قانون فاتن أمل حربى


شهر رمضان المعظم فيه الكثير من السمات الروحانية والاجتماعية والثقافية التى تكون تقاليد دائمة، أكثرها جمالا ما يجرى فى مصر المحروسة. لفت نظرى مقال فى صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» أنه أضاف صفة أخرى لما سبق وهى أنه شهر المسلسلات المصرية، ذاكرا سبعة منها تذاع هذا العام. عدت بالذاكرة إلى فترات كان المسلسل فيها إذاعيا عن ألف ليلة وليلة مصاحبة بفوازير تبقى المستمعين على قدم وساق طوال الشهر ومن بعده الانتظار حتى تظهر النتيجة. تغير الأمر كثيرا بعد ذلك عندما أتى التليفزيون أبيض وأسود فى البداية ثم بعد عقد تقريبا صار الجهاز العجيب ملونا ومصحوبا بمسلسلات وفوازير استقرت فى الذاكرة بقصصها الملحمية والراقصة. مع مرور السن وكثرة المشاغل أصبح الانتقاء واجبا وهو ما أصبح ما بين أربعة أو خمسة مسلسلات كاملة الدسم وخالية من الإعلانات. وللحق فإنه خلال العامين الأخيرين سجلت تقدما كبيرا يضاف إلى قوة مصر الناعمة بحق، وبالتأكيد فإن مسلسل الاختيار مس أوتارا كثيرة خاصة مع معايشته لتاريخ معاصر عاشته أغلب الأجيال المصرية الحالية فى الحرب ضد الإرهاب والانتصار عليه. ما لفت نظرى هذا العام أن الاختيار ركز حتى الآن على فترة حكم الإخوان وبداية الثورة عليهم، وكان باعثا على الفخر الدور الذى لعبته الصحافة المصرية خاصة صحف المصرى اليوم والوطن واليوم السابع فى تسجيل الأحداث بالصوت والصورة، وما خلقته من أرشيف أعطى العمل الفنى كثيرا من الغنى والتأثير. مسلسل الكبير الكوميدى خلق نوعا من التلامس الضاحك بين العصر الذى نعيش فيه بمفرداته التى فرضتها التكنولوجيات الجديدة فى العيش، وما هو خارج من تقاليدنا ولغتنا من أصول مدهشة.

لكن المسلسل الذى يفتح أعيننا على الواقع المصرى الراهن فهو فاتن أمل حربي, وربما مع بعض التمعن فإنه يضع أقدامنا أمام بوابات ما نسميه الجمهورية الجديدة التى تهل علينا يوميا واضحة ناصعة بمنشآتها ومشاريعها وإنجازاتها الملموسة، ولكن لا يظهر منها إلا القليل فيما يتعلق بالتشريعات والقوانين المنظمة لحياة البشر وعمل الخلق. هذا النوع من «السوفت وير» هو فى النهاية الذى يعطى الجديد فى الجمهورية نكهة التقدم ومسيرته العظمى لأن فيه تستقر العدالة وتقوم الرحمة ويستقر الشمول الأخلاقي. الخطاب كما هو واضح من عنوانه يبدأ بفاتن ربما لاستعادة ذكرى فاتن حمامة وفيلمها الشهير «أريد حلا» فلا تزال المعركة مستمرة، ولكنه بعد ذلك يمزج الأمل فى الإصلاح من خلال القانون بالحرب من أجل العدالة. القصة كما هو معروف وشائع فى الحياة العامة تدور حول الطلاق، والعلاقة بين الرجل والمرأة، وحدود الحياة بالنسبة للموظف (أو الموظفة فى هذه الحالة) العام والمحكومة برواتب ضئيلة. كل حلقة من حلقات المسلسل تبدأ بواقعة لمنطق العلاقة العنيف بين الزوج والزوجة القائم على السطوة من الرجل، والتحدى من المرأة، وفى كل الأحوال لا يوجد لا وصل ولا وصال. الحالة فيها الكثير من التفاصيل التى تنسج الحياة المصرية عن المدرسة والشهر العقارى والمحكمة وعالم المحاماة والقضاة. الغنى فى الحالة الناجم عن كاتب موهوب – الأستاذ إبراهيم عيسى– متعدد الوجوه ولكنه يحمل رسالة واحدة قوامها سؤال: من أين تأتى النصوص الشرعية لكى تقف وراء النص التشريعى الذى يحرك حياة البشر فى الواقع؟ السؤال قديم قدم كاتب الفلسفة السياسية أفلاطون الذى وضعه فى السطور الأولى لكتابه العمدة القوانين حينما سأل الأثينى – أظنه سقراط – الغريب عن مصدر القانون، وهل هو الإله أو البشر؟

