معلم الأجيال .. وميثاق الشرف الصحفي


“اجعل عقلك رقيبًا على أُذنيك، وافحص كل ما تسمعه، ولا تُصدِّق كل خبر، لئلا تُعطي مجالا للوشاة والكاذبين، ولِمَن يخترعون القصص، ولِمَن يؤلِّفون الأخبار، ولِمَن يدسُّون ويشهدون شهادة زور..”

هكذا كتب معلم الأجيال المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث، تحت عنوان “رحلة الخبر إلى أذنيك” في كتابه “مقالات روحية”، الذي يتضمن عدة مقالات نشرت تباعاً في الصفحة الثالثة.. بجريدة الجمهورية ( بدأت هذه المقالات من نوفمبر سنة 1971 وكان هذا المقال هو الأخير الذي تم نشره في هذه المجموعة)، وفي يوم 9/7/1972 اعتذر عن الكتابة، وفقًا لما كتبه قداسته فى مقدمة الكتاب.

يُعد هذا المقال مثالًا صادقا يندرج تحت “ميثاق الشرف الصحفي” الذي درسناه في الجامعة، حيث نراه أيضًا يقول: «صدق الحكيم الذي قال: لا تُصدِّق كل ما يُقال”، مدللًا على حديث بما قاله أمير الشعراء أحمد شوقى عن هؤلاء الذين ينسجون الأكاذيب:

وصادغوا أذنًا صعواء ليِّنة

فأسمعوها الذي لم يُسمعوا أحدًا

وما أجمل قوله أيضًا عن مثل هذا الذي يُصدِّق كل ما يسمعه، ويقبل الأكاذيب كأنها صدق:

أثَّر البهتان فيهِ

وانطوى الزورُ عليهِ

يا له من ببغاءٍ

عقله في أُذنيهِ

( يلاحظ هنا ثقافة قداسة البابا الأدبية حيث استشهد بأبيات شعرية لأمير الشعراء أحمد شوقي في مسرحية “مصرع كليوباترا ”

علينا أن نتحقق أولًا ونعرف أن كثيرًا من الكلام يقطع رحلة طويلة قبل أن يصل إلى أذنينا ويضيف:« نعم لو كُنَّا نعيش في عالم مثالي، أو في وسط الملائكة، لأمكنك حينئذ ألاتتعب ذاتك في فحص الأحاديث ولكن ما دام الكذب موجودًا في العالم، فإنَّ الحكمة تقتضي إذن أن نُدقِّق ونُحقِّق قبل أن نُصدِّق.

قد يكون هذا الإنسان الناقل للخبر صادقًا، ولكنه سمع الخبر من مصدر غير صادق، أو من مصدر غير دقيق أو رُبَّما يكون قد أخطأ في السماع أو الفهم. «أو رُبَّما يكون المصدر الأصلي الذي أخذ عنه هذا وذاك غير خالص النية فيما يقول، وهناك أسباب شخصية تدفعه إلى طمس الحقائق

« ولكن رُبَّما يقول القائل: ” إني لم أسمع هذا الخبر من فرد واحد فقط، إنَّما من كثيرين، مما يجزم بصحته”. فنقول: إنه لا يصح أن نحكم عن طريق السماع دون تحقيق، حتى لو سمعنا من كثيرين فما أكثر ما يكون كلام الكثيرين على وفرة عددهم، له مصدر واحد مخطئ وفي التاريخ أمثلة كثيرة عن هذا الأمر. وما أكثر ما تتفق مجموعة من شهود الزور على أمر ما،

«« إنَّ وصية “لا تشهد بالزور” كما أنها موجهة إلى المُتكلِّم، هى أيضًا موجهة إلى السامع. فالذي يسمع الكذب ويقبله، إنَّما يُشجِّع الكاذب على الاستمرار في كذبه. وبقبوله، يحيط نفسه بأُناس مخطئين غير مخلصين.

وعن ترويج الشائعات الكاذبة. يقرر قداسته حقيقة مهمة مفادها أن البساطة في جوهرها هى عدم التعقيد، وليس قلة الفهم أو البعد عن الحكمة والتدقيق. ونحن نؤمن بالبساطة الحكيمة، وبالحكمة البسيطة…

«« اثنان يشتركان في خطية الكذب: قابل الكذب، وناقل الكذب. ويضرب قداسته مثالا بالأمانة فى الأحاديث كما يفعل جهاز تسجيل الصوت ( الريكوردر ) الأمين المُخلص، من غير اضافة الرأى الخاص أو أية استنتاجات.

ويختتم قداسته : « انظروا يا إخوتي ماء النيل وقت الفيضان، وهو بني اللون من كثرة ما حمل من طمي.. هذا الماء كان في أصله ماءً نقيًَّا صافيًا رائقًا عندما نزل مطرًا من السماء على جبال الحبشة. ولكنه طوال رحلته في الطريق، كان ينحت الطمي من الصخور، ويختلط بالطين حتى وصل إلينا في الفيضان بصورته وهو بُني اللون طيني.

هكذا كثير من الأخبار التي تصل إليك مُشبَّعة بالطين، رُبَّما كانت رائقة صافية في بادئ الأمر. والفرق بينها وبين ماء النيل، أن طينه مُفيد للأرض. أمَّا الطين الذي خلطه الناس في نقلهم للأحاديث، فإنه ضار وخطر ومُفسد للعلاقات.

لن نقول وداعا ياأبانا، بل نقول تبقى كلماتك نبراسا لنا على مر الزمن.

تاريخ الخبر: 2022-03-20 09:21:24
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

استمرار "الحرمان" من وصل الإيداع يشعل غضب حماة المال العام

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 12:26:06
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 63%

يوفنتوس يتوّج بلقب كأس إيطاليا للمرّة 15 في تاريخه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 12:26:27
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 54%

‎مانشستر سيتي يهدد مشاركة جيرونا التاريخية في دوري الأبطال

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 12:26:26
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 61%

‎مانشستر سيتي يهدد مشاركة جيرونا التاريخية في دوري الأبطال

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 12:26:22
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 70%

يوفنتوس يتوّج بلقب كأس إيطاليا للمرّة 15 في تاريخه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 12:26:31
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية