تمثل المستشرقة الألمانية آن ماري شيمل، والتي ولدت في مثل ذا اليوم من العام 1922 استثناءا يثبت قدرة النساء علي خوض جميع مجالات المعرفة الإنسانية، ومن بينها الاستشراق، حيث أجادت آن ماري شيمل ثلاثة عشر لغة من بينها اللغة العربية. وهي واسعة الثقافة والقراءة، عاشقة للكتب، والتي كانت تشاركها منزلها في الولايات المتحدة الأمريكية، ففي كل ركن من أركانه هناك الآلاف من الكتب المكدسة.

حصلت آن ماري شيمل علي الدكتوراه في القضاء والقانون وكان موضوع رسالتها عن “مصر المملوكية”، وأحبت التصوف وعشقت مولانا جلال الدين الرومي بشكل كبير، وزارت قبره في مدينة قونية، وقامت بترجمة العديد من النصوص الصوفية إلي العديد من اللغات الأجنبية، وبالتالي قدمت إلي العالم الوجه الحضاري للإسلام والمتمثل في الصوفية والتصوف وأبرز وجوهه.

ومن أهم ترجمات آن ماري شيمل، ترجمتها لنصوص من الحلاج، جلال الدين الرومي، فريد الدين العطار صاحب "منطق الطير"، كما ترجمت كتاب “بدائع الزهور” لـ ابن إياس، مقدمة ابن خلدون، وأشعار الشاعر الباكستاني محمد إقبال وغيرها.

ومن مؤلفات آن ماري شيمل نذكر من بينها: “الأبعاد الصوفية في الإسلام وتاريخ التصوف”، “روحي أنثي”، “الشمس المنتصرة” دراسة عن الشاعر المتصوف جلال الدين الرومي، “الجميل والمقدس”، “رمزية الحروف في المصادر الصوفية”، “عنادل تحت الشمس”، “عيسي ومريم في التصوف الإسلامي”، “الأحلام وتعبيرها في الثقافة الإسلامية” وكتاب “الشرق والغرب .. حياتي الغرب شرقية”.

ــ آن ماري شيمل من أهم المستشرقين في العصر الحديث

ويشير خالد محمد عبده، في كتابه "المستشرقون والتصوف الإسلامي"، إلي أن ماري آن شيمل تعتبر من أهم المستشرقين في العصر الحالي، وهي محل ثقة وإجماع في الشرق والغرب٬ كونت جيلا وأطرت الكثير من الباحثين الذين طوروا بحثها. و أن إهتمام شيمل توزع علي كافة فروع الإسلاميات وليس التصوف فقط، ففي الخط والرسم والفنون كان لها إسهامها وفي الأدب العربي كذلك٬ وفي الحوار الإسلامي المسيحي وفي التاريخ.

تعلمت "شيمل" الكثير من دروس مولانا جلال الدين، واستحضرته في لقاءاتها العلمية ومحاضراتها٬ وكانت تحفظ الكثير من حكايات المثنوي وحكم الرومي الغزيرة المعني٬ وحاضرت عن الرومي في إيران وطشقند وبخاري وباكستان وأفغانستان وأمريكا وتركيا. ومن الرومي إنتقل الإهتمام بالمرأة الصوفية فـ"روحي أنثي"- كتابها عن الأنوثة في الإسلام- دليل علي سعة الإطلاع وإتساع التجربة وثرائها٬ عرفتنا من خلاله بنساء غير معروفات في الدرس العربي حتي اليوم٬ فلم يقتصر إهتمامها بالنسوة المتعبدات الشهيرات كما فعلت"مارجريت سميث"، بل من متون كتب التاريخ والحديث والتفسير والفقه إستخرجت حكايات النساء معتمدة في ذلك علي مدونة مصدرية بلغات تزيد علي العشرة٬ مضيفة إلي ذلك إطلاعا علي بحوث وكتب حول هذه الثقافة بالألمانية والإنجليزية والفرنسية٬ والإيطالية والإسبانية وغيرها.

كانت "آنا شيمل" تنظر إلي الشرق من منظور متحمس بعين المحب الهائم٬ الذي يعيش تاريخا يفارقه الواقع أحيانا ويبتعد عنه أحيانا وينتقي وينتخب منه ما أراد٬ لكن نظرتها هذه لم تمنعها من التعاطي مع الأمور بمنهجية علمية.

وأكدت "شيمل" بإستمرار أنها نصرانية الدين بروتستانية المذهب٬ إلا أن تناولها للثقافة الإسلامية بشكل عام إنطوي علي الحرارة والقوة اللتين لا يتوقعهما المرء عادة إلا من مسلمة قوية الإيمان.

وتشير "شيمل" إلي الفلسفة الهندية القديمة التي كانت تعرف وحدة الوجود٬ أي أنه لا يوجد إلا حقيقة أصلية واحدة وأن مقصد الإنسان الأعلي وغايته العليا معرفته هذه الوحدة الأصلية.

ــ الأنوثة في الإسلام

تذهب الباحثة والمترجمة “لميس فايز”، إلي أن آن ماري شيمل دائما ما يرتبط اسمها بــ" جلال الدين الرومي"، وأن كتابها الشهير عنه “الشمس المنتصرة” والذي كتبته في ١٨٠٠ صفحة جمعت فيه أكبر قدر من سيرة حياته من خلال المخطوطات الأصلية، وهي أكثر مستشرقة أفاضت في الشرح والتعليق علي سفر الرومي الكبير المعنون بـ “المثنوي”، وهو ديوان ضخم يصل إلي ٢٧ ألف بيت كتب بالفارسية في القرن الثالث عشر.

وتلفت “فايز” إلي أن آن ماري شيمل من الشخصيات المحببة في العالم العربي والإسلامي علي العكس من غيرها من المستشرقين الذين يرتبط ذكرهم بذكريات سيئة عن الإسلام والمسلمين.

توفيت آن ماري شيمل في العام ٢٠٠٤ في مدينة بون الألمانية، ودفنت وأوصت بأن يكتب علي شاهد قبرها بالعربية: “الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا”، وهي الوصية التي نفذت، فإذا ما زرت يوما المقابر المسيحية في مدينة بون، ستجد شاهد قبر آن ماري شيمل وعليه هذه المقولة للإمام “علي ابن أبي طالب” باللغة العربية: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا.