شوقي عبد الحميد: نظرة الدولة للمثقفين تثير الإحباط.. وكتابات بهاء طاهر كنوز

الكاتب والناقد شوقي عبد الحميد، مثقف موسوعي ومنهجي، يعمل بدأب منذ أربعة عقود في مسارات إبداعية مختلفة بين الكتابة فى الرواية والقصة والشعر ومتون الفكر الطليعي، أكثر من ثلاثين عملا نقديا تبنى خلالها أصوات ابداعية من أجيال وحقب مختلفة،كان آخر اعماله ثلاثة عناوين دفعة واحدة هى " القراءة السياسية للقصة المصرية القصيرة"عن كتابات شوقي عقل وصنع الله ابراهيم وإبراهيم أصلان و"المدخل السياسي لقراءة الرواية العربية"، وكتابه الثالث" بهاء طاهر في ابداعاته" مسيرة جيل".

“الدستور” التقت الكاتب والناقد والمفكر فى حوار لاتنقصه الصراحة من أول سطر.

  • بعد أربعة عقود من العمل الثقافى، كيف ترى المشهد حاليا؟

 تعيش الثقافة حالة من التراجع الكبير، فعلى الرغم من تزايد عدد المبدعين الحقيقيين، والنقاد الذين يتابعون ذلك المشهد، ورغم تزايد أعداد سكان مصر، إلا أن تراجع نشاط التجمعات الثقافية، المؤتمرات الجادة، ونظرة الدولة إلى المثقفين وتجمعاتهم، يثير كثير من الإحباط لدى هؤلاء، فنظرة سريعة إلى أنشطة هيئة الكتاب فى عملية النشر، وفى عدد المجلات المتخصصة التى كانت تصدر وتوقفت، وكيف أنها – رغم عدم الانتظام فى كثير من الأحيان- تصدر شهرية، فلا يستطيع الفرد الواحد نشر أكثر من عمل ، أو اثنين على أكثر تقدير خلال العام كله، والهيئة هى التى عليها العبئ الأكبر فى عملية النشر، فى ظل محدودية ما ينشر فى هيئة قصور الثقافة، ومغالاة دور النشر الخاصة فى مقابل نشر الأعمال، فى ظل تدنى دخول المبدعين، واقتصارها على الترحيب بالرواية بالدرجة الأولى، والقليل من المجموعات القصصية والشعر، فضلا عن رفض الدراسات، إلا ما رحم ربى. الأمر الذى أصبح المبدع أو الناقد يأخذ فى البحث عن وسيلة التوصيل، أكثر مما يبذل فى عملية الإنتاج ذاتها. تلك الصورة، أصبح معها وجه الثقافة فى احتياج للنظر إليها على أنها هى الوسيلة الأولى فى القضاء على منبع الإرهاب، والأفكار المتطرفة، التى يعانى منها المجتمع، والتى تساهم بقدر كبير فى بناء الإنسان. 

- عن آليات النقد الأكاديمى أو الانطباعى أوحتى النقد الصحفى، كيف كانت رحلتك؟ 

لا أستطيع القول بأننى أكتب نقدا أكاديميا، أو حتى صحفيا، بل لا أزعم بأننى أكتب نقدا بصورة دقيقة، فلم تكن دراستى الجامعية بكلية التجارة تتيح لى ذلك، بعد أن تعذر اللالتحاق بكلية الآداب. إلا أن هذا لم يمنع قراءتى فى كل المذاهب والنظريات الأدبية، قراءة حرة، لكنى لم ألتزم بأى منها، وإنما أسعى فى كتاباتى لفك شفرة العمل الذى أتناوله، سعيا للمساعدة فى توصيل رسالة المبدع إلى المستهدف منها، وهو القارئ، لذا أترك لكل عمل، أن يفرض شروطه، واسلوبه، الذى منه أستطيع فك شفرته، اللهم رؤية رأيتها منذ البدايات الأولى، وهى أن الإبداع ، بصفة عامة، لا ينفصل إطلاقا عن المجتمع، وطالما أن المبدع إنسان أولا ، يعيش فى مجتمع، له مواصفاته، وخصائصه فلابد أن تكون تلك هى البذرة التى أبحث عنها، ثم لأن هذا المجتمع، يخضع بصورة أو أخرى، لأحكام وطبيعة السياسة التى تنتهجها الحكومات. ولهذ كانت كل تناولاتى النقدية ترتبط بالتغيرات التى تحدث فى أنظمة الحكم، فدرست العلاقة بين الرواية ونكسة يونيو67. وعلاقتها بنصر أكتوبر، وكيف عبرت الرواية عن 25 يناير، ومن قبلها درست كيف ساهمت الرواية فى خلق الحالة الثورية ل25 يناير، وأيضا التغيرات الاجتماعية فى المجتمع بين يوليو 52 ويناير 2011.  

- كتابك "بهاء طاهر فى إبداعاته"، وكتابك الأحدث "القراءة السياسية للقصة المصرية القصيرة"، تركز على جيل الستينيات فى تناولاتك ؟ أين كتاباتك عن الأجيال التالية، ام هناك ثمة خصومة معها؟

( أتصور أن هذا غير صحيح، فكتابى عن بهاء طاهر، رد فعل بالدرجة الأولى، لإنسان ومبدع كان له دورا كبيرا فى حياتى، فضلا عن توافق كتاباته مع ما أحب من الإبداع، فكتاباته، رغم بساطتها الظاهرية، إلا أنها تخبئ كثير من الكنوز، التشعبات والدهاليز الخلفية، أشعر بكثير من الارتياح فى عملية البحث هذه، وما أن اصل لتكوين تلك الشبكة الخلفية، أشعر بأننى فعلت شيئا، أما عن كُتّاب جيل الستينيات فى أحدث الكتب، فإنه ليس إلا مجرد فصل فى الكتاب، الذى تناول مسيرة القصة القصيرة منذ بداياتها عند محمد ومحمود تيمور،  لأحدث المجموعات القصصية والصادرة فى أواخر العقد الثانى من القرن الواحد والعشرين. أى أنه يتناول القصة المصرية القصيرة فيما يزيد عن مائة عام. 

ويضيف: الكتب الأسبق عن القصة القصيرة ك" القصة القصيرة فى زمن الرواية" و" حراس القصة القصيرة – الجيل الثالث" ، كنت حريصا على مواكبة التطور والتغير فى القصة القصيرة، حتى ما سمى ب (ق ق ج) او القصة القصيرة جدا. فضلا عن كتب الرواية التى حرصتُ فيها أيضا على مواكبة الأحدث منها فى الإصدار. وهذا لا ينفى دور جيل الستينيات فى إحداث موجة مهمة بمسيرة كل من القصة القصيرة والرواية، نابعا من حيوية فترة اشتغالهم بالإبداع، وما حمله من تغيرات جذرية فى محيط المجتمع، وهو ما يحتاج لكتب منفصلة.

- ما دوافعك للتفاعل مع الأعمال الإبداعية؟

الحافز الأساسى هو الشعور من القراءة الأولى، أحيانا من الصفحات الأولى، أن العمل يحمل فى باطنه أبعادا غير مرئية، وأن يكون الوصول إليها عبر شبكات متداخلة، فأشعر بالنشوة وأنا أغوص إلى تلك الشبكات، وأتتبعها حتى أتمكن من خلق (عمل) مواز. تلك هى الحالة التى لا أملك مقاومتها.

- كيف تنظر إلى الواقع السردى المصرى والعربى بعد ثورات الربيع العربى ثم كورونا ؟

بالنسبة للربيع العربى، كانت دراستى "دور الرواية العربية فى الربيع العربى" والتى صدرت بذات العنوان من هيئة الكتاب، وقد يكشف الكتاب عما سبق أن ذكرته عن هيئة الكتاب، فبعد صدور الكتاب فى عام 2014، وكان النهر قد مر فيه كثير من المياه، قال لى صديق بعد أن رأى الكتاب (هو فين الربيع ده؟). وأستطيع أن أقول أن دراسة الرواية فى الدول الخمس العربية التى كان بها ما سمى بالربيع العربى، كان يجمعها هموم مشتركة، وكأن العلة واحدة فى كل منها. كما أن للمرأة دور مهم وبارز فى تلك الأعمال، الأمر الذى دفعنى لعمل كتاب آخر تحت النشر بالهيئة –أيضا- هو " رواية المرأة العربية وهموم الوطن". أما عن كورونا، وهى جائحة داهمت العالم أجمع، فمثلها مثل الثورات أو التغيرات العنيفة، ما ظهر منها قد يبدو فى صورة الشعر أو القصة القصيرة، أما فى الرواية، فلا أتوقع أن تظهر الرواية عنها قبل بضع سنوات، اللهم رواية "غربة المنازل" لعزت القمحاوى، وبالتأكيد سيتناول الجيد منها، أحوال البشر فى مواجهة الموت القريب، وفى مواجهة الخوف، والاستسلام. 

- أيهما الأقدر على بلورة الحالة المعرفية أو الفكرية فى ذهن المتلقى، المبدع أو الناقد؟

 ( عندى إيمان راسخ بأن الإبداع والفن عامة، رسالة، ولكنها فى الجيد منه- وفق رؤيتى- رسالة مُشَفرة، تدعو القارئ للبحث عن تلك الشفرة لتلقى تلك الرسالة. وما الناقد إلا قارئ له خبرة فى فك الشفرات، ومساعدة من لم يتدرب عليها. ومن هناك كانت أهمية كل منها، واحتياج كل منهملا للآخر. حتى تتم عملية التوصيل.

- بحكم تجربتك النقدية، هل ترى انتهاء دوره فور الانتهاء من عمله، أم أن الرسالة لاتزال فى حاجة لمن يوصلها؟ 

أتصور إن إجابة السؤال السابق، فيها الرد على هذا السؤال، خاصة أن العملية الإبداعية، لا تسعى لدغدغة مشاعر القارئ، وإنما اصبح العمل الإبداعى مشحون بالمعلومات، بالمستندات،بالإيحاءات، الأمرالذى يتطلب البحث عن أصل كل ذلك، وما دوره فى العمل، وما يكشفه من إسقاطات او إحالات، وهو ما لا يتوافر فى كثير من الأحيان، إن لم يكن أغلبها، إلى متخصص فى البحث، والتأويل، والربط، وهذا ما يفعله الناقد، وهو ما يؤكد من جديد العلاقة المتلازمة لتوصيل الرسالة، من المبدع للمتلقى.

- من كان له الدور الأكبر فى حياة ومسيرة الناقد شوقى عبد الحميد، وكيف تم اختيار الطريق؟

( لا استطيع أن أنكر دور أستاذى بهاء طاهر، منذ أن كنت طالبا فى الثانوي ، كنت أراسله فى "البرنامج الثانى" أى البرنامج الثقافى حاليا. وكيف كان يرحب بنغبشاتى الأولى، إلى أن إلتحقت بالجامعة وبدأت فى زياراته بالإذاعة، وكيف كان يقدمنى لضيوفه الكثر ممن كنت أقرأ لهم، وأحلم برؤيتهم، الأمر الذى منحنى الكثير من الثقة. كما كان ما كتبته عن أولى مجموعاته القصصية "الخطوبة" فى مجلة "الجديد" تحت رئاسة د رشاد رشدى. هو أول قراءة لعمل أدبى يُنشر لى، بعد قراءة لمسرحية هاملت، نشرت فى مجلة المسرح تحت رئاسة د رشاد رشدى أيضا. فكان بهاء طاهر بالنسبة لى هو الأستاذ. بينما كان هناك من الأصدقاء من تركوا فى مسيرتى بصمات لا أنساها، مثل محمد مستجاب، خيرى عبد الجواد، ربيع مفتاح. الذين فتحوا لى فرصة الاحتكاك بالمجتمع الثقافى، والتعرف على كثير من رموزه، وتقديمى فى منتدياته.

 

 

 

 

 

 

تاريخ الخبر: 2022-03-29 12:21:12
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 53%
الأهمية: 53%

آخر الأخبار حول العالم

نتنياهو يرد على "قبول حماس للصفقة" بمهاجمة رفح

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 00:26:09
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 59%

نتنياهو يرد على "قبول حماس للصفقة" بمهاجمة رفح

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 00:26:16
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 66%

مسيرة حاشدة لطلبة كليات الطب وآبائهم بالرباط

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 00:26:26
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 56%

مسيرة حاشدة لطلبة كليات الطب وآبائهم بالرباط

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 00:26:19
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 70%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية