تقوم بإنشاء مناطق اقتصادية لاستيعاب اليد العاملة التي كانت تشتغل في الاقتصاد الغير مهيكل خاصة في “التهريب المعيشي”.
وجرى يوم السبت 12 فبراير 2022، بضواحي مدينة الفنيدق، افتتاح منطقة الانشطة الاقتصادية والتجارية التي لا تبعد سوى مسافة قصيرة عن مدينة سبتة المحتلة، بحضور 53 تاجرا تم انتقائهم عبر طلب إبداء الاهتمام، ليكونوا هم النواة الأولى لانطلاق عمل هذه المنطقة في شطرها الأول.
وشهد الافتتاح حضور عدد من المسؤولين ورجال السلطة التابعين لجهة طنجة تطوان الحسيمة، حيث تم اعطاء الانطلاقة الرسمية لهذه المنطقة التي تم تشييدها على مساحة 10 هكتارات، مكونة من مخازن ومحلات السلع، إضافة إلى مرافق وتجهيزات أخرى لوجيستيكية.
ووفق برنامج المشروع الذي تم إنجازه بكلفة 200 مليون درهم، فإن نسبة 65 بالمائة من مجموع المرافق الاقتصادية والتجارية بهذه المنطقة، هي مخصصا للتجار ومهنيي مدينة الفنيدق، باعتبار أن الفنيدق هي الأكثر تضررا من الكساد الاقتصادي بعد إغلاق معبر باب سبتة المحتلة، في حين نسبة 20 بالمائة ستذهب إلى تجار تطوان والمضيق، و15 بالمائة لتجار سبتة المحتلة الذين كانوا يشتغلون سابقا في منطقة تراخال داخل سبتة المحتلة.
