مع استمرار النزاع المسلح بين روسيا وأوكرانيا وتصاعد حدته، تحدثت تقارير إعلامية مؤخراً عن اندلاع حرب جديدة بين الطرفين، على جبهة مفتوحة لا تقلّ خطورة عن جبهات المعارك العسكرية، وتتمثّل في حروب الفضاء السيبراني والعالم الرقمي.

كانت كبرى الشركات الإعلامية والتقنية ووكالات الاستخبارات رصدت وابلاً من التحركات والهجمات الإلكترونية المستعرة بين روسيا وأوكرانيا، التي تصاعدت على أثرها مخاوف المجتمع الدولي، من عدم القدرة على ضبط هذا النوع من حروب العصر الحديث.

وعلى الرغم من أن روسيا كانت تُعَدّ لفترة طويلة من أبرز وأهمّ الأطراف الدولية المسيطرة على هذا الفضاء، الذي بات يُعَدّ بالنسبة إليها إحدى أهمّ أذرع الصراع مع الخصوم والمنافسين، إلا أن أوكرانيا يبدو أنها تمكنت بفضل التعاطف والتضامن الدولي معها عقب الهجوم العسكري الروسي، من تكوين جيش إلكتروني يضمّ آلاف المتطوعين لمواجهة الروس، علاوة على المقاتلين المتطوعين الذين شاركوها في حمل السلاح.

أوكرانيا تؤسس جيشاً إلكترونياً

منذ شنّ روسيا هجوماً عسكرياً على شرقيّ أوكرانيا الشرقية عام 2014، عملت حكومة كييف على بناء قطاعها التكنولوجي وتحصين بنيتها التحتية ضدّ الهجمات الإلكترونية الروسية.

فأنشأت عام 2019 وزارة للتحول الرقمي لجذب شركات التكنولوجيا من الخارج وتطوير نظام بيئي للشركات الناشئة محلياً، لإنهاء اعتمادها على التكنولوجيا الروسية. ويبدو أن هذه الجهود آتت ثمارها خلال الحرب الحالية.

فوفق ما أفصح عنه أولكسندر أليكس بورنياكوف نائب وزير التحول الرقمي في أوكرانيا، وأحد الشخصيات الحكومية التي تقف وراء حرب أوكرانيا الرقمية مع روسيا، في حديث مع صحيفة "بوليتيكو"، عملت وزارة التحول الرقمي منذ بدء الهجوم العسكري الروسي الشهر الماضي، مع شركات وسائل التواصل الاجتماعي، لمكافحة الدعاية الروسية في الحرب.

إذ طالب نائب رئيس الوزراء ووزير التحول الرقمي الأوكراني ميخايلو فيدوروف، شركة ميتا بحظر الدخول من روسيا على موقعَي التواصل الاجتماعي فيسبوك وإنستاغرام. كما طلب إلى جانب عديد من المسؤولين، من شركات التكنولوجيا، التي يعتمد عليها كثيرون في الحصول على المعلومات وموادّ الترفيه، بأن تلعب دوراً فعَّالاً في الحرب.

وقال فيدوروف: "نحتاج إلى دعمكم، قد تكون التكنولوجيا المتقدمة خير ردّ على الدبابات وبطاريات الصواريخ المتعددة في 2022".

وفعلا استجاب عديد من هذه الشركات للمطالب الأوكرانية وفرضت عديداً من القيود والحظر على روسيا، كما حشدت الوزارة دعم عمالقة التكنولوجيا العالميين، بما في ذلك إيلون ماسك الذي قدّم تكنولوجيا الأقمار الصناعية للمساعدة على استمرار تشغيل الإنترنت في أوكرانيا.

وأشار بورنياكوف على الصعيد ذاته إلى أن التبرعات التي جمعتها أوكرانيا على الإنترنت من المتعاطفين حول العالم والمتضامنين، بحساب العملات المشفرة، التي ناهزت قيمتها حدود 70 مليون دولار حتى الآن، ساهمت بشدة في ضخّ الأموال إلى خزائن الحكومة لتمويل "المقاومة المدنية".

من جانبها أعلنت مجموعة "أنونيموس" للقرصنة الإلكترونية، في وقت سابق، حرباً إلكترونية على الحكومة الروسية. واعتبر نائب وزير التحول الرقمي أن هذه المجموعات المنتشرة حول العالم من المتسللين والمخترقين الذين تطوعوا للقضاء على المواقع الروسية أو المواقع المتحالفة مع روسيا، باتوا من أقوى الأسلحة الرقمية الأوكرانية.

وكشف بورنياكوف أن فريق عمله يكلّف هذه المجموعات "المهامّ" من خلال قناة على تيليغرام تضمّ أكثر من 300000 عضو، بمثابة جيش إلكتروني ضخم.

وختم محادثته قائلاً: "نحن أول من أدخل هذه الحرب الجديدة في العالم. قوية ولكن بسيطة، ومن المستحيل تعطيلها"، على حد تعبيره.

هل تتفوق روسيا على أوكرانيا في الحرب الرقمية؟

رغم ما سدَّدَته أوكرانيا بفضل جيش المتطوعين الإلكتروني الكبير من ضربات موجعة لروسيا، فإن الأخيرة لا تزال تحرز تقدماً في المجال الذي تفوقت فيه طوال سنوات على عديد من الخصوم.

وكان الجميع يتوقع منذ البداية أن تشنّ موسكو هجوماً إلكترونياً موازياً مع هجومها العسكري على أوكرانيا.

ووفق ما أفاد به موقع "ناشيونال إنترست" الأمريكي، نشر القراصنة الروس برنامج HermeticWiper، وهو برنامج خبيث يدمّر البيانات، لعرقلة مواقع وكالات إنفاذ القانون الأوكرانية، والاتصالات السلكية واللا سلكية، ومواقع الدولة، والتنظيم الاجتماعي. وتسببت هذه الهجمات في حجم كبير من الخسائر.

وأفادت شركة ميكروسوفت بأن برمجيات Wiper "اكتشف وجودها في عشرات من نظم المعلومات والبيانات الحكومية، ونظم خاصة بمؤسسات غير هادفة إلى الربح، وقطاع التكنولوجيا في أوكرانيا".

كما يزعم الموقع أن روسيا فوَّضَت إلى عصابة "كونتي" انتزاع الفدية، وكلفت قراصنة بيلاروس أيضاً شَنَّ هجمات إلكترونية ضد أهداف عسكرية أوكرانية.

فيما ذكر تقرير نشرته وكالة أنباء رويترز بأن مسؤولين أوكرانيين زعموا أن عملية تجسُّس إلكتروني بيلاروسية استهدفت حسابات بريد إلكتروني خاصة بقوات أوكرانية.

ولا تزال الحرب الإلكترونية بين روسيا وأوكرانيا مستعرة، فيما يحتدم القتال بين القوتين أرضاً وجواً وبحراً.

TRT عربي