عين على أولياء مراكش.. الولي الصالح سيدي أحمد السوسي – الحلقة الاولى


بدر الدين البوعمري

على بعد أمتار شحيحة من قبة الإمام سيدي بن سليمان الجزولي، وعلى مرمى حجر من ضريح شيخ الحضرة القطب سيدي بوعمرو القسطلي، يرقد ولينا الصالح، الفقيه العالم، و أحد رجالات مراكش البررة، سيدي أحمد السوسي بحي صغير ، هادئ و جميل يحمل الإسم نفسه. فضاء جاورته ردحا من الزمن،وأفنيت زهرة طفولتي و شبابي بين أزقته و دروبه. قلة من يعرفون هذا الحي المنزوي وسط حومات قديمة ، وعريقة من قبيل سيدي بن سليمان، و الزواية العباسية، ورياض العروس…

لطالما راودني سؤال ملح عن حياة الشيخ، ونشأته و تاريخه، وعلمه، وما إلى ذلك. فكنت اكتفي بالقول بأنه ولي من أولياء الله الصالحين، عاش قبل قرون بهذه الرقعة المباركة حيث دفن و ابنه إلى جواره. لكني حين هممت بإماطة اللثام عن تاريخ الشيخ، و سبر أغوار حياته، غشتني الدهشة، و حاصرتني سيوف الحيرة لما علمت أن الراحل

علم من أعلام المدينة الحمراء العظماء الذين بصموا على تاريخ حافل بالفقه و التصوف. و أفنوا حياتهم في البحث عن كنه الحقيقة الربانية، و تحصيل العلوم، و المدارك. و ضحوا بالغالي و النفيس من أجل البر بالفقراء، و إطعام المساكين، ومد يد العون للمحتاجين. و تلقين العلوم للطلاب و المريدين. و قد سار نجله أحمد العباس على دربه، و اقتفى أثره في ذلك.

ولئن حظي رجالات مراكش وأعلامها من أولياء، وفقهاء بنزر وافر من الترجمة، و التأريخ و التحقيق، على غرار السبتي، و القاضي عياض، و الجزولي، و التباع، و غيرهم. فإن الشيخ سيدي أحمد السوسي، وكذا نجله أبي العباس لم ينالا نفس الحظوة، وبقيت المعلومات المتواترة عنهم شحيحة ومحدودة، بل ومتكررة في عدة مصنفات، غالبيتها من تأليف تلامذتهما، أو مريديهما، و أتباعهما الأوفياء.

حيــــــاته

تتفق جل التراجم، و المؤلفات التاريخية على أن الشيخ سيدي أحمد السوسي مراكشي النشأة و المولد. عاش إبان الحكم السعدي صدر القرن الحادي عشر الهجري. فيما يرجع أصله إلى منطقة مداس إحدى قبائل المصامدة.حيث انشغل في سنواته الأولى ببعض الأعمال، لكن فؤاده ظل تواقا لبلوغ الطريقة المثلى، و الرقي بالنفس، وإدراك الحقيقة الربانية التي تزيل ما بقلبه من عيوب و شوائب . يقول عنه بن ابراهيم المراكشي 1″ أحمد بن علي بن محمد بن علي بن صالح المداسي المراكشي الشهير بالسوسي لقبا، الشيخ الصالح، ذو السر الواضح . بنو مداس شعب من شعوب المصامدة. ولد رحمه الله بمراكش في حدود الخمسين و ألف ، سافر به جده لأمه للحجاز، فحج به وهو صبي، قفل به للمغرب فلبث بمراكش يعاني بعض الصنائع، ثم تاقت همته للسلوك على يد شيخ يصفيه من رعونات نفسه ، و يرقيه عن أطوار حسه، فتجول في بلاد المغرب يلتمس شيخا تجتمع عليه همته ، ويسلم له باطنه ، فطاف على المنتسبين للمشيخة و أعمال الرحلة للمتسمين بالتصوف بأرجاء المغرب كله. فلم يجد عند أحد منهم ضالته المنشودة، وأمنيته المقصودة ، إلى أن أدته خاتمة المطاف للشيخ أبي القاسم ابن للوشة السفياني فقصده و لبث عنده أياما فلم يظهر له ما يقنعه ” .

وقد كان رحمه الله شغوفا بالعبادات، مثابرا على التفقه في المسائل الدينية، حريصا على تحصيل العلوم و المدارك. يطوي البقاع، و يشد الرحال لأجل ذلك دون كلل أو ملل. فما انطفأت جذوته، و لا ضعفت همته لتحقيق مراده. متأثرا في ذلك بالطريقة الجزولية، الشاذلية : 2″ فرجع إلى فاس واستقر بجامع منها ، و شمر للعبادة ذيله،و عمر بالطاعة أوقاته،فكان على ذلك مدة إلى أن قيض الله له بعض أهل البصائر فكان يتعاهده و يفاوضه في مسائل الطريق ، فذكر له أنه بحث عن شيخ كامل في الوقت توجه إليه بكليته ، و يداوي به عضال عيوب نفسه ، فلم يجده . فقال له إن هذا في وقتك لموجود على وفق ما قصدته ، و هو أبو القاسم ابن للوشة ، فقال قد جئت من عنده فما رأيت شيئا فقال له لو رأيت أصحابه و ما هم عليه من المحبة و الاجتهاد في العبادة لظهر لك مصداق ما أشرت به عليك، فسار به إلى رابطتهم التي يجتمعون فيها ، فعاين من أحوالهم عجبا عجابا،و رأى عليهم من العناية جلبابا، و بقرب ذلك ذهبوا لزيارة شيخهم ، فسار معهم فلما أقبلوا على الشيخ قال له من بينهم مرحبا بالسوسي فطعن في قلبه ، و أخذ منه بسويداء لبه ، و وجه إليه الشيخ همته، فاستنار باطنه ، و استقام أوده ،وتمكنت محبة الشيخ منه بحيث صار أقرب من نفسه التي بين جنبيه ، فجلس بزاوية شيخه يستقي الماء للزائرين ، ويطبخ لهم، و يقال إن الشيخ أخذ برأسه ورأس بن عزوز المكناسي نزيل زيوار تونس و قارن بينهما ، و قال هذه الزوجة أردت أن أحرث بها ، و أشار برأسه نحو المشرق و لم يزل بزاوية شيخه المذكور و الشيخ لا يناديه إلا بالسوسي حيثما كان . فشاع ذلك عليه بين الفقراء ، وبقي له لقبا إلى الآن”

ولم يكتف شيخنا بالسعي الحثيث وراء الفقهاء ، و العلماء داخل المغرب، بل تجاوزه إلى أبعد من ذلك، حيث شد الرحال رفقة ثلة من رفاقه ـ بايعاز من شيخه ـ إلى أرض المشرق حيث لبث هناك ببلاد القيروان، و مكث بها قدرا من الزمن 3 ” ثم إن الشيخ أمره في لمة من الفقراء أن يذهبوا للمشرق، فذهبوا فجاور هو و علي بن عزوز و شاعت بركاته و كثر زائروه، و كان منه ما كان ، و بقي صاحب الترجمة في صحبته إلى أن أذن له في التصدر للمشيخة و رفع الراية لتربية المريدين، فخرج من تونس بعد أن أتاه جماعة من أرباب القلوب و أصحاب البصائر و أمروه بالتوجه إلى مراكش و أخبروه أن بها يكمل أمره و هددوه إن لم يفعل ، فقدم مراكش في عشرة من الثمانين و انثال الناس لزيارته و قصدوه من كل جهة ، و طار له بها طائر الاشتهار، فتلمذ له قوم و نفع الله به.”

هوامش
-1-2 – الإعلام بمن حل مراكش و أغمات من الأعلام : ص : 363

تاريخ الخبر: 2022-04-05 12:15:24
المصدر: كِشـ24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 43%
الأهمية: 48%

آخر الأخبار حول العالم

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (٢)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-02 06:21:50
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 50%

تراجع جديد في أسعار الحديد اليوم الخميس 2-5-2024 - اقتصاد

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 06:21:03
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 54%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية