تمتلئ مواقع التواصل الاجتماعى بالعديد من الاستغاثات القادمة من أوكرانيا، سواء لطلاب عالقين داخل الحدود ولا يجدون أى وسيلة لنقلهم خارج البلد الأوروبى الذى يشهد حربًا عاصفة، أو آخرين ما زالوا هناك وغير قادرين حتى على التحرك ناحية الحدود، مع نفاد ما لديهم من طعام وشراب، أو ضياع أوراقهم الثبوتية جراء القصف، وانقطع الاتصال بينهم وبين ذويهم، فتصدر القلق المشهد.

وفى ظل كل هذه المشاهد الصعبة، تجمع عدد من الشباب المصريين حول العالم، عبر العديد من «المجموعات» على «فيسبوك»، وقرروا العمل معًا من أجل إنقاذ العالقين، تحت مبادرة واسعة أطلقوا عليها: «غرفة عمليات إدارة أزمة إجلاء الجالية العربية فى أوكرانيا».

فى السطور التالية، تتحدث «الدستور» مع عدد من هؤلاء الشباب، للتعرف على الجهود التى قدموها فى هذا الإطار خلال الفترة الماضية، وطريقة عملهم بشكل جماعى يحقق أهدافهم الأساسية، وغيرها من التفاصيل.

هيثم محسن: نسهل التواصل بين الفارين من الحرب بالسفارات

قال هيثم محسن، مسئول عن إدارة عمليات التشغيل فى إحدى الشركات الخاصة، إنه ومجموعة كبيرة من المصريين، المقيمين فى مصر وعدة دول أخرى حول العالم، قرروا تكوين «فريق مصرى» على مستوى العالم، لتقديم الخدمات للجاليات العربية المقيمة فى أوكرانيا، ومساعدتهم على الخروج من هناك بسلام، وذلك تحت مسمى «مبادرة غرفة عمليات إدارة أزمة إجلاء الجالية العربية فى أوكرانيا».

وأضاف «محسن»: «الهدف الأساسى للمبادرة هو مساعدة الجاليات العربية فى كل شىء، والعمل على إعادتهم إلى أهاليهم بسلام، وكذلك كحلقة وصول بين هؤلاء وعائلاتهم فى بلدانهم العربية، لطمأنة الأسر بأن أبناءهم بخير».

وكشف عن أن «من ضمن الحالات التى تعاملنا معها مواطنًا وزوجته وأولاده فقدوا أوراقهم خلال عمليات القصف، وخشى أن تكون هذه النهاية، وأن يصبح مصيره عدم الخروج من أوكرانيا، لكن شقيقه تواصل معى لفقده الاتصال به، وبفضل المبادرة نجحنا فى الوصول إليه وتوجيهه إلى سفارته، لاستخراج بدل فاقد، وبالتالى تمكينه من السفر».

وأضاف أن هناك حالة أخرى لفتاة فى كلية الطب، انقطع التواصل بينها وبين والدتها، لكن المبادرة نجحت فى الوصول إلى الفتاة والمتابعة معها حتى وصلت إلى حدود رومانيا، ومنها عادت سالمة إلى أرض الوطن.

وبَين أن التواصل بينهم وبين الحالات أو الأهالى يتم من خلال الهاتف أو تطبيقى «واتس آب» و«تليجرام».

روان عاطف:مجموعات إلكترونية للتواصل مع العالقين 

كشفت روان عاطف، طالبة فى كلية الطب بإحدى الجامعات الألمانية، عن وجود تعامل مباشر بين المبادرة وسفارات الجاليات الراغبين فى إجلائها من أوكرانيا، لكنهم يوجهون إياهم إليها، ليتمكنوا من خلالها للعودة إلى بلادهم سالمين.

وقالت «روان»: «نتواصل مع العالقين من خلال المجموعات الإلكترونية التى دشناها على تطبيقى واتس آب وتليجرام، ونلعب دور حلقة الوصل بينهم وبين أهاليهم الذين يعيشون فى حالة مستمرة من الرعب والقلق على أبنائهم، إلى جانب مجموعات أخرى على فيسبوك، مثل (TravelSecret Club)».

وتذكرت أصعب المواقف التى مرت عليها مع العالقين، قائلة: «كان هناك شخص وزوجته يقطنان منطقة عسكرية من أوائل المناطق التى تم قصفها، وضاعت كل أوراقهما الثبوتية، وظن أنه سيظل أسيرًا فى تلك البلاد بلا أى مفر، حتى وضع استغاثته على إحدى مجموعاتنا، فتواصلنا معه وأرشدناه لطريق الخروج إلى بولندا، حيث يمكنه استخراج بدل فاقد من سفارة بلده، وبالتالى العودة إلى وطنه».

كما تذكرت حالة فتاة خشيت السفر لأى دولة حدودية، وانقطع اتصالها مع والدتها، فنشرت الأم استغاثة، وبناءً عليها تم التواصل مع الفتاة وإقناعها بالسفر مع زملائها، حتى عادت بالفعل إلى أحضان والدتها.

آلاء العنانى: مجهوداتنا شخصية وتجمعنا على «فيسبوك وواتس آب»

آلاء أحمد العنانى، طالبة فى المرحلة الثانوية، رأت أن الوطنية تفرض عليها المشاركة فى نجدة المصريين والعرب العالقين فى أوكرانيا، عبر الانضمام لمجموعة من المتطوعين، والتواصل مع الطلاب العرب هناك، لمساعدتهم على العودة إلى أوطانهم.

تقول «آلاء»، لـ«الدستور»: «هى مجهودات شخصية، بدأت بإحساس مشترك بضرورة المساهمة فى إنقاذ الإخوة العرب وليس المصريين فقط»، موضحة: «تواصلنا عبر مجموعات إلكترونية على تطبيقى فيسبوك وواتس آب، فهذا هو السبيل الوحيد للتواصل مع الشباب هناك.. وتضافرت الجهود واستطعنا تحقيق نجاحات».

وتحكى: «أول طالب ساعدناه كان يائسًا وخائفًا، قال لى إن القصف مستمر فوق رأسه، وإنه يشعر بأنه سيموت هناك، فطمأنته ونجحت فى إمداده برقم هاتف سائق هناك، ساعده على الوصول إلى الحدود الرومانية»، وتضيف: «هناك شاب آخر نجح فى الوصول للحدود البولندية، وكاد أن يموت بسبب نقص الطعام وانخفاض درجة الحرارة، فساعدته فى الوصول إلى طالب عربى آخر فى نفس المنطقة.. تشاركا الطعام والثياب وتمكنا من النجاة».

وأوضحت أن أكبر المشكلات التى تقابل الطلاب هناك نفاد الطاقة من هواتفهم، وفى هذه الحالة يجرى توجيه الطالب قبل انقطاع الشحن بالتوجه إلى مكان معين، لملاقاة طالب آخر، ليساعده فى استكمال رحلته.

مريم السايح: تدريب المتطوعين على التعامل مع «اليائسين»

مريم السايح، من أعضاء المبادرة، وهى عضو منتخب باللجنة العليا لاتحاد الصحفيين القومى ببريطانيا، عن فرع العمل الحر، قالت إن أكثر المشكلات التى واجهتها هى حالات الفزع التى تصيب العالقين هناك من العرب «قد تفشل جهود الإنقاذ بسبب مرور العالق بأزمة نفسية واكتئاب ويأس».

وأضافت «مريم»: «لحل هذه المشكلة، نظمنا ورشة عمل لتعليم المتطوعين طريقة التعامل مع اليائسين، وفقًا لمعايير الصليب الأحمر فى التعامل مع حالات اكتئاب ما بعد الصدمة لنازحى الحروب والكوارث الإنسانية»، وتابعت: «المشكلة الأخرى كانت فى مدينة خيرسون، حيث واجه الطلاب العرب صعوبة فى استخدام الهواتف، لوجود أزمات فى الشبكات».

وأوضحت: «قررنا أن نشارك فى عمليات الإنقاذ، والمتطوعون فى هذه المبادرة يعيشون فى دول مختلفة، منها ألمانيا وبريطانيا ومصر والمغرب والتشيك، ومن بينهم أطباء واستشاريون نفسيون»، مؤكدة: «معنا متطوعون من جميع الدول المجاورة لأوكرانيا، مثل سلوفاكيا والمجر ومولدوفا ورومانيا وبولندا».

وتابعت: «أصعب الحالات التى واجهتنى، كانت شابة يمنية، لم تتمكن هى وأخوها من السفر إلى بولندا، فتواصلت من خلال وسيط مع السفارة اليمنية بلندن، والتى نسقت بين الطالبة والسفارة اليمنية فى بولندا لنجدتها».