تألقت مع فريقها قبل يومين وحصلوا على المركز الثالث في مسابقة كأس مصر لكرة السلة (ذوي القدرات الخاصة)، بدأت رحلتها في عالم الرياضة منذ الثامنة من عمرها واستمرت حتى عامنا هذا وهي تبلغ من العمر 15 عامًا، إنها رغد أحمد طفلة من ذوي الهمم تنسج قصة نجاح مشتركة مع والدتها عبير محمد.

تسرد عبير محمد “أم رغد” رحلتها مع ابنتها منذ يوم ولادتها لـ”وطني”، موضحة كم أن الآلام مُلهمة، وكم أن المحن تضيء لنا الطريق وتُرشدنا إلى الحياة الحقيقية.

صدمة ومأساة

عبرت عبير، عن صدمتها بعد ولادة رغد بساعات، فقد عاشت رحلة حمل طبيعية، ولكنها فوجئت برفض رغد للرضاعة الطبيعية واختناقها كلما تكررت المحاولات، لم تلفت انتباهها الطبيبة التي قامت بتوليدها أن رغد من أصحاب متلازمة “داون”، بينما انتبهت الجدة إلى أن رغد مفتوحة العينين منذ الولادة، فضلًا عن خروج لسانها عن فمها، وهذا أمر رأته جديد على طفلة مولودة منذ ساعات.

توجهت عبير في اليوم التالي إلى طبيب الأطفال، والذي أخبرها بأن ابنتها من أصحاب متلازمة “داون” ورفض الرضاعة الطبيعية أمر طبيعي جدًا بالنسبة لحالتها، تحولت الحياة في تلك اللحظة إلى نقطة سوداء، فعبير لم يسبق لها أن تعاملت مع أطفال من ذوي “الإعاقة” من قبل، وكل ما ورد في ذهنها وقتها أن ابنتها ستصبح بلهاء يتضاحك المارة عليها في الشوارع.

وعي ومسؤولية

توجهت عبير بعد ذلك إلى طبيبة أمراض وراثية بالمصل واللقاح، بعد الأسبوع الأول من الولادة، وتم وضع رغد تحت الملاحظة لمدة 3 شهور، وبعد عمل تحليل الكروموزوم واكتشاف أن عدد الكروموزومات لديها 47 تم التأكد أن هناك مشكلة.

حاولت عبير أن تستوعب حالة صغيرتها، فتوجهت للمعرفة والتثقيف وحصلت على دورات تدريبية في كيفية التعامل مع الأطفال من ذوي الهمم، خاصة أصحاب متلازمة داون، وذلك بعد أن تأكدت أن صغيرتها “داون سندروم”، وفقًا للفحص والتحاليل التي أجرتها لها.

واهتمت عبير بعمل فحص على الأذن والعينين والقلب، للاطمئنان على الحالة الصحية لرغد بشكل عام، فاكتشفت أن لديها ثقبين في القلب.

تدخل مُبكر

بدأت رحلتها في التأهيل لرغد بعد الشهر الثالث من ولادتها، وساعدها في ذلك مركز “كاريتاس” لدمج الأطفال العاديين مع ذوي الهمم، واستطاعت رغد التحكم في الحمام بمساعدة والدتها.

وبعد أن وصلت رغد إلى الرابعة من عمرها قررت عبير أن تلحقها بإحدى الحضانات، ولكن الرفض المجتمعي كاد أن يحطم أم رغد بعد أن رفضتها إحدى مديرات الحضانات، قائلة:”افرضي دخل ولي أمر لقاها بتأكل الورق ولا بتضرب طفل، هيكون موقفه أيه من الحضانة”.

إصرار وعزيمة

التحقت رغد بمركز رؤية الأكاديمي بشبرا الخيمة وتعلمت كتابة الحروف والأسماء والأرقام، من الرابعة حتى الثامنة من عمرها، ثم التحقت بالمدرسة (دمج حكومي).

وأشارت عبير، إلى أن التعلم بالنسبة للأطفال ذوي الهمم، يكون بلا توقف، لأنه قائم على تنمية المهارات أكثر من الاهتمام بالشق الأكاديمي.

حياة وتميُز

قررت عبير أن تملأ حياة رغد بشيء جديد، وأن توظف مهاراتها الفائقة والملحوظة بالنسبة للجميع، فاتجهت إلى مركز شباب روض الفرج التابع لأكاديمية فرسان التحدي، وتبناها الكابتن إبراهيم مكي -المدير الإداري لفريق ذوي الهمم ومدرب كرة السلة-وبدأت بالسباحة التي أجادتها رغد ولكنها لم تحب ممارستها بشكل دائم، ومنها إلى الجمباز وحصلت على الميدلية البرونزية في مسابقة “الاسبشيال أوليمبك”، وانضمت بعد ذلك لفريق كرة السلة وحصل فريقها على المركز الثالث على مستوى الجمهورية، فضلًا عن حصولهم على المركز الثالث في مسابقة كأس مصر منذ يومين.

ومن ناحية أخرى، حصلت رغد على مجموعة من شهادات التقدير في ألعاب القوى، كما شاركت في احتفاليات قادرون باختلاف “1و2″، وحصلت على شهادات تقدير من دار الأوبرا المصرية بعد مشاركتها مع فريق ذوي الاحتياجات الخاصة بمركز تنمية المواهب، كما تم تكريمها في بطولات ودية بمركز شباب الجزيرة، كما أنها تستعد للمشاركة في بطولة الكاراتيه.

قهر وفخر

عانت عبير في بداية رحلتها مع رغد من نظرة المجتمع، فقد كانت شخصية حساسة وسريعة الانهيار ولا تتحمل نظرات السخرية والكلام المسيء التي تتعرض له ابنتها، ولكنها ترى أن نظرة المجتمع بدأت تتغير تدريجيًا منذ عام 2018، وبعد اهتمام الدولة بهم وبحقوقهم.

اعتبرت عبير أن معاناتها في بداية الأمر كانت بسبب “جهلها بالحالة”، ولكن بعد ذلك وجدت أن رغد قد أخرجتها للحياة الحقيقية، وتعلمت من رحلتها من ابنتها الصبر والإرادة وأنه لا يوجد مستحيل.

بنتي بطلة

وعن سخرية الأمهات من صغيرتها، ردت عبير “بنتي بطلة”، بنتي لديها قدرات خاصة ومشاعر خاصة لا توجد عند الأطفال العاديين، فالحنان لدى رغد فياض فضلًا عن خفة ظل تجعلها تنسى هموم العالم.

أحلام بلا حدود

تتمنى رغد لقاء السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، فعلى الرغم من مشاركتها في الاستعراض باحتفالية قادرون باختلاف 1 و2 إلا أنها لم يحالفها الحظ برؤيته.

وقالت عبير، إنها تتمنى أن ترى ابنتها مثل الأبطال العالميين من ذوي الهمم، مؤكدة أنها تسعى لذلك.

واختتمت حديثها، قائلة “أولادنا زي الزرعة محتاجين اهتمام.. ياخدوا اهتمام هيبدعوا”. وأضافت:”لدي طفلين رغد من ذوي الهمم (15 عامًا) ومُنذر (11عامًا) طفل طبيعي”. وقدمت عبير الشكر لأسرتها ولزوجها لدعمهم لها ولابنتها.

ك