محمد لعرج وزير الثقافة والاتصال الأسبق: تحملت ضغط قيادة 5 قطاعات وزارية خلال 3 أشهر وعرفت بانتهاء مهمتي من الصحافة


  • حاوره: محمد كريم بوخصاص

يعتبر محمد لعرج من أكثر الوزراء الذين أمسكوا مقاليد تدبير أكثر من قطاع حكومي في مدة لا تتجاوز عامين ونصف، حيث تولى تدبير قطاعي الثقافة والاتصال بشكل مشترك، قبل أن تنضاف إليهما مؤقتا ثلاثة قطاعات حكومية “ثقيلة” هي التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي، لكنه استطاع أن ينهي مهمته رغم حجم الضغوط النفسية والصحية التي تعرض لها بسلام، مستفيدا من خلفيته الأكاديمية، كونه أستاذا جامعيا متخصصا في القانون الإداري والدستوري، وتجربته البرلمانية لكونه كان برلمانيا لثلاث ولايات متتالية.

في هذا الحوار من سلسلة “ذاكرة وزراء سابقين”، يعود لعرج بذاكرته إلى الفترة ما بين أبريل 2017 وأكتوبر 2019 التي قضاها وزيرا للثقافة والاتصال في النسخة الأولى لحكومة سعد الدين العثماني، ليسترجع بعضا من كواليس وحيثيات استوزاره باسم الحركة الشعبية، ويتحدث لأول مرة عن الطريقة التي تم بها التخلي عنه من الحكومة، حيث تابع كباقي المواطنين الاستقبال الملكي لأعضاء حكومة العثماني في نسختها الثانية والتي لم يكن ضمنها، كما يُقَدم تصورا عن علاقته الخاصة برئيس الحكومة، وكيف كان يوزع وقته بين الثقافة والاتصال قبل أن يكون مضطرا إلى توزيعه على خمسة قطاعات، فكان برنامجه اليومي يبدأ من الثامنة صباحا وينتهي في العاشرة ليلا.

 

عُينت في أبريل 2017 وزيرا للثقافة والاتصال في حكومة سعد الدين العثماني، كيف عشت لحظة التعيين؟ وهل كنت تتوقع أن تصبح وزيرا؟

> لحظة التعيين كانت تاريخية في مساري الإنساني والسياسي والمهني كأستاذ جامعي بكلية الحقوق بفاس، ونائب برلماني منذ 2007 عن دائرة الحسيمة، ولازلت أتذكر جيدا مضمون الاتصال الذي تلقيته من الديوان الملكي في 4 أبريل 2017، والذي حدد موعد الوصول إلى القصر الملكي في اليوم الموالي لتعيين جلالة الملك حكومة سعد الدين العثماني.

لا أخفيك أنني بعد هذا الاتصال شعرت بالافتخار وبثقل المسؤولية في الآن ذاته، لأن الأمر تشريف وتكليف، وأصبح كل ما يشغل تفكيري منذ تلك اللحظة النجاح في هذا المسار السياسي الجديد، خاصة بعد أن عرفت أثناء التعيين بهوية الحقيبة الوزارية التي أنيطت بي، وقد ساهمت تجربتي البرلمانية الممتدة من 2007 إلى 2017 في تسهيل مأمورية تدبيري لقطاعي الثقافة والاتصال لمدة سنتين ونصف.

وبصدق، مازالت لحظة تعييني من طرف جلالة الملك محفورة في ذاكرتي إلى اليوم باعتبارها لحظة تاريخية فارقة في حياتي الشخصية ومساري السياسي والمهني.

قبل أن تتلقى الاتصال من الديوان الملكي، هل كنت على علم بأنك ستكون ضمن الشخصيات التي سيتم استوزارها؟

> لم يكن لدي أي علم بالموضوع قبل هذا الاتصال، وقد كنت حينها نائبا برلمانيا. صحيح كانت بعض التسريبات المتعلقة بمفاوضات تشكيل الحكومة تثير اسمي، لكني لم أتلق أي اتصال من أي طرف حول الموضوع، إلى أن جاء الاتصال من الديوان الملكي الذي أكد استوزاري، وحتى الاتصالات التي جمعتني قبل ذلك اليوم بالأمين العام للحزب امحند العنصر لم تتضمن أي إشارة إلى أني سأتولى حقيبة وزارية.

لكن اسمك كان حاضرا في وسائل الإعلام كمرشح للاستوزار مع استمرار مفاوضات تشكيل حكومة العثماني؟

> نعم، كان اسمي حاضرا ضمن التسريبات والإشاعات المروجة، لكن لم يكن هناك أي تأكيد قبل الاتصال من الديوان الملكي، كما أن اسمي لم يكن الوحيد المطروح من حزب الحركة الشعبية، ففي تلك الفترة كان يتم تداول أسماء عدد من قيادات الحزب لتقلد مسؤولية حكومية.

رغم عدم علمك بموضوع استوزارك، هل كان تعيينك مفاجئا بالنسبة إليك أم كنت تتوقعه بالنظر إلى مسارك السياسي؟

> رغم تقلدي مسؤولية رئاسة الفريق الحركي بمجلس النواب في الفترة ما بين 2013 و2016، إلا أنني لم أتخيل يوما أن يتم تعييني في منصب وزاري، بل كان كل طموحي في تلك الفترة أن أستمر رئيسا للفريق في مجلس النواب، وكنت مقتنعا أن المسار مازال طويلا قبل تولي أي حقيبة وزارية.

إذن كان استوزارك مفاجأة بالنسبة إليك؟

> طبعا، شكل مفاجأة لأني كنت مقتنعا أنه ما يزال أمامي مسار سياسي طويل لأصل إلى مرحلة تقلد منصب في حكومة جلالة الملك.

رغم أنك لم تتوقع استوزارك، لكن المؤكد أن هناك عوامل ساهمت في ذلك، أليس كذلك؟

> في انتخابات أكتوبر 2016 كنت ظفرت للمرة الثالثة على التوالي بمقعد برلماني عن دائرة الحسيمة، لكني شخصيا لم أتوقع أن أصير وزيرا في تلك الولاية التشريعية، وطبعا يبقى تعييني مبعث افتخار لي ولعائلتي.

ماذا عن أفراد عائلتك الصغيرة؟ هل شكل استوزارك مفاجأة لهم أيضا؟

طبعا، كان الخبر مفاجئا لهم أيضا، وأتذكر أني بمجرد أن تلقيت الاتصال من الديوان الملكي والذي كان في حدود الساعة السادسة مساء على أساس الحضور إلى القصر الملكي بالرباط في الثالثة مساء من يوم الغد، انتقلت إلى منزل الوالدة وأخبرتها بذلك، فعمت الفرحة كل أفراد العائلة.

 

متى عرفت هوية بقية أعضاء الحكومة؟ هل حصل ذلك قبل دخولك إلى القصر الملكي؟

> تعرفت على أعضاء الحكومة داخل المشور السعيد، بمن فيهم الأعضاء بالمكتب السياسي للحزب كالدكتورة فاطنة لكيحل التي عينت كاتبة للدولة مكلفة بالإسكان والأستاذ حمو أوحلي الذي تقلد منصب كاتب دولة مكلف بالتنمية القروية والمياه والغابات، وطبعا لم أكن أعرف القطاع الذي سأتولى تدبيره إلى أن تم الاستقبال الملكي.

هل معنى ذلك أنك لم تعرف أن حقيبة الثقافة والاتصال سَتُناط بك إلا حين المناداة عليك للوقوف أمام جلالة الملك؟

> نعم. لم أعرف القطاع الذي سأدبره إلا حين المناداة على اسمي أثناء الاستقبال الملكي، وطبعا كانت بعض التسريبات تتحدث عن تعييني وزيرا للثقافة والاتصال لكني لم أكن متأكدا من ذلك إلا حين سمعت اسم الحقيبة الوزارية عند استقبالي من طرف جلالة الملك.

ألم يخبرك الأمين العام للحزب امحند العنصر الذي كان يحضر مفاوضات تشكيل الحكومة بهوية الحقيبة الوزارية؟

> السي العنصر هنأني مباشرة بعد الاتصال الذي تلقيته من الديوان الملكي، بعد أن اتصلت به لأخبره بما جرى، وقد فهمت منه أنه كان على علم أنني سأتولى منصبا وزاريا، لكنه لم يكن يعرف هوية القطاع الذي سَيُنَاطُ بي.

 

قضيت عامين ونصف في الوزارة، فأي القطاعين الحكوميين الذي كان يأخذ منك الوقت الأوفر؟ الثقافة أم الاتصال؟

> كنت أحرص دائما أن أكون عادلا في توزيع الوقت والجهد بين قطاعي الثقافة والاتصال، حيث كنت أتواجد يوميا بين الساعة التاسعة صباحا والثانية زوالا في مقر قطاع الثقافة، فيما أنتقل إلى مقر قطاع الاتصال في الساعة الثالثة وأبقى حتى السابعة أو الثامنة مساء، وهكذا اشتغلت بهذه الاستراتيجية طيلة مدة استوزاري.

قلت سابقا إن تدبير قطاع الاتصال تطلب منك اجتهادا أكبر، كيف دبرت العلاقة مع الفاعلين في الاتصال، خاصة الصحافيين؟

> حرصت في الأشهر الثلاثة الأولى على استقبال كل الفاعلين في وزارة الاتصال مثل النقابة الوطنية للصحافة بالمغرب والفدرالية المغربية لناشري الصحف، والاطلاع على كل الملفات المرتبطة بالقطاع. وبخلاف قطاع الثقافة لم تكن لدي دراية كبيرة بالقطاع، باستثناء بعض القوانين التي كانت تُعرَض على المؤسسة البرلمانية كمدونة الصحافة والنشر بقوانينها الثلاث (قانون الصحافة والنشر وقانون إحداث المجلس الوطني للصحافة والقانون بشأن النظام الأساسي للصحافيين المهنيين)، كما حرصت على الاستماع لكل الصعوبات والإكراهات المرتبطة بالقطاعين، ومع الوقت تشكلت لدي فكرة عن طريقة تدبير القطاع.

البعض من داخل الحكومة كان يعتبر أن قطاعي الثقافة والاتصال غير استراتيجيين عكس قطاعات حكومية أخرى، هل كنت تلمس ذلك؟

> لا أتفق مع هذا الرأي، لقد اشتغلت على مناظرة في قطاع الثقافة حول «الصناعة الثقافية» من منطلق أن الثقافة كما في العديد من الدول تساهم في النمو الاقتصادي للبلاد، كما اشتغلت على «صندوق العمل الثقافي» الذي كانت ميزانيته السنوية لا تتجاوز 35 مليون درهم، ونجحت في سنة واحدة في رفع مداخيله إلى 180 مليون درهم بفضل رسوم الولوج إلى المآثر التاريخية.

كنت دائما أقول لأطر وزارة الثقافة إن عمل الوزارة لا ينبغي أن يقتصر على تدبير الميزانية العامة المحددة في 700 مليون درهم والموزعة بين 350 مليون درهم للتسيير و350 مليون درهم للاستثمار، بل يمكن توفير مداخيل إضافية من خلال الاستثمار في المآثر التاريخية وتدبير التراث المادي واللامادي.

كانت لدي مقاربة جديدة تنطلق من أن الثقافة يمكن أن تساهم في النمو الاقتصادي للمملكة والناتج الداخلي الخام كما يحصل في دول عديدة، والسياحة الثقافية نموذج لما يمكن أن توفره الثقافة من عملات. وفي هذا الإطار، فقد اشتغلت على إعداد قانون جديد للتراث المادي واللامادي للمغرب والذي مازال لحد الآن في الأمانة العامة للحكومة، وأيضا تطوير عدد من المؤسسات مثل المكتب المغربي لحقوق المؤلف الذي كانت ميزانيته في البداية لا تتجاوز 6 مليون درهم سنويا قبل أن تنتقل من خلال إخراج مجموعة من المراسيم التطبيقية إلى 20 مليون درهم، وكل ذلك كان يساهم في إعطاء بعد اقتصادي ومالي للمؤسسات التي توجد تحت وصاية قطاعي الثقافة والاتصال.

 

أنيطت بك مهمة تدبير قطاعين حكوميين في حقيبة وزارية واحدة، كيف عشت هذه التجربة؟

> كما قلت سابقا، فإن المسؤولية الحكومية صعبة، وقد انتابتني مخاوف في البداية من الفشل في المهمة، لكني تسلحت بالإرادة القوية والطموح الكبير لتجاوز الإكراهات والصعوبات، خصوصا في قطاع الاتصال الذي يضم متدخلين متمرسين والذي تطلب مني الكثير من الاجتهاد، أما قطاع الثقافة فقد كنت أعرف طريقة تفكير الفاعلين الأساسيين فيه من المثقفين والكتاب والمبدعين، وعموما فقد نجحت في تبديد كل المخاوف مع مرور الوقت بفضل تعاون مدراء القطاعين والفاعلين الأساسيين.

هل ذهبت إلى مقر الوزارة مباشرة بعد التعيين الملكي؟ وما هو أول شيء قمت به؟

مباشرة بعد تعيين الحكومة، كان لدي لقاء مع قيادة الحزب في منزل السيد الأمين العام للحركة الشعبية، ثم تلقيت اتصالا من الأمانة العامة للحكومة ورئاسة الحكومة من أجل مباشرة تسليم السلط في اليوم الموالي مع الوزيرين السابقين المكلفين بالثقافة والاتصال، وكانت البداية في العاشرة صباحا من اليوم الموالي بمقر وزارة الثقافة مع الوزير السابق محمد أمين الصبيحي وكانت فرصة للتعرف على مدراء وأطر الوزارة، وفي الزوال حصل تسليم السلط مع السيدة بسيمة الحقاوي التي كانت مكلفة بتدبير قطاع الاتصال.

ماذا عن المؤسسة الملكية؟ هل كانت مشاريعك تحظى بدعم ملكي؟

> طبعا، لابد من التذكير أن جلالة الملك محمد السادس كان يولي لقطاع الثقافة عناية خاصة، وفي هذا الإطار، كنت أتلقى باستمرار اتصالا مباشرا من مستشاري جلالة الملك والديوان الملكي لتقديم توجيهات في ما يخص عددا من المواضيع المتعلقة بدعم الكتاب والمثقفين والاهتمام بالتراث المادي واللامادي، كما تم توقيع عدد من الاتفاقيات أمام أنظار جلالة الملك والتي تتعلق بتأهيل المدن التاريخية مثل فاس ومراكش والرباط ومكناس.

هل كنت تتلقى اتصالات مباشرة من جلالة الملك؟

> كان الاتصال دائما يتم عبر مستشاري جلالة الملك.

ألم يحصل أي تواصل مباشر؟

> لم يحصل اتصال مباشر بمعنى الكلمة، لكن جلالة الملك كان يسألني في بعض الاجتماعات أو الاستقبالات الملكية عن بعض الملفات.

 

خلال تنزيل تصورك في قطاعي الثقافة والاتصال، هل كنت تجد الدعم اللازم من لدن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني؟

> كنت أجد دعما متواصلا من لدن رئيس الحكومة، وكنت ألمس ذلك من خلال إعادة النظر في مجموعة من القوانين، ويمكن أن نستحضر كنموذج مدونة حماية التراث المادي واللامادي التي كانت تعود إلى سنة 1982، والتي اشتغلنا عليها لمدة سنة ونصف مع الأمانة العامة للحكومة، وأيضا قانون حقوق المؤلف لدعم المبدعين والمثقفين والمعروض اليوم على المؤسسة التشريعية، كما تلقيت دعما للاشتغال على قانون جديد للمركز السينمائي المغربي، وقانون يتعلق بوكالة المغرب العربي للأنباء. كما نجحت في إخراج القانون التنظيمي لترسيم الأمازيغية والقانون التنظيمي للغات، وإطلاق جائزة الكتاب الأمازيغي، وهي كلها إجراءات تندرج في إطار تنزيل مقتضيات الدستور.

وإجمالا كانت كل هذه التعديلات التشريعية لإثبات أن قطاعي الثقافة والاتصال استراتيجيان لتدعيم الاقتصاد الوطني والناتج الداخلي الخام.

هل كنت تجد نفس الدعم من باقي مكونات الحكومة؟

> طبعا، كان هناك انسجام تام بين مكونات الحكومة لتنزيل كل البرامج، وقد تلقيت دعما حتى من وزارة الاقتصاد والمالية لإعداد مجموعة من المراسيم، وأيضا من طرف الأمانة العامة وبقية القطاعات الحكومية التي عندها التقائية مع قطاعي الثقافة والاتصال.

الحقيقة لم تكن هناك أية عراقيل سواء من مكونات الأغلبية الحكومية أو رئيس الحكومة أو وزراء الإدارة الترابية، بالعكس كان هناك دعم واسع للمقاربة الجديدة لقطاعي الثقافة والاتصال.

لم تعش حكومة العثماني الاستقرار المطلوب حيث كان يطبعها نوع من التشرذم بين مكوناتها، هل كان ذلك ينعكس عليكم كوزراء؟

> خلال أول عامين من عمر حكومة سعد الدين العثماني لم نكن نلاحظ وجود أي تشرذم، ربما حصل ذلك في العامين الآخرين، لقد كان هناك انسجام تام بين أحزاب الحكومة ولم يحصل أي إشكال في تدبير أي نقطة.

هل كانت اجتماعات مجلس الحكومة تمر بشكل سلس؟

> طبعا، كنا نتوصل بجدول الأعمال مسبقا وكان كل وزير يتمتع بحرية في التعليق على القوانين أو المراسيم المعروضة، وأتذكر جيدا أنه لم يقع أي شنآن بين الوزراء، باستثناء الإشكالية التي طرحت بإقالة مجموعة من الوزراء على خلفية مشروع «الحسيمة منارة المتوسط»، حيث توليت آنذاك لمدة ثلاثة أشهر منصب وزير التربية الوطنية والتعليم العالي والتكوين المهني، بعد إقالة كل من محمد حصاد (وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي) والعربي بن الشيخ (كاتب الدولة المكلف بالتكوين المهني)، ووجدت صعوبات في تدبير خمسة قطاعات حكومية كبرى دفعة واحدة وهي: التربية الوطنية، والتعليم العالي، والتكوين المهني، والثقافة، والاتصال).

هل كنت تستطيع مواكبة كل الملفات المعروضة في القطاعات الحكومية الخمسة؟

> كنت أدبر تقريبا «رُبع» الحكومة (يضحك)، لقد عشت ضغطا رهيبا، وهذه مناسبة لأشكر أطر وزارة الربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي الذين ساعدوني في هذه المرحلة الصعبة، لأن تدبير خمسة قطاعات في يوم واحد لم يكن أمرا هينا، خاصة أنني كنت حريصا على أن أباشر كل الملفات في مقرات الوزارات المعنية، حيث كان برنامج عملي يبدأ في الثامنة صباحا بمقر قطاع التكوين المهني، ويستمر في العاشرة في مقر قطاع التربية الوطنية والثانية عشرة في قطاع التعليم العالي، والثانية بعد الزوال في قطاع الثقافة، والرابعة مساء في قطاع الاتصال، لقد كنت حريصا على الذهاب يوميا إلى مقرات كل هذه القطاعات الحكومية للتوقيع على مجموعة من القرارات والمراسيم والاجتماع مع المدراء لأكون فكرة على طريقة تدبير القطاعات الخمسة، لكن لا أخفيك أن هذه المرحلة كانت صعبة خصوصا على المستوى النفسي والصحي.

أي من القطاعات الخمسة التي كانت تحتاج منك جهدا خلال الأشهر الثلاثة التي قضيتها وزيرا للتربية الوطنية والتعليم العالي والتكوين المهني والثقافة والاتصال؟

> تدبير القطاعات بشكل جماعي كان مهمة صعبة جدا، لذلك لم أكن أستطيع التوقف عن العمل طيلة ثلاثة أشهر، لكن يبقى قطاع التربية الوطنية الأكثر صعوبة، بالنظر إلى عدد التلاميذ والطلبة (نحو 8 ملايين تلميذ وطالب) وعدد موظفي القطاع (حوالي 900 ألف موظف) وعدد الاعتمادات المالية المسخرة للقطاع والتي تعادل 20 في المائة من موازنة الدولة، لذلك كانت هذه الفترة الأكثر إنهاكا لصحتي ونفسيتي، لكن الحمد لله استمر هذا الوضع ثلاثة أشهر فقط، وتجاوزنا هذه المرحلة الانتقالية بسلام.

 

بشكل مفاجئ، غادرت الحكومة في التعديل الحكومي بتاريخ 9 أكتوبر 2019، لماذا تم التخلي عنك؟ وهل كنت على علم بذلك أو تمت استشارتك؟

> لم أكن على علم بأني لن أستمر في المنصب الحكومي، لكني كأستاذ للقانون وعلم السياسة كنت مقتنعا أن الوزير يمكن أن يعود في أية لحظة إلى سابق عهده، وهذه هي الحياة واستمرارية الدولة. لا يمكن للإنسان أن يتشبث بمنصب حكومي، لذلك قلت مع نفسي يكفي أني وصلت إلى منصب الوزير، ودائما أفتخر بشخصي المتواضع أنني وصلت إلى منصب حكومي لم أكن أسعى إليه في مشواري السياسي وكان كل طموحي هو أن أكون نائبا برلمانيا أو رئيس فريق أو لجنة برلمانية، لكن يكفي أنني وصلت إلى منصب وزاري وهذا في حد ذاته مبعث فخر بالنسبة إلي، لذلك اعتبرت عدم وجودي في النسخة الثانية من حكومة العثماني مسألة عادية.

هل تم إبلاغ حزبك بأنك لن تستمر في الحكومة؟

> لا لم يتم إبلاغه. خبر الاستقبال الملكي لأعضاء حكومة العثماني الثانية تلقيته من وسائل الإعلام كباقي المواطنين، وأنذاك اتصلت بالسيد الأمين العام أستفسره عن ذلك فاعتبر أن إكراهات ربما حالت دون استمراري، وشخصيا اعتبرت أن المسألة عادية ولم تؤثر في نفسيتي، فقد كنت أقول دائما إنه يكفي أنني توليت حقيبة وزارية، وأنا أعلم أن ذلك لن يستمر على الدوام.

بعد التخلي عنك، هل حصل تواصل بينك وبين رئيس الحكومة لمعرفة أسباب ذلك؟

> بعد التعديل الحكومي، دعاني السيد رئيس الحكومة إلى منزله لتوديعي، وقدم تشكراته على ما قمت به طيلة مرحلة تدبيري لقطاع الثقافة والاتصال.

اليوم وبعد مرور مسافة زمنية على مغادرتك الحكومة، هل فهمت أسباب التخلي عنك؟

> ربما الإشكالية التي طرحت أنذاك تتعلق بالتقليص من عدد المناصب الوزارية، وحصة الحركة الشعبية من الحقائب التي انتقلت من خمسة إلى اثنتين، حيث تم تعيين سعيد أمزازي ونزهة بوشارب فقط.

 

أمام انشغالاتك الكبيرة في الوزارة، هل كنت تجد الوقت لمجالسة العائلة؟

> طيلة مرحلة العمل الحكومي لم يكن لدي متسع من الوقت لأمنحه للأسرة، باستثناء يوم السبت أو الأحد الذي كنت أنتقل فيه إلى مدينة فاس لزيارة الوالدة التي لقيت ربها قبل شهر ونصف فقط، وأدعو لها بالمغفرة والرحمة، فقد كانت خير سند لي إضافة إلى زوجتي، والحمد لله أن أفراد الأسرة كانوا يتفهمون وضعيتي ويعرفون أن الإنسان عندما يخدم وطنه لابد أن يكون ذلك على حساب عائلته الصغيرة، حيث أن الاشتغال والتركيز يكون للعائلة الكبيرة.

بعد مغادرتك الوزارة، أين كانت وجهتك؟

> عدت إلى مدينة فاس، إلى الجامعة ومنزل الوالدة وأحصان العائلة، كما عدت إلى استكمال مشواري الأكاديمي والبحثي من خلال تأطير الطلبة ومناقشة مجموعة من أطروحات الدكتوراه التي كنت مشرفا عليها، كما قضيت وقتا في التحضير لانتخابات 2021 بدائرة الحسيمة.

 

خلال المرحلة التي قضيتها في الوزارة، هل انقطع تواصلك مع طلبتك بفاس؟

> منذ ظفرت بمقعد برلماني في 2007 حرصت على الاستمرار في تقديم المحاضرات بكلية الحقوق بجامعة فاس، لكن حينما توليت منصبا وزاريا اكتفيت فقط بتأطير أطروحات الدكتوراه بعدما لم يعد لدي الوقت لأستمر في إلقاء المحاضرات.

إضافة إلى إشرافك على أطروحات الدكتوراه، هل بقيت مرتبطا بالجامعة بشكل أو آخر؟

> طبعا، لقد استمررت في إنتاج مجموعة من المؤلفات وأنا وزير، حيث أصدرت مؤلفا حول «تقنيات إقامة المجلس الدستوري للقوانين التنظيمية»، وثانيا حول «حماية الحقوق والحريات في القضاء الإداري المغربي»، وثالثا حول «المستجدات الجديدة في القانون الإداري»، كما كنت حريصا على تخصيص ساعة في اليوم للبحث العلمي والتأليف في مجال تخصصي وهو القانون الإداري والدستوري.

ولا زلت أتذكر كيف أن بعض الزملاء الوزراء كانوا يسألونني عن سر التوفيق بين تدبير قطاعات حكومية وإصدار مؤلفات في مجال القانون. وبعد التعديل الحكومي في أكتوبر 2019 بقيت مرتبطا بالجامعة على مستوى تأطير أطروحات الدكتوراه ومناقشتها، ثم بدأت التحضير لانتخابات 2021، والحمد لله نجحت في الظفر بولاية رابعة، وأنا اليوم رئيس للجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب.

تاريخ الخبر: 2022-04-09 21:17:35
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 65%
الأهمية: 81%

آخر الأخبار حول العالم

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (٧)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-07 09:21:47
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 55%

الأرصاد: لاتزال الفرصة مهيأة لهطول الأمطار بعدد من المناطق السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-07 09:23:53
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 54%

القيامة‏…‏والمجد

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-07 09:21:49
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 50%

«ستاندرد آند بورز»: الاقتصاد السعودي سينمو 5 % في 2025 - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-07 09:23:49
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 65%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية