على طول خريف 2021 زادت العلاقات البيلاروسية الأوروبية تأزماً، وبلغت ذروة توترها مع اتهام الاتحاد الأوروبي مينسك بشن هجوم "هجين" على حدوده الشرقية، عن طريق استغلال موجات اللاجئين. مقابل هذا وطّدَت بيلاروسيا علاقاتها الدفاعية والسياسية والاقتصادية مع حليفتها موسكو، هذه الأخيرة التي قدّمت نفسها الحامي الأول لنظام لوكاشينكو المستهدف من العقوبات الأوروبية.

فيما بلغ هذا التحالف أوجه في بداية فبراير/شباط الماضي، إذ أصبحت بيلاروسيا مسرحاً لمناورات عسكرية استراتيجية، حشدت بها روسيا جيشها، أياماً قبل انقضاض بهجوم كاسح على أوكرانيا. وبعد شهر من ذلك لا تزال تضمّ الأراضي البيلاروسية القواعد الخلفية للقوات الروسية المشاركة في الحرب.

هذه المعطيات جعلت الأطراف الغربية تتهم مينسك بالتورط كشريك في النزاع الحاصل، مع أن هذه الأخيرة لم تشارك حتى الآن بقواتها العسكرية في الاقتتال. وحذّر مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية وحلف الناتو من اقتراب موعد دخول بيلاروسيا الحرب، بما يهدد بتوسيع رقعتها وإخراجها عن السيطرة.

تحذيرات من دخول مينسك الحرب

حسب ما صرح به مسؤولو البنتاغون لشبكة "سي إن إن" الأمريكية فإن بيلاروسيا تتخذ بالفعل خطوات للانضمام "قريباً" إلى روسيا في هجومها على أوكرانيا. وقال مسؤول عسكري في حلف شمال الأطلسي يوم الاثنين، إن تدخل بيلاروسيا الصراع بات "مرجحاً" بشكل متزايد، إذ "يحتاج بوتين في هذه الأثناء إلى الدعم، ومستعد لفعل أي شيء يساعده".

ورجَّح مصدر من المعارضة البيلاروسية إن الوحدات القتالية للجيش جاهزة للتوجه إلى أوكرانيا في أقرب وقت خلال الأيام القليلة المقبلة، واستعداد آلاف القوات للانتشار. ومن وجهة نظره سيكون لهذا تأثير عسكري أقل من تأثيرها الجيوسياسي، ذلك بالنظر إلى الآثار المترتبة على انضمام دولة أخرى إلى الحرب.

وسبق أن تعهد رئيس البلاد ألكسندر لوكاشينكو، بأن "الجيش البيلاروسي لم ولن يشارك في الأعمال القتالية، ويمكن إثبات ذلك للجميع". غير أنه التصعيد الدبلوماسي الأخير لمينسك ضد أوكرانيا، الذي يجعل اتخاذها تلك الخطوة محتملاً، إذ طردت نحو 20 دبلوماسياً أوكرانياً من أراضيها.

وحسب شبكة "سي إن إن"، نقلاً عن مسؤول في حلف الشمال الأطلسي، فإن الحكومة البيلاروسية "تُعِدّ البيئة لتبرير هجوم بيلاروسيا على أوكرانيا"، فيما "لا يزال القرار النهائي بشأن مشاركة بيلاروسيا في الحرب يتعين اتخاذه في موسكو ، وحتى الآن لا شيء يشير إلى مشاركة القوات البيلاروسية في القتال في أوكرانيا".

ماذا يعني دخول بيلاروسيا الحرب؟

إذا دخلت بيلاروسيا الحرب في أوكرانيا ستكونف الطرف الثالث في نزاع تحاول كل الأطراف الدولية تجنب الدخول فيه. بالتالي قد يسمح ذلك بتوسيع رقعته، وإجهاض جهود حصرها داخل حدود أوكرانيا.

وحسب محللين عسكريين فإنه إذا دخلت مينسك الحرب فمن المحتمل أن تتدخل على ثلاثة محاور استراتيجية أساسية، أولها نحو منطقة تشيرنيهيف (شمال وسط)، لتعزيز الضغط الروسي المتقدم نحو العاصمة كييف في محاولة إسقاطها.

فيما سيكون المحور الثاني على أقصى الشمال الغربي لأوكرانيا، في مثلث منطقتَي لوتسك وريفني على الحدود البولندية، لقطع الطريق عن المساعدات العسكرية الغربية التي تمر من هناك. أما الثالث، فمن الجنوب عبر منطقة ترانسنيستريا الانفصالية شمال مولدوفا حيث القوات الروسية، نحو أوديسا وميكولايف.

وقد يعني وجود نشاط عسكري بيلاروسي على الحدود البولندية وصول الحرب إلى الحدود الشرقية الأوروبية، كما قد يستفز مناوشات بين جيشي البلدين ويرفع خطر خروجها عن السيطرة، إضافة إلى أن انطلاق أي عملية عسكرية من ترانسنيستريا نحو أوكرانيا قد يدفع بمولدوفا إلى اتخاذ خيار الانضمام السريع إلى الناتو والاتحاد الأوروبي، عبر توحيد أراضيها مع رومانيا، ما يجعلها مشمولة بمعاهدات الدفاع المشترك للحلف والاتحاد.

TRT عربي