شهد عدد من المدن الفرنسية يوم السبت مظاهرات واسعة رافضة للخيار الذي وضعهم أمامه الدور الثاني من الرئاسيات، بين ماكرون "رئيس الأغنياء" ولوبان زعيمة اليمين المتطرف، إذ رفع المتظاهرون شعارات "لا ماكرون، لا لوبان"، وحذَّروا من مغبة السنوات الخمس القادمة تحت حكم أحدهما.

قبلها عرف الأسبوع الذي سبق المظاهرات تحركاً طلابياً لا يقلّ عنها زخماً، إذ عمد الطلاب إلى إعلان إضراب والاعتصام في الجامعات بعد إغلاقها، معبّرين عن رفضهم للثنائي الرئاسي المرتقَب، فيما كان ردّ المرشحين الاستخفاف بمطالب الطلبة، واعتبارهم "جهلاء" بمبادئ الديمقراطية.

ويرفض هذا القطاع الواسع من الفرنسيين الاختيار بين ماكرون ولوبان، لاعتبارهم أن برامج المرشحين لا ترقى إلى الاستجابة إلى تطلعاتهم الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، ولما يرون فيه ابتزازا سياسياً لماكرون، بوضع نفسه طرفاً لمعادلة الطرف الآخر فيها اليمين المتطرف. كما تبقى ملفات الفساد التي تحوم حول المرشحين، هي الأخرى أحد أبرز الأسباب التي تجعل الناخب الفرنسي أمام خيارات صعبة.

ماكرون في قلب فضيحة "ماكينزي"

قُبيل إجراء الدور الأول من الانتخابات الفرنسية في 24 من الشهر الجاري، فجَّر الإعلام فضيحة مدوية يقع في قلبها الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون وحكومته، في ما عُرف بـ"ماكينزي غيت". وبدأت أطوار القضية بعدما كشف البرلمان الفرنسي عن تقرير حول اللجوء المكثَّف لأفراد الحكومة الفرنسية إلى الشركات الاستشارية الأجنبية، مثل شركة "ماكينزي" الأمريكية، عوض نظيراتها المحلية.

هذه الشركات التي تستفيد بقدر كبير من أموال دافعي الضرائب الفرنسيين، في المقابل تتهرب "ماكينزي" ومثيلاتها من دفع ما عليها من ضرائب للدولة الفرنسية. وأظهر التقرير أن النفقات التي خصّصها بعض الوزارات الفرنسية في مجال الاستشارة ارتفعت من 379.1 مليون يورو في 2018 إلى 893.9 مليون يورو في 2021.

وحصلت "ماكينزي" من هذه الميزانية على ما يقارب 500 مليون يورو، لكن المريب في القضية أن عدداً من مستشاري الشركة الأمريكية عملوا لدى حملة إيمانويل ماكرون سنة 2017 مجاناً، مما دفع عدداً من المراقبين إلى التساؤل عما إذا كانت تلك الاستشارات المجانية التي تلقاها الرئيس ثمناً للـ500 مليون يورو التي جنتها الشركة خلال ولايته.

وكشف تقصي جريدة لوموند وراء حسابات الشركة الأمريكية في فرنسا، أنها لم تدفع إلا 175 دولاراً ضريبة سنوية منذ اشتغالها بالبلاد على مدار السنوات العشرين الماضية. وقالت منظمة "أوكسفام" غير الحكومية إن "ماكينزي" اتبعت استراتيجية محكمة للحيلولة دون دفع ضرائب كثيرة على نشاطاتها في فرنسا. فعلى سبيل المثال أدخلت بعض النفقات المتعلقة بالإدارة العامة في خانة حسابات الشركة.

لوبان واختلاس الأموال العامة

من جانب آخر كشف تقرير لمكتب مكافحة الاحتيال التابع للاتحاد الأوروبي "أولاف"، منتصف مارس/آذار الماضي، فضيحة اختلاس أموال عامة بطلتها المرشحة الرئاسية وزعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان، عندما كانت نائبة أوروبية في ما بين 2004 و2017.

وتبلغ قيمة الأموال التي اختلستها زعيمة اليمين المتطرف التي رصدها "أولاف" نحو 140 ألف يورو، فيما عيّن كذلك اختلاسات لثلاثة نواب أوروبيين آخرين من المحيط الضيق للوبان، هم والدها جان ماري لوبان، ورفيقها السابق لويس أليوت، وبرونو غولنيش عضو المكتب الوطني لمجموعة "أوروبا للأمم" البرلمانية الأوروبية. وبلغ إجمالي الأموال التي اختلسها الأربعة أكثر من 617 ألف يورو.

وخلص مكتب مكافحة الاحتيال التابع للاتحاد الأوروبي إلى أن "سلوك الأعضاء الأربعة السابقين في البرلمان الأوروبي (جان ماري لوبان، وبرونو غولنيش، ومارين لوبان، ولويس أليوت) عرّض سمعة مؤسسات الاتحاد للخطر". وأردف في تقريره بأن "أفعالهم المتعمدة المتكررة على مدى عدد من السنوات [...] وسلوكهم غير اللائق، مع مراعاة مستوى واجباتهم ومسؤولياتهم في البرلمان الأوروبي، تشكّل أسباباً كافية لسوء السلوك الجسيم من جانب هؤلاء النواب الأربعة السابقين. إن سلوكهم وعدم امتثالهم للقواعد يعني أنه ينبغي محاسبتهم على انتهاكاتهم الجسيمة".

وأوصى المرشحة الرئاسية الفرنسية بإعادة هذه المبالغ، محوّلاً تقريره إلى المحكمة الفرنسية المختصة بالجرائم المالية. وقرّر النائب العامّ الفرنسي تحليل المعطيات التي يُدلي بها التقرير، وفتح تحقيق ضد المرشحة الرئاسية إذا ما ثبت له تورُّطها في ذلك.

وإعلامياً، كان تحقيق لموقع ميديابارت الفرنسي أول ما كشف عن تقرير "أولاف"، وفضح شبهات الفساد التي تحوم حول مارين لوبان، التي استنكرت على لسان محاميها "استغلال الموقع الإعلامي لفترة الانتخابات في نشر تحقيقه"، كما شكّكَت في مصداقية المكتب الأوروبي لكون "الطريقة التي يدير بها تحقيقاته تمسّ بشكل كبير سيادة القانون العامّ".

TRT عربي