يستهل الباحث دكتورة حمزة قناوي، كتابه الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، تحت عنوان "سبعة فضاءات .. الرواية العربية الآن"، طارحا العديد من التساؤلات حول المشهد السردي في المنطقة العربية: إلي أين وصلت مسيرة السرد العربي في وقتنا الراهن؟ خاصة وأن مقدار ما يتم إنتاجه الآن من أعمال روائية وقصصية يند عن الحصر، وهل كل ما يتم إنتاجه سرديا يقع في دائرة القراءة الخبيرة والواعية، ولمن يكتب المبدعين؟ وما فرص اكتشاف الكتابات الجيدة والقيمة من بين الأسماء غير الذائعة علي الساحة الثقافية العربية؟ وغيرها العديد من القضايا الهامة المطروحة علي المشهد الثقافي العربي.  

ويذهب "قناوي" إلي أن المسيرة الحالية للسرد العربي كبيرة من حيث وفرة إنتاج الروايات، ومن حيث البعد الجغرافي، ومن حيث التطورات الفنية أيضا، فمع مبدأ تراسل الأنواع الأدبية والاستعارة من الفنون السينمائية والسيناريو والعلوم الطبيعية والنفسية والطبية وإمكانات مزج الصورة والتعديل عليها والمونتاج  وغيرها من المنجز الإنساني الحضاري الحالي، مما أصبح في حد ذاته مادة ثرية تضيف إلي فنية الكتابة السردية، وإذا ما وضعنا في الاعتبار أن النظريات النقدية التي تشغل بال النقاد في العالم العربي، تعود إلي حقبة السبعينيات إلي تسعينيات القرن الماضي، فذلك يجعلنا أمام مساحة من التنظير النقدي، فضلا عن عدم تحلي الثقافة العربية بقدر من المرونة للتعامل مع هذه المتغيرات، التي منها متغيرات كثيرة ليست ابنة للثقافة العربية، وهو ما يجعلنا نعود لنؤكد أن هناك تطورا كبيرا يشهده السرد العربي حاليا.  

ــ نماذج سردية يتناولها الباحث د. حمزة قناوي
يبدأ "قناوي" كتابه بإطلالة علي رواية الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم "١٩٧٠"، مشيرا إلي أنها رواية مثلت نوعا من المراجعة التاريخية لحقبة حكم جمال عبد الناصر، كتبت بعد فارق زمني كبير، وبعد تبدلات كبيرة في الواقع والمجتمع. ويعود فيها صنع الله إبراهيم إلي تقنيته الأثيرة "الكولاج" بشكل جديد وبطريقة تجعل الكولاجنفسه عنصرا للحكي أكثر من كونه عاملا مساعدا، وهي ظاهرة كان لا بد من التوقف أمامها، ومن تحليل هذه المحاسبة التاريخية التي تأتي بعد مدة بعيدة زمنيا.

أما الروائي الجزائري أمين الزاوي، فيتوقف حمزة قناوي أمام روايته "الملكة"، والتي يقدم فيها الزاوي خليطا معقدا من البحث عن الهوية بمنظور خارجي، من قلب الصين، ومن زاوية امرأة تترك الرجال الجزائريين لتتعلق برجل صيني تري فيه رمزا رجوليا غير متوافر في الواقع من حولها، وفي خضم هذه التركيبة العجيبة من المتناقضات يتم استعراض الحال العام للجزائر المزدحمة بأهلها وناسها، واستعراض عاداتها وتقاليدها ومشكلات الحب والتوافق وانعدامه بين الرجال والنساء من ناحية، وقضية وفرة العمالة الصينية من ناحية أخري، واستعراض لنماذج من القهر وعدم السوية النفسية في المجتمع الجزائري وأثرها في مجريات الواقع.

ــ الحب في مواجهة الموت .. التاريخ شاهدا
وينتقل "قناوي"، إلي رواية "حنين بالنعناع"، للروائية الجزائرية ربيعة جلطي، لافتا إلي أن الرواية تتجه نحو آفاق جديدة في أفق الكتابة، فهي ملحمة كونية تتلمس فيها الحب والخير والجمال في زمن موجع لضمير البشرية جمعاء. تسير فيها وراء الخطر الذي يهدد كامل الحياة علي سطح الأرض، فهناك استخدام جائر لموارد الكون من ناحية، واعتداءات متكررة بين البشر وبعضهم البعض من ناحية ثانية، ثم ظهور خطر الإرهاب باسم الإسلام من ناحية ثالثة، ومن وسط هذا الخوف الموجع تتوجه الكاتبة بأسلوب فانتازي يخلط المأساة بالعقلانية بالخيال بالرموز البشرية العظيمة لتكتب مغامرة تجريبية يصعب أن يصل القارئ إلي محتواها دون أن يخوض مرحلة إعادة تشكيل المعني وفق معايير استقراء للكون والجمال، وهو نمط نادر التأليف في الكتابة العربية.