"هل تعرض عبد الرحمن الأبنودي لحبس حريته أم أن أعماله هى التى تعرضت لذلك؟!.. أجيب كلاهما. وستشعر بالدهشة حتماً حين أخبرك أن ذلك الشاعر الكبير والمؤثر فى الجميع حكومة وشعباً لا يزال بعض أغنياته ممنوعة حتى الآن.. كيف حدث ذلك؟ ومن ذا الذى يملك أن يحبس أغنيات "حارس الهلالية"؟َ! الإجابة ليست بهذه السهولة ولا بالسرعة التى تريدها، لأن ما نملكه من مفاجآت لا تتعلق برئيس واحد.. ولا عصر بعينه.. فالرجل الذي جاء إلى القاهرة بلا "زاد ولا ميه" هرباً من "جحيم قنا" وطمعاً في براح "مصر" لم تحاصره صرعات الفقر بمفردها ولكن غباء السلطة، أي سلطة، وربما الإهمال أيضاً"؛ بهذه الكلمات استهل الكاتب الصحفي محمد العسيري تفاصيل الأغنيات الممنوعة للشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي عبر خمسين سنة كاملة – الأغنيات التي سقطت عمداً وسهوا - والمجهولة والمنسية من تراث عبد الرحمن الأبنودي؛ والتي كشفها في كتابه المعنون بـ"الأغاني الممنوعة للأبنودي"، الصادر عن دار نشر كتابي عام 2015.

في زمن "ناصر" منعت الإذاعة أغنياته

"ياللى عاجباك الخضرة

وجمال ألوان الريف

الريف مش ناعسة وخضرة

والضلة اللى فى الصيف

وطاقية عبد الهادى

ولهجة عبد اللطيف..

الريف الناس السمرا

اللى بتشقى وبتعافر

ف البرد أبو قيد وضوافر

والصيف الحامى الكافر

عشان تعمل رغيف"

رفضت لجنة النصوص فى الإذاعة تلك الكلمات دون أن تبدي سبباً، وحسب الملحن إبراهيم رجب الذى تعرف الأبنودى إليه وعاش "الأبنودى" فى بيته بالسيدة زينب فى مستهل حياته بالقاهرة؛ أنه كان من الطبيعى أن يضعا عدداً من الأغنيات دون تحديد مطرب لها، ويقول" العسيري" إنه ربما يبدو أن مفردة "الصيف الكافر" لم تكن على هوى مدحت عاصم مدير الموسيقى بالإذاعة المصرية آنذاك، ومستشار الإذاعة المصرية، إلا أن الأبنودى نسى أغنيته -بحسب "العسيري".

"العسيري" يشير إلى أن فترة تولي الرئيس جمال عبد الناصر شهدت منع بعض الأغنيات لـ"الأبنودي" ولآخرين من شعراء جيله، مثل فؤاد حداد الذي سُجن، ومجدى نجيب أيضاً، وسمير عبد الباقي.

اللى أوله غنا.. آخره حبس

"أبيض كأنه القمر

أسمر كأنه النيل
أحمر كأنه الدم

أخضر كأنه الحنان

دافي كأنه البحر"

هذه الأغنية ايضاً لحنها إبراهيم رجب، وغنتها المجموعة لكن بعد إذاعتها لمرات قليلة رأى اللهو الخفى أن يخفيها فلم نعد نعرف مصيرها.. هذا الوصف العميق للشف ذلك الغزل فيه وفى سماته وتلك اللغة الأقرب إلى الشعر يبدو أنها لم تأت على هوى مسؤولي الإذاعة لكنها لم تجبر الخال على التوقف أو تغيير المسار.

أغنيات أخرى لـ الأبنودي" مثل "الضلاية ورا الشجراية، والناياتي التي لم تذاع سوى مرات قليلة واختفت بعدها، وأغنية السجن المحذوفة من مسلسل"على الزيبق" بعد أن غناها فاروق الفيشاوى، إضافة الى أغنيات الأبنودي التي كتبها لأحمد عدوية قبل أن يذهب الفيلم لـ"صلاح جاهين"، وغيرها من الأغنيات.