السؤال الملح جاء على لسان فاتن أمل حربى بإلحاح وبحدة لا تقبل الهروب ولا الدوران حول عما إذا كان هناك نص قرآنى واضح وصريح وراء العلاقة بين الزوج وزوجته والولاية على نسلهم بنات وأبناء فى وقت صار فيه الطلاق بائنا؟ لاحظ هنا أن العلاقة تحدث فى عصرنا وزمننا هذا حيث بات تعليم الأطفال من أبناء الطبقة الوسطى ليس محدودا بالمقررات الدراسية، وإنما شامل للرياضة والمسابقات والتعلم الصحيح للدين، وقراءة القرآن، والموسيقى أيضا. الانتقادات الموجهة للمسلسل تضىء تماما المرحلة الحساسة التى نعيشها من التطور المصرى، فما يأتى فى الهجمة الشرسة التى يتعرض لها على صفحات الصحف أحيانا، وعلى أدوات التواصل الاجتماعى فى كل الأوقات، هو فكرة السطوة والهيمنة والإخضاع والعنف إذا لزم الأمر والإذلال فى كل الأحوال تحت راية التقاليد والقيم والثوابت. المسلسل هنا "يهدد التماسك الاجتماعي" لأن تتبع خطوات البطلة – نيللى كريم الرائعة - وجماعتها المساندة بقيادة "ميسون" – القديرة هالة صدقى – تأخذ بيدنا إلى "الاختيار" الذى لا يقل خطورة عن كل اختياراتنا الأخرى، وهو هل تبقى أمور دنيانا كما هى عليه من ظلم وقسوة، أم أن هناك طريقا آخر نحو تقدم المصريين يقوم على المواطنة و"التحرير" والحق فى الاختيار الذى يصل بالقضية إلى أعتاب المحكمة الدستورية العليا؟

إذا كان المسلسل يقوم بدور اجتماعى حقا، وهو يفعل ذلك، فإنه ليس عملية فنية ممتعة فحسب، وإنما تبشير بما تستحق الجمهورية الجديدة أن تكون عليه من العدالة والإنصاف. الرسالة موجهة إلى المؤسسات التشريعية فى البلاد – مجلسى النواب والشيوخ – أن ترتقى إلى مستوى المسئولية الكبرى لما يجرى ذكره بين أروقتها فى كثير من الأوقات عن الجمهورية الجديدة، بحيث يأتى الحديث عن الجديد فى هذه الجمهورية حينما تقوم على تشريعات جديدة تشكل ثورة تشريعية فى مجملها. صحيح أن الشائع فى مصر هو أنه لا يوجد فى القانون زينب للدلالة على أن القانون يمثل القاعدة وليس الأشخاص؛ ولكن الحال هو كذلك بالنسبة لقانون فاتن أمل حربى التى تصرخ فى انتظار الجديد الذى يناسب عصرا عظيما قادما.

* نقلا عن " الأهرام"

تاريخ الخبر: 2022-04-21 21:16:59
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 89%
الأهمية: 89%

آخر الأخبار حول العالم

36 رياضيا في فريق اللاجئين بأولمبياد باريس

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 21:26:19
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 54%

36 رياضيا في فريق اللاجئين بأولمبياد باريس

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 21:26:14
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 60%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية