عصر العقل Age of Reason عصر العقل حقبة في التاريخ شدَّد فيها الفلاسفة على العقل باعتبارة أفضل وسيلة لفهم الحقيقة. وقد بدأت حقبة عصر العقل في أوائل القرن السابع عشر الميلادي، واستمرت حتى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي. كما يسمَّى عصر العقل بعصر التنوير، أوعصر العقلانية. وقد ضم زعماء العصر عدة فلاسفة فرنسيين مثل : الماركيز دوكوندورسيه، ورينيه ديكارت، ودينيس ديدرو، وجان جاك روسو، وفولتير، والفيلسوف الإنجليزي جون لوك.

اعتمد زعماء عصر العقل اعتمادًا كبيرًا على المنهج الفهمي، بتشديده على التجريب والملاحظة الدقيقة. ولقد أحدثت هذه الحقبة تطورات مهمة عديدة في مجالات، مثل : فهم التشريح، وفهم الفلك، والكيمياء، والرياضيات، والفيزياء. وقام فلاسفة عصر العقل بتصنيف الفهم في موسوعات، وبتأسيس المعاهد الفهمية. كما كان الفلاسفة يؤمنون بإمكانية تطبيق المنهج الفهمي على دراسة الطبيعة الإنسانية. واستكشفوا بعض المواضيع في التربية، والقانون، والفلسفة، والسياسة؛ وهاجموا الطغيان، والظلم الاجتماعي، والخرافات والجهل. وقد أسهم الكثير من أفكارهم في اندلاع الثورتين الأمريكية والفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي.

تقديس العقل

كان فلاسفة عصر العقل يؤمنون بأن للبشر مَزِيَّة على كافة المخلوقات الأخرى، لأنهم يستخدمون عقولهم. وقد قابلوا العقل بالجهل والخرافة والقبول غير المنتقد للسلطة، والتي كانوا يحسون بأنها في مجملها قد هيمنت على العصور الوسطى. وأنحوباللائمة على أصحاب السلطة ـ وخاصة زعماء الكنيسة الرومانية الكاثوليكية ـ لإبقائهم الآخرين جهلة، كي يحافظوا على سلطاتهم الشخصية.

تأثر فلاسفة عصر العقل إلى حد كبير بالاكتشافات في العلوم الطبيعية. مثل قانون الأجسام الساقطة الذي اكتشفه جاليليوفي إيطاليا، وقانون الجاذبية والحركة اللذين صاغهما السير إسحق نيوتن في إنجلترا. وأدرك الفلاسفة بأن الوصول إلى تلك الاكتشافات العظيمة تم عن طريق استخدام الرياضيات. ومن ثم اعتقدوا حتى الرياضيات تنتج خلاصات مؤكدة تأكيدًا مطلقًا، لأن العملية الرياضية بدأت بحقائق بَدَهية بسيطة، وانتقلت من خطوة بدهية إلى أخرى. وباستخدام هذه الطريقة اكتشف الفهماء قوانين الطبيعة التي كانت ستظل مجهولة لولا ذلك. ونتيجة لذلك، آمن فلاسفة عصر العقل بأن الرياضيات هي الأنموذج الذي ينبغي على كافة العلوم الأخرى احتذاؤه.

كان يُظَن بأن العقل هوالقوة التي تمكِّن الناس من رؤية الحقائق الرياضية، بنفس الوضوح الذي يمكنهم به رؤية يد أمام أعينهم بالإدراك البصري. غير حتى الإدراك البصري ينتج فقط حقائق خاصة أومشروطة. وعلى سبيل المثال، لمعظم الأيدي خمسة أصابع، ولكن ليس من الضروري حتى تكون لكل يد خمسة أصابع، وذلك لأنه يمكن فقد أصبع أواثنين في حادثة؛ فالعقل فقط هوالذي ينتج الحقائق الضرورية أوالكلية. والمثال على مثل هذه الحقيقة هوحتىخمسة زائدخمسة تساوي دائمًا 10.

كان فلاسفة عصر العقل يؤمنون بأن لكل إنسان إرادة عقلانية تمكنّه من وضع الخطط وتطبيقها. كما أعربوا بأن الحيوانات تستعبدها عواطفها؛ فعندماقد يكون الحيوان خائفًا من شيء ما، فإنه يحاول الهرب. أما عندماقد يكون غاضبًا فإنه يقاتل. غير حتى البشر يمكنهم تدبُّر وتقرير أفضل طرائق التصرف عندماقد يكونون خائفين أوغاضبين، أوفي ورطة. كما حتى في استطاعتهم إجبار أنفسهم على عمل الشيء السليم، بدلاً من مجرد عمل ما يظهر أنه الأسهل، أوالأكثر جاذبية.

أدرك الفلاسفة بأن الناس لايخططون مسبقًا دومًا، بل إنهم كثيرًا ما يتصرفون بالدَّافع. وعَزُوا ذلك إلى التعليم غير الكافي. وكان الفلاسفة يؤمنون بأن كافة الناس يولدون بالقدرة على استخدام العقل.

خط الفيلسوف لوك بأن العقل شمعة الله التي نصبها بنفسه في أذهان الرجال، وبأن العقل يجب حتىقد يكون آخر حَكَم ومُرْشد لنا في جميع شيء. ويؤمن لوك بأن العقل يفهمنا وجوب توحُّد الناس وتكوينهم لدولة تحمي حياتهم وحرياتهم وممتلكاتهم. وأشار إلى أنه بالرغم من حتمية تخلِّي الناس عن بعض الحقوق عند تكوين الدولة، فإنهم يكسبون من الحماية أكثر مما يفقدون.

يؤمن لوك بأن في استطاعة أي إنسان استخدام العقل، شريطة السماح لتلك القدرة بالتطور. ولذلك شدَّد على أهمية التعليم، وأصر على حق حرية التعبير، وعلى التسامح مع الأفكار المتنازعة.

اتساق الطبيعة

اعتقد فلاسفة عصر العقل حتى الطبيعة واسعة ومعقَّدة، إلا أنها جيدة الاتساق. وقد وصف الشاعر الإنجليزي ألكسندر بوب الطبيعة بأنها متَاهَة هائلة، لكنها ليست بدون خارطة. أحس فلاسفة هذه الحقبة بأن كافة الأمور في الكون تتصرف وِفقًا لقوانين بسيطة قليلة، يمكن شرحها رياضيًا. وكان قانون نيوتُن الخاص بالجاذبية، مثالهم المفضَّل لمثل تلك القوانين.

اعتقد الفلاسفة حتى الطبيعة البشرية جيدة الاتساق، مثلها مثل الكون الطبيعي. وفي كتابه روح القوانين (1748م)، خط الفيلسوف الفرنسي مونتسكيوبأن للعالم المادي قوانينه الخاصة به، وبأن للمخلوقات الذكية الأسمى من الإنسان ـ حسب اعتقاده ـ قوانينها، وبأن للحيوانات قوانينها، وبأن للإنسان قوانينه. وفكَّر مونتسكيوفي إمكانية استحداث علْم للطبيعة الإنسانية؛ وبذا صار أحد أوائل الفلاسفة الذين حاولوا صياغة جوانب الاتساق الأساسية في كافة أنماط السلوك الإنساني. شدَّد كُتَّاب عصر العقل ورساموه أيضًا على القوانين والمبادئ. وقد عُرف أولئك الفنانون بالانتماء لحركة في الفنون تسمَّى الكلاسيكية. وكانوا يؤمنون بأنه ينبغي حتى تعبِّر الفنون عن الحقائق الكونية بطريقة سامية. وتوضح أعمال المحرر المسرحي الفرنسي جان راسين وجهة النظر تلك. فقد كان يفضِّل حتى يعرض العواطف كما تبدوللمشاهِد بدلاً من محاولته عرض كيفية الإحساس بتجربتها. وفي مسرحيات مثل، بايازيت (1672م)؛ فيدْر (1677م)، أوضح راسين أيضًا المحن التي يمكن حتى تحدث عندما يسمح الناس للعاطفة بالتغلب على العقل. انظر: الكلاسيكية.

ممضى الألوهة الطبيعية

كان فلاسفة عصر العقل مقتنعين بتمكن العقل البشري من فهم الكون. كما كان معظم الفلاسفة يعتقدون بأن الله هجر الكون بعد حتى خَلَقَه. ويزعمون من خلال هذه النظرية ـ المسماة ممضى الألوهة الطبيعية ـ إمكانية المعجزات أوأي أعمال أخرى من قبَل الله. ووفقًا لهذا الممضى، فإن الله نظَّم الطبيعة بحيث تستمر آليًا. ولذلك فإن الأحداث المستقبلية قابلة للتنبؤ بصورة قاطعة بناءً على الأحداث السابقة. وكان الفلاسفة يرون حتى الكون يعمل كساعة حائط تحفظ الوقت بدرجة تبلغ الكمال، وذلك لأنها صُممِّت بوساطة صانع ساعات متفوق.

تأثير عصر العقل. صاغ مفكروعصر العقل مثاليات عن الكرامة والجدارة الإنسانيتين. وفي فرنسا، كانت تنتقد ظروف الحقبة الاجتماعية والسياسية غير العادلة. وقد أثرت تلك الجماعة ـ التي ضمت ديدرو، وروسو، وفولتير ـ في زعماء الثورة الفرنسية بدرجة كبيرة. كما أثَّر الفلاسفة، وعلى وجه الخصوص جون لوك ـ الذي كان تأثيره أكبر أهمية ـ في زعماء الثورة الأمريكية.

كان فلاسفة عصر العقل يختلفون أحيانًا في الأمور الثانوية، غير أنهم جميعًا قبلوا فكرة الفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون، القائلة بأن الفهم هي القوة. ولأنهم كانوا ـ حسب تعبير بيكون ـ يهدفون لتحسين أوضاع الإنسان، فإنهم ركزوا جهودهم على تقدُّم الفهم.

ويفسر تصرفهم ذاك، دواعِي تأسيس معاهد فنية ـ بما فيها الجمعية الملكية بإنجلترا ـ أثناء عصر العقل.

وإلى جانب ذلك، فإن دافع ترقية الفهم يفسِّر دواعي بذل جهود كبيرة في تصنيف وتوزيع نتائج البحث الفهمي لتلك الحقبة. وقد قام فهماء عديدون بجمع وتصنيف تلك الفهم، ثم نشرها. وفي الواقع، فإنه يمكن إطلاق تسمية عصر الموسوعة على عصر العقل. وكان العمل المرجعي الأعظم شهرة هوالموسوعة الفرنسية، التي حرَّرها ديدرو، والتي أكملت بين عامََيْ 1751م و1780م.

بالنسبة لفلاسفة عصر العقل، كان التقدم في الشؤون الإنسانية يظهر مؤكدًا. فالمسألة ـ كما يؤمنون ـ مسألة وقت فقط، ليتفهم الناس حتى يعملوا العقل، لا حتى يسلموا زمامهم للجهل، أوالعواطف، أوالخرافة. وعندما يعمل الناس ذلك، فإنهم سيكونون سعداء. وقد عبَّر كوندرسيه عن ذلك التفاؤل في كتابه رسم تقريبي للصورة التاريخية لتقدُّم الذهن البشري المؤلَّف بين عامي 1793م و1794م.

نقد عصر العقل

تبدومعتقدات عديدة من معتقدات عصر العقل ساذجة نوعًا ما في الوقت الراهن. ويعتقد معظم الفلاسفة الآن حتى الحقائق المكتشفة بوساطة العقل حقائق كُليَّة لأنها مجرد إطناب؛ فالإطناب مقولة تكرر الفكرة بصياغة مختلفة، بدون إعطاء أية معلومات جديدة. ويمكننا ـ على سبيل المثال ـ القول بأن كافة القطط سنَّوْرات. فهذه المقولة حقيقية حقيقة كلية، ولكن فقط لأن القط يعني السِنَّوْر.

إن الحقائق العقلانية لعصر العقل مجرد تكرارات، فهي لا تخبرنا بأيِّ شيء عن الطبيعة، بل إنها تطلعنا على كيفية استخدام الألفاظ فحسب. ويعتقد فلاسفة أوائل القرن العشرين بأن المقولات الوقائعية عن العالم ليست مؤكدة تأكيدًا مطلقًا. كما حتى مثل تلك المقولات مُرَجَّحة في أحسن الأحوال، إذا لم تكن زائفة. أحس فلاسفة العقل بأن وجوب محافظة الحكومات على ممتلكات مواطنيها حقيقة بدهية. بَيْدَ حتى الفيلسوف الألماني كارل ماركس جادل ـ في القرن التاسع عشر الميلادي ـ بأن ذلك الرأي يعكس أهواء الطبقة الوسطى فحسب. وكما يقول ماركس، فإن أولئك الناس هم الذين يملكون الممتلكات، ولذلك فإنهم يريدون المحافظة عليها.

وأكد الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز في أوائل عصر العقل حتى الحقائق الكلية هي مجرد تكرارات؛ فقد خط: إذا التفكير ليس إلا مجرد حساب؛ أي جمع وطرح نتائج الأسماء العامة. غير حتى القليلين اكترثوا لآراء هوبز.

تعرَّض الاعتقاد المتفائل لعصر العقل، المتعلق بإرادة الإنسان العقلانية، للاختبار أيضًا. ففي أوائل القرن العشرين، على سبيل المثال، صرَّح الطبيب النمساوي سيجموند فرويد بأن ما نحب حتى نعدَّه أسبابًا سليمة لتصرفاتنا هي مجرد مسوغات. ويقول فرويد بأننا نتصرف كما نعمل بسبب الدوافع اللاواعية الناشئة من جزء من عقلنا الباطن المسمَّى الهُوَ ومن ثم ننسب الدوافع المقبولة اجتماعيًا لأنفسنا، وذلك لإرضاء الجانب الآخر من عقلنا الباطن المسمَّى الأنا العليا. وعلى أية حال، فإن عصر العقل اندثر قبل وقت طويل من مهاجمة ماركس وفرويد لمعتقداته الأساسية. وقرب نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، وقع تغيُّر كبير في استشراف الناس؛ فقد صاروا يقدرون الأحاسيس بدلاً من العقل، ويُفضلون العاطفة والفردية والعفوية تجاه الانضباط والنظام والسيطرة. وقد ميَّز ذلك التغيير بداية الحركة الرومانسية.

قائمة فلاسفة القرن السابع عشر

• فرانسيس بيكون (1561-1626)
• مير داماد (ت. 1631)
• توماس هوبس (1588-1679)
• ملا صدرا (1571-1640)
• رينيه ديكارت (1596-1650)
• بليز پاسكال (1623-1662)
• باروخ سپينوزا (1632-1677)
• فرانسيسكوسواريز (1548–1617)
• جون لوك (1632-1704)
• نيكولا مالبرانش (1638-1715)
• إسحاق نيوتن (1642-1727)
• گوتفريد لايبنتس (1646-1716)
• پيير بايل (1647-1706)
• دماريس كدوورث ماشم (1659-1708)
• ماري أستل (1666-1731)
• گاليليوگاليلـِيْ (1564-1642)
• جون ميلتون (1608-1674)

انظر أيضاً

• Quarrel of the Ancients and the Moderns

المصادر

• الموسوعة العربية الكاملة

وصلات خارجية

• EMPHASIS: Early Modern Philosophy and the Scientific Imagination Seminar