محمد الباز يكتب يوميات الاختيار (8): الخطة «وسط البلد»... كيف استعد الإخوان لحرق القاهرة إذا لم يُعلن مرسى رئيسًا؟

الجماعة خزنت كميات من الأسلحة فى شقق بالتحرير لاستخدامها فى اللحظة المناسبة

التنظيم حشد الآلاف من عناصره من أجل تدمير الدولة إذا لم يفز «الاستبن»

أثق تمامًا أننا حتى الآن لم نسمع كل شىء، ولم نطلع على كل شىء، فلا تزال الغرف المغلقة تحتفظ بأسرارها، ولا تزال كواليس الحياة السياسية فى مصر تختزن ما لا يقدر أحد على تحمله، فقد جرى كثير خلال السنوات التى تلت أحداث ٢٥ يناير، ومن يملكون الأسرار يطلعوننا فقط على جوانب منها، فليس كل ما يُعرف يُقال كما يقولون. 

كنا نعرف عن يقين أن جماعة الإخوان المسلمين تمارس ضغوطًا هائلة ليكون مرشحها محمد مرسى هو الفائز فى انتخابات الرئاسة. 

مارست الأمر بالإيحاء مرة، فعندما كان محمد مرسى ضيفًا على الإعلامى الكبير عماد الدين أديب، سأله: ماذا تفعل لو أن الفريق أحمد شفيق هو الذى فاز فى الانتخابات الرئاسية؟ رد عليه مرسى: لا.. لن يحدث هذا أبدًا. 

باستغراب أعاد عليه عماد السؤال: يا فندم أنا بأقول لنفرض أنه هو الذى فاز عليك فى الانتخابات الرئاسية ماذا ستفعل؟ فرد عليه بثقة ويقين: وأنا أقول لك إن هذا لن يحدث أبدًا.. لن يحدث. 

ومارست الأمر بالتضليل مرة أخرى، عندما خرج مرسى، وبعد الانتهاء من التصويت الذى جرى يومى ١٦ و١٧ يونيو ٢٠١٢، وأعلن فوزه فى الانتخابات الرئاسية. 

كان ما جرى مسرحية هزلية سخيفة، ففى ١٨ يونيو ٢٠١٢، وفى مقر الحملة الانتخابية لمحمد مرسى، أعلن أحمد عبدالعاطى منسق الحملة- أصبح مدير مكتبه بعد ذلك- عن أن النتائج الأولية تشير إلى فوز مرسى، وأنه حصل على ١٢ مليونًا و٧٤٣ ألف صوت، مقابل منافسه أحمد شفيق الذى حصل على ١١ مليونًا و٨٤٦ ألف صوت. 

بعد أن أعلن أحمد عبدالعاطى أرقامه، جاء الدور على محمد مرسى ليتكلم، ويومها أعلن عن نفسه بأنه أول رئيس مدنى للجمهورية، مؤكدًا أن النتائج التى أعلنت عنها حملته شبه نهائية. 

خالف محمد مرسى كل الأعراف السياسية، فما كان له ولا لحملته أن تعلن نتائج فرز صناديق لم يتم الانتهاء منها بعد، لكن الجماعة كانت تسعى إلى اقتناص اللقطة، فتثبت لدى الناس أن مرشحها هو الفائز، وأى نتيجة بعد ذلك ستكون مزورة. 

فى الحقيقة لم يخش الإخوان من تزوير الانتخابات الرئاسية، كانوا على ثقة بأن المجلس العسكرى يدير الانتخابات بنزاهة وشرف، وأنه لن يتدخل من قريب أو بعيد فى الأمر. 

وإذا سألتنى: إذن ما الذى جعل محمد مرسى يهدد بإضرام النار فى كل شىء إذا تم تغيير النتيجة؟ لماذا تحدث مع المشير طنطاوى بهذه الطريقة التى لا يتحدث بها إلا اللصوص وقطاع الطرق فى التسريب الخطير الذى جاء فى الحلقة الثامنة من مسلسل «الاختيار ٣»؟ 

سأقول لك ببساطة إن الإخوان كانوا يخافون من أمر آخر تمامًا. 

فأثناء عمليات التصويت فى الجولة الثانية وقعت مخالفات كثيرة نسبت إلى جماعة الإخوان، منها مثلًا منع قرى كاملة من الخروج للتصويت، لأن أهلها مسيحيون، وكانت الجماعة تعرف جيدًا أن المسيحيين لن يمنحوا مرسى أصواتهم، ثم إنه كان هناك اتهام واضح وصريح للإخوان بأنهم استعانوا ببطاقات مزورة فى عمليات التصويت حصلوا عليها من المطابع الأميرية. 

هذه المخالفات دفعت حملة الفريق أحمد شفيق إلى تقديم طعون، طالبت فيها بالتحقيق فى منع أهالى القرى المسيحيين من الخروج إلى التصويت، والتحقيق كذلك فى مسألة بطاقات المطابع الأميرية المزورة، وكانت الجماعة تعرف أن قبول الطعون، الذى يعنى إعادة الانتخابات فى لجان القرى الممنوعة واستبعاد البطاقات المشكوك فى أمرها، يمكن أن يغلب كفة الفريق شفيق على كفة مرشحهم، خاصة أن الفرق المعلن بينهما لم يكن كبيرًا حتى بحسابات الإخوان. 

كان تهديد الإخوان واضحًا وصريحًا، كانوا يريدون ألا يتم قبول الطعون، ورغم أن هذا الأمر كان بيد اللجنة العليا للانتخابات، فإن مرسى ذهب إلى المشير طنطاوى لينقل له الصورة، كما قال فى الفيديو المسرب، لأنه كان يريد أن يرسل تهديده مباشرة إلى الجيش، وإن كان حاول أن يفعل ذلك بخبث شديد، عندما قال للمشير طنطاوى إن هذا الأمر يفعله الناس بعفوية، فرد عليه المشير بأن كل شىء مخطط.

حاول محمد مرسى أن يصور الأمر بأن الجميع فى مصر يقفون وراء الجماعة، وأنه لو حدث تغيير فى النتيجة فإن النار ستشتعل فى الجميع، ولم يكن يعرف أن الأجهزة الأمنية رصدت كل ما تخطط له الجماعة. 

فقد انتهى المصريون من التصويت فى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ٢٠١٢ يوم الأحد ١٧ يونيو، وكان من المفروض طبقًا لما أعلنته اللجنة العليا للانتخابات إعلان النتيجة يوم الخميس ٢١ يونيو، لكنها فى اليوم السابق لإعلان النتيجة أعلنت فى بيان رسمى عن أن إعلان النتيجة سيتأجل إلى أجل غير محدد، حتى تتمكن من فحص الطعون المقدمة إليها، وقد تم إعلان النتيجة بالفعل فى ٢٤ يونيو ٢٠١٢ بعد أن رأت اللجنة أنه لا وجه لقبول الطعون. 

أمام نظر اللجنة للطعون وتأجيل إعلان النتيجة، استبقت الجماعة الجميع فأعلنت فوز مرسى، وفى الوقت نفسه دعت أعضاءها من كل المحافظات إلى التوجه إلى ميدان التحرير للاعتصام والتظاهر، والسبب، كما أعلنته وكالة الأناضول التى كانت الوكالة الرسمية للإخوان وقتها فى خبر عاجل بثته فى ٢٠ يونيو، أن القوى المعتصمة قالت إنها تهدف إلى الضغط على لجنة الانتخابات خشية حدوث تلاعب فى النتائج. 

لم يكن اعتصام الإخوان فى التحرير، الذى استمر إلى ما يقرب من السبعة أيام، سوى إرهاب واضح للجميع، وهو ما بدا فى تصريحات قيادات الجماعة، وتحديدًا محمود غزلان، المتحدث الرسمى باسم الإخوان، الذى أكد أن الاعتصام مستمر حتى تحقيق أهدافه. 

لم يكن للاعتصام إلا هدف واحد وهو إعلان مرسى رئيسًا مهما كانت النتائج التى لم يتدخل فيها أحد، فقد كان المجلس العسكرى الذى قام بالإشراف على تنظيم الإنتخابات محايدًا ويقف على مسافة واحدة من المرشحين المتنافسين. 

جذبت جماعة الإخوان إليها عددًا من القوى السياسية التى سبق وأعلنت عن أنها تقف فى جانب الإخوان، وهى القوى التى واصلت الاعتصام فى الميدان، لكن الجماعة كانت تخطط لشىء آخر، فلم يكن الميدان هو مركز الأحداث فقط، حيث قامت باستئجار عدد من شقق وسط البلد فى المنطقة المحيطة بميدان التحرير، وسعت إلى تكديس كمية من الأسلحة، استعدادًا لاستخدامها فى اللحظة المناسبة. 

شقق وسط البلد المستأجرة، والأسلحة التى تم تخزينها فيها، كشفت عنها تقارير أمنية وضعت أمام الأجهزة المسئولة، كما رصدت هذه التقارير تخطيط الإخوان لحرق القاهرة بالكامل فى حالة عدم إعلان مرسى رئيسًا. 

المفارقة أن اعتصام الإخوان فى التحرير، الذى تواجد فيه عشرات الآلاف من أعضاء الجماعة من المحافظات المختلفة، لم ينفض بعد إعلان فوز مرسى رئيسًا صباح الأحد ٢٤ يونيو، بل دعت الجماعة إلى استمرار الاعتصام بكامل قوته، وكان هدفها هذه المرة، كما أعلنت هى، الضغط من أجل تسليم السلطة، فى إشارة منها إلى أن هناك محاولات لمنع تسليم السلطة لمحمد مرسى، وهو ما لم يكن إلا وهمًا من أوهام الجماعة الإرهابية. 

لم يقف المجلس العسكرى صامتًا فى مواجهة الاعتصام والدعوات إلى استمراره، وفى بيان رسمى حذر من مغبة الخروج عن القانون والمسّ بالصالح العامة للبلاد. 

انتقد المجلس كذلك استباق إعلان النتائج النهائية الرسمية لانتخابات الرئاسة، مع التأكيد فى الوقت نفسه على موقفه المحايد فى هذه الانتخابات، وشدد على مواجهة أى محاولات للإضرار بالمصالح العامة والخاصة بمنتهى الحزم والقوة. 

لم تتعامل الجماعة- وهى عادتها- بنزاهة سياسية، وفى الوقت الذى كانت تطالب فيه وسائل الإعلام بالالتزام بنقل الحقيقة، كانت تسعى إلى خلق واقع ليس موجودًا على الأرض، وتلح على الإعلام بأن يعترف به، ففى الوقت الذى كان المجلس العسكرى يستعد فيه لتسليم السلطة بالفعل، كانت هى تحرض ضده، وهو ما ظهر فى اللافتات التى رفعها المعتصمون فى ميدان التحرير للمطالبة بتسليم السلطة. 

لقد سعت الجماعة الإرهابية، ومبكرًا جدًا، إلى صنع أزمة، وجعل المجلس العسكرى خصمًا، وحشدت أنصارها ليكونوا وقودًا فى معركة وهمية، كانت تعرف هى حدودها، وتحدد المكاسب التى ستجنيها من ورائها، وللأسف الشديد سعى خلفها كثيرون وصدقوها فى ذلك. 

تاريخ الخبر: 2022-04-10 21:20:47
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 68%

آخر الأخبار حول العالم

عاجل.. تأجيل انتخاب اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال 

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 21:26:06
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 69%

رسميا.. انسحاب اتحاد العاصمة الجزائري من مواجهة نهضة بركان

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 21:26:04
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 57%

رسميا.. انسحاب اتحاد العاصمة الجزائري من مواجهة نهضة بركان

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 21:25:56
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 67%

عاجل.. تأجيل انتخاب اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال 

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 21:26:10
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية