وصف بأنه “حامل أسرار الشوارع”، وقال متأسيا يائسا: “سأخون وطني”، إنه الشاعر والكاتب السوري الكبير محمد الماغوط، الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من العام 2006.

ولد محمد الماغوط في قرية السلمية بريف حماة في محافظة حماة السورية عام 1934. وكان شاعرا مشاكسا مقاتل بالكلمات، عاصف صادم يغرد خارج السرب٬ امتلك من الشجاعة الكافية أن يعلنها عالية ومدوية: "عمرها ما كانت مشكلتنا مع الله، مشكلتنا مع الذين يعتبرون نفسهم بعد الله" ليكشف مبكرا عن محتكري الله لأنفسهم والحديث باسمه وكأنهم أوصياء عليه.

كانت حياة الشاعر محمد الماغوط، حياة قاسية بالفقر والشتات والحزن، غيرت تجربة السجن قبل بلوغه العشرين مجرى حياته٬ فتحول من مجرد فلاح بسيط إلي كائن آخر يسكنه الرعب وتتقاذفه الكوابيس٬ وهو ما أفصح عنه بلسانه في إحدي المقابلات: "السجن والسوط كانا معلمي الأول، وجامعة العذاب الأبدية التي تخرجت منها، إنسانا معذبا، خائفا على الأبد.

كتب عن محمد الماغوط مواطنه الشاعر "ممدوح عدوان" فقال: "اكتشفت أنه موجود في ضميري الذي أخاف منه، تسربت كلمات له كانت مروعة من وجداني فذكرتني بحقي الذي منحني إياه منذ طفولتي في الاعتراف بالخوف والذل والكبت، لم يظهر محمد الماغوط صوتاً في المشهد الشعري العربي في الخمسينيات، بل انفجر فيه قنبلة فراغية، ومنذ أصواته الأولى كان شاعراً فاجراً ومنفجراً، هذا الرجل الذي لم يهتم بوزن ولا قافية ولا آداب ولا شعائر سياسية، رأى نفسه مشرداً وجائعاً وخائفاً فعرف ببداهة الإنسان الأول أن العالم متآمر عليه، ولذلك فإن مؤامرة أخرى في هذه الدنيا الخادعة لم تكن تصلح لإلهائه عن مجابهة تلك المؤامرة الكونية، ولأنه لا يخجل من دموعه ومن هزائمه ومن الاعتراف بإذلال العالم له، فقد علمنا أن الاعتراف بهذا الذل هو النصر الوحيد الذي بقي لأناس مثلنا في عالم مثل هذا العالم.

ــ لم تتعد أحلامه حدود قريته “سليمة”

لم يكن حلم محمد الماغوط أن يكون أكثر من مزارع في قريته “سليمة”، لكنه تحول إلي ألمع الكتاب في عصره، فنظم الشعر وعمل بالصحافة وألف أجمل الأفلام والمسرحيات والمسلسلات التليفزيونية. كان محمد الماغوط مبدع حتي لما قرر يخون وطنه، والذي بدأ وحيدا وانتهي وحيد لكنه لم يتخلي في يوم من الأيام عن مبادئه وأحلامه. 

منذ صغره وكان الشاعر محمد الماغوط ناقم علي وضعه الاقتصادي وهو ما ترك كبير الأثر علي شخصيته وكتاباته بكافة مراحل حياته. ولأول قصيدة ينشرها محم الماغوط حكاية تعكس بمرارة  وطرافة الواقع كما كان يراها الماغوط.

وما كان توقف محمد الماغوط في التعليم عند المرحلة الثانوية نتيجة كسل منه أو حتي ضعف قدرات، وقصة هروب الماغوط من المدرسة يمكن وصفها بالمضحك المبكي أو الكوميديا السوداء، في الوقت الذي لم يكن التعليم والهروب من الدراسة بالنسبة لـ محمد الماغوط حاجز أمام نبوغه وتألقه الإبداعي في الإنتاج الأدبي، فقد كان محمد الماغوط طفرة واستثناء بين أقرانه ومثقفي زمنه وأبرز المبدعين في الأدب الساخر.

ــ محطات في حياة محمد الماغوط

حمل محمد الماغوط اسم عائلة والدته “ناهدة الماغوط”، وسجن لأول مرة  بتهمة الانتماء للحزب القومي السوري، فكان السجن مكان إنطلاق إبداعاته الأولي. يقول محمد الماغوط عن فترة سجنه في حوار متلفز معه: "في السجن تعرفت علي أدونيس وصممت له مسرح في السجن بكل ما تستلزمه العملية المسرحية من ديكور وحوار وأكسسوار.

عما يثير مخاوف محمد الماغوط، تابع في نفس الحوار المتلفز: "أنا لا أرتجف من البرد ولا من الجوع، ولكنني أرتجف من الخوف، الخوف هو فقدان الحرية، وإنعدام الحرية هو هذا الخوف .

سافر محمد الماغوط إلي بيروت وهناك أصدر ديوانه الشعري الأول بعنوان “حزن في ضوء القمر”. تزوج الماغوط من الشاعرة سنية الصالح، وعمل في عدد من الصحف السورية والعربية. واشتهر محمد الماغوط بشعره النثري وكان لاذعا في انتقاده.