شهدت منطقة شرق المتوسط تطورين مهمين مؤخراً، أولهما سحب الدعم الأمريكي من مشروع خط أنابيب شرق البحر المتوسط ​​المعروف باسم "إيست ميد"، والثاني هو الحرب الروسية-الأوكرانية.

وبالنظر إلى التطورات السياسية، يبدو أن انهيار مشروع خط أنابيب شرق البحر المتوسط قد غير ترتيب القضايا المهمة في المنطقة، فبعد انقطاع طويل، يمكننا القول إن الدبلوماسية استعادت دورها الذي يضفي المرونة على حركة الأطراف الفاعلة في المنطقة.

فقد سعت اليونان خلال السنوات التي حظي فيها خط أنابيب شرق البحر المتوسط بدعم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لحشد القنوات الدبلوماسية من أجل "عزل وتحييد" دور تركيا في المنطقة.

بطبيعة الحال أثّر هذا الوضع سلباً في دور الدبلوماسية وتعميق النزاعات.

ودفع هذا الوضع باليونان والإدارة القبرصية الجنوبية إلى الضرب بالعمل الدبلوماسي عرض الحائط، والجنوح نحو التعنت وفرض سياسة الأمر الواقع.

ورغم جميع التحديات السياسية والعسكرية من خصومها، تمكنت تركيا من تجاوز هذه الفترة بفضل خبرتها في إدارة الأزمات، وحماية حقوقها القانونية ومصالح القبارصة الأتراك.

وفي الوقت الذي كان العالم فيه يناقش قضايا تتعلق بضرورة بناء نظام عالمي جديد، كان من المفهوم، وإن كان متأخراً، أن تهميش تركيا عزز الفرص الجيوسياسية لروسيا والصين وقدرتهما على زعزعة الخريطة الجيوسياسية للمنطقة.

تركيا تحفظ التوازن

ومع التغيير السريع في المشهد الجيوسياسي الدولي، كُشف مرة أخرى عن دور تركيا الحيوي في أمن الطاقة والدفاع بأوروبا.

هكذا بدأت القوى الغربية إعلاء لغة المديح بدلاً من الحملات الآيديولوجية والجيوسياسية المناهضة لأنقرة، التي سادت خلال السنوات الماضية.

أدّى اتباع موسكو أسلوب القوة الخشنة إلى مناقشة سلبيات اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز والنفط الروسي وضرورة تحرير أوروبا من ذلك في أقرب وقت، وفق تصريحات صادرة عن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "ناتو" والاتحاد الأوروبي.

وأوروبا تدرك جيداً أن تركيا تُعتبر الطريق الأكثر أماناً في إيصال موارد الطاقة من بحر قزوين والشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط ​​إلى القارة، فضلاً عن أهميتها في أمن الطاقة والدبلوماسية الأوروبية، وتزايد ثقل أنقرة أيضاً في إطار الجهود المبذولة لتطوير السياسات العالمية.

ويمكن القول إن القدرات الدبلوماسية لا تقل أهمية عن الجغرافيا السياسية، وقد تمكنت أنقرة من قيادة دبلوماسية متعددة الأوجه في المنظمات الدولية الرائدة مثل الأمم المتحدة، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وحلف شمال الأطلسي، والاتحاد الإفريقي، ومنظمتَي "الدول التركية" و"الدول الإسلامية"، مما سمح لتركيا بتوسيع حدود قدرتها الدبلوماسية، وزاد ثقلها وفاعليتها.

ومع الجوانب والخطوات القوية التي اتخذتها في مجال الصناعات الدفاعية، عززت تركيا دورها الرئيسي في الحفاظ على النظام الأوروبي، وتدرك أوروبا هذه الحقيقة عندما تقيّم احتياجاتها الاستراتيجية بشكل صحيح، وينطبق الشيء نفسه على إسرائيل واليونان وأرمينيا.

تعاون لا عداء

في هذا الإطار تأتي زيارتَي الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ ورئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميتسوتاكيس إلى تركيا، اللتين كانتا مهمتين لحل المشكلات الإقليمية من خلال الحوار وفتح الباب أمام فرص التعاون الإقليمي، لا سيما أن العالم يكافح للحدّ من آثار الأزمة الاقتصادية الناجمة عن وباء كورونا، والتداعيات السلبية للأحداث في أوكرانيا.

حتى اليوم تسببت سياسات الغرب القائمة على العداء لتركيا بأضرار وتضييع للوقت والفرص، من الواضح أن استراتيجية عدم التعاون مع أنقرة في قضايا شرق المتوسط ​​والشرق الأوسط لم يكتب لها النجاح، وهنا تتمثل مهمة الاتحاد الأوروبي والناتو والولايات المتحدة في تنسيق اجتماع الأطراف حول المصالح المشتركة بناءً على هذه الحقيقة.

ورغم وجود ظواهر واضحة على أهمية نبذ العداء وإيجاد مساحات للتعاون، لكن القادة السياسيين في دول المنطقة بحاجة إلى تبنّي شعور قوي بالانتماء والمسؤولية والاستجابة لتوازنات التعاون، بخاصة أن الهوّة بين مجالات التعاون ونظيرتها التي تتعارض فيها المصالح قد تعمقت خلال السنوات الماضية بسبب الدبلوماسية الخاطئة وتغليب اللغة السياسية القائمة على التعنّت بدل التعاون.

TRT عربي - وكالات