بالرغم من جميع محاولات التعتيم والإنكار، إلا أن موسكو لم تتمكن في النهاية من إخفاء ما تكبدته، ولو بشكل تقريبي، من خسائر بشرية ومادية منذ بدئها هجومها العسكري في أوكرانيا، في 24 فبراير/شباط الماضي.

وقد تحدث في السياق ذاته، العديد من التقارير العسكرية والمصادر الإعلامية، عن خلافات وضعف اتصال بين الوحدات العسكرية للجيش الروسي، والتي كانت تعد وفق محللين، من أهم أسباب خسارة موسكو، لأبرز جنرالاتها وقادة جيشها.

ومع استمرار القتال، وتصريح بوتين الأخير بأن المحادثات قد وصلت إلى "طريق مسدود"، أجرت موسكو تعديلاً كبيراً على قواتها في أوكرانيا، يبدو أنها تتوقع من خلاله تغييراً في مسار المعركة، أو تخفيفاً على الأقل من حجم انتكاساتها العسكرية على ساحة القتال. حيث عين، الجنرال ألكسندر دفورنيكوف، قائداً أعلى جديداً للقوات الروسية.

وأثار هذا التعيين انتباه الجميع، بخاصة وأنه للمرة الأولى يكون لجميع القوات قائد موحد، كما أن اسم دفورنيكوف ارتبط بالحرب في سوريا، واشتهر بكونه "جزار سوريا".

دفورنيكوف.. قومي صاحب "قبضة حديدية"

أثار الإعلان عن تكليف الجنرال دفورنيكوف، قائداً للحرب في أوكرانيا، قلق كييف وداعميها وحلفائها الغربيين.

ويتمتع الجنرال البالغ من العمر 60 عاماً بخبرة عسكرية واسعة، وُصف بكونه جنرالاً من "المدرسة القديمة" التقليدية، وبأنه "قومي شديد التمسك بالأصول العرقية والوطنية الروسية"، واعتبره خبراء ومحللون "أحد أصحاب القبضة الحديدية الحقيقيين في جيله".

كما يؤمن الجنرال الروسي، بالعقائد العسكرية السوفيتية التي ترى في محو الأهداف المدنية وسيلةً لاستنفار القوات وبث الرعب في صفوف الأعداء، وفق ما أشار إليه تقرير سابق نشرته "الغارديان" البريطانية.

وبصفته ضابطاً عسكرياً محترفاً، فقد ارتقى دفورنيكوف، بشكل مطرد في الرتب منذ أن بدأ كقائد فصيل في عام 1982.

و في أواخر عام 1999 وأوائل عام 2000، قاد الجنرال الروسي، فرقة اقتحمت غروزني، عاصمة الشيشان، وزُعم أن هذه الفرقة أطلقت النار في ذلك الوقت على أي شخص رأوه. وقتل حينها آلاف المدنيين، وسويت المدينة بالأرض، فاشتهر دفورنيكوف منذ ذلك الوقت بلقب "الجزار".

وفي سبتمبر/أيلول 2015 أرسلت موسكو دفورنيكوف إلى سوريا، لدعم قوات النظام السوري التي كانت على وشك الهزيمة أمام قوات المعارضة السورية. ونفذت القوات الروسية في ذلك الوقت قصفاً واسعاً وعشوائياً على المدنيين والأحياء والمستشفيات السورية.

أما في عام 2016، عين دفورنيكوف مسؤولاً عن المنطقة العسكرية الجنوبية في روسيا، والتي تشمل شبه جزيرة القرم، والقواعد الروسية في المناطق الجورجية الانفصالية في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وكذلك دونباس.

وترجح العديد من التحليلات أن دفورنيكوف كان المخطط لاستيلاء موسكو على ثلاث سفن تابعة للبحرية الأوكرانية حاولت دخول بحر آزوف عام 2019 ، ومن ثم اعتقال 24 بحاراً أوكرانياً ظلوا محتجزين في روسيا لنحو 10 أشهر.

دفورنيكوف.. جزار سوريا

تحصل دفورنيكوف عام 2016 على تكريم باعتباره "بطل الاتحاد الروسي" عن إنجازه في سوريا. وقد اتهمه مسؤولون غربيون باتباع تكتيكات واستراتيجيات وحشية في سوريا، جعلته يستحق لقب "الجزار".

وقد أنقذ دفورنيكوف، نظام بشار الأسد، وساعده في السيطرة على مدينة حلب التي كانت معقلاً للمعارضة، ودمر المدينة وحولها إلى رماد، وقصف المنازل والمستشفيات والمناطق الآهلة بالمدنيين بلا هوادة، في الوقت الذي كانت تنفذ فيها قوات الأسد، هجماتها العسكرية على الأرض بغطاء جوي روسي.

وتغيرت معادلة الحرب منذ ذلك الوقت، في بضعة أشهر. ويرى مختصون أن دفورنيكوف يتبع النهج السوفييتي ومن ثم الروسي، في تدمير كل شي، لأجل تحقيق الهدف.

وحسب ما جاء في تقرير لشركة "إيروورز Airwars" التي تراقب حملات القصف الجوي في سوريا والعراق وليبيا، فإن حوالى 25 ألف مدني سوري قُتلوا في الغارات الجوية الروسية بين سبتمبر/أيلول 2015 ومارس/ آذار 2022.

لماذا دفورنيكوف في أوكرانيا؟

انطلاقاً من خبرته الواسعة، ومن الانتصارات التي حققها في غروزني وحلب، كلف الجنرال دفورنيكوف بقيادة الحرب في أوكرانيا.

ووفق ما صرح به مسؤول أمريكي لصحيفة واشنطن بوست، فإن "قبل تعيينه، لم يكن هناك قائد عسكري موحد لجميع القوات الروسية، وغرقت بذلك موسكو في أخطاء عسكرية ومشاكل لوجستية. وقد يتغير هذا الافتقار إلى التماسك في ظل قيادة دفورنيكوف".

وفي هذا السياق، فقد تحدث العديد من التقارير، عن أن غياب قائد موحد لجميع القوات، كان سبباً في مختلف المشاكل اللوجستية والتنسيق بين الوحدات، التي نجمت عنها خسارة بشرية كبيرة، كان من بينها جنرالات بارزون.

وعلى الصعيد ذاته، ترجح وكالات الاستخبارات الغربية، أنه بعد فشل موسكو في السيطرة على كييف، وانسحابها من ضواحيها، ربما قد تركز جهودها في الفترة القادمة على السيطرة على جنوب وشرق أوكرانيا، وبالتالي فإن دفورنيكوف قد يكون الخيار الأمثل، حيث إنه يتمتع بخبرة واسعة في هذه المنطقة.

وتعليقاً على هذا التعديل، قال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان: "لا يمكن لتعيين أي جنرال أن يمحو حقيقة أن روسيا واجهت بالفعل فشلاً استراتيجياً في أوكرانيا.. هذا الجنرال بالذات لديه سيرة ذاتية تتضمن وحشية ضد المدنيين في ساحات أخرى في سوريا. ويمكننا توقع المزيد من السلوك ذاته في هذه الساحة".

TRT عربي - وكالات