في إطار المدرسة السياسية لمنظمة Friedrich-Ebert-Stiftung Tunisie: المفكر عبد المجيد الشرفي يُلقي محاضرة حول «الإسلام والحداثة»


كما مثّل ما أسماه الشرفي «إنتاج الجهل» اهم النقاط أو الأفكار التي طرحها المفكر خلال الندوة التي أدارها أستاذ العلوم السياسية حمادي الرديسي.
في إطار المدرسة السياسية لمنظمة Friedrich-Ebert-Stiftung Tunisie، تمّ تنظيم لقاء حواري بين طلبة المدرسة وأعضاء مجلسها العلمي والمفكّر والفيلسوف عبد المجيد الشرفي الذي ألقى بمحاضرة حول «الدين والحداثة» تطرّق من خلالها الى عديد الإشكاليات المطروحة في الفكر الديني بداية من وظائفه عبر التاريخ وصولا الى أصل العلمانية، وقد أدار الندوة، التي تمثل خاتمة لمحور أو وحدة وقع تدريسها لطلبة المدرسة السياسية، أستاذ العلوم السياسية حمادي الرديسي.
كما تطرّق المفكّر والفيلسوف عبد المجيد الشرفي خلال المحاضرة التي ألقها الى عديد الإشكاليات التي يطرحها الفكر الديني في علاقة بالحداثة والتطوّر التاريخي الذي حتّم التخلي عن أحد وظائف الدين المتمثل في تنظيم الحياة الإجتماعية، حيث أكد الشرفي ان كل الديانات في القديم كانت تؤدي وظيفتين كبرتين، الوظيفة الأولى هي إضفاء معنى على الوجود والأصل والكينونة والمصير وفي الآن نفسه تتمثّل الوظيفة الثانية في تنظيم الحياة الإجتماعية.
واضاف الشرفي ان الحداثة الفكرية، أزاحت القناع عن التبريرات الدينية لتظيمات الحياة الإجتماعية، فوفق المفكر «ما كان يُعتبر وظيفة أساسية من وظائف الدين المتمثل في تنظيم الحياة الإجتماعية تبيّن أنه ليس دينيّا بل هو تاريخي وبشري ونسبي أُضفي عليه صبغة دينية لكنه في جوهره ليس دينيّا»، وبالتالي فقد تم تخليص الدين من هذه الوظيفة التي تقلّدها عبر التاريخ وليس من جوهره، وفق الشرفي.
تلك القطيعة التي أفرزتها الحداثة الفكرية هي التي أدت الى العلمنة، وفق الشرفي الذي عرّف العلمانية في معناها البسيط انها «تعني أن الإنسان هو المسؤول عن تنظيم حياته وليس الدين أو الإله ولا ما وراء الطبيعة، هذه العلمنة في أصلها بمعنى تنظيم الحياة الإجتماعية هي مسؤولية بشرية فقط لا دخل فيها لأي عنصر آخر»، ليخلص الشرفي الى انه «حين يُقال ان العلمانية تعني الكفر هذا صحيح...كُفر بهذه الوظفية التي تقلّدها الدين عبر التاريخ وهي في الأصل ليست منه بل فقط كانت المجتمعات البشرية في حاجة الى مبرّرات فوق بشريّة»، وفق تعبيره.
الفردانية من مستلزمات الحداثة
المفكّر والفيلسوف عبد المجيد الشرفي اعتبر ان الإيمان «المُعلمن» أنقى وأصفى من الإيمان الذي يُنكر العلمانية لانه يؤمن بالوظيفة الأساسية للدين ولا يؤمن بالوظيفة التاريخية التي تم تقليدها للدين، وهي التي يتشبّث بها الناس اليوم أكثر مما يتشبّثون بالوظيفة الأولى التي تقتضي قيما وتقتضي أكثر خاصة صدقا من النفس، وفق الشرفي الذي أضاف قائلا «قلت ان الفردانية من مستلزمات الحداثة وكلنّهاأيضا تنعكس على الناحية الدينية لان الحياة الدينية في القديم قامت على الإنصهار في الجماعة».
ففي حال تحرّر الفرد وأصبح مُعتزّا بخصوصيته كفرد يرفض الوصاية التي كان مُسلّطة عليه عبر التاريخ، والتي هي ليست من جوهر الدين إنما من إنتاج الظروف التاريخية، وفق الشرفي الذي إستدلّ لتوضيح فكرته بقول الإمام الشافعي «المسلمين ينتقسمون الى فئة مسؤولة عن نفسها وفئة مسؤولة عن نفسها وعنها غيرها وهم العلماء»، والتي تعكس وفق الشرفي التراتبيّة التي كانت موجودة في القديم والتي يرفضها الضمير الآن، ليتساءل الشرفي عمّن بوّب «العلماء» تلك المسؤولية عن غيرهم، ويؤكّد انهم بوّؤوها لأنفسهم والظروف التاريخية هي التي أفرزت ذلك.
واضاف ان الظروف اليوم ليست نفسها، مما يجعل الشائع في القديم غير مُجدي حاليّا، فالإنتاج الديني في تقدير المفكر عبد المجيد الشرفي، يتناول بصفة جزئية العبادات وفي غالبه تنظيم المعاملات ليؤكّد قائلا «الفقه الإسلامي كلّه تاريخ لا يُلزمني..أدرسه لأفهم كيف كان يفكّر العلماء ولكنه لا يُلزمني بطبيعة الحال فيما يتعلّق بالمعاملات وفيما يخصّ العبادات هو يقنّن هذه العبادات على نفس الأسس المعرفية التي يُقنن على أساسها المعاملات بمعنى ان ينطلق من مقتضيات تاريخية بضرورة مأسسة الدين».
ليخلص المفكر والفيلسوف الى ان «الدين لم يعد رسالة دينية وإلاهية وأخلاقية بل اصبح مؤسسات بشرية، فحين ينخرط الدين في التاريخ، نظرا لان المؤسسات كانت في حاجة الى مبررات دينية، فأنه بطبيعة الحال يصبح منهج الحياة الذي كان سائدا في القديم والذي لم يعد صالحا اليوم.. فالحداثة ترفض ذلك».
إنتاج الجهل
المفكّر والفيلسوف عبد المجيد الشرفي عاد خلال الندوة الحوارية الى محاضرة ألقاها منذ حوالي 5 سنوات وأسماها «إنتاج الجهل في زمن العلم»، وطرح مثالا على إنتاج الجهل يتمثّل في عدم معرفة تلميذ تونسي أن هناك مواقف قديمة فيما يخصّ إمامة المرأة للصلاة ولا يعرف انه في القرن الثامن والتاسع والعاشر ميلادي دافع العلماء عن أحقية المرأة بإمامة المصلين رجالا ونساءا، حيث أكد الشرفي ان التلميذ في تونس يُلقّن ان الإمامة تكون فقط للرّجل فقط، وهو ما صنّفه الشرفي كأحد الأمثلة لإنتاج الجهل.
إذ ان إنتاج العلم بتطبيق ذلك المثال، وفق الشرفي، أن يقع تعليم التلميذ ان الناس في القديم كانوا في أغلبهم يؤمنون ان للرجل فقط إمامة المصلين، لكن كان هناك مواقف مُخالفة لذلك الرأي الطاغي، والأسلم وفق الشرفي هو التوضيح للتلميذ والتلميذة في تونس تلك الوضعية والإختلاف في المواقف وسبب طغيان خيار على آخر، مثال أكد عبد المجيد الشرفي ان هناك عديد الأمثلة المشابهة له والتي تصبّ في خانة إنتاج الجهل كما أسماه والتي أكد انها تنتشر على نطاق واسع.
القيم البشرية وظروف ظهورها
المفكر عبد المجيد الشرفي شدّد قائلا «لابدّ ان من توضيح أسباب إعتماد حلول معينة في نطاق الفكر الإسلامي ولماذا أُقصيت حلولا أخرى ؟ إما انها كانت لأقلية وهامشية أو لان البشرية في القديم لكن تكن تستطيع ان تطرح على نفسها هذه الأسئلة فالأجوبة التي يأتي بها الفكر الديني الديني او السياسي أو الإجتماعي لا يُمكن تُطرح إلا أذا كانت هناك بدائل مُمكنة أو مُتصورة على الاقلّ..فمثلا مفهوم الحرية لم يكن من الممكن تصوّره في القديم لأن الظروف لم تكن تسمح لذلك لا ينبغي ان لا نلوم القدماء لان أولوياتهم كانت قائمة على الرعي والمهن اليدوية البسيطة والزراعة، حيث لم تكن هناك صناعة ولا خدمات بالمعنى الذي نعرفه اليوم وأنماط الإنتاج تؤثر على انماط التفكير».
قيمة المساواة بين المرأة والرجل كمثال طرحه الشرفي، لم يكن من الممكن تصوّره إلا بعد ظهور الصناعة وإحتياجها لليد العاملة النسائيّة، وهي ظواهر أكد الشرفي انه «لا صلة مبدئيّة لها بالمساواة ولكن خروج المرأة للعمل وتمتّعها بإستقلاليّتها المادية أدى الى ظهور قيمة جديدة وهي المساواة»، ليضيف الشرفي الى إن القيم ليست مُعلقة بين السماء والأرض، وفق تعبيره بل هي إفرازات للواقع، وهذا لا يعني «إعطيني صناعة أُعطيك مساواة» بل هي تفاعل بين هذه العوامل المادية والقيم المجتمعية.
وخلص الى أن المشاكل التي تحيط بالفكر الإسلامي هي مشاكل مرتبطة بالنمط المعرفي الذي هو شائع في مجتمعاتنا، فوفق تقديره «لو كانت طرق التعليم تمكّن الشاب والفتاة من إستقلالية الشخصية وعدم التقليد وعدم قبول ما هو شائع بدون تمييز أو إختيار لأثّر ذلك في الفكر الإسلامي والسلوك المواطني ولكن التعليم في بلداننا لا يقوم بهذه الوظيفة متعدّدة الأبعاد، في ظل إعتماد التنشأة الإجتماعية على التقليد»، وفق تعبير الشرفي.
نقطة كانت من بين النقاط التي أُثير حولها نقاش خلال الندوة الحوارية بطرح طلبة المدرسة السياسية تساؤلات حول التقليد والتنشأة الإجتماعية وإقتباس مفكرين كإبن خلدون لمقولات سابقيه وتقليدهم، وهو ما علّق عليه المفكر عبد المجيد الشرفي ان التنشأة التنشأة الإجتماعية تعتمد على التقليد في البداية ولكن لا يجب ان تتوقّف عليه بل يجب ان تتجاوزه.

تاريخ الخبر: 2022-03-17 18:19:12
المصدر: جريدة المغرب - تونس
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 58%
الأهمية: 62%

آخر الأخبار حول العالم

زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بالبرد في هذه المناطق اليوم السبت

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-11 15:26:05
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 67%

زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بالبرد في هذه المناطق اليوم السبت

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-11 15:26:09
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية