حكايات من دفتر أحوال المناخ”4″ .. اعترافات سكرتيرة الاتفاقية المناخية عن بورصة الكربون


يؤكد العلماء أن السبب الرئيسي في حدوث الموجة القاسية للتغيرات المناخية، هو الأنشطة الصناعية، المفرطة واللهاث خلف التنمية الاقتصادية، وهو حق مشروع للدول، لكنه الحق غير العادل، لأنه خلف الخواء للأحيال القادمة، إذ استتبع الحصول على تلك التنمية، توسعاً في الأنشطة الصناعية على حساب الطبيعية، واستنزاف ثرواتها، وتلويثها، وتجريف مواردها، فما عادت الأرض قادرة على استيعاب الملوثات الناجمة عن الصناعات الضخمة، ولا على الوفاء بحاجات البشر منها، لذلك بدأت رحلة البحث عن حل وسيط يدفع عجلة التنمية للأمام مع الحفاظ على مستقبل يحمل حقوقاً عادلة لأحفادنا، لأن أساس التنمية التقليدية هو النمو الاقتصادي الذي لايبالي بإمكانات الموارد الطبيعية، فإذا كان من الممكن تحقيق التنمية مع حماية الطبيعة واستمرار كوكبنا صالحاً للحياة سيكون هذا هو الحل للمعضلة.

وفي رحلة البحث عن حلول أنتجت المباحثات والاتفاقات والاجتماعات الأممية حلولاً، فتوصل العلماء والساسة إلى ما أطلقوا عليه مصطلح التنمية المستدامة وهي- طبقاً لتعريف الأمم المتحدة – التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بحقوق الأجيال القادمة، وتقوم علي أساس الإدارة الحكيمة للموارد والإمكانات البيئية- لم يكن أمام العالم سوى البحث عن سُبل تحقق هذا النوع من التنمية وتشجيع الدول على ممارستها، والإقلاع عن التنمية التقليدية، التي ستزج بالعالم كله نحو الفناء المتوقع بنهاية القرن الحالي. بسبب ما ينبعث عنها من الكربون المٌسخن للغلاف الجوي.

وابُرمت اتفاقية مؤتمر الأطراف، المسماة Of The Parties” cop “Conference بوصفه هيئتها العليا المسؤولة عن مباشرة ومراقبة التقدم نحو هدف الاتفاقية الذي تم وضعه في دورته الأولى في برلين بألمانيا “1”COP والمقصود به اختصار لجملة مؤتمر الدول الأطراف الأول، وهو ما يعني أن المؤتمر المزمع انعقاده في مصر في شهر أكتوبر المقبل هو السابع والعشرين “cop 27”

اتفاق كيوتو

وفي المؤتمر الثالث (3 COP (الذي عُقد فى مدينة كيوتو باليابان، تكونت مجموعة من الالتزامات المقيـدة قانونـاً لعدد ٣٨ دولة صناعية وعدد ١١ دولة فى سط وشرق أوربا لتعود بابتعاثاتها من غازات الدفيئة – على رأسها الكربون، والتي تظل حبيسة في الغلاف الجوي فترفع درجة حرارة سطح الأرض مؤدية لتغير المناخ وما يستتبعه من كوارث- لتعود بها إلـى متوسط تقريبى مقداره أقل من مستوياتها في عام ١٩٩٠، وسمي ذلك بروتوكول كيوتو للاتفاقية الإطارية . ثم تزايد عدد الدول المنضمة للاتفاقية حتى وصل 197 دولة حتى الآن.

آليات مراكش

وطبقاً لمشروع برنامج الأمم المتحدة للبيئة ” يونيب ” UNEP : الذي أصدر دليل ارشادات تحت عنوان “تنمية القدرات لآلية التنمية النظيفة “للمحـرر مايونج – كايوون، استمرت التفاوضات بعد كيوتو لتنمية التفصيلات التشغيلية (التنفيذية) للبروتوكـول وتطويرهـا.

وفي مؤتمر الأطراف السابع (7 COP (فى مراكش بالمغرب أسس البروتوكول ثلاث آليات تعاونية صممت لتساعد الدول الصناعية الكبرى على تقليل تكاليف الوفاء بخفض النسب المستهدفة من انبعاثاتها، لأنها لن تتمكن من تقليلها، وكان الحل الوحيد عن طريق مشاركتها في إحراز تخفيضات في انبعاثات دول أخرى بتكاليف أقل ممـا هـو في استطاعتها محلياً، ويحسب هذا التحفيض من حصتها المستهدفة والتي لم تتمكن من تخفيضها، ويتم ذلك عن طريق التجارة الدولية للانبعاثات، والتي تسمي تجارة الكربون، فتتيح هذه الآلية للدول أن تطالب باعتماد (شهادة أو سند) لخفض الانبعاثات الناشئ عن استثمار يتحقق في دول صناعية أخرى، وتخفيضات الانبعاثات المعتمدة ” يمكن استخدامها بواسطة الدول أو الشركات المستثمرة، وتمنح آلية التنمية النظيفة الدول وشركات القطاع الخاص فرصة خفض الابتعاثات أينما تكون التكلفـة، على أن تكون التخفيضات تكميلية للإجراءات المحلية التي تتخذها الدول الصناعية الكبرى داخل حدودها .

وبذلك تستهدف آلية التنمية النظيفـة مساعدة الدول النامية فى إحراز التنمية المستدامة بتعزيز الاستثمارات الصديقة بيئيـاً من حكومات الدول الصناعية وقطاعات الأعمال فيها . خاصة وأن الدول النامية محاصرة بحاجاتها الاقتصادية والاجتماعية المُلحة وتحتاج لمشروعات تدعمها اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً توفر الهواء الأنقى والمـاء الأنظـف والاسـتخدام المحسـن للأراضى مصاحبة جميعها بالمنافع الاجتماعية كالتنمية الريفية وتوظيف العمالة، مما يحدث نوعاً من التوازن. والسبب في اللجوء إلي الدول النامية هو أن الاستثمار فيها أقل تكلفة بشكل كبير من الدول المتقدمة وأقل تكلفة من محاولة تخفيض الانبعاثات من مصانع الدول الصناعية المتقدمة.

بمعنى آخر أن الدول النامية تخفض نسبة الانبعاثات، ولأنها غير ملزمة بذلك وفق بروتوكول كيوتنو فإن لها أن تبيع للدول التي بحاجة إلي تخفيض إنبعاثاتها، نسبة هذا التخفيض الذي ويعد ويحتسب رصيداً للدول المشترية ” الدول الصناعية” ويتم ذلك في بورصة اطلق عليها سوق الكربون، وهكذا يمكن للدول النامية أن تستقبل التكنولوجيا صديقة البيئة، والتنمية والمشروعات الضخمة بتكنولوجيا نظيفة، وتتاجر في شهادات الكربون، وتوفر سيولة نقدية وتحقق التنمية المستدامة. وتخفض من انبعاثات الأرض في آن واحد، هذا شريطة التزام الدول الصناعية بتمويل تلك المشاريع والتكنولوجيات في الدول النامية.

يسمي صندوق النقد الدولي هذه الآليات “تمويل الأنشطة المناخية” – أي تمويل الاستثمارات المخفضة للانبعاثات في البلدان النامية – حيث تسمح بتقاسم الأعباء على نحو يتسم بقدر أكبر من المساواة ويساعد الاقتصاد العالمي في الوصول بصافي الانبعاثات إلى مستوى الصفر. وهناك العديد من البلدان النامية على استعداد لزيادة حجم مساهماتها المحددة وطنياً إذا حصلت على تمويل للأنشطة المناخية، ونظراً لأن الفرص الأكبر لتخفيف الانبعاثات بتكلفة أقل موجودة في الاقتصادات الصاعدة في الدول النامية، فإن العمل على انتهاز هذه الفرص سيكون في صالح العالم أجمع.” لكن هل يتم ذلك على النحو العادل؟ هذا ما تخبرنا به حكاية تسعير الكربون.

تسعير الكربون

إن أسواق الكربون أداة لدفع الاستثمارات في العمل المناخي، وخاصةً في الدول النامية. وهو ما تدور المفاوضات آلية التنمية النظيفة حوله، بموجب بروتوكول كيوتو، ويعد نظام تسعير الكربون، الذي قد يأخذ شكل ضريبة الكربون أو أنظمة تداول تراخيص إطلاق الانبعاثات الكربونية (أو ما يعادلها من تدابير أخرى مثل القواعد التنظيمية على مستوى القطاعات) من أهم عناصر استراتيجية خفض الانبعاثات الكربونية. لكن الدعم من خلال الاستثمارات الخضراء وأعمال البحوث والتطوير لن يكون كافياً على الأرجح لتحقيق صافي الانبعاثات الصفرية بحلول منتصف القرن الحالي. بسبب طبيعة السوق ذاتها، هذا رأي فلورنس جوموت نائب رئيس إدارة البحوث بصندوق النقد الدولي، وجريجور شويرهوف الخبير الاقتصادي في ذات الإدارة، واللذان طبقاً لدراسة نشرها الصندوق لهما تحت عنوان ” “نحو الوصول بصافي الانبعاثات إلى الصفر” أكدا أنه :”برفع تكلفة مصادر الطاقة عالية الانبعاثات الكربونية يمكن لنظام تسعير الكربون أن يحفز التحول إلى أنواع وقود أنظف وكفاءة استهلاك الطاقة. وفي المقابل، نجد أن زيادة المعروض فقط من مصادر الطاقة النظيفة سيؤدي غالبا إلى خفض تكلفة الطاقة لكنه لن يحفز كفاءة استهلاك الطاقة بقدر كبير، مما سيتعذر معه بلوغ هدف صافي الانبعاثات الكربونية الصفرية”

مخاطر تأجيل التسعير

وتوضح الدراسة التحليلية المذكورة أن تأجيل التحرك نحو تسعير الكربون لمدة 10 سنوات سيؤدي على الأرجح إلى اتساع هامش التأخر في تحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفرية بحلول منتصف القرن، نظراً لأن الأسعار اللازمة عندئذ لتحقيق تلك الأهداف ستبدو غير مجدية. وسيترتب على هذا التأجيل، مقارنة بسرعة استحداث نظام لتسعير الكربون، أن ترتفع درجات الحرارة وما ينجم عنها من أضرار محتملة على المناخ والاقتصاد لا يمكن تداركها. والتوصل إلى اتفاق حول حد أدنى لأسعار الكربون بين البلدان الرئيسية المسؤولة عن إصدار أكبر قدر من الانبعاثات، مع تمييز الأسعار حسب درجة التطور في تلك البلدان، سيسمح ذلك بسهولة اتخاذ الإجراءات على صعيد تسعير الكربون من خلال معالجة بواعث القلق من احتمال تأثير التحرك الأحادي على القدرة التنافسية للشركات كثيفة استخدام الطاقة والقطاعات المعرضة لمخاطر التجارة، وتحويل الإنتاج إلى البلدان ذات الأسعار الأقل.”

ما سبق يعني أن هناك اختلال في ميزان المواقف الدولية تصفه باتريشيا إسبينوزا الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، معترفة بأنه محل نزاع، حيث يجب إيجاد توازنٍ بين مواقف الأطراف المختلفة. فهناك قضايا متنازع عليها، فيما يخص تسعير الكربون، وحقوق الدول النامية فيه، كذلك هناك قضية شائكة، هي الاعتمادات التي تم إصدارها بموجب آلية التنمية النظيفة. والتي تقدمت الدول النامية بمشاريع للحصول عليها، وتمت الموافقة على هذه الاعتمادات، من خلال عملية صارمة للغاية. ولكن بعد ذلك لم يتم شراء الاعتمادات، فما الذي سيحدث لتلك الاعتمادات إذا انتقلنا إلى نظامٍ جديد، في ظل أنها كانت محمية بموجب المادة 6 في بروتوكول كيوتو، والتي تسمح للبلدان المدرجة في المرفق الأول أو للشركات من تلك البلدان بتنفيذ المشروعات تنفيذا مشتركاً للحد من الانبعاثات أو تقليلها أو لزيادة المصارف، كما تسمح بتقاسم وحدات خفض الانبعاثات

وهو ما دعا باتريشيا للاعتراف قائلة:”لدينا مواقف متطرفة مختلفة. والدول التي لا تزال لديها اعتمادات تريدها بالطبع أن تنتقل إلى آلية جديدة للسوق. فيما تعتقد دولٌ أخرى أنه إذا أدخلنا هؤلاء في الآلية الجديدة فسوف يتسبب ذلك في اضطراب. علينا إيجاد توازن بحيث نعترف بأن هذه الاعتمادات تمت في إطار عملية متفق عليها للأمم المتحدة، ولكن في نفس الوقت، تعلمنا من تلك التجربة ولن نرتكب نفس الأخطاء. يمكننا بناء آلية سوقٍ جيدة جداً وقوية مع الاعتراف بهذه الحقائق السياسية” فهل تصدق باتريشيا أم أننا نظل في حالة نزاع وتظل الدول النامية ضحية لأخطاء الدول الصناعية الكبرى. فالدول ليست مؤسسات فقط ولكنها مجموع المؤسسات والمواطنين الذين لهم حقوق عادلة مناخياً في كل بقعة على هذه الأرض.

تاريخ الخبر: 2022-04-02 12:21:09
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 57%
الأهمية: 61%

آخر الأخبار حول العالم

يُتوقع تسليمه شهر نوفمبر: تسارع وتيرة إصلاح المصعد الهوائي بعنابة

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 03:24:32
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

قيادي بحماس: إذا استمر العدوان فلن يكون هناك وقف لإطلاق النار

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 03:26:08
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 64%

قيادي بحماس: إذا استمر العدوان فلن يكون هناك وقف لإطلاق النار

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 03:26:00
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 67%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية