محمد الباز يكتب «يوميات الاختيار 12»: محمد مرسي عيسى العياط... هذا الذي لم يكن أبدًا رئيسًا

صورة مرسى كاستبن لم يخترعها معارضوه لكن الجماعة نفسها هى من صدّرته لنا بهذا الوصف 

صبرى فواز اقتحم عالم مرسى الحقيقى تسرب تحت جلده قرأ ملامحه وتعرف على تضاريس حالاته النفسية

يعتقد كثيرون ممن لا يتوافق هواهم مع ما يقدمه ويمثله مسلسل «الاختيار» أن صناعه ظلموا محمد مرسى عندما أظهروه بهذه الصورة الهازلة الهزيلة. 

يقولون إن هناك خطة ممنهجة لاغتيال مرسى معنويًا، وإسقاطه فى عيون الناس، رغم أنه كان قويًا وشجاعًا ومناضلًا، ويمكنك أن تضيف إلى هذه الصفات والتوصيفات ما تشاء.. فهو كلام فى الهواء، لن يحاسبك عليه أحد، ولن يراجعك فيه أحد. 

هناك صورة ألحّت جماعة الإخوان عليها لمحمد مرسى، وهى صورة سياسية لا تمت إلى الواقع بصلة، بل إن الجماعة الإرهابية كانت تعرف أكثر من غيرها حقيقة محمد مرسى، وربما لهذا توافقت على أن يكون مرشحها فى الانتخابات الرئاسية، لأنه سهل الانقياد، لا يعترض ولا يتمرد وليست له تطلعات أو طموحات شخصية. 

لكن هل كان محمد مرسى مرشح الجماعة الإرهابية فى الانتخابات الرئاسية التى أجريت فى العام ٢٠١٢؟ 

فعليًا كان خيرت الشاطر هو مرشح الجماعة، رأت فيه أنه من يصلح لتمثيلها، وأذكر أن الجماعة أخرجت المشهد بإتقان، عندما قدمت الشاطر للرأى العام على أنه الرجل الذى رفض الترشح، لكن الجماعة ألحّت عليه وحاصرته ودفعته دفعًا لأن يتولى المسئولية التى لا يمكن أن يقدر عليها غيره. 

لكن، ولأن الجماعة كانت تعرف جيدًا أن خيرت الشاطر لا يصلح من الناحية القانونية للترشح، فقد كان خارجًا من السجن ولم يحصل على رد شرف بعد، فقد استعدت ودفعت بمرشح احتياطى، حتى إذا ما تم استبعاد الشاطر من سباق الانتخابات لا تفقد الجماعة بذلك فرصتها فى المشاركة والفوز بالمنصب الذى ظلت تحلم به طوال تاريخها. 

صورة محمد مرسى كاستبن لم يخترعها معارضوه إذن. 

لم يقل بها أحد من كارهى الجماعة ورئيسها. 

ولكن الجماعة نفسها هى من صدّرته لنا بهذا الوصف. 

هى من قالت للجميع إن هذا الرجل الذى نرشحه مجرد احتياطى للمهندس خيرت. 

قد يكون منطقيًا الآن- ونحن نرى محمد مرسى ورفاقه يتحركون أمامنا على شاشة «الاختيار ٣» وكأن الأيام تعيد نفسها مرة أخرى، وكأننا عدنا بالفعل إلى تلك الفترة التى كنا شهودًا عليها- أن نسأل: 

لماذا اختارت جماعة الإخوان محمد مرسى تحديدًا ليلعب دور الاحتياطى؟ 

ثم والسؤال الأهم: لماذا قَبِل محمد مرسى أن يلعب هذا الدور؟ 

منذ دخوله جماعة الإخوان المسلمين على يد مصطفى مشهور، الذى التقى به وهو يدرس فى الولايات المتحدة الأمريكية، ومحمد مرسى يبحث عن كفيل له، لم يكن أبدًا الشخصية المستقلة التى يمكن أن تؤدى دورًا خاصًا بها، بل كان تابعًا، يقف خلف من يحميه ومن ينفق عليه. 

انتقلت كفالة محمد مرسى من مصطفى مشهور إلى محمود عزت، ثم انتقلت الكفالة من محمود عزت إلى خيرت الشاطر، الذى استقطب محمد مرسى بشكل كامل إلى جبهته، بعد أن عيّنه فى إحدى شركاته، وكان يحصل منه على راتب شهرى. 

ولك أن تتخيل أن خيرت الشاطر حتى وهو فى السجن، بعد اتهامه بتمويل ميليشيات الأزهر عام ٢٠٠٦ وتورطه فى قضية غسل الأموال التى اتهم معه فيها عدد من قيادات التنظيم الدولى للإخوان، كان يدير محمد مرسى من زنزانته. 

كان مرسى وقتها هو مسئول الملف السياسى داخل الجماعة، وكان الكل يعرف أن مرسى ليس إلا يد خيرت الشاطر فى هذا الملف، وكان لافتًا أن قرارات كثيرة يجب أن تصدر عن القسم السياسى فى الجماعة، لكن مرسى كان يؤجل البت فيها حتى يزور الشاطر فى السجن، ليحصل منه على الموافقة. 

لم يكن مرسى أكثر من خاتم فى إصبع خيرت الشاطر، ولذلك كان طبيعيًا جدًا أن يقع الاختيار عليه- فهو تابع مطيع وفى لا يستطيع أن يقدم على فعل شىء بمفرده- حتى إذا ما أصبح هو الرئيس، يكون الشاطر هو من يحكمه، وعليه يكون هو من يحكم مصر. 

أما لماذا قَبِل محمد مرسى أن يكون احتياطيًا؟ 

فالأمر أيضًا مفهوم، فتكوينه النفسى والاجتماعى يدفعه لأن يقبل أى مهمة يشعر من خلالها بأنه مهم، ولا أستبعد أن يكون محمد مرسى فكر بالفعل أنه بقبوله الترشح فى الانتخابات الرئاسية، حتى لو لم يفز بالمنصب، فإن الأمر يمكن أن يضيف إليه قيمة يفتقدها، فما بالك لو فاز وأصبح الرئيس، فقد يكون فى الأمر فرصة للتخلص من الهوان الذى يلاقيه ويشعر به داخل الجماعة. 

يعرف كثيرون ممن اقتربوا من تجربة حكم الإخوان أن محمد مرسى حاول أن يكون رئيسًا كاملًا أكثر من مرة، بل حاول أن يعمل بعيدًا عن الجماعة أكثر من مرة، لكن كل محاولاته تم وأدها فى مهدها، فقد أصر الإخوان على أنه مندوب مكتب الإرشاد فى قصر الاتحادية، وليس مطلوبًا منه إلا أن ينفذ ما تمليه عليه الجماعة فقط. 

الحلقة الثانية عشرة من « الاختيار ٣» كانت كاشفة وفاضحة، رأى المشاهدون فيها مرسى عاريًا. 

فهو دائمًا حتى وهو فى مكتبه بالرئاسة كان يجلس أمام خيرت الشاطر مثل التلميذ الذى يجلس بين يدى معلمه. 

وهو دائمًا ينصت إلى كل ما يقوله خيرت دون الاعتراض عليه، وحتى لو أبدى رأيًا يحاول فيه أن يعبّر عن وجهة نظره، يعود سريعًا لأن يكون أخًا ملتزمًا لا يخرج على قائده فى الجماعة. 

وهو دائمًا يبدو ممزقًا مشتتًا، وكأنه يقول أنا الرئيس، فلماذا أرضى بأن تعاملنى الجماعة بهذا الشكل؟ لكنه كان يصمت لأنه يعرف أيضًا أنه لولا الجماعة ما كان رئيسًا، وللدقة فإنه لولا الجماعة ما كان شيئًا على الإطلاق. 

إذا أردت دليلًا على ما أقول، فراجع المشهد الذى كان يتحدث فيه مع عصام الحداد عن الرسالة التى أرسل بها إلى رئيس إسرائيل وقتها شيمون بيريز. 

صرّح مرسى بأنه كان رافضًا أن يتم إرسال هذه الرسالة من الأساس، لكن وكما قال: الجماعة فى المكتب أصروا على رأيهم. 

معنى ذلك أنه قال ما عنده، وأبدى رأيه.. لكن لم يكن هناك أحد يلتفت لما يقوله، ولا يهتم برأيه. 

الأمر تكرر عندما كان الشاطر يطلب منه أن يكون حازمًا، وأن يكون خطابه حاسمًا بعد أحداث بورسعيد التى جرت فى يناير ٢٠١٣. 

قال مرسى للشاطر إنه يمكن للقوات المسلحة أن تعلن الطوارئ، فليس معقولًا أن يكون سبق له الهجوم على الطوارئ أيام مبارك أكثر من مرة، ثم يأتى هو نفسه ويعلن الطوارئ. 

لكن الشاطر الذى يقود الجماعة ويقوده، يقول له: إنت خايف من إيه؟.. إنت الرئيس.. الشرعية معاك والدستور معاك.. وإحنا معاك.. واللى مش عاجبه يشرب من البحر. 

يصمت مرسى ولا يكون أمامه إلا أن يقرأ الخطاب الذى أعده مكتب الإرشاد، فلم يكن مرسى إلا بوقًا للجماعة يردد ما تقوله، حتى لو كان له رأى فيه، فقد كان رأيه يخصه هو طوال الوقت. 

وعندما كان يتحدث معه خيرت فى شأن وزير الدفاع، وطلب منه أن يعود للجماعة فى أى أمر يخص الجيش أو وزير الدفاع، ولا يرد عليه إلا بعد أن ينسق مع مكتب الإرشاد، وعندما يبدى مرسى رأيه بأنه لا يريد أن يصطدم بالجيش، بل يرغب فى أن يكون وزير الدفاع معه ومع الجماعة، يقول له خيرت بوضوح: ملكش دعوة بأى حاجة هتحصل، هذا رغم أنه قال له: أنت القائد الأعلى للقوات المسلحة.. أنت الرئيس المنتخب. 

لم يكن محمد مرسى رئيسًا فى أى وقت منذ إعلان فوزه فى الانتخابات الرئاسية فى ٢٤ يونيو ٢٠١٢، وحتى خرج عليه الناس فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وطردوه من قصر الاتحادية. 

هذه قناعتى التى لدىّ ما يدعمها من وقائع كثيرة كنت شاهدًا على بعضها. 

هناك من سيرفض كل ما قلته، ويمكن للبعض أن يحتج بأن ما جرى لمرسى فى «الاختيار ٣» لم يكن إلا محاولة تشويه لرئيس تعتبره جماعته أول رئيس مدنى منتحب، ويتعامل معه الإخوان على أنه مات شهيدًا وهو يدافع عن الشرعية وهو فى المحكمة، ثم إن مرسى عندما كان يتحدث أو يخطب فى احتفالية عامة لم يكن بهذا التهافت أو الضعف أو الهشاشة التى بدا عليها. 

يمكن أن يكون هناك تناقض بالفعل بين أداء مرسى الذى شاهدناه وشهدنا عليه، وأداء الفنان صبرى فواز الذى أدى دور مرسى باقتدار. 

لكن ما لم يدركه كثيرون أن صبرى فواز اقتحم عالم محمد مرسى الحقيقى، تسرب تحت جلده، قرأ ملامحه وتعرف على تضاريس حالاته النفسية المتباينة. 

صبرى هنا لا يؤدى ما كان يدّعيه مرسى، ولكنه يؤدى ما هو تعبير عن حقيقة مرسى. 

كان مفهومًا أن يحاول مرسى الظهور بمظهر القوى المسيطر الذى لا يهتز، لأنه فى الغالب كان يبحث له عن علاج، كان يحتاج إلى تعويض نفسى للمهانة التى يراها وهو يجلس مع قيادات الجماعة الذين كانوا يديرونه وكأنه لعبة فى أيديهم، وكم كان صبرى فواز بارعًا وعبقريًا وهو يقدم لنا شخصية مرسى اللعبة الذى لم يكن أبدًا رئيسًا.

تاريخ الخبر: 2022-04-14 21:20:58
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 48%
الأهمية: 62%

آخر الأخبار حول العالم

الجيش الإسرائيلي يعلن إطلاق نار قرب الحدود المصرية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 18:07:09
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 88%

الروسيان مدفيديف وروبليف يصعدان إلى ربع نهائي دورة مدريد

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 18:07:18
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 89%

كأس أوروبا 2024.. الحارس كورتوا خارج قائمة المنتخب البلجيكي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 18:07:16
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 92%

وفاة نجل رئيس مجلس النواب الليبي في مصر

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 18:07:14
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 98%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